نعم، ماء ظمآن من شدة العطش، ذاك هو نهر الفرات الذي كان يتشوق لملاقاة شفاه المولى أبي الفضل العباس (عليه السلام)، ليرتوي من تلك الشفاه الذابلة من حرارة الظمأ، كان قلبهُ الزاكي كصالية الغضا من شدة العَطَش، لكنه أبَى الارْتِواء منه، بعد أن ملأ كفيه، وفاءً وإخلاصًا لعطش أخيه أبي عبد الله (عليه السلام)، وعطش الصبيَّة والنسوة، فدفعتهُ عزة النفس، وسمُو الذات إلى رمي الماء من يدهِ، ومواساتهم في هذهِ المحنة الحازبة.
ودار هذا الحوار بين أبي الفضل العباس ونهر الفرات، كان الفرات يرجو من أبي الفضل أن يغترف منه غرفة؛ كي يتشرف أمام مياه الكون بأنه روى ظمأه والنساء والأطفال، قال الفرات:
يا مولاي، هذا نهري وقد بلغ من الطول عتيا، هو عذب بارد، سأهبه بأسره لحرم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ارو عطشك يا مولاي.. وأملأ قربتك، وامضِ واروِ عطش النساء والأطفال..
رمى أبو الفضل الماء من يده، أبت نفسه الكريمة أن تذوق ماء الفرات قبل النساء والأطفال وقال:
وعدت ابنة أخي أن أجلب لها الماء وكذلك الأطفال والنساء، والذي نفسي بيده لن أذوق ماءك قبلهم..
حتى قضى نحبه قرب نهر الفرات عطشانا.. وفاءً لأخيه وحرم رسول الله...
كأني بالفرات ينادي العباس: السلام عليك أيها العبد الصالح المطيع لله ولرسوله ولأمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام) السلام عليك ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه وعلى روحك وبدنك، أشهد وأُشهِدُ الله أنك مضيت على ما مضى به البدريون والمجاهدون في سبيل الله، المناصحون له في جهاد أعدائه، المبالغون في نصرةِ أوليائه.
هكذا نادى الفرات عندما جثا عند ضريح ساقي عطاشى كربلاء.