بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
اللهم صل على محمد وآل محمد
العبودية لله تعالى هي عبارة عن احساس نابع من القلب ويترجم الى الأمر الواقعي من خلال الفعل بالخضوع والخنوع والإمتثال، فالعبودية هي التي يستشعر صاحبها أنه مخلوق من قبل خالق عظيم، فهو انتماء من خلال استشعار الضعف الواقعي والحاجة الفعلية إلى من يسد الخلل والاحتياج لدى العبد، ومن الطبيعي أن الذي يسد هذه الامور هو المعبود وذلك بحسب ما موجود في داخله كإنسان وهو العقل الذي يفكر من خلاله ويبحث عن خالقه وعن نفسه وخلقته لقوله تعالى: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾[1].
ومن خلال ما يحيط بالإنسان وبعثة الأنبياء لقوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۚ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾[2] يتعرف العبد على خالقه ينظر الى الآيات المحيطة به ومن حوله آيات الله عز وجل فلا يمكن ان تنسب هذه الآيات الى غير الله فإن نسبت الى غيره لا يصمد دليل هذه النسبة امام دليل وجود الله عز وجل كلها تضعف وتضمحل ولا تصمد لبرهان من يكون هو الموجد لمثل هذه الامور، وكلما جاءت نظرية وجاءت فكرة عن ايجاد الخلق هذه الفكرة نهايتها تصب بوجود مؤثر واحد وقوة عظيمة هذه القوة العظيمة المتمثلة بالله عز وجل فهنا الإنسان لما يعيش في حالة العبودية لأنه مخلوق من هذا الخالق العظيم فيكون عبدا له، والعبودية معناها الطاعة وليست معناه القهر والاذلال وما شابه إنما صحة الإنتماء تجعل العبد يستشعر أو يحس بوجود الخالق لكن ايضا هذه العبودية لها درجات ولها سير كمالي، وعندما نبحث في مخزون أهل البيت عليهم السلام الروائي نجد الكثير ممن يشير إلى التنافس في العبودية لدى من عرف الله عز وجل كهذه الرواية:
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) قَالَ: ((سُئِلَ اَلنَّبِيُّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) عَنْ خِيَارِ اَلْعِبَادِ فَقَالَ:
اَلَّذِينَ إِذَا أَحْسَنُوا اِسْتَبْشَرُوا وَإِذَا أَسَاءُوا اِسْتَغْفَرُوا وَإِذَا أُعْطُوا شَكَرُوا وَإِذَا اُبْتُلُوا صَبَرُوا وَإِذَا غَضِبُوا غَفَرُوا))[3] .
فسئل صلى الله عليه وآله عن خيار العباد قال الذين احسنوا استبشروا يعني لما يفعلون الحسنى يستبشرون بان هذا الفعل مآله ونتيجته الأجر والثواب والنجاة في الاخرة، واذا اساءوا نتيجة لكثرة الاشتباك مع الحياة الدنيا والإنغرار بزينتها وبهارجها، فهنا لما يسيء هذا الغنسان لأنه يستشعر العبودية في حالة مراجعة النفس وما فعله وعند المحاسبة لها يستغفر الله عز وجل، واذا اعطوا شكروا لأن بالشكر تدوم النعم، فالعبد يريد لهذه النعمة أن تدوم وتستمر عنده، واذا ابتلوا بالبلاء بالامتحان بالاختبار الإلهي صبروا لماذا لأن البلاء يقوي علاقة الانسان المؤمن الصابر بربه عندما يصبر على هذا البلاء صبر، واذا غضبوا غفروا والله هو الغفور الرحيم وهذا العبد يستشعر العبودي يستشعر الخالقية وجوده بأمر من الله لقوله تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾[4] .
فعليه أن يتمثل باخلاق الله عز وجل الله وهو الغفور الرحيم فاذا لم يغفر لإخوانه في هذه الحياة الدنيا الذين يعيشون معه لا يكون منتميا الى الله عز وجل فاذا تمثل بهذه الاخلاق الإلهية كانت العبودية لديه من خير الفعال وايضا يكون قد حمل جواز مرور صحيح وواضح إلى الاخرة ويمر وهو مطمئن الى ذلك المقر في جنات الخلد.
_______________________________
[1] سورة فصلت، الآية: 53.
[2] سورة فاطر: 24
[3] وسائل الشيعة، ج 15، ص 191.
[4] سورة الحشر، الآية: 24.