إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

نقاط جوهرية في شخصية الإنسان

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • نقاط جوهرية في شخصية الإنسان

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد
    ركّز القرآنُ الكريمُ على عدّة نقاطٍ جوهريّةٍ في شخصية الإنسان لا يمكننا استيعابها في هذه المحاضرة وإنّما نشير إلى مجموعةٍ منها:

    السّمة الأولى: أنّ الإنسان ظلومٌ.
    هذه عدّة آياتٍ تعبّر عن الإنسان أنّه ظلومٌ: ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ ظلوم يعني الإنسان كثير الظلم، الظلوم هو كثير الظلم، الإنسان كثير الظلم، هل الظلم صفة متأصلة في ذات الإنسان لا يمكن أنْ يفارقها ؟
    يعني الذي لا يظلم هو الاستثناء وإلا القاعدة هي أنْ يظلم الإنسانُ، فإنْ تجد ذا عفةٍ فلعلة لا يظلمُ، هل الظلم هكذا أم لا؟! القرآن يُرْجِعُ الظلمَ إلى جذرٍ آخر، يقول: الظلم ليس هو الأساس، الظلم عرضٌ له جذرٌ آخر، ما هو؟ ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ متى يطغى؟ متى يظلم؟ إذا رأى نفسه استغنى عن الآخرين، مادام محتاجًا للآخرين فإنّه يعيش الانقيادَ ويعيش التّسليمَ، وبمجرّد أنْ يشعر بالغنى وعدم الحاجة يبدأ في الطغيان والاعتداء والظلم، ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾.

    وهذا الطغيان وهذا الظلم منشؤه غريزةٌ وهي غريزة التّملك، كلّ إنسانٍ يعيش غريزةَ التّملك، يحبّ تملك الأشياء، يحبّ أنْ يسيطر عليها، يحبّ أنْ يستولي عليها، ولذلك الله سخّر له هذا الكونَ كله لأنّه ينسجم مع غريزة التّملك لدى الإنسان، ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ ، غريزة التّملك هي غريزة متأصّلة، لكنّ الدّين عالجها، قال: اصرف غريزة التّملك للأمور المحللة ولا تذهب بها إلى الظلم والطغيان، ”يُسْألُ العبدُ يوم القيامة عن أربع: عن شبابه فيما أبلاه، عن عمره فيما أفناه، عن ماله مِنْ أين اكتسبه، وفيما أنفقه“.

    السّمة الثانية: أنّ القرآن الكريم يصف الإنسانَ بأنّه عجولٌ.
    ﴿وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا﴾ كيف يعني يدعو بالشّرّ دعاءه بالخير؟

    نحن نجلس في المسجد ونقرأ آية أمّن يجيب المضطر ونرفع أيدينا لكن ندعو بماذا؟! شخص رافع يده لماذا؟ يا الله أرزقني السيارة الفلانية! شخص رافع يده: يا الله أرزقني المرأة الفلانية «تلك تلك المرأة»! يا الله.. يركّز على أشياء ماديّةٍ معيّنةٍ، هو يرى أنّ هذا دعاءٌ بالخير لكنّه أحيانًا يكون دعاءً بالشّرّ، ﴿وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا﴾، لا يقول: اللهم ارزقني الصّالح لي، أنت أعرف بالصّالح، ما هو الصّالح لي؟ الصّالح لي هذه الزّوجة أم تلك؟ الصّالح لي هذا البيت أم ذاك؟ الصّالح لي هذا التّخصّص أم ذاك التّخصّص؟ الصّالح لي هذا الأسلوب أم ذاك الأسلوب؟ لا! لا! أنا لا أريد الصّالح! لا! الصّالح لا! أريد ذاك! الصّالح؟! أنا أريد ذاك الموضوع لا أريد غيرَه! فالإنسان بمجرّد أنْ يرى أمرًا معيّنًا ينسجم مع غريزته، ينسجم مع نفسه، ينسجم مع عاطفته، يركّز عليه في الدّعاء، فهو نظر إلى خيريّة هذا الشّيء لا الخيريّة الواقعيّة لا الخيريّة العقلانيّة وإنما الخيريّة النّفسيّة المنسجمة مع ذاته، المنسجمة مع غرائزه، ولو لم يكن عجولاً وتأمّل وتدبّر ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ فلو لم يكن عجولاً وكان متأمّلاً متدبّرًا لركّز على الخير الواقعي لا الخير العاطفي، لا الخير النفسي.

    ﴿وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا﴾﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ﴾ إذن العجلة أين ترجع؟ لأي جذر؟ إذا نريد نُرْجِع العجلة لجذر واقعي، ترجع إلى الحرص، الإنسان عنده حرص، ما معنى الحرص؟ ليس بخلاً، الحرص بمعنى أنْ يكون حريصًا على أنْ يحصل على منافعه بأسرع وقت ممكن، وهذا ينطلق مِنْ غريزة حبّ الحياة، الإنسان يمتلك غريزة ذاتيّة متأصّلة لا يمكن أنْ ينفكّ عنها هي غريزة حبّ الحياة، حبّ الحياة يدفعه إلى الحرص، يعني: إلى أنْ يركّز على منافعه، والحرص هو الذي يدفعه إلى العجلة، لأنه يخاف أنْ تفوت منه هذه المنافعُ العاجلة العابرة، فيكون عجولاً في استيفائها.

    السّمة الثالثة مِنْ سمات الإنسان: أنّ الإنسان كفورٌ.
    القرآن يقول: ﴿قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ﴾ يعني شديد الكفران بالنّعمة، ليس الكفور يعني كفور بربّه، يعني كفورٌ بالنعم ومنها نعم ربّه، ﴿قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ﴾، ولذلك قال في آية أخرى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ ﴿وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ ، الكفران بالنعمة موجودٌ عند الإنسان ﴿قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ﴾ لماذا؟ لماذا يكون الإنسان متسمًا بالكفران بالنعمة؟ الكفران بالنعمة يرجع إلى جذرٍ آخر أيضًا، لماذا يكفر؟ لأنه جهولٌ، هذا الوصف الذي وصفه به في آية أخرى: ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ الجهل يقود إلى الكفران بالنعمة، لماذا؟لأن الإنسان إذا حظي بالنّعم يسترخي وينسى أنّ هذه النّعم زائلة وعابرة، طبيعة الإنسان، ان، لذلك ترى نحن مجتمعاتنا - مجتمعاتٌ تعيش رخاءً نسبيًا معيّنًا «تعيش استرخاءً، تعيش استمهالاً» تعيش نسيانًا إلى أنّ هذه النّعم ليست نعمًا دائمة، هذا البترول وهذا الغاز وهذه الطاقات المتفجرة أرضًا وجوًا ليست نعمًا دائمة، إنّها نعمٌ زائلة، إنّها نعمٌ عابرة، إنّها نعمٌ إذا أسيء استخدامها اضمحلت وذهبت، الإنسان عندما يكون مغرورا بالنعمة ويسترخي ويسترسل مع النعمة ينسى أنّ هذه النّعمة ليست له وإنّما أعطيت له بمثابة أمانة لوقتٍ محدّدٍ، وهذا لجهله، فجهله بحقيقة النّعم هو الذي يدفعه إلى أنْ يكون إنسانًا كفورًا، ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ - عندك غاز وعندك بترول والعالم كله يحيك أنت بيدك الأموال والثروات! - يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ يعني يبتلى بالحروب، المجتمع يتدمر، كيف يتدمر؟ بالحرب، ﴿فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾.

    السّمة الرّابعة: سمة الجدل.
    كما ذكرنا، ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾، ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا﴾ الجدل عرضٌ له جذرٌ ينتسب إليه، الجذر هو قوّة العقل، قوّة العقل جذرٌ يمكن أنْ يستخدمه الإنسانُ في صالحه كما يقول القرآن الكريم: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ ، وورد عن النبي محمّدٍ أنّه قال: ”تفكّر ساعةٍ خيرٌ مِنْ عبادة سنةٍ“ التّفكير الذي يقودك إلى الطاعة، وورد عنه : ”العقل ما عُبِدَ به الرّحمنُ واكْتُسِبَ به الجنانُ“ لكنّ الإنسان يسيء استخدامَ العقل، يحاول دائمًا أنْ يغطي على عيوبه وعلى أخطائه بالجدل وبالإصرار على أهدافه وعلى ما يريد ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾.

    الصّفة الخامسة: الضّعف.
    ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ ، ومِنْ مظاهر هذا الضّعف ما قاله في آيةٍ أخرى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا﴾ الهلع، الهلع نقطة ضعفٍ في الإنسان، الإنسان الذي يعيش دائمًا قلقًا وخوفًا هذا الإنسان الذي يعيش الهلعَ الهلعُ نتيجة ضعفه، ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾، ما معنى خُلِقَ الإنسان ضعيفًا؟

    يعني أنّ الإنسان أعْطِيَ قوى، فكما أعْطِيَ قوّة العقل - وهذه نقطة قوّةٍ - أعْطِيَ غرائز، وهذه الغرائز ما لم تخضع تحت سيطرة العقل فإنّها منشأ ضعف الإنسان وضعف شخصية الإنسان، إذا سيطرت عليه الغرائزُ الشّهويّة صار كالحيوان ينقاد لشهوته تمامًا، ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي﴾ ، إذا انصرف إلى شهوته، انقاد إلى النفس الأمّارة، هذه نقطة ضعفٍ.

    الإنسان أيضًا يمتلك غريزة الحذر، مثلما يمتلك الغريزة الشّهويّة يمتلك غريزة الحذر، إذا زاد الحذر عن حدّه صار الإنسانُ هلوعًا، لأيّ شيءٍ يجزع، لأيّ شيءٍ يخاف، لأيّ شيءٍ يقلق، لأيّ شيءٍ يضطرب، الهلع نتيجة غريزة الحذر والخوف عند الإنسان.

    إذن الإنسان خُلِقَ ضعيفًا يعني أعْطِيَ مجموعة غرائزَ، وأيضًا خُلِقَ قويًا لأنّه أعْطِيَ عقلاً يقتدر به على السّيطرة على هذه الغرائز والتّحكّم في مسيرتها ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾​

  • #2
    احسنتم ويبارك الله بكم
    شكرا لكم كثيرا
    مأجورين

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X