هل نريد أن نأتي بزينب عليها السلام من عمق التاريخ؟ فإذا كانت الإجابة هي (نعم)، فلماذا؟ هل لنسترسل في شرح أعمال وبطولات هذه الشخصية الإٍسلامية الرائدة في مجال الدفاع عن المبدأ والعقيدة من خلال إظهار الأدوار الكبيرة والمميزة التي حققتها؟ أو لنثبت أن المرأة لها دور أساس في مسيرة الإسلام ولننفي تهمة عدم المشاركة أو تهمة التخلف من حيث نظرة الإسلام إلى المرأة؟ أو لكي نأخذ من تلك الشخصية الأبعاد الروحية والعملية لكي نعمل على تحقيق النموذج الزينبي في واقع الأمة المعاصر؟
أسئلة تنسبق إلى الذهن عندما نسمع بمؤتمر تقيمه جهة ما باسم (زينب) عليها السلام.
وفي معرض الإجابة عن هذه الأسئلة نقول: ليس المراد من ذلك الاستحضار لزينب (عليها السلام) إعطاءها شهادة في البطولة، فهي بالغنى عنها لأن قيمة الإنسان المعنوية لا تحددها أمثال هذه الشهادات التي لا تقدم ولا تؤخر في الميزان الواقعي الذي نزن من خلاله القيم المتجسدة بأعمال الإنسان وتضحياته ومواقعه الرسالية والجهادية.
وكذلك ليس المطلوب من ذلك الاستحضار إثبات قيمة المرأة الإسلامية ودورها في مسيرة الأمة، لأن قيمتها ودورها محددان في النصوص الأصيلة في القرآن الكريم والأحاديث الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام).
نعم، نحن بحاجة إلى هذا المؤتمر وأمثاله لتصحيح أمرين أساسيين في مسيرة أمتنا ومجتمعاتنا الإسلامية وهما:
أولاً: رفع الغبن والتخلف اللاحق بالمرأة نتيجة ممارسات اجتماعية مرتكزة تسربت إلينا عبر العادات والتقاليد التي أرستها الأجيال المتعاقبة، مما لعب درواً في حصول وتحقق هذا التخلف الذي سرى على كثير من العناوين الأساسية التي حرمت منها المرأة كحق التعليم والعمل الإجتماعي والسياسي والتربوي وغيره.
ثانياً: السعي للنهوض بالمرأة إلى أن تصبح عضواً فاعلاً في مسيرة الأمة وذلك عبر السماح لها بممارسة دورها الإيجابي البناء في كل المجالات.
وكلا هذين الأمرين يحتاجان بالتأكيد إلى دراسة معمقة وإلى وضع الخطط اللازمة ليعود التوازن الذي ينتج عن تصحيح المسيرة بشكل عام.
إلا أنه في الوقت نفسه ندعو إلى عدم التسرع والاستعجال في فرض الحلول المطلوبة على المجتمع بنحو الإكراه والإجبار، أو عبر التسلح بالحق القانوني للمرأة أو التشريعي فقط لمحاولة تغيير النظرة العامة عند مجتمعنا عن المرأة في مواجهة العادات والتقاليد الموروثة، لأن كل أمر قائم في المجتمع له ابعاده وجذوره فإن الناس لن يقبلوا تغييره بسهولة ما لم يقتنعوا ببطلان ما هم عليه وصوابية التوجه الذي نريد له أن يصبح قناعة لدى شعوبنا وأمتنا.
لهذا نحن ندعو إلى أن تسعى المرأة المسلمة لأخذ دورها في النهوض بالأمة، لكن لا على قاعدة التحدي لإثبات القدرة أمام الرجل كما هو المتعارف في الكثير من مفردات النشاطات التي تقوم بها المرأة، ولا ندعوها لكي تمارس دورها انطلاقاً من مقولة خاطئة وهي أنها دون الرجل في المرتبة والواجبات والحقوق، لأن كلاً من التحدي والدونية لا يحققان الهدف المنشود وهو (التكامل في حركة الرجل والمرأة من أجل استكمال نهضة الأمة ونشر الوعي الرسالي بين جميع طبقاتها وأفرادها.
وانطلاقاً من الحديث القائل (إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق) ينبغي على الخطط التي توضع للتنفيذ أن تأخذ بالاعتبار الجانب التشريعي من جهة، وأن تلحظ الواقع من جهة أخرى، حتى نستطيع أن نوازن بين الجهتين لنتمكن من اختراق ما هو قائم من التقاليد والعادات الموروثة التي تمنع من أن تقوم المرأة بدورها الكبير في مسيرة الأمة، وهذا الهدف لم يعد بعيد المنال كما نرى من الاستقراء في ساحاتنا حيث أصاب الخلل الكثير من تلك الموروثات، وإن كان هذا الخلل الذي أصاب بعض ذلك لم يكن ناتجاً عن العودة إلى الأصالة الإسلامية، وإنما من واقع نظرية التحرر الغربية للمرأة، إلا أننا قادرون على تطويع هذه التغيرات وطبعها بالطابع الإسلامي في الجوانب الإيجابية كونها لا تتنافى مع تشريعنا من هذه الناحية، مثل حق التعليم والعمل والمشاركة في النشاط الاجتماعي والسياسي والفكري والإعلامي وما شابه ذلك، وإن كنا لا نقر التحرر النسائي في جوانبه السلبية كالسفور والتبرج واستغلال مفاتن المرأة الجسدية كما يحصل في العالم المعاصر.
لهذا نحن نعتقد أن الإمام الخميني (قدس سره) هو الوحيد الذي استطاع أن يحدث ثورة بكل ما لهذه الكلمة من معنى في هذا المجال، ويمكن أن تكون النصوص التي تركها خير معين لنا بالإضافة إلى النصوص الأصلية من القرآن والسّنة والسيرة العطرة ـ إيمانياً وجهادياً ـ لنساء أهل البيت (عليهم السلام) ونساء عصر النبي (صلى الله عليه وآله).
وبما أن المؤتمر يأخذ من زينب الكبرى (عليها السلام) عنواناً له، فهي خير مثل تحتذيه المرأة المسلمة وتأخذه شعاراً لها في هذه الرحلة الخطيرة جداً من تاريخنا، حيث لم يبق في ساحة الصراع إلا هذه القلة المؤمنة في العالم، والتي على عاتقها اليوم حمل العبء الثقيل في مجال الجهاد والدفاع عن الإسلام عقيدة ونهج حياة كريمة في مواجهة الاستسلام والرضوخ لإرادة الإستكبار العالمي على مستوى العالم الذي تقوده أمريكا (الشيطان الأكبر)، وتسليم منطقتنا العربية وأمتنا الإسلامية للكيان الغاصب للقدس في هذه المنطقة الحساسة.
إن هذا الصراع بحاجة إلى جهود الجميع رجالاً ونساءً وعلى كل المستويات، لكن علينا أن نضبط أعمالنا بالطريقة التي تسمح بأن تعود المرأة المسلمة لممارسة دورها كاملاً على مستوى تقرير مصير الأمة في الحاضر والمستقبل. والحمد لله رب العالمين1.
- 1. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد حفظه الله تعالى.
- مركز الإشعاع الإسلامي
تعليق