يرى معظم النقاد أن الاختبار الحقيقي لوعي شعب وإدراك أنه لم يتم إلا عبر تعرضنا لغزو، وما تعرض له العراق من غزو قادته دول وأنظمة وجيوش، فقادت أولاً حملات اعلامية تشوه اي معنى من معاني التماسك الشعبي الانساني عند الشعب العراقي، وإنما قدمته الى العالم كشعب متخلف تقوده صراعات طائفية، وقتل وهلاك وقيادات سياسية فاسدة تحكمت بهذا البلد مع وجود خفوت فكري عراقي شعبي، ويأس عال عند افراد الشعب العراقي، فلذلك وجدوا تسميات بديلة للمصطلحات العامة، فالجيش العراقي صار اسمه ميليشيات، وجعلوه تابعا يوم للمالكي فقالوا: جيش المالكي، والجيش الصفوي و..و.. وكانت فتوى الدفاع المقدس هي الفتوى التي رفضت كل اشكال الهيمنة واستنهضت الوجود الضميري للشعب العراقي، واستنهضت الذات الوجدانية لتفتح صفحات تاريخها التضحوي المرتبط بتضحيات ائمتنا (عليهم السلام)، فكان التصور السائد عند تلك العصابات المعتمدة على تمويل دولي بأن الشعب العراقي قد انتهى او وصل الى مشارف نهايته، فهو انتهى امام ضربات داعش القاسية والنازعة كل ما يمس الوجدان بشيء انتهى الشعب بفضل خور الجيش حيث كان الاعداد اكبر من امكانياته، وخيانة السلطة وسقوط بعض المحافظات وظهور التهديد المباشر لمحافظات الوسط والجنوب، وخاصة تلك المدن المقدسة حتى انهم طوقوا كربلاء ومن اكثر من محور، كان الاعداء يعتقدون انهم استطاعوا تدمير معنويات العراقيين، ولم يبق على نجاح الغزو إلا البسيط من الامور..!
استطاعت الفتوى المباركة وسط هذه الاحداث المأساوية انهاء القوة المفتعلة عند الدواعش، استطاعت المرجعية الدينية المباركة ان تستنهض الامل الشعبي، والبحث عن مكامن قوة هذا التمكن، يجعلنا نبحث اولاً في سر القوة فيها كفتوى مقاومة دفاعا عن انسانية بلد، ثم سر القوة في تكوينها المرجعي الذي كان يبادر دائما للحفاظ على وحدة الكلمة..
فإذا اردنا ان نبحث في سر تماسك الشعب وقوة الاستجابة، علينا ان نتأمل في المصادر المرجعية التي اعتمدت عليها الفتوى، فهي مصادر نقية أذهلت العالم بما تحتويه من وعي ايماني انساني، وبما شغلته الفتوى من دور حيوي.
نحن نرى ان النجاح الحقيقي هو قراءة المرجعية المباركة لروحية الشعب العراقي، ولقوته الحقيقية التي تجاهلها قادة الدواعش من خونة الداخل، فالمرجعية الدينية الشريفة أدركت انه لا يمكن لمرتكز ايماني ان يطمئن له العراقيون الى درجة قدرته على لمّ الشمل الفكري، وتعزيز الهوية سوى محبة اهل البيت (عليهم السلام) وولاية أمير المؤمنين (عليه سلام الله)، ويعني أن قراءة المرجعية الشريفة بخصوصية هذا الانتماء، برزت الفتوى لتحافظ على الوعي العراقي، وعلى سلوكية النهج الحسيني داخل كل روح، وعلى احياء شعائر المشاركة الولائية للدفاع عن بلد الحسين والأئمة الاطهار (عليهم السلام)، للدفاع عن مراقدهم المباركة، وعن شرف العراقيات وكرامة الأمة، فما ادهش العالم هو هذا التماسك الشعبي الجماهيري الذي يمثل فرادة الاستجابة الروحية للمرجعية المباركة.
هو هذا الذكاء المرجعي النبيه الذي ارتكز على قوى التماسك النفسي المرتبط بالموقف الولائي لأئمة اهل البيت (عليهم السلام)، والذي يعني كل قيم الاسلام، ويعني كل قيم الانسانية، ولهذا كان التماسك شموليا تجاوز الشعور المذهبي الى مراحل ابعد الى حيث الدين والوطن والاخلاق، الى نقطة البحث عن الذات في الجوهر الحسيني التضحوي في عوالم مدت القطيعة مع التأريخ بل هم ركنوه في زاوية واخذوا منه ما يماشي افكارهم، ولذلك صدمتهم فتوى الدفاع المقدس بأنها استحضرت هذا التأريخ للناس، فخلق فيهم التماسك ونبه الوعي العام الى وجود مؤامرة عالمية صهيونية ساعية الى تهديد ركائز الاسلام والمسلمين، وهذا التماسك جعل الشعب العراقي هو النمط الحضاري المتقدم في التنظيم والالتزام المبدئي، وباعتبار المرجعية الدينية الشريفة هي للإنسانية كلها، وهي مرتكز الثقل ومرجعية العلم والتعليم وفق نظرية التعايش السليم مع العالم.