.................................................. .
غريبةٌ هي قصة الحسين ع،فهو ليس فقط النور الخامس من أصحاب الكساء،ولم يكن اسمه فقط من الأسماء المكتوبة على ساق العرش،ولم يكن نورا من عالم الأنوار،ولم يكن ممن دعت باسمه الأنبياء فقط،بل كان ممن حفظ رسالة السماء وأكمل تبليغها‘فقد تجلّت فيه خلُقُ النبي محمد ص،وأدب علي ع وجلال فاطمة ع.
ثورة الإمام الحسين عليه السلام نموذج من الثورات الفريدة في تاريخ البشرية، في أهدافها، ومبادئها، ونتائجها، وقادتها، وشهدائها...، ولهذا فقد أرسى دم الإمام الحسين عليه السلام وأهله وأصحابه في يوم عاشوراء مبادئ مواجهة الظلم والظالمين لكلّ الأمم والأجيال مهما غلت التضحيات، وقلّ العدد والعُدّة والعَتاد، وهذا ما جعل كلّ يوم عاشوراء وكلّ أرض كربلاء. وإنّ الإصلاح الذي أعلنه الإمام الحسين عليه السلام واعتبره شعاراً وهدفاً لها وافتداه بدمه الزكيّ، يعني حفظ الدين، واستمرار نهج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار عليهم السلام، وقد أشار إليه عليه السلام في سياق وصيّته لأخيه محمد بن الحنفيّة، بقوله: "... وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومن ردّ عليّ هذا، أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين"1، فإنّ الإصلاح المقصود هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كلّ جوانب الدين والحياة، وقد تحقّق ذلك من خلال النهضة العظيمة التي قام بها عليه السلام فكانت الهداية لهم دينيّاً ومعنويّاً وإنسانيّاً وأُخرويّاً بشهادته وبركات دمه الطاهر(1).
لذلك اعتبرت واقعة عاشوراء منذ عدّة قرون مضت رمزاً ليوم صراع الحق والباطل، ورمزاً ليوم الفداء والتضحية في سبيل الدين، ففي هذا اليوم واجه الإمام الحسين بن علي عليهما السلام بفئة قليلة ولكن مؤمنة وصابرة وتتحلى بالعزّة والصلابة والعظمة جيش حكومة يزيد على كثرة عدده وكمال عدته، ولكنه كان مجرداً من الدين والرأفة، وجعل من كربلاء ساحة للبطولة والحرية، ومع أن يوم عاشوراء كان يوماً واحداً من الصراع إلاّ أنّ نطاق تأثيره امتد إلى الأبد، ودخل في أعماق الضمائر والقلوب حتّى صارت العشرة الأولى من محرم وخاصة اليوم العاشر منه فرصة تبرز فيها ذروة المحبة والولاء لعلم الحرية، وأسوة الجهاد والشهادة الحسين بن علي عليهما السلام، حتى أن غير الشيعة يبجّلون سمو أرواح أولئك الرجال العظام.
من البديهي أن الحسين بن علي (عليه السلام) لو كان بقى في المدينة وبلّغ الأحكام الإلهية ومعارف أهل البيت (عليهم السلام) لتربّت جماعة على يديه؛ لكنه عندما يتجه إلى العراق لأجل القيام بواجب، فانه سوف يُحرم من كل هذه الأعمال؛ من تبليغ الاحكام الإلهية للأُمة وبيان معارف أهل البيت (عليه السلام) وتعليم وتربية المسلمين، ولن يكون بإمكانه أن يُعلّم الناس الصلاة وأن ينقل إليهم أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله)، وبالطبع سوف تتعطل حوزته العلمية ونشره للمعارف، وسوف يحرم من تقديم العون للايتام والمساكين والفقراء في المدينة. كل واحده من هذه الامور كانت وظيفة يقوم بها الإمام (عليه السلام) قبل تحركه بإتجاه العراق؛ ولكنه جعلها جميعاً فداء للوظيفة الأكثر أهمية، وحتى انه ضحى بحج بيت الله في سبيل التكليف الأعلى. كما يتناقل الخطباء والمبلغون هذه القضية على السنتهم. وكان هذا في وقت شرعت فيه الناس بالوفود إلى بيت الله الحرام. فماذا كان ذلك التكليف؟ لقد كان - كما عبر هو (عليه السلام) - مواجهة الجهاز الحاكم الذي هو منشأ الفساد:«أُريد ان آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي». أو كما قال في خطبة أُخرى وهو في طريقه:«أيها الناس إن رسول الله قال: من رأى سلطانا جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله... فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله ان يدخله مدخله."
فغريبٌ أمر ذاك الإمام ع الذي وقف في صحراء نينوى في يوم عاشوراء وحيداً بعد أن قُتل أهل بيته وأصحابه ونادى في صحراء كربلاء"ألا من ناصرٍ ينصرني" والناس حوله لا يسمعون لكنّ نداء الحسين ع اخترق دائرة الزمان والمكان فكان نداؤه كنداء جدّه ابراهيم ع حينما وقف على صخرة الكعبة وأذّن في الناس بالحج،كان ابراهيم وحيدا إلا أنّ نداءه الإلهي وصل الى قلوب الملايين من الناس،فترى الملايين يذهبون الى بيت الله الحرام لتلبي نداءه،وكذا الحسين ع كان وحيداً في ندائه ليدخل في قلوب المؤمنينن ليولّد فيها حرارةً لا تنطفئ أبدا،وفي كل عام تتهافت الملايين الى بيته لتحيي ذكرى عاشوراء(2).
درس الحسين بن علي (عليه السلام) درس خالد، لا ينبغي نسيانه؛ ينبغي فهمه بشكل جيد؛ ينبغي خلال الحديث [عن عاشوراء] وقراءة مجالس العزاء وذكر المصائب تفهيم نقطة الفداء وتضحية الإنسان من اجل دين الله وفي سبيل الله، حتى لا يخرج هذا الدرس من أذهاننا أبدا في كل زمانٍ وحين.
فالسلام على الحسين وعلى علي من الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين عليهم السلام سلاماً مُتّصلاً ما اتّصل الليل والنهار..
المصادر:
1- موسوعة عاشوراء /المؤلف حجة الإسلام و المسلمين الشيخ جواد محدثي
2-وليال عشر من وحي عاشوراء/المؤلف الشيخ أكرم بركات/بيت السراج