حاورتها: إيمان صاحب
خبيرة بالقياسات والمباني والخرائط، أرقام وعمليات حسابية، قلم ومسطرة على شكل حرف (t) كانت كل أدواتها، وكلية الهندسة المدنية فيها كان تخرجها، فكيف تناغم ذلك مع لين أسلوبها، ورقة مشاعرها التي تسكبها على الورق؟! ومن أين جاءت هذه الموهبة والإبداع في الكتابة؟! وكيف يكون لها هذا الحسّ الأدبي الرقيق، واختصاصها علمي بحت؟!
أسئلة لابد أنكم قد تشوقتم لمعرفة أجوبتها، ورغبتم في استيضاح شخصيتها واسمها؟! إنها كاتبتنا المبدعة (نرجس مهدي) إحدى كاتبات مجلة صدى الروضتين.
اعتبرت الكتابة متنفساً لها، ثم أدركت انها عشقها، القرطاس والقلم منزلة لا حدود لهما عندها، تصدت فأبدعت في هذا المضمار المشرف، نيتها رضا الله تعالى ورضا أهل بيت رسوله الطيبين الطاهرين في الدنيا، وصدقة جارية في أخراها، فكان لنا معها هذا الحوار الممتع:
- كونك قارئة قبلَ أن تكوني كاتبة، برأيك هل تميزت الأقلام النسوية في وقتنا الحاضر عن السابق، ولماذا؟!
الأقلام النسوية لها حضور واضح في المجتمع، إذ كتبت وعالجت المرأة بقلمها محاور عديدة، وقد تميزت نون النسوة في وقتنا الحاضر عن السابق؛ بسبب الاهتمام والقبول الذي تلاقيه تاء التأنيث في وسطها ومحيطها، وهذا الاهتمام يجعل المرأة تبدع أكثر في هذا المضمار، ويجعلها تسكب آخر قطرة من مشاعرها على الورق، بحيث يصبح نصّها كقطعة فسيفساء رائعة الجمال، برشاقة كلماتها، وانسيابية تعابيرها، ورقة مشاعرها، ودقة وصفها، وبهذا تحيط بجوانب الحديث فيشعّ ألقاً.
وكم يحتاج المجتمع اليوم لهذا الأسلوب الرقيق لشدّ القارئ وإيصال الفكرة أو المعلومة المطلوبة، وخاصة لشريحة الشباب، لنجعل منهم جيلاً قارئاً، وجذبهم للإعلام الحق بدل أن يجذبهم الإعلام الغربي بأباطيله وحيله .
- ما هي انعكاسات الجلسات النقدية والقراءة الانطباعية التي يقيمها مشغل صدى الروضتين ولجنته النقدية على نصوصك، وكيف ترين الإقبال عليها من قبل الكاتبات؟
عندما يُكتب أي نصّ، فإن عين الكاتب لا تستطيع تقييم النصّ مهما كان؛ لأن الكاتب ليس من اختصاصه النقد أو التقييم، خاصةً لو كان كاتباً مبتدئاً.
فهو يحتاج إلى عدسة مكبرة لتوضح له القراءة؛ لكي يرى بوضوح ما حوت جنبات الجمل، وهذه العدسة المكبرة هي نظرة الناقد الملمّ بقراءته الانطباعية، وحقيقة عند الكتابة تكون الأحاسيس جياشة، فيكون النصّ عفوياً وغير مبرمج.
لكن عين الناقد ترصد التحركات على السطور، وتعطي لهذه التحركات تسميات لم نكن نعرفها حقاً، فصرنا نكتب الآن عن معرفة، وهذا كله بفضل جهود المشغل النقدي لصدى الروضتين بجلساته النقدية والقراءة الانطباعية، التي أجد لها إقبالاً من اخواتي الكاتبات؛ لما لها من أهمية كبيرة في توجيه النصوص في الوجهة الصحيحة، وهذا كله يصبّ في مصلحة الكاتبة، وارتقاء مستوى الكلمة عندها.
- أي نوع مِن النصوص هي الأقرب إلى نفسك في عالمِ الكتابة، وما هو الشعور الذي ينتابك وأنت تكتبينها؟
إنّ مصائب أهل البيت (عليهم السلام) تقضّ مضجعي حقيقة، فقلبي دائم اللوعة، وروحي لا تهدأ أبداً، فكتابة النصوص بحقهم هو أنس فؤادي، وعندما أريد أن أكتب نصّاً لمعصوم معين، أنشّط ذاكرتي بقراءة كتاب عن ذلك المعصوم؛ لاستذكار بعض المعلومات، وسماع القصائد الحسينية والمراثي، فأحلق بجناح الشوق في ذلك العالم، وأعيش مع مصيبة الإمام فأرى بعين قلبي، وأسمع أنين روحي، وكأنني أعيش في زمانه، وأحاول أن أستشعر مرارة المواقف، وأتخيل حال المعصوم فأثير عواطفي، فتهيج شجون فؤادي، وعندها ينطلق قلمي فيسجل أعاصير الألم الذي ينتابني، فوالله كم مرة كانت دموعي تشاركني، فتصطف مع الكلمات على السطور، فيصبح نسيجاً من الكلمات مضمّخاً بالدموع والعبرات.
- من المعلوم أنّ القراءة ليس لها زمان محدد ولا مكان معين، بل هي بحسب توجه الإنسان لها، متى كان توجهك للقراءة وما المحرك لها؟
درجت صغيرة أعشق القراءة، ودخلت المدرسة الابتدائية وأنا أقرأ المجلات والكتب، كنت بارعة في سرعة حفظ الشعر، أستسيغه كثيراً، وعطشي لقراءة الكتب لم يرتوِ يوماً .
كانت في بيتنا الجميل مكتبة عامرة، وكان والدي يسمح لنا بقراءة أي كتاب نرغب فيه، وعلى صغر سني قرأت كل ما في المكتبة من كتب في العطلة الصيفية، وكلما أجد فراغاً استثمره في القراءة.
وحقاً كنت صغيرة لم أكن أفهم كلّ ما أقرأ، لذلك كنت أعيد القراءة مرات ومرات دون ملل، ومن الكتب التي قرأتها: (النظرات -العبرات – البخلاء)، وقصص عالمية: (البؤساء - أحدب نوتردام -قصة مدينتين)، ومؤلفات نجيب محفوظ.
وعندما وصلت الى المرحلة المتوسطة والثانوية، كان لمدرّسة اللغة العربية الفضل الكبير في شحذ الهمم في قراءة الكتب من خلال المكتبة المدرسية، ودرس المكتبة كان من الدروس التي أنتظرها أسبوعاً كاملاً؛ لأستعير كتاباً وأرجعه بعد يومين، وأستعير آخر وهكذا.
ومن اللطيف أن مدرّسة اللغة العربية كانت تطلب منا تلخيصاً للقصة أو الكتاب الذي قرأناه، وهذا كان دافعاً آخر للتمعّن وفهم محتويات الكتاب أكثر. ودرس الإنشاء كان المفضل عندي، حيث كنت أحرز أعلى الدرجات فيه، فكان إنشائي يتميز بأسلوب رصين وجذاب، وكثيراً ما كانت تشيد به مدرّستي، فالتشجيع، وحبّ القراءة، ووجود الكتب، تعدّ عوامل مشجعة، وبذوراً طيبة لمستقبل الكاتب .
- ماذا أخذتِ من الكتابة؟
بل قولي: ماذا أعطتكِ الكتابة؟! أعطتني الكتابة كل شيء، أعطتني جناحين أطير بهما بحرية، أسبح في فضاء خيالي، وأحلّق في عاليات الجبال، وأرى مكنونات قلبي حروفاً تُطرَّزُ على القرطاس، وجمرات الفؤاد تُتَرجَمُ جملاً وآهات، شابَ منها رأسُ قلمي .
منحتني شعوراً بالرضا، فعندما آخذ رأي إحداهن عن نصّ معين، وتجيبني انها أرخت جفونها بالدموع، هذه الدموع والحرقة والآهات، أتمنى أن أبلغ بها رضا أئمتي ومواليّ. والكتابة منحتني بيتاً عامراً بوجود والد طيب وصادق كوالدنا الخباز، وأخوات راقيات بالفكر والكلمة .
- ما هي رسالتك للمبتدئ بالكتابة، سواء كان كاتباً أو كاتبة؟!
الكتابة رسالة إنسانية والقلم مسؤولية، فلنعي كلنا قيمة هذه المسؤولية، وقراءة الكتب والمطالعة الكثيرة بحر عميق يجب أن تلجه لتستخرج الدرر. والكتابة الملتزمة، وتقبّل النقد البناء من الطرف الآخر؛ لأن النقد هو الوسيلة الوحيدة التي بها نعرف نقاط القوة والضعف التي تتخلل النصوص، وبذلك يمكن للكاتب من رسم طريقه بشكل سليم ويرتقي بكل حرف يكتبه، خاصة عندما تكون النية خالصة لوجه الله تبارك وتعالى، ويكون التوفيق ملازماً له إن شاء الله تعالى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
مانشيتات
• الاهتمام يجعل المرأة تبدع أكثر، ويجعلها تسكب آخر قطرة من مشاعرها على الورق، بحيث يصبح نصّها كقطعة فسيفساء رائعة الجمال، برشاقة كلماتها، وانسيابية تعابيرها، ورقة مشاعرها، ودقة وصفها، وبهذا تحيط بجوانب الحديث فيشعّ ألقاً.
• أعطتني الكتابة كل شيء، أعطتني جناحين أطير بهما بحرية، أسبح في فضاء خيالي، وأحلّق في عاليات الجبال، وأرى مكنونات قلبي حروفاً تُطرَّزُ على القرطاس.
أعجبني
تعليق