أثر لقمة الحرام في وضاعة الانسان... من سير الطالحين
حسنالهاشمي
يا لهامن تعاسة ليس بعدها تعاسة، الإنسان يعلم بأن الدنيا فانية، وهي قنطرته إلى الآخرة،وهي دار امتحان وابتلاء محفوفة بالمخاطر والهلكات، وأن الله تعالى يعطي المحسن احساناولو بمقدار مثقال ذرة ويركس المسيء بسيئاته ولو بمقدار مثقال ذرة، ويعلم أن الله قدأزلف الجنة للمتقين وبرّز الجحيم للغاوين، تراه يعلم كل هذا وتطاوع الكثير منهم أنيطرق أبواب الحرام والشبهة ليوقع نفسه في المهالك المردية، إلا ما رحم ربي من عبادالله الصادقين، فإنهم يترفعون عن الحرام ترفعهم عن الذنوب والمعاصي والآثام، وإنهمعلى يقين بأن الدنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب وفي الشبهات عتاب، تراهم يسعونفي حلاله عن حرامه وشبهاته طمعا بجنته ورضوانه.
والانسانالسوي يعلم قبل غيره ان المال الحرام والطعام الحرام والشراب الحرام كله له أثر وضعيعلى الانسان سواء كان ذلك الأثر في جسمه او في سلوكه او يقع على ابنائه او مستقبلهاو حياته، فعلى سبيل المثال ان عملية شرب الخمر عليها عقوبة إلهية وأثر أُخروي ولكنهبنفس الوقت نجد لعملية شرب الخمر أثر في الدنيا يظهر من خلال السلوك غير المنضبط لشاربالخمر مما يؤدي به الى فقدان عقله وفقدان السيطرة على اراداته وشعوره، ويقوم بارتكابالمعاصي والتعدي على الغير ومن دون تحفظ، وذلك بسبب شربه للخمر.
وهكذابالنسبة الى عملية السرقة فلها اثار جزائية في الآخرة، ولها عقوبة في الدنيا في محاكمالقضاء ان أُلقي القبض على السارق، بالإضافة إلى أن اثر السرقة يبقى وصمة عار على جبينالسارق، فان المال المسروق سوف يترك اثرا في بناء جسم السارق وأجسام من يعيلهم من الحراممما قد يؤدي بذلك السارق وعائلته بآثار وضعية تنعكس على سلوكهم من خلال إثارة ميولهمورغباتهم في الاعتداء والسرقة والانحراف، وعدم قبول الحق، وترك النفس تخوض في الأهواءوالارزاء دون مراقبة ومحاسبة، وها هو شريك بن عبد الله النخعي قد وقع في شراك لقمةالحرام وما أعقبها من تأثيرات سلبية على جسده وروحه ومعنوياه.
كانشريك من فقهاء القرن الثاني الهجري المعروف بالزهد والعبادة والعلم، وكان الخليفة المهديالعباسي راغبا في ان يوليه منصب القضاء، ولكنه كان يرفض تسلمه لأنه يعلم ان في ذلكمساعدة للظالم، كما ان الخليفة كان يريده ان يعلم اطفاله وكان شريك يرفض ايضا، وفييوم من الايام ارسل المهدي الى شريك وقال له: لابد ان تجيبني الى واحدة من ثلاث: اماان تتولى القضاء او تحدث ولدي وتعلمهما او تأكل معنا اكلة، ففكر شريك فقال ان الاكلةاخفهن علي، فامر المهدي الطباخ بإعداد الوان الطعام الشهية، فلما فرغ شريك من طعامهقال القيم على المطبخ: لن ينجو الشيخ بعد هذه الاكلة ابدا!.
وفعلافلم تمض مدة طويلة حتى ولي منصب القضاء وصار معلما لأولاد الخليفة، وصار له راتب منبيت المال، وفي يوم من الايام حدث نزاع بينه وبين خازن بيت المال حول درهم مغشوش وجدهشريك في مرتبه، فأعاده الى الخازن طالبا تبديله، فتعجب القائم على بيت المال وقال له:انك لم تبع برا - وهو يقصد ان راتب شريك يبلغ الف درهم فكيف لم يترفع عن هذا الدرهمالمغشوش، فقال له شريك: بلى لقد بعت اكبر من البر، لقد بعت ديني.
الطامةالكبرى أن يكون الفقيه المتضلع بعلوم الشريعة والتفسير والمتبحر في النقليات والعقلياتتراه لا يزال يتسافد وينحدر إلى أن يطرق أبواب السلطان الجائر، بل يصبح من أعوانه وحاشيتهومن المبررين لطيشه ومجونه وظلمه، هكذا تفعل لقمة الحرام فعلتها بالإنسان فتجعله تابعابعد أن كان متبوعا وتصيره عبدا بعد أن كان سيدا، وتراه يتسكع على أبواب السلاطين وأرادالله تعالى له العزة والسؤدد، ولو أنه اتقاه وخشيه لألزم الله تعالى السلاطين بأن تستلهممنه الحكمة والرشاد، وأنه لا يأبه لهم سوى أن يرشدهم طريق الصواب ويهديهم سبل النجاة.
وأهمالأمور التي نستنتجها من تلك القصة المعبرة ما يلي:
1ـ منيتقي الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن لا يتقيه حتى لو كان ظاهرا منالعلماء، فإنه يتحرى المال من الظلمة لأن ثقته بالله معدومة.
2ـ لقمةالحرام بما لها من آثار وضعية دنيوية، وبما أنها تتغلغل في دم وعروق الإنسان، يتطبعصاحبها على الحرام فتنقلب عنده الموازين ليرى الباطل وحقا والحق باطلا.
3ـ الجشعوالطمع ملازمان لطالب الدنيا فإنه يراها الملاذ لملذاته والطريق السهل للوصول إلى مايصبو إليه من دنياه التي أبهرته زبرجها فانقاد إليها بكل وجوده ومراميه.
4ـ أتعسشيء في الوجود أن يبيع الإنسان آخرته ودينه لدنيا غيره، والعلاقة بين الطغاة وأتباعهمعلاقة نفعية قائمة على العطاء المتبادل وإلا فالقصاص في الدنيا والبراءة في الآخرةهو مصيرهم أجمعين.
5ـ فلينظرالإنسان إلى طعامه لأن له الأثر البالغ في تكوينه، فلقمة الحلال تنتج الأطايب من الرجالولقمة الحرام توقع الهامات في الهلكات.
6ـ لقمةالحرام تسهل الطريق مشرعا لارتكاب المعاصي والذنوب والمفاسد، على العكس من لقمة الحلالفإنها توصد الباب أمام إغواءات الشيطان وتكون سببا في توفيقه في الدنيا ونجاته في الآخرة.
7ـ منأراد عزا بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعته، لقمة الحلالهي عز الطاعة بينما لقمة الحرام هي نفسها ذل المعصية، فأين العز من الذل؟!.
8ـ فمنزُحزح عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز، لقمة الحلال تزحزح الانسان عن النار وتدخله الجنةوذلك هو الفوز العظيم، على العكس مما ينتظر صاحب اللقمة الحرام من ذلة في العيش وخزيفي المآب، ذلك هو الخسران المبين.
حسنالهاشمي
يا لهامن تعاسة ليس بعدها تعاسة، الإنسان يعلم بأن الدنيا فانية، وهي قنطرته إلى الآخرة،وهي دار امتحان وابتلاء محفوفة بالمخاطر والهلكات، وأن الله تعالى يعطي المحسن احساناولو بمقدار مثقال ذرة ويركس المسيء بسيئاته ولو بمقدار مثقال ذرة، ويعلم أن الله قدأزلف الجنة للمتقين وبرّز الجحيم للغاوين، تراه يعلم كل هذا وتطاوع الكثير منهم أنيطرق أبواب الحرام والشبهة ليوقع نفسه في المهالك المردية، إلا ما رحم ربي من عبادالله الصادقين، فإنهم يترفعون عن الحرام ترفعهم عن الذنوب والمعاصي والآثام، وإنهمعلى يقين بأن الدنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب وفي الشبهات عتاب، تراهم يسعونفي حلاله عن حرامه وشبهاته طمعا بجنته ورضوانه.
والانسانالسوي يعلم قبل غيره ان المال الحرام والطعام الحرام والشراب الحرام كله له أثر وضعيعلى الانسان سواء كان ذلك الأثر في جسمه او في سلوكه او يقع على ابنائه او مستقبلهاو حياته، فعلى سبيل المثال ان عملية شرب الخمر عليها عقوبة إلهية وأثر أُخروي ولكنهبنفس الوقت نجد لعملية شرب الخمر أثر في الدنيا يظهر من خلال السلوك غير المنضبط لشاربالخمر مما يؤدي به الى فقدان عقله وفقدان السيطرة على اراداته وشعوره، ويقوم بارتكابالمعاصي والتعدي على الغير ومن دون تحفظ، وذلك بسبب شربه للخمر.
وهكذابالنسبة الى عملية السرقة فلها اثار جزائية في الآخرة، ولها عقوبة في الدنيا في محاكمالقضاء ان أُلقي القبض على السارق، بالإضافة إلى أن اثر السرقة يبقى وصمة عار على جبينالسارق، فان المال المسروق سوف يترك اثرا في بناء جسم السارق وأجسام من يعيلهم من الحراممما قد يؤدي بذلك السارق وعائلته بآثار وضعية تنعكس على سلوكهم من خلال إثارة ميولهمورغباتهم في الاعتداء والسرقة والانحراف، وعدم قبول الحق، وترك النفس تخوض في الأهواءوالارزاء دون مراقبة ومحاسبة، وها هو شريك بن عبد الله النخعي قد وقع في شراك لقمةالحرام وما أعقبها من تأثيرات سلبية على جسده وروحه ومعنوياه.
كانشريك من فقهاء القرن الثاني الهجري المعروف بالزهد والعبادة والعلم، وكان الخليفة المهديالعباسي راغبا في ان يوليه منصب القضاء، ولكنه كان يرفض تسلمه لأنه يعلم ان في ذلكمساعدة للظالم، كما ان الخليفة كان يريده ان يعلم اطفاله وكان شريك يرفض ايضا، وفييوم من الايام ارسل المهدي الى شريك وقال له: لابد ان تجيبني الى واحدة من ثلاث: اماان تتولى القضاء او تحدث ولدي وتعلمهما او تأكل معنا اكلة، ففكر شريك فقال ان الاكلةاخفهن علي، فامر المهدي الطباخ بإعداد الوان الطعام الشهية، فلما فرغ شريك من طعامهقال القيم على المطبخ: لن ينجو الشيخ بعد هذه الاكلة ابدا!.
وفعلافلم تمض مدة طويلة حتى ولي منصب القضاء وصار معلما لأولاد الخليفة، وصار له راتب منبيت المال، وفي يوم من الايام حدث نزاع بينه وبين خازن بيت المال حول درهم مغشوش وجدهشريك في مرتبه، فأعاده الى الخازن طالبا تبديله، فتعجب القائم على بيت المال وقال له:انك لم تبع برا - وهو يقصد ان راتب شريك يبلغ الف درهم فكيف لم يترفع عن هذا الدرهمالمغشوش، فقال له شريك: بلى لقد بعت اكبر من البر، لقد بعت ديني.
الطامةالكبرى أن يكون الفقيه المتضلع بعلوم الشريعة والتفسير والمتبحر في النقليات والعقلياتتراه لا يزال يتسافد وينحدر إلى أن يطرق أبواب السلطان الجائر، بل يصبح من أعوانه وحاشيتهومن المبررين لطيشه ومجونه وظلمه، هكذا تفعل لقمة الحرام فعلتها بالإنسان فتجعله تابعابعد أن كان متبوعا وتصيره عبدا بعد أن كان سيدا، وتراه يتسكع على أبواب السلاطين وأرادالله تعالى له العزة والسؤدد، ولو أنه اتقاه وخشيه لألزم الله تعالى السلاطين بأن تستلهممنه الحكمة والرشاد، وأنه لا يأبه لهم سوى أن يرشدهم طريق الصواب ويهديهم سبل النجاة.
وأهمالأمور التي نستنتجها من تلك القصة المعبرة ما يلي:
1ـ منيتقي الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن لا يتقيه حتى لو كان ظاهرا منالعلماء، فإنه يتحرى المال من الظلمة لأن ثقته بالله معدومة.
2ـ لقمةالحرام بما لها من آثار وضعية دنيوية، وبما أنها تتغلغل في دم وعروق الإنسان، يتطبعصاحبها على الحرام فتنقلب عنده الموازين ليرى الباطل وحقا والحق باطلا.
3ـ الجشعوالطمع ملازمان لطالب الدنيا فإنه يراها الملاذ لملذاته والطريق السهل للوصول إلى مايصبو إليه من دنياه التي أبهرته زبرجها فانقاد إليها بكل وجوده ومراميه.
4ـ أتعسشيء في الوجود أن يبيع الإنسان آخرته ودينه لدنيا غيره، والعلاقة بين الطغاة وأتباعهمعلاقة نفعية قائمة على العطاء المتبادل وإلا فالقصاص في الدنيا والبراءة في الآخرةهو مصيرهم أجمعين.
5ـ فلينظرالإنسان إلى طعامه لأن له الأثر البالغ في تكوينه، فلقمة الحلال تنتج الأطايب من الرجالولقمة الحرام توقع الهامات في الهلكات.
6ـ لقمةالحرام تسهل الطريق مشرعا لارتكاب المعاصي والذنوب والمفاسد، على العكس من لقمة الحلالفإنها توصد الباب أمام إغواءات الشيطان وتكون سببا في توفيقه في الدنيا ونجاته في الآخرة.
7ـ منأراد عزا بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعته، لقمة الحلالهي عز الطاعة بينما لقمة الحرام هي نفسها ذل المعصية، فأين العز من الذل؟!.
8ـ فمنزُحزح عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز، لقمة الحلال تزحزح الانسان عن النار وتدخله الجنةوذلك هو الفوز العظيم، على العكس مما ينتظر صاحب اللقمة الحرام من ذلة في العيش وخزيفي المآب، ذلك هو الخسران المبين.
تعليق