كلما كتبنا عن عاشوراء، كلما ازداد القلم تعطّشاً، وكأن فيها سحراً لاينقضي.. ونبضاً لا ينتهي، ونوراً لا يخبو، ومدداً لا ينتهي..! أيُّ سحر فيك يا عاشوراء؟ وأيُّ تربةٍ أنت يا كربلاء..!! وأيُّ حسينٌ أنت يا سيد الشهداء..!! ومن كل سطر سطع نور، ومع كل حرف ولد سرور، وشعرنا بالقصور.. فخلود الحسين (عليه السلام) وعطاؤه الذي لا ينضب يجعل حتى القلم الصامت جندياً ومدافعاً عنه.. ولأن الزمن له عبق آخر لا يتضوع إلّا بعاشورائك سيدي أبا عبد الله الحسين..
تعددت الأسئلة، ووجم العقل عن الاجابة، وبقي القلم يكتب ويكتب.. وكأنه يريدُ ان يُثبتّ الولاء قبل أن تنتهي أيام العزاء، فينزف بكل ما عنده، فلعله يشهد آخر عاشوراء.. ولعله لن يبقى مرة اخرى لُيقبل ثرى كربلاء..
فبات يتوسلُ ويتضرع ويبكي حبراً منسكباً على وجه الورق، علّه يكون مكّفرا بذلك عن قصوره وتبذيره وإسرافه بما كتب.. ويستمر العزاء وهو يعلم أن شفيعه لن ينساه، وأن كلماته ستُخلّد ذكراه، وأن أجرها جزيل عند الكريم وابن الكرام، فبات لا يخاف نضوب المعاني، ولا يخاف الصعاب..
فهو معك يا حسين.. وهل يخاف من كان معك سيدي..؟
تهوي القلوب على ثراك سجودا... وتيممت الاعضاء منك خلودا...
انت الحسين وكل قلبٍ مؤمن... يهدي اليك تحية وعهودا
فكثيرة هي الهبات والعطايا التي أعطاها الله تعالى للحسين (عليه السلام) من استجابة دعاء تحت قبته الشريفة، أو تربة فيها الشفاء، أو زيارة تقترن بكل زمان، والأئمة الذين هم من ذريته (عليهم السلام)، هذا إضافة لما له من المميزات الكثيرة والمعاجز المشهودة، فما قصده طالب حاجة إلّا ورجع بقضائها وإمضائها، والمشي والخطوات والصرف من الماديات والشعائر واحيائها والماء وسقايته والخدمة الحسينية والدمعة التي تُحيي ذلك الذكر، وتسيل على تلك المصيبة.. كلها أمور أحيطت بالقدسية البالغة وبالأجر المضاعف العظيم، وبالعطاء العميم من رب كريم.
ولا عجب أبداً، فهو الحسين بن علي (عليه السلام) أبو الشهداء، وسيد شباب اهل الجنة ريحانة الرسول وابن الزهراء البتول.. شخصية استثنائية قلّ لها النظير، بل تفردت بالتأريخ والعظمة والعطاء حتى كانت قربانا للفداء، ودماء هي خير الدماء روّت ارض كربلاء، وسقت شجرة الإسلام الباسقة بالحياة والخلود والاستمرار، حتى اصبح الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء.
فهو (عليه السلام) إشراقة خلود أحيت الدنيا بالعبر والمواعظ والنهج القويم الذي كان ومازال مشعلاً للثائرين.. فلا نستعجب من المُعطي وهو الكريم العظيم، ولا نستعجب من المُعطى وهو ابن خير الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام)، وكعبة للعاشقين يفدها الزائرون من كل حدب وصوب تهفو القلوب اليها بكل شوق وحب وهي تعاهده السير على النهج الحسيني العطاء والعباسي الوفاء..
سيبقى شموخاً ونصراً وثار.. حسين الإباء كشمس النهار
سيبقى سراج الهدى والمنار.. نداء يردد في الخافقين
تزول الطغاة ويبقى الحسين..