الدخول الى عوالم التاريخ بموهبة شعرية قادرة على الخلق والابداع وبمعرفة موسوعية لها إمكانيات الغوص داخل مكونين ... الأول الواقعة بضياءها التاريخي والروحي والفكري وثانيا الشخصيات التي تشكل روح الواقعة والشاعر علي الامارة في مجموعته الشعرية هواجس أصحاب الحسين ـ اعتمد على خبرته العالية في كتابة القصيدة الحسينية الحداثية وخاصة هنا النص يمتلك مسحة اكبر من القصيدة يسمح للتنامي الدرامي من التفاعل ، المداومة على الاشتغال النوعي منحه احاطة شمولية ، وانتقاله من قصيدة الى أخرى ومن موضوع الى آخر جعله يجيد الانتقالات المؤثرة وقد اكسبته القصيدة الحسينية خبرة تجريبية واسعة مع تواجده كمتابع جيد لما تنتجه الساحة الإبداعية والفكرية ، تعدد زوايا النظر والاكتشاف منحنا متعة الكشف عن مواطن الجمال والدلالية ، وهو رهان مقدرة كبيرة لمن يظفر بمعطيات واقعة الطف جماليا مع الاحتفاظ بتفاصيل الحدث لذلك نجد المتلقي يستمتع بجمالية الاشتغال الشعري وبجمالية سردية الحدث بتمكن ، وراء كل رمز من رموز المجموعة له مزاياه كبطل تاريخي ومعه ارتباطات الشاعر الفكرية والروحية وانفعالاته وانطباعاته وعيه ولاوعيه وتأثره ببيئة ، بدءا من العنوان ( هواجس أصحاب الحسين عليه السلام ) الهواجس بطبيعتها تمثل البؤر النفسية التي تحاور نفسها ومن المؤكد انه يسعى في التماثل النفسي للشخصية ، واغلب الحوارات داخلية تمتلك روحية المشهد وكانه عمل على تقديم مقتلا من المقاتل لكن باسلوبه الشعري والمعتمد على الانزياحات ، والصور الشعرية التي انتشرت على طول النص ، مقتل جديد يقدم شخوصه فكريا بحضورهم الإنساني ، يقدم تجربته في مقدمة المجموعة ويكشف عن أسلوب ربط مابين الشعر والسرد نص شعري يأخذ من السرد خلاصة فحواه ، جمرة المعنى / واستل من التاريخ بطريقة انتقائية تجعل حسب تشخيصه المعلن في المقدمة من التاريخ نصا صادما ، أي بمعنى يحلق فوق التاريخ ، ابطال هذا العمل مر بهم التاريخ مرورا سريعا أو ربما عابرا ، استشهد بعضهم قبل كربلاء مثل سليمان بن رزين في البصرة ، هانىء ابن عروة وقيس بن مسهر الصيداوي فمدوا الزمن الكربلائي الى ما قبل زمن الطف والهفهاف وعبد الله ابن عفيف مرروا الزمن الى ما بعد الطفوف /والملاحظ ان شخصيات ( علي الامارة ) التاريخية فعّل دورها الاجتماعي بين الناس وابتعد عن الانفعالية وعمل موازنة نفسية تأكيدا لدورهم الفاعل حياتيا ، القوة الحقيقية انهم عبروا الظروف القاصرة التي تضعف الانسان وما ضعفوا ، لو ندخل الى مشهد مسلم بن عقيل لوجدنا التركيز على أفعال المضارعة ( ارنو/ اسمع / المح/ اما في المشهد الثاني يكون المرتكز استفهامي
( لماذا تداعى جدار الولاء؟
واين اختفت كل هذي الحشود ؟)
تكون اشتغالات / علي الامارة / على شكل مقاطع روافد وكل رافد مستقل عن الآخر ، ممتد من حيث السرد الجمعي للاحداث لكنها تشكل مفردات من الواقعة ، متفرقة زمانيا ومكانيا سلط الضوء الاعلامي عليها ليقرأ فكر كل شخصية وموقف كل شخصية ، وكل منهل من المناهل ايضا جزء الى مشاهد كل مشهد له موقف ، وكل شخصية تمثل نموذج حسيني يتعلق بالنموذج الامثل الحسين عليه السلام نموذج يمتلك سمات البطل اعتمد المنجز على الومضات الشعرية ، وتركيب هذه الومضات تمنحنا اولا الايجاز الذي يتمتع به النص والتكثيف والادهاش وقوة الايماء
( اين ذاك الضجيج ؟
يهز العروش
واين الهتاف ؟
كيف تصنع تاريخها امة تشترى أو تخاف ؟ وكل ومضة تحفر في عمق البنية النصية لتجدح بومضة اخرى لغرض اكمال وحدة الموضوع
( فذي كوفة أنت كل الحروف بها
فكيف سنقرؤها
حين تسقط منها
الحروف )
وقد ابدع في وصف شخصية طوعة بايجاز مذهل وجعل لها حضور في حياة الطف وحياة الكوفة ، فالكوفة ليست كوفة أبن زياد بل هي كوفة طوعة تكشف الومضة عن نضوجها فهي تحمل ابعاد فنية تومض بالخير وباشكال متعددة تكشف عن صيغ فاعلة مثلا عتابها مع ابنها
(لماذا بني ... بلال
قمر حائر حط في بيتنا
فلماذا
تسلمه للذئاب ؟
لماذا تسلم ما يتبقى من العمر
للحزن
توقد في قلب امك
مزرعة من عذاب )
علي حسين الخباز, [10/02/2021 05:43 م]
الجميل ان في كل منهل تعريف للشخصية التاريخية وتعريف بالموقف وبهذا ادراك معرفي لجذر الشخصية وماضيها المكون للرمز ، ومثل هذا التعريف سيمنحه الحضور ، وبهذه الهوية قدم لنا شخصية قيس بن مسهر الصيداوي في عدة مشاهد في الكوفة ثم ينقلنا النص الى البصرة عند سليمان بن رزين رسول الحسين ابن البصرة رسول الحسين الى البصرة ، وماريا بنت المنقذ لها مجلس أدبي موالي لأهل البيت عليهم السلام ويحدثنا عن شخصيات بصرية لبت النداء في لحظة وصول سليمان بن رزين رسول الحسين عليه السلام الى قادة الاخماس اسرعت كي تلتحق بالحسين مثل يزيد بن ثبيط ومعه عامر بن مسلم العبدي ومولى عامر وسيف بن مالك العبدي والادهم بن امية العبدي سبعة مع ابن ثبيط وولديه
( فاستحيلوا خيولا من الرمل
عاصفة من غبار
لكي لاتروا واعيروا وجوهكم للسراب
فلابد ان تعبر الارض
هذي الضعينة
ولتفرحوا بلقاء الحسين فلا تفلح اليوم
نفس حزينة )
وهذا يعني هناك تمكن لانارة زوايا التاريخ فهو يعود الى الكوفة قلب الاحداث ويسلط الضوء على ابو تمامة الصائدي ومسلم بن عوسجة وحبيب بن مظاهر الاسدي وبرير بن خضير وزهير بن القين والحر ووهب النصراني وامه، وجون واسلم التركي والهفهاف الراسبي وعبد الله بن عفيف ،
هواجس الشاعر الامارة ليست هواجس نمطية بل كل شخصية لها مقوماتها التي تعرضت لتاريخ طويل من طمس الاثر ومعالم التشخيص الومضة ترسخ الفعل التاريخي ويرسخ جوهر الشخصية ويلج العمق الفكري ، لكل شخصية فلكل رمز من الرموز حكاية أو ملخص حكاية تبرر المضمون / مجموعة شعرية قررت ان لااكتب عنها الا بعد عشر سنوات قراءة اقول فيها ( هذا هو الشعر )
تعليق