بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
غالبا ما نسمع ونردد أن للجنة درجات ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾[1]، فما هي هذه الدرجات، وكيف تكون، ومن أصحابها، وكيفية الحصول عليها؟
والجواب: بما أن الباري عز وجل هو الخالق العادل ولا يظلم مثقال ذرة، ومعنى العدل هو اعطاء كل ذي حق حقه أو وضع الامور في مواضعها، فمن الطبيعي أن العبد لما يقدم على الأعمال الصالحة وأعمال الخير والبر والمقامات، وقبل ذلك بما أن التفاوت من قبل العبد حاصل في هذه الأعمال كما ونوعا، فلابد أن يكون جزاءها وثوابها عند الله الحكيم متفاوتا أيضا، فلا يمكن أن يكون صاحب العطاء القليل متساوٍ مع صاحب العطاء المتوسط أو الكثير؛ لأن المساواة أحيانا تكون عدلاً عندما يكون العطاء بنفس الكم والنوع ، وأحيانا أخرى تكون ظلماً عندما يكون التفاوت في الكم أو في النوع حاصل بين الطرفين، فلابد من المقابلة في العطاء من قبل الباري عز وجل بالعدل لقوله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾[2] .
فالقرآن الكريم يتدرج في بيان مراتب الجنان لقوله تعالى في آيات عديدة في سور مختلفة:-
1ـ ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾[3].
2ـ ﴿ أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[4].
3ـ ﴿قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيرًا ﴾[5].
4ـ ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * ذَوَاتَا أَفْنَانٍ * وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ *مُدْهَامَّتَانِ﴾[6].
5ـ ﴿أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ﴾[7].
6ـ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً﴾[8]، وغيرها من السور.
أما كيف تكون الجنة ففي اعتقادنا في الجنة أنها دار البقاء ودار السلامة، لا موت فيها ولا هرم ولا سقم ولا مرض ولا آفة، ولا زمانة ولا غم ولاهم ولا حاجة ولا فقر، وأنها دار الغناء والسعادة، ودار المقامة والكرامة، لا يمس أهلها فيها نصب ولا لغوب، لهم فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وهم فيها خالدون، وأنها دار أهلها جيران الله وأولياؤه وأحباؤه وأهل كرامته، واصحاب المراتب هم على أنواع: منهم المتنعمون بتقديس الله وتسبيحه وتكبيره في جملة ملائكته، ومنهم المتنعمون بأنواع المآكل والمشارب والفواكه والأرائك وحور العين، واستخدام الولدان المخلدين، والجلوس على النمارق والزرابي ولباس السندس والحرير، كل منهم إنما يتلذذ بما يشتهي ويريد حسب ما تعلقت عليه همته، ويعطى ما عبد الله من أجله، وأقل المؤمنين منزلة في الجنة من له مثل ملك الدنيا عشر مرات، واعلاها مرتبة هي الوسيلة كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ((سلوا لي الوسيلة)) .
وأما أصحابها فهم كثرة بحسب أعمالهم فمنهم مثلا:-
عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: ((إِنَّ لِلْجَنَّةِ بَاباً يُقَالُ لَهُ الْمَعْرُوفُ لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا أَهْلُ الْمَعْرُوفِ، وَأَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الْآخِرَةِ))[9].
وعَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَقُولُ: ((إِنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ لَيَذْهَبُ إِلَى الْجَنَّةِ، فَيَمْهَدُ لِصَاحِبِهِ، كَمَا يَبْعَثُ الرَّجُلُ غُلَاماً فَيَفْرُشُ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾))[10].
وروي عن رسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : ((إنَّ لِلجَنّةِ باباً يُدعى «الرَّيّانَ»، لا يَدخُلُ مِنهُ إلّا الصّائمونَ))[11] .
وباب للصبر وباب للصدقة والسخاء وحسن الخلق وكف الأذى عن عباد الله..
فيكون الحصول عليها من خلال هذه الأعمال ومثيلاتها.
_____________________________________
[1] سورة آل عمران السجدة، الآية: 163.
[2] سورة الأنعام، الآية: 132.
[3] سورة الواقعة، الآيات:10 ـ12.
[4] سورة الم السجدة، الآية: ـ19.
[5] سورة الفرقان، الآية: 15.
[6] سورة الرحمن، الآيات: 46 ـ48 ـ62 ـ64.
[7] سورة الكهف، الآية:31.
[8] سورة الكهف، الآية: 107.
[9] الكافي، ج 4، ص 30.
[10] الأمالي، الشيخ المفيد، ص 195.
[11] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 93، ص 252.
تعليق