طرقت علي الباب في رؤيا ، قمت مرتبكا من هذا الذي يقدم علي في هذه الساعة؟ ، فتحت الباب واذا انا امام رجل هيبة يحمل سمات وقار مذهل ، تحسه من رجالات الحرب ومن قادة اهل الفكر ، قلت :ـ اهلا سيدي الكريم اهلا بك في رؤياي ، فقال انا مررت لاحقق لك امنيتك التي تمنيت بها ان تلتقي رجلا من رجالات الحسن بن عليعليه السلام ، لتحتفي بلقائه في ذكرى استشهاده عليه السلام ، يبدو انه احس بمحنتي ، فقال اناقيس بن سعدبن عبادة ، فرحت به كثيرا :ـ سيدي انت غني عن التعريف ، انا اريد قراءة علمية موضوعية للظروف الاجتماعية تؤدي بنا الى نتائج أقرب الى الصواب للحكم على مواقف صدرت من الامة؟ فقال :ـ ان ماحصل هو مرتكز من مرتكزات عاشوراء ، نصرة امام معصوم تحتاج ايمانا وولاء وتضحية ، سألت :ـ الحيرة هي ان الكوفة خبرت عدالة ابيه ومزايا عدله من مساواة وأمن اجتماعي، ومحاربته للطبقية والتمييز والطغيان، وبشكل عام؛ تحكيم منظومة القيم والمبادئ التي غابت عن الامة منذ رحيل رسول الله، صلى الله عليه وآله.فما الذي جعل الامام الحسن، عليه السلام، يبقى وحيداً في الميدان أمام معاوية ويضطرلقبول الهدنة ؟ ، اجابني القائد قيس بن سعد :ـ
الطبيعة العسكرية لمدينة الكوفة منذ أن وجدت في صدر الاسلام كحامية للجيش الاسلامي، تركت بصماتها على أهلها، فكانت خليطاً غير متجانساً من الفئات الاجتماعية والامزجة والمستويات في التفكير، كانت عبارة عن وحدات عسكرية تتدخل السلطة الحاكمة دائماً في توزيعه مناطقياً واجتماعياً، حيث تقوم، وحسب ما تراه مناسباً بضم بعض الوحدات – وهي القبائل- الى بعضها في تكوين اجتماعي يشترك في الارض، يشرف عليه مسؤول معين من قبل السلطة.وكان هناك إصرار على إبقاء الطابع العسكري لأهل الكوفة، وعدم تحولها الى حاضرة للعلم والثقافة، إنما تبقى حامية عسكرية تنجب المقاتلين المحترفين، ولذلك كان يمنع في زمن الخليفة الاول لاي رجل منهم ان يعمل في التجارة او الزراعة ،أبعد أهل الكوفة عن الحالة الايمانية التي يفترض ان تكون عند أي مسلم، وقربتهم الى الطاعة العمياء للقائد العسكري، فانجبت مجتمعات غريبة ؛ الخوارج واصحاب الدين القشري، وأهل المطامع والغنائم، وأهل العصبيات القبلية والجاهلية، الى جانب الشيعة الموالون بأيمان عميق لأهل البيت، عليهم السلام. لكن تبقى القضية بحاجة الى ايمان عال بقضية حكم المعصوم ، كتب عبيد الله بن عباس الى الامام الحسن، : "و أعلم أن عليّاً أباك ، إنما رغب الناس عنه إلى معاوية أنه آسى بينهم في الفيء ، وسوَّى بينهم في العطاء فثقل عليهم"، اجابه مولاي الحسن عليه السلام
:ـ واناالتزم النهج الذي سار عليه أبيه أمير المؤمنين سلام الله عليه ،
قلت :ـ وهل ترفض المجتمعات العربية العدل والمساواة ؟ اجابني :ـ والى يومكم هذا والا كيف يعتبر حكم معاوية عام الجماعة ورسموا صورا منمقة له بينما هو الحاكم الذي يقول لشعبه : "بأني ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا، ولكن قاتلتكم لتأمر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون، ألا واني كنت منّيت الحسن وأعطيته أشياء وجميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها له".
هذه الصلافة في الخطاب السياسي كانت مقصودة من معاوية لأهل الكوفة تحديداً ليكرّس مفهوماً سياسياً جديداً في الامة غير معهود سابقاً، وهي أن الشرعية السياسية والدينية للأقوى، فلا مكان للمبادئ والقيم، ومن اراد العيش بسلام عليه تبني هذا المفهوم وجعله نصب عينيه، بل والمادة الاساس لتفكيره.وبه كرس
سنّة السبّ والشتم لشخص أمير المؤمنين على المنابر طيلة سبعين عاماً، فيما كان يشكل الحديث عن فضائله، عليه السلام، جريمة يعاقب عليها القانون الأموي بالسجن او النفي او القتل.
قلت :ـ يبدو لي ان من هذه النقطة بالضبط بدأ دور الإمام الحسن، عليه السلام، ، في إشعال فتيل ثورة ثقافية في الامة تسلب الشرعية الدينية من معاوية، فعقب لي القائد قيس :ـ بعد أن سُلبت منه الشرعية السياسية في الساعات الاولى من الهدنة التي كانت بمنزلة اليد التي أماطت اللثام عن الوجه الحقيقي لمعاوية وما يكنه من عداء للدين ورموزه، وإلا كيف يتسنّى لشخص مثل معاوية الالتزام بشروط مثل: العمل بكتاب الله وسنّة رسوله، أو أن يكون أصحاب علي وشيعته آمنين على انفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، وأن لا يقصد الحسن ولا أخيه الحسين، ولا أهل بيت رسول الله، بأي سوء... كما جاء في نصّ معاهدة الهدنة؟ وهذا الذي ترك المجال
لاصحابه الخلّص في الكوفة، مثل حجر بن عدي الكندي وصعصعة بن صوحان العبدي وسليمان بن صرد الخزاعي وآخرين، ان يحاربوا في جبهة أشدّ ضراوة في الكوفة لما اتسمت به من شدّة الرفض والمعارضة، مقابل شدّة الخذلان والانصياع للباطل، فكانوا يؤالبون الناس على الحكم الأموي بنشر فضائل أمير المؤمنين، وينهون عن السب والشتم له، ويدعون الناس لعدم الصلاة جماعة خلف الولاة الامويين، وكان هذا اكثر ما يشكوه، المغيرة بن شعبه، والي معاوية على الكوفة.
امتثلوا للولاء عن قناعة كاملة بما يحمل من قيم ومبادئ تجعله يضحي من أجلها بكل ما يملك، وهذا ما يعجز عنه حكّام الجور والاستبداد على طول الخط، وإنما معاوية هو المثل الأعلى في التاريخ الاسلامي، وقد مضى، ثم اقتفى أثره الحكام في عهد بعد آخر، و حقبة بعد آخرى، حتى يومنا هذا، وكلما تراجع منسوب ذلك الايمان والثقافة الاسلامية الحقيقية، كلما تمكنت الثقافة السلطوية من التحكّم بالمصائر وتوجيه الامة الى ما تشاء.
بيد أن هذا الكلام البتّار هو الذي دفع بمعاوية لأن يغتال الامام الحسن، عليه السلام، بالسمّ ليضع حدّاً نهائياً لمعركته الخاسرة، فهو ملك كرسي الحكم بقوة السيف، كما ملك أبدان الناس بالمال، لكن خسر عقولهم ومشاعرهم، فتحولت الكوفة من تلك الحامية العسكرية التي أريد أن تكون مربضاً للمقاتلين المحترفين والقتلة المأجورين، الى منطلق للثورات العاصفة التي تسببت في تقويض الدولة الأموية، بل استمرت مع ظهور الدولة العباسية.
قلت للقائد سعد ما قضية السم ؟
فقال لي :ـ : لم تكن قضية السم جديدة فقد كانت هناك محاولات عديدة لكن هذا السم طلبه معاوية من ملك الروم على ان يكون من السم القتال ، فرفض ملك الروم على اساس انه لايصلح في دينه الاعانة على قتال من لايقاتلهم فكتب إليه معاوية إن هذا ابن الرجل الذي خرج بأرض تهامة، وقد خرج يطلب ملك أبيه، وأنا أريد أن أدس إليه من يسقيه ذلك فأريح العباد والبلاد منه، ووجه إليه بهدايا وألطاف فوجه إليه ملك الروم بهذه الشربة التي دس بها ، قلت :ـ سيدي ربما اراد ان يشرك بقتله ملك الروم ليخرج القضية الى عالميتها ، دعني سيدي لاستثمر الفرصة واسأل وما قضية جعدة ؟ فاجابني
: «بذل معاوية لجعدة بنت الأشعث الكندي وهي ابنة أم فروة عشرة آلاف دينار وأقطاع عشرة ضياع من سقى سورى وسواد الكوفة على أن تسم الحسن عليه السّلام ،
:ـ وقضية المدفن
اجاب القائد قيس بن سعد :ـ ان القضية متوقعة
ولم يشك مروان ومن معه من بني أمية أنهم سيدفنونه عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فتجمعوا له ولبسوا السلاح، فلما توجه به الحسين عليه السّلام الى قبر جده رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ليجدد به عهداً أقبلوا اليهم في جمعهم ولحقتهم على بغل وهي تقول: مالي ولكم أتريدون أن تدخلون بيتي من لا أحب، وجعل مروان يقول: يا رب هيجا هي خيرٌ من دعة، أيدفن عثمان في أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ لا يكون ذلك أبداً، وأنا أحمل السيف، وكادت الفتنة تقع بين بني هاشم وبين بني أمية، فبادر ابن عباس الى مروان فقال له: ارجع يا مروان من حيث جئت، فانا ما نريد دفن صاحبنا عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لكنا نريد أن نجدد به عهداً بزيارته، ثم نرده إلى جدته فاطمة فندفنه عندها بوصيّته بذلك، ولو كان أوصى بدفنه مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلمت أنك أقصر باعاً من ردنا عن ذلك لكنه عليه السّلام كان أعلم بالله وبرسوله وبحرمة قبره من أن يطرق عليه هدماً كما طرق ذلك غيره ودخل بيته بغير اذنه.
.
وقال الحسين عليه السّلام: والله لو لا عهد الحسن الي بحقن الدماء وأن لا أهريق في أمره محجمة دم، لعلمتم كيف تأخذ سيوف الله منكم مآخذها، وقد نقضتم العهد بيننا وبينكم وابطلتم ما اشترطنا عليكم لأنفسنا، ومضوا بالحسن عليه السّلام فدفنوه بالبقيع عند جدته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ـعليها سلام الله ،فقام وقال السلام عليك سيدي ومولاي الحسن بن علي عليكما سلام الله ورضاه الى ابد الابدين وترك لي رؤياي ورحل بامآن الله وحفظه
&&.