لم تكن واقعة الطف حدثاً تاريخياً عابراً منذ سنة أحدى وستين للهجرة، ولأن الإمام الحسين (عليه السلام) لم يكن ثائراً عن حركة أو فئة من الناس، وأنما هو ثورة الحق على الباطل، وأنتفاضة لتصحيح مسارات التاريخ ،فأننا اليوم يحق لنا وفي زماننا هذا أن نرسم الفضاءات التي نجدد من خلالها عهد الوفاء لسيد الشهداء وأهل بيته الاطهار(ع)، وأن نوطد أواصر الانفتاح والتآلف الموضوعي بين الواقعة الكبرى وبين الثقافة المعاصرة، حيث أن الفن هو منارة من منارات الثقافة التي إستلهمت الكثير من الابداعات على مستوى المنجز الانساني، كالسيَر والوقائع التي شيدها الاسلام العظيم ورسوله الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله) بمآثرهم ومآثر أهل بيته الكرام، ولعل واقعة الطف التي شكلت منعطفاً تاريخياً بمسار التحديات الفكرية والاجتماعية والسياسية قد أفرزت الى البشرية أعلاناً عن ولادة بطل كوني صار يعرفة العالم أجمع من خلال هويتة الانسانية الشاملة التي يعرفها العالم من بلدان وأديان وأقوام مختلفة، مما جعل هذا القضية قضية رأي عالمي أكثر من كونه أسلامياً فحسب، فمن هذا المفترض نستشعر أهمية المسؤولية الملقاة على عاتقنا نحن خدمة الإمام الحسين(ع) والعالمين في حقول الثقافة والفن، في توطيد الجسور في واحدة من بين الفنون العريقة التي أنطلقت منذ بدايتها الاولى من الشعائر الحسينية، ألا وهو فن المسرح وبين واقعة خالدة على مر التاريخ، تلك هي واقعة الطف في مشهدها الحسيني الشريف ومآثر البطولة التي شهدها العالم أجمع، والتي فجع بها العالم من أقصاه الى أقصاه.
إن على مسرح الشعائر الحسينية أن يعي المهمة الملقاة على عاتقه في السعي الى الترسيخ، والبحث والتقصي عن الحقائق التاريخية التي أوردها التدوين الشفاهي الذي تناقل الواقعة الحسينية بحيث يصبح هدف هذا المسرح أبراز القيمة الجوهرية لمواقف أهل البيت في واقعة الحسين عليه السلام وما جاورها من أحداث ووقائع ربما غفلها المحدثون أن غفلت عنها القرارات المعاصرة لهذة الفجيعة الكبرى .
فالمسرحية هنا تكتسب شكلا تجسيدياً يعني بأبراز القيمة الفلسفية والانسانية العضمى للثورة الحسينية لذا فأن الصدق الايماني الاعتقادي والموالات الحقيقية لأهل البيت تستدعي من هذا المسرح لا أن يسعى لأستشارة أحداثها درامياً وحسب بل الحرص على السعي الدئوب لتخليص هذه الواقعة من ماشابها من المبالغات هنا وهناك في بعض رواياتها لكي لا تأخذ شكلاً من اشكال الرواية الاسطورية التي يمكن أن تخرج بها عن معقوليتها وحقيقة مساراتها .. فقضية الحسين عليه السلام قضية بطل كوني بكامل صفاتها وخصائصها وهي ليست بحاجة الى تلك المبالغات فأذا كان البطل التراجيدي عند أرسطو هو مجموعه من الخصائص والسمات التي تتجلى من خلال أفعاله الداخلية فقط فأن روحانية البطولة والمكون الشخصي للحسين عليه السلام قد قدم شخصية تتسم بالثبات والتساوق مع ذاتها بشكل يجعل منها أنموذجا عالمياً لأن فهم الواقعة الحسينية قد وضعها تراتبيه لسلوكات تربويه هي سلوكات أهل البيت ومبدأيتهم التي يتفانون من أجلها ..
وأذا كانت مفاهيم البطولة ودراساتها قد رسمت للبطولة نماذج محددة بسمات وأهداف مدركه يقف عند حدودها مفهوم البطل حتى بلغ اللبس صورة أعتبار أن كل شهيد هو بطل فأن الحسين عليه السلام وأهل بيته قد رسموا الملامح الواضحة للبطل الثوري الذي توافر على الشهادة والبطولة أذ أن أستشهاد الحسين قد اكسبه صفة الثورية بوصفه حدثاً ينتمي الى ماهو كوني ذاك لان منطق البطل الكوني من امثال الحسين عليه السلام هو منطق فعال يفعل فعله في ضروف لا ندرك حدودها بمنطقنا اليومي فلقد كانت مسيرته على رأس أهل بيته وعشيرته رمزاً كونياً فيه من أبعاد المنطق الذي أندفع به مالاندركه بعد فهو هنا بطل ثوري ينتخب خصائصه ويقدم سماته الثورية بوعي لا يفصل بينه وبين البيئة الاجتماعية التي شكلت منطلقاته فهو لا يمكن مناقشاته ومعالجته دراميا من دون مناقشة الاسلام فيه أن مسرح الشعائر الحسينية أذا ما عبأ الى السرد التاريخي للواقعه فهو لن يقدم خطابا مسرحياً جديدا ًوأنما هو تكرار لم يخرج عن حدود التشابيه التي بانت في الواقعة فلكي نقدم ماهو جديد دائما ولكي نوسع دائرة الخطاب علينا أن نستلخص الدروس والعبر من هذه الفاجعة الأليمة ومن خصائص وسمات هذا البطل الكوني أن نحاكي ماهو فيض عن تلك السمات وعن ذلك الدرس البليغ الذي قدره الله للبشرية جمعاء وهو الذي لو شاء الله لنجاهم ولقضي الامر الذي كانوا فيه يختلفون ولكن الله أراد لهذه الأمة أن تتلمس طريق القرار وقيم الثورية الى الأبد من هذه الثورة الكبرى مثلها في نموذجها المتقدم سيد الشهداء وأهل بيته الاطهار .
فمؤتمر كربلاء التاسيسي الاول حاول أن يوطر شكلا لمسرح حسيني جديد يتفق وروح العصر ويستجيب لمتغيرات التلقي الاجتماعي الجديد مسرح نتفق على خصائصه وسماته ومزاياه لكي نرسم له صورة تتناسب وروحانيةوقدسية هذه الرسالة التي يحملها في رقي وسمو وأنفتاح تستهدف بذلك (ثقافة الاخر ) ونتصل بها من خلال صياغة خطاب الوعي الذي ستقترحه الدراسات والمداخلات التي عني بها هذا المؤتمر لمسرحة الشعائر الحسينية ومن خلال البحوث والدراسات والمداخلات التي سيتفضل بتقديمها عدد فاضل من الاختصاصيين في مجالات الدراما والثقافة المسرحية.
تعليق