آداب الاستئذان آداب مهمة، شرعها الله في كتابه العزيز، وشرعها رسوله الكريم محمد (صل الله عليه وآله وسلم)، لذا ينبغي على الانسان أن يهتم بها؛ لكونها تدل على حياء صاحبها وشهامته وتربيته وتكريمه عن رؤية ما لا يجب ان يراه عليه الناس، او سماع حديث لا يحل له ان يسترقه دون معرفة المتحدث، لذا علينا اليوم ان نربي ونغرس في اطفالنا هذا الخلق الرفيع، وهو خلق اداب الاستئذان، ولذا سنتحاور في هذا المجال مع الباحثة الاجتماعية المتخصصة أم باقر العارضي:ـ
- ما مفهوم اداب الاستئذان؟
الباحثة الاجتماعية:ـ الاستئذان من الآداب العظيمة التي جاء بها الاسلام، وهذا الادب الرفيع يحفظ للنفس البشرية استقلالها وحرمتها، ويجلب لها الراحة والاطمئنان. كما يدل هذا الادب الرفيع على حياء صاحبه وشهامته وحسن تربيته وعفته ونزاهة نفسه وتكريمها عن روية ما لا يحب .
اما الاستئذان في اللغة: هو طلب الاذن والاباحة، وهنا يكون الاستئذان: طلب الاذن في الدخول الى مكان لا يملكه المستأذن، قد يكون دخولا الى بيت او مجلس او التصرف في متاع معين او حتى ابداء رأي في قضية او سماع حديث... وحينما نتأمل آيات القرآن الكريم نجد أن سورة النور المباركة ذكرته، وبينت ان الاستئذان نوعان هما:
استئذان الاجانب بعضهم على بعض: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)) (النور/27). واللطيف ان القرآن جاء بعبارة تستأنسوا وليس تستأذنوا؛ لما في هذه الكلمة من معان عظيمة بدخول الانس والطمأنينة لأهل البيت الداخل عليه بالاستئذان المشوب باللطف والجمال والسلام، فإن أذن له يدخل وإلا يرجع، كما يقول القرآن الكريم: ((وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)).
أما استئذان الاقارب بعضهم على بعض: ((أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ۚ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ))، وهنا الامر بالاستئذان من قبل الخدم والاطفال.
اذن، لا يخفى ما في هذه اللفتات القرآنية من اهتمام الاسلام بتربية الاولاد اجتماعيا وتكوينهم سلوكيا واخلاقيا حتى اذا بلغوا سن الشباب كانوا نماذج رائعة للشباب الواعي العفيف الكامل في ادبه وتصرفه وخلقه واتزانه.
- ما هي فوائد اداب الاستئذان؟
الباحثة الاجتماعية: ان لوجود الانسان بعدين: بعد فردي وبعد اجتماعي، وله نوعان من الحياة حياة خاصة وحياة عامة، ولكل واحد منهما خصائصها وآدابها.
والانسان يضطر في حياته في البيئة الاجتماعية الى تحمل قيود كثيرة من حيث اللباس والحركة وغير ذلك، ومواصلة حياته على هذا النسق 24 ساعة يكون أمرا متعبا ويبعث على الضجر والملل، لهذا يرغب في ان يكون حرا ومرتاحا خلال فترة من الليل والنهار يستريح منها بعيدا عن هذه القيود مع اهله واسرته واولاده.
الله سبحانه وتعالى يقول: ((وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا)) (النحل: 80)، وسمى المسكن سكنا؛ لأنه محل الارتياح والسكينة والاطمئنان والاستقرار الذي يأوى اليه الانسان بعد طول عناء وتعب ليستريح جسده وتتجدد طاقته لاداء رسالته في الحياة.
وقد جعل الله (عز وجل) لهذه البيوت حرمة ولدخولها آدابا لا يجوز انتهاكها، ولم يسمح لأحد ان يفاجئ احدا في بيته بالدخول عليه بلا استئذان، لهذا اذا ادبنا الطفل وعودناه على آداب الاستئذان منذ الصغر، فسينشأ سليم الصدر طاهر النفس، وتتحول هذه العادة الى ملكة كريمة في نفسه يقدرها الناس ويحبونه لأجلها؛ لأنهم يثقون به وبعفته وامانته وكرامته فتكون له شخصية متميزة لها سلوك اجتماعي خير، وبذلك فاننا نساهم في صنع جيل يحفظ الحرمات ويتورع عن القبائح والمنكرات.
- ما هي افضل الطرق لتعليم الأبناء آداب الاستئذان؟
الباحثة الاجتماعية:ـ الطفل ومنذ ان يعي لا يحتاج الى اعطائه دروسا في الاستئذان وكيفيته، بل يكفي هنا سلوك الابوين امامه؛ لأنهما أعظم قدوة في حياته وسلوكهما اكثر واعمق اثرا من مئات المحاضرات والتدريبات، فإذا نشأ الطفل وسط اسرة تحترم آداب الاستئذان، فانه لا يحتاج الى ان يتعلمها من احد؛ لأنها ستكون جزءا من شخصيته؛ لأنه سيكتسب ذلك بالتقليد والمحاكاة، لذا من اراد ولدا ملتزما متحليا بهذا الادب الرفيع لابد ان يراعيه هو في بيته حتى مع اولاده كي يأخذوا هذا عنه، ولا يجدوا حرجا في الالتزام به لاحقا.
- ما هي انعكاسات اداب الاستئذان على الابناء؟ وما هي نصائحكم فيما يخص محورنا؟
الباحثة الاجتماعية: الاستئذان له أهمية ودور كبير في منح الطفل عندما يكبر الشخصية الاجتماعية المميزة ذات السلوك العفيف والخير، ولا شك ان غياب هذه الثقافة والادب من حياة الابناء أمر خطر جدا؛ لأنه قد يوقعهم في مواقف غير جيدة تجعلهم يختزنون في شعورهم بعض الخبرات السيئة والصور غير الطيبة التي تؤثر في سلوكهم واتزانهم العاطفي والاجتماعي في كبرهم، فإهمال الاباء لهذا الادب في تربية الابناء يؤدي الى مشكلات اسرية نفسية واجتماعية واخلاقية خطيرة، فهذا تنظيم رب العباد وهو العليم الخبير بما ينفعهم ويصلحهم، لذا لا ينبغي الاستهانة به .
لذا لابد أن نعلم اولادنا ونبين لهم أن الالتزام بهذا الادب الرفيع دليل تدين الشخص وعفته وطهارته وذوقه المتميز، والقرآن الكريم وآهل البيت (عليهم السلام) عندما طرحوا لنا هذا الادب وحببوا لنا الالتزام به انما ليرشدونا الى كيفية انضاج ثمار حياتنا وهم اطفالنا بشكل صحيح والمحافظة على براءتهم وطهارتهم وصفائهم وجمال ارواحهم.