العلاّمة الحلي فريد عصره، وحيد دهره، بحر العلوم والفضائل ومنبع الأسرار والدقائق.
هكذا كان العلامة الحلي، وهكذا وُصف، هو جمال الدين أبو منصور يوسف بن زين الدين علي بن محمد بن مطهر الحلي (٦٤٨- ٧٢٦هـ) من كبار فقهاء وعلماء ومتكلمي الشيعة الإمامية في القرنين السابع والثامن هجري.
لقّب بالعلّامة، تقدم في علومه وسما فيها، اشتهر بعلمه الموسوعي وبغزارة تأليفه، وقد جسد مرحلة مفصلية في تاريخ الفكر الشيعي، ونصر المذهب، فكان منبراً حرّاً ينطق باسم الحق حتى أضحى رائداً من رواده، ومدافعاً عتيداً عن المذهب في زمن تكالبت عليه قوى النفاق، فقضى عمره في إحياء الدين.
كان له موقع متميز ومكانة سامية بين علماء الشيعة، فنال الكثير من المدح والثناء والذكر الطيب، وحاز على محبة الناس ممن عاصروه ومن المتأخرين عنه إلى يومنا هذا، فقصده الناس من كل حدب وصوب.
حين نتكلم عن نشأته، نجد انه (رضوان الله عليه) قد نشأ في بيت الزعامة العلمية والدينية في كنف والده الذي كان أحد كبار علماء عصره، إلى أن اعتبر أعلم أهل زمانه في الفقه والأصول، وأيضاً خاله الفقيه الشيخ نجم الدين أبو القاسم جعفر بن سعيد بن يحيى الهذلي.
جلس مجلس التلميذ منذ صغره، حيث أحضر له والده معلماً، إلى أن تتلمذ على يد كبار العلماء، نذكر أستاذه العلامة الخواجة نصير الدين الطوسي الذي درس على يده العقليات والرياضيات والذي قال فيه: عالم إذا جاهد فاق.
أيضاً الحكيم المتأله كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني صاحب شروح نهج البلاغة، ومن أساتذته أيضاً بهاء الدين علي بن عيسى الأربلي صاحب (كشف الغمة).
قيل عنه في رجال ابن داود: شيخ الطائفة وعلاّمة وقته، صاحب التحقيق والتدقيق كثير التصانيف، انتهت رئاسة الإمامية إليه في المعقول والمنقول.
وقال عنه الشهيد الثاني في إجازته للسيد علي الصائغ: شيخ الاسلام ومفتي فرق الأنام، الفارق بالحق للحق، جمال الاسلام والمسلمين، ولسان الحكماء والفقهاء والمتكلمين جمال الدين .
ونقل عن المحقق الكركي حيث قال في اجازته لعلي بن عبد العالي الميسي: شيخنا الشيخ الامام شيخ الاسلام مفتي الفرق، بحر العلوم، أوحد الدهر شيخ الشيعة بلا مدافع جمال الملة والحق والدين .
درس العربية والأدب والفقه والأصول والكلام والتفسير والمنطق والطبيعيات، وكانت له العديد من المناظرات مع علماء العامة، وكانت له قوة البرهان والتأثير الحق ما أدى إلى تشيع العديد منهم.
اشتهرت تصانيفه شهرة واسعة، وكان لها الموقع الأهم والتي لا تزال مصدراً للمعارف الإسلامية، فهو صاحب مدرسة لاتزال آثارها واضحة حتى اليوم، حتى أطلق عليه لقب (صاحب التصانيف).
وجاء في (سفينة البحار: 734): اشتهر العلامة بذكائه المفرط وفطنته المرهفة، وحضور جوابه، وقوة حجته، وسعة أفقه ووعيه، كما اشتهر في زهده وعبادته واخلاصه، ويروى عنه في ذلك ما يشبه الأساطير، أما في التصنيف فكان اعجوبة في القدرة على التأليف واستحضار المحفوظ من العلوم، أعجوبة في كثرة التأليف وصفه مترجموه فقالوا: "كان في أسفاره يؤلف وهو راكب".
توفي في مدينة الحلة عن عمر يناهز 77 سنة ودفن في النجف الأشرف في حجرة إيوان الذهب جانب المنارة الشمالية في الصحن العلوي، وقبره يزار إلى يومنا هذا، كانت حياة العلامة حافلة بالعطاء، لم تكن حياة عادية بل كان نبراساً للمعارف، حتى أضحت أنموذجاً في إحياء الدين والشريعة الحقة.
أعجبني
تعليق