إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سيكولوجيا الإشاعة م.د خديجة حسن علي القصير

تقليص
X
تقليص
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سيكولوجيا الإشاعة م.د خديجة حسن علي القصير


    انتشرت في مجتمعاتنا العديد من الظواهر الإجتماعية والتي ليست بالمستحدثة، وإنما جزء من نسيج الثقافات البشرية، ومن هذه الظواهر الإشاعة، فهي ليست بغريبة على المجتمع، وإنما وليدته، وتعبر تعبيرا عميقاً عن ظروفه النفسية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.. ولذلك تعد المفتاح الذهبى لدراسة المجاهل العميقة لهذا المجتمع وتحديد ملامحه وخصائصه.
    وفي الإشاعة يقول ابن منظور: شاع الخبر في الناس يَشِيع شَيْعًا وشَيَعانًا ومَشَاعًا وشَيْعُوعَة، فهو شائع: انتشر، وافترق، وذاع، وظهر. وأشاعه هو، وأشاع ذكر الشيء: أطاره، وأظهره(1).
    وفي الاصطلاح يعرفها د. مختار التهامى بأنها: "الترويج لخبر مختلف لا أساس له من الواقع أو تعمد المبالغة أو التهويل أو التشويه فى سرد خبر فيه جانب ضئيل من الحقيقة، أو إضافة معلومة كاذبة أو مشوهة لخبر معظمه صحيح أو تفسير خبر صحيح والتعليق عليه بأسلوب مغاير للواقع والحقيقة؛ وذلك بهدف التأثير النفسي فى الرأى العام المحلي أو الإقليمي أو العالمي أو القومي؛ تحقيقاً لأهداف سياسية أو اقتصادية أو عسكرية على نطاق دولة واحدة أو عدة دول أو على النطاق العالمى بأجمعه(2).
    وكما أوردت، فإن الشائعة ليست بحديثة عهد، حيث يعد إبليس أول من روج للإشاعات الكاذبة تحت مسميات براقة وتغطيتها بأطر شفافة، ومسميات حسنة لتحسين القبح، فقد دخل على آدم وحواء كليهما (عليهما السلام) من باب تحبه النفوس، وهو باب الخلد فى الدنيا والملك فيها قال تعالى: "فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخَالِدِينَ (20) وقَاسَمَهُمَا إنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن ورَقِ الجَنَّةِ ونَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وأَقُل لَّكُمَا إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ"(3).
    وحتى أنبياء الله (عليهم السلام) لم يسلموا من هذا المرض الاجتماعي، وخير مثال نبي الله موسى (عليه السلام)، حيث أشيع عنه بأنه لديه مرض في جسده، وبرأ الله سبحانه وتعالى موسى مما اشاعه عنه بنو اسرائيل في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا"(4).
    وما نلاحظه اليوم في مجتمعاتنا من التبعات السلبية لظاهرة الإشاعة على كافة الأصعدة السياسية، وما تؤديه الى نشوب الحروب والأزمات الدولية وتبعات اقتصادية بإشاعة بسيطة يتم الترويج لها، تجد اقتصاديات أقوى الدول يتعرض للانهيار، فضلاً عن التأثير الشخصي للإشاعة في نفسية المعني بها، حيث تبدأ عادة بكلمة صغيرة، ثم يزيدها الناس من هنا وهناك، ومع اختلاف الناس وثقافاتهم وقدراتهم العقلية والعلمية في الضبط والتحمل والأداء للكلام، تنبت الشائعة وتتغيَّر الكلمة، وتؤدي الى انهيار اشخاص وتدميرهم بلا ادنى سبب يذكر..!
    ونحن كمسلمين علينا الابتعاد عن هذه الظاهرة، ومواجهتها في المجتمع قدر الإمكان، فديننا الحنيف أرسى قواعد الألفة والتآخي بين الناس، وينكر على المسلم ان يكون (قوّالاً) يكثر الكلام بشؤون الناس، ويتناول أسرارهم: "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً"(5)، وخير ما نختم به مقالنا أبيات من الشعر، جاء فيها:
    لسانَك لا تذكرْ به عورة امرئ ... فكلك عوراتٌ وللناسِ ألسنُ
    وعيناكَ إنْ أبدتْ إليك معايبا ... فدعْها وقلْ يا عينُ للناسِ أعينُ
    وعاشرْ بمعروفٍ وسامحْ من اعتدى ... ودافعْ ولكن بالتي هي أحسنُ
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
    (1) ابن منظور، محمد بن مكرم (ت:711هـ)، لسان العرب، دار صادر، بيروت، 1979، مادة شاع.
    (2) فاخر عقل: معجم علم النفس،القاهرة، 1985م، ج4، ص99.
    (3) سورة الأعراف، الآية: 20- 21 .
    (4) سورة الأحزاب، الآية: 69 .
    (5) سورة الإسراء، الآية: 36.​
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...