لا أحد يستطيع أن يراه مثلما أنا أرآه ، إنه أبي ، إنه الحسين عليه السلام كبير قومة وناسه ، لذلك كنت أبكي طوال الطريق الى الكوفة ، وإلى كربلاء لا أعرف ما الفرق بينهما ، وأنا انظر اليه بين وقت لآخر ، اشعر أنه حزين وحين يحزن أبي تتغير ملامحه ، يكثر النظر الى السماء ولا ينظر الى الأرض ، وأنا ما زلت صغيرة لا استطيع أن أفسر كل ما أراه ، ، لكني أستطيع أن أدرك أن أبي كان لا ينام الا حين يقبلني على جبيني حتى لو كنت نائمة فانا أشعر بقبلته ، كنا على سفر ولا أعرف متى ينتهي لكني أعرف متى التقي بأبي ، أبي مبهج الآمال ، يساعد الله قلب كل طفلة فقدت اباها ، سمعت أن حميدة قد رحل اباها الى الله ، سألت عمتي ما معنى أن يرحل الانسان الى الله ، السنا كلنا عند الله ، هل ستحرم ابنة عمي ( حميدة ) من رؤية أبيها ، عمتي لماذا لا نرى الراحلين الى الله ، اجواء الصحراء تنذر بعاصفة رملية كبيرة ، لا أستطيع أن أخبر عمتي بمخاوفي فاقلق ، وهي لا تعرف إني افسر ما أسمع أخاف من الاشياء الحزينة ، سمعت أمس أبي يقص لأصحابه عن حلم أرعبني ، قال أبي رأيت في المنام كلابا تنهش لحمي ، بقيت أبكي الليل كله ، أنا أبكي وأتذكر الكلب الابقع الذي سيكون أشد الكلاب نهشا في جسد أبي ، تسألني عمتي زينب :ـ ما الذي أيقظك ؟ نامي بنيتي ، قلت عمتي لماذا لا نرجع الى بيتنا ؟ أجابتني العمة هذا أمر الله يارقية ، حينها سألتها:ـ عمة من هو أبن زياد؟ دثرتني وقالت :ـ نامي رقية ، لاعليك بهم لنا الله ،
ومع أيام المسير ، رأيت اناسا غرباء يطوقون ركبنا وأحسست انهم جيشا من الأعداء ، شعوري يبعث بالقلق ، انا خائفة على أبي ، :ـ عمتي ايمكن ان تكون الصحراء أكثر رحمة من الناس ؟ صار لنا ايام ونحن محرومون من النوم على الأرض لا بيت لنا سوى الخيام قضينا معظم الاوقات ونحن على هوادج الجمال ، متعبة جدا كانت الرحلة في جوف الصحراء ، وأخيرا وصل الى سمعي أسم كربلاء ، أسم كربلاء صار كل شيء ينذر بالحزن ، أنظر الى السماء يبدو أن السماء تغير شكلها ، صرت أرى أشياء غريبة لم ألفها من قبل وأسمع عمتي زينب تتكلم بلغة لم أسمع بها قبل اليوم ، أسمعها تنادي وأثكلاه ، ليت الموت أعدمني الحياة ، يا الله ما الذي يجري ، ، يا ألله أنا ليس لي غيرك لأكلمه واشكو له أموري ، اسمع عمتي زينب تنادي :ـ اليوم ماتت أمي فاطمة وأبي علي وأخي الحسين ، يا خليفة الماضين ، وثمالة الباقيين ، كربلاء تظهر لي في الاحلام تارة على شكل مطر لتخضر به الربوع ، وتصبح كربلاء خضراء مليئة بالناس والنخل والشجر ، اشكال من الناس مختلفة الوانهم ملايين تحمل رايات سود تتوجه الى كربلاء ، كانت اسم كربلاء يصرخ باذني، انها كربلاء ، أنت معي أينما ترحلين ، ، أدركت أن قبلة أبي على جبيني اليوم لها طعم آخر ، أبي كل يوم يقبلني ، وقبلة اليوم انهضتني من النوم ، ابتسامة على وجهه الصبوح ، فجأة أنصرف الى صلاة الصبح ليصلي بأصحابه في كربلاء ، بدأت الحرب انها مرعبة ، الحرب حسب فهمي يعني الموت، الحرب يعني اجتمعوا لقتل أبي ، امور كثيرة مرعبة ، حفر عمي العباس بئرا كبيرا قرب الخيام ، فلم يجد فيها الماء ، عمتي حرام على النهر ان يمنع ماءه عنا ، يساعد الله قلب عمتي زينب مع كل ما يحدث هي خائفة علينا ، تجمعنا في حضنها وكأنها تريد أن تروينا الدمع والحنين ، من الاشياء التي اطمأن اليها ، وأشعر بالسكينة هو وجود عمي العباس وبقية اعمامي وأخوتي وناسنا ، وتبقى لعمي هيبة ، كان الاعداء رغم كثرتهم يخافون من عمي العباس ، انتهت الصلاة وبدأ الاعداء يرشقون فسطاط أبي بالسهام ، وانا ادعو ربي بحق جدتي فاطمة نجي ابي الحسين من سهامهم ، عمتي ماذا يريدون من أبي ؟ كانت تجيبني دمعتها وتركض الى التل لترى ما الذي يحدث وتقول انهم اعداء الله ، ضجت الخيام بالبكاء ، العطش يأخذ جانبا والخوف على أبي ومن معه ، وصراخ النسوة من الحزن ، أرتفعت الأصوات تندب أبي :ـ يا حسيناه ، يا الهي انهم يحاربون أبي ، فرحت حين رأيت عمي العباس وأخي علي يدخلان المخيم ، من المؤكد ان أبي بعثهما ليطمئنا علينا ، ومن المؤكد اوصاهما ليقبلاني ، خاطب عمي العباس عمتي زينب ، يقول لك مولاي الحسين عليه السلام ،أسكتي النسوة من الصراخ ويبدو ان البكاء سيكثر الى حين، شعور طفلة ذبحها الضيم ، يا الهي كل هؤلاء القوم يريدون ان يذبحوا اهلنا ونا سنا والجميع يريدون رأس أبي ، كنت أنظر الى أمرأة تحمل عمود الخيمة لتبارز الاعداء ، فقد قتلوا ابنها وزوجته ، قلت لعمتي وانا اسمع حكاية المرأة عمتي هل سنقاتل نحن ايضا ؟ عمتي ماذا لو قتلوا أبي ؟ هل سأحمل السيف واقاتل ، قالت لي :ـ ابوك الحسين لم يقبل ان تقاتل النساء ، قال لها أرجعي الى الخيمة رحمك الله ، فقد وضع عنك الجهاد ، رجعت الى الخيام
وهي تدعو الله :ـ اللهم لاتقطع رجائي ، ، واحد من الأعداء ينادونه الشمر يريد أن يحرق علينا الخيمة وهو يصيح علي بالنار لأحرقها على اهلها ، تصايحت النساء ، أخذنا الرعب وخرجنا وعمتي من الفسطاط ، الى أين نذهب والصحراء التي أمامنا عبارة عن جند وسيوف باشطة ورماح ، قلت مع نفسي يا الله رحمتك التي هي اكبر من سطوة الشمر واعوانه ، الخوف انساني حرقة العطش ، انا خائفة
خديجة عبد الواحد ناصر
تعليق