تويت
هل أصبُّ لك الماء؟ نظر إليّ الحاج وهو يبتسم، قلت مع نفسي: (الله يستر) يا حاج هل ثمة أمر؟
قال: ما تعني كلمة صبّ؟
قلت: عجيب ليست هناك مفردة في العالم لا تتحول بين يديك إلى موضوع، وقلت مع نفسي: دعنا نستفيق؛ فالصب يعني سكب الماء دفعة واحدة. عقّب الحاج: جيد، ولهذا يقال صبّه في القالب، ولا يقال سكبه فيه، لأن ما يصب في القالب يكون دفعة واحدة؛ بينما السكب هو الصب المتتابع، ولهذا يقال فرس سكب إذا تابع الجري، ومنه قوله تعالى: (وماء مسكوب) الواقعة: 56.
برهة صمت أخذها الحاج ليباغتني بقوله: ما معنى السفوح؟ برهة صمت حتى عادت بي الذاكرة إلى كل ما درسته وقرأته في حياتي، ثم استوقفتني فكرة... فقلت: دم مسفوح لأن الدم يا حاج يخرج من العروق خروجا سريعا. فصاح الحاج:ـ جميل ولهذا قيل سفح الجبل لأن السيل يندفع إليه بسرعة، لكن هل تستطيع أن تعرف ما يعني (الهمول)؟ قلت مع نفسي: عليّ أن أبحث في اشتقاقات الكلمة، فتوصلت إلى: همَلَ الدمع أي سال من غير مانع، ويذهب إلى كل الجوانب دون نسق. صاح الحاج: جيد إيها الإعلامي الرائع وبهمس، قال: وما يعني (الهَمْر)؟ قلت: أعتقد أنّه كثرة سيلان الماء. فقال الحاج: جيد... استنتاجات في قمة الروعة، ولهذا يا بنيّ يقال: همرَ في كلامه إذا أكثر منه، والرجل المهمار يعني المهذار الثرثار كثير الكلام، وهمس في أذني ثانية: وما تعني كلمة (الهطْل)؟ قلت: هذه سهلة يا حاج، وتعني دوام السيلان، ويبدو أني تشجعت على مديح الحاج وعلى مسامع المسافرين، وقلت مع نفسي: لأتعمق مع الموضوع ولذلك قلت: اسمعني يا حاج، لا أعتقد أن جميع الاستنتاجات اللغوية الواردة في الكتب صحيحة من حيث تفسير المعنى. فقال الحاج: هذا الكلام صحيح يا بني، ولكن هل لديك برهان؟ قلت: يا حاج لو لم أملك البرهان لسكت. فقلت: أجبني عن مفردة السكينة؟ قال: حسب التفسيرات اللغوية ترى أن السكينة مفارقة الاضطراب عند الغضب والخوف، وأكثر ما جاء في الخوف أنظر قوله تعالى: (فأنزل الله سكينته عليه) فالسكينة هيبة. قلت: والوقار؟ قال: لا يكون إلا هيبة. قلت: حاج أريد تفسيرا واضحا في تفسير معنى السكينة، فهذا تفسير غامض؟ قال: فسّره اللغويون بأنها هيئة نفسية تنشأ من أطمئنان الأعضاء، والوقار هيئة بدنية تنشأ من ثبات القلب. قلت: حاج دعني أشرح لك وأنا أشجع نفسي بنفسي (سبع) لا تخشَ شيئا... فقلت: ماذا لو عكسنا الفرق؟ قال الحاج: كيف قلت السكينة هيئة نفسية، والوقار هيئة بدنية؟ فقال: هل الحالة مزاجية لتفسرها حسب مزاجك أم لديك دليل مقنع على عملية القلب؟ قلت: نعم... ركز معي في قوله تعالى: (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين) ألا ترى أنه تعالى قد جعل القلوب ظرفا للسكينة، ومحطة لها، ولنتأمل قوله تعالى في آية أخرى وهو يخاطب أزواج النبي (ص): (وقرْن في بيوتكن) أي سكونهن في البيوت، وعدم خروجهن وتبرجهن، فصاح الحاج: جيد يا ولدي جيد أيها الإعلامي الرائع....