علي الخباز
من أهم سمات المنجز الإبداعي، تجلياته بعوالم اليقين الفكري، والتي تجعل المنجز مزدهيا برسالته الإنسانية، وتمنحه مقاربات اجتماعية وفكرية.. البعض يرى أن الإمامة أُسّ الخلاف، وهذا الكتاب فسّر معطيات الصراع الإسلامي بأنها أكبر من ذلك؛ كون الخلاف الحقيقي هو شخصية الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، هذا الطود الشامخ الذي يرفعه البعض إلى مرتبة الربوبية، ويضعه البعض إلى اللعن اليومي - وتشخيص أسباب هذا التناقض - ليصل إلى نتيجة مكتظة بالتفاعل، فقد ترك الإمام علي (عليه السلام) الأثر الكبير في العقيدة.
ويذهب الكاتب إلى التاريخ من أجل تغيير مسار الواقع الفكري المقفل باتجاه واحد؛ ليطالب بإعادة بناء المنظومات بما يتوافق حضورياً مع مفهوم إعانة الآخر على فهم لغتنا، أي أنْ نتمسك بنقطة ، وندفع بها إلى العالم بلغة معاصرة، لكنه يطالبنا الحياد، وأردنا أن نضفي على هذا الانطباع روحا نابضةً بالحياة، تكشف لنا ما فات علينا؛ كي لا يكون عرضة لتأويلات قد لا تعطي الموضوع حقه.. لهذا السبب ولأسباب أخرى، التقينا الدكتور صالح الطائي لنحاوره بصحبة القراءة الانطباعية لمؤلفه..
- ما معنى هذا الحياد المطلوب؟
الدكتور صالح الطائي: قد تلقى المحايدة قبولاً أكبر من التحيزية، ولاسيما وأن الحياد لا يعني التنازل عن الثوابت، بقدر كونه يعني تبسيط الأمور لتصبح بمستوى عقل وذائقة الآخر، طالما أنها لا تمثل انحرافاً عن الخط العقدي العام. ولا أعتقد أن في مذهبنا ما يمنع من استخدام أسلوب الحياد للوصول إلى نتائج قد نعجز عن الحصول عليها بأساليب أخرى، فمذهبنا هو مذهب العقل.
- حددت لدينا منهجية التلقي ودوافعها البحثية، فأنا أبحث عن ما يزيد يقينيتي الفكرية التي تضيف لي ما يجعلني قادراً على فهم تكاملي لهذه الشخصية المتنامية المعنى؟
الدكتور صالح الطائي: حينما تقصر تحصيل النتائج على موروثك وحده، قد يعترض عليك الآخر، ولذا أقصرت مراجعي البحثية تقريبا على كتبهم؛ لأني أجدها أدسم من كتبنا، وهذه حقيقة يجب الانتباه إليها.. فكتبنا لا تتطاول ولا تكفر ولا تدعي كرامات كاذبة، أما كتبهم ففيها ما لا يحصى من هذه الأمور، وحينما تجابههم بها، لابد وأن تحدث لديهم (عصفاً ذهنياً) يزعزع قواعدهم.. ولا أعني أنني احتاج من كتبهم أن تثبت أحقية علي (عليه السلام) مثلا، فذلك شأن آخر، ولكني حينما أجد فيها ما يؤكد ما نذهب إليه، فذلك يكفيني ليكون حجة لي عليهم.
قلنا: ومطالبة التلقي الولائي بالبحث في مصادر محايدة علمياً، والبحث في مصادر غير المسلمين، أجدني أبحث فيها عن التوافقات الإنسانية التي تحمل سمات اليقين الفكري.. البحث في التأثير الإنساني لهذه الشخصية الكبيرة، واعتقد جازما أن دراسة الواقع الحقيقي للإمام علي (عليه السلام) كافية لتوضيح معالم العالم، ويبدأ المشهد البحثي في أمور لم تكن في حسبان المموه الفكري، هناك بحوث متأملة في شخصية علي (عليه السلام)، هناك مديات واسعة من الآراء ممكن أن تسهم في ترسيخ صورة علي (عليه السلام) النقية في النفوس.
إن البعض يظلم نفسه حين يترك علياً(عليه السلام)، ونور عليّ ليحتفي به غيره، رصيد مضمخ بالألم يرى فيه البعض أن الإمام (عليه السلام) يفتقد إلى المرونة السياسية في إدارته الدولة.. يقول غير المنصفين عن تشدد علي (عليه السلام) في مواقفه وحديته التي أفشلت مشروعه، بينما قيادة عليّ الدينية راسخة لم تخلط مثل الآخرين بين أمري الدين والدنيا، وهذا الفعل المتحرك مختزن الطاقة الهائلة في معنى اليقينية التي تحمل السمة الحضورية، أسباب نقل العاصمة إلى الكوفة، يأتي الجواب موثقا نظرة الإمام علي (عليه السلام) إلى المدينة المنورة ونظامها الإداري عائق أمام ترجمة حلم الدولة المدنية.
الدكتور الباحث درس واقع الواقع، وواقع النص ليفسر لنا وجدان الرؤى، فهو يرى أن الفرصة قائمة لتصحيح الانحراف من خلال التأكيد على منهج السماء.. لقد استحكم في المدينة بعد وفاة رسول الله(ص) النظام الطبقي بواقعه القبلي القومي الاستعلائي، فبناء دولة مدنية سيجابه بكثير من المعوقات التي تفشله، أما الكوفة، فنمت وتطورت على أكتاف المعارضة السلمية، وشعب الكوفة متحرر؛ بسبب تركيبته الفريدة من السكان الأصليين والمهاجرين؛ الذين سيقوا لأداء الخدمة في جيش الخلافة عدة مرات، فضلاً عن كونها قريبة من مصدر المياه ومعتدلة الأجواء، وذات أراض سهلية.
ينفتح النص البحثي عند الدكتور صالح الطائي إلى أسئلة دلالية فكرية تقول أكثر من حروفها، لقد أدرك الأعداء خطورة المشروع، فعملوا على تهديم أركان حكومته، ضيقوا على سلمان المحمدي، نفوا أبا ذر الغفاري إلى الربذة بعيدا عن المركز، قتلوا عمار بن ياسر، واغتالوا المقداد.. لقد حاول المؤرخون أن يرسموا نتيجة التغيير على هواهم، فاعتبروها إثر الضغوط السياسية، وأثبتت التجارب بأن علياً (عليه السلام) كان مجدداً لا يقف عند حدود التقليد.