بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
اللهم صل على محمد وآل محمد
الاستغفار خلق مميز لمن أمضى وطرا من حياته ولحظات عمره، في ارتكاب المعصية والخروج عن ساحة الخالق العظيم المقدسة، الى ساحة الشيطان الخسيس الذليل القذرة والمهانة، ففي لحظة انتباه من غفلة ارتكاب المعاصي ينتاب الإنسان صدمة الضمير والعود الى الفطرة السلمية، وهي أنني مخلوق من قبل الباري وأعيش في ظله وتحت رحمته ورعايته فكيف سولت نفسي بالخروج عن طاعته وانا العبد الضعيف الحقير المسكين المستكين الذي لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا حياة ولا نشورا؟ كيف اطيع عدوه والذي أبلس من رحمته وتحدى عظمته وقدرته؟ فأين عقلي ولُبي؟ بل أين إرادتي؟ أيسلبها مخلوق مثلي؟ هيهات هيهات يجب أن اعود إلي رشدي، وأنقلب على سريرتي ورغبتي بالشهوات وبحثي عن زينة الحياة الدنيا الزائلة، التي غرتني كما غرت غيري معي وقبلي وتغر من هو بعدي!
فعليّ أن ألجأ إلى ما لجأ إليه أنبياء الله وأوصيائهم وأوليائه والصالحين من عباده، لسلوك طريقهم وكيف يكون الاستغفار من هذه الذنوب، علما أنهم ليسوا ممن يرتكب الذنوب كما نحن:
حينما نقرأ بعض الآيات القرآنية والنصوص الحديثية نجد أن الأنبياء والأئمة عليهم السلام، يكثرون من الاستغفار وطلب التوبة.
فعَنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) أَنَّهُ قَال: ((إِنَّهُ لَيُغَانُ (يغشى) عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً)) جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، ج 15، ص 497.
وهنا يتبادر الى ذهننا السؤال التالي:
الاستغفار يعني التوبةُ من ذنب، والأنبياء والأئمة معصومون من الذنب والخطأ، (أي لا يذنبون)، فلماذا يستغفرون؟؟؟
يجيب العلماء عن ذلك:
1- إن استغفار الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) ليس من الذنب والمعصية حتى يكون منافياً لمقام العصمة، بل الاستغفار ذِكرٌ محبوب، وهو بمثابة ارتباط نوراني مع الله، وجلاءٌ للقلب من الهموم والغموم، ومما يحيط بهم من ذنوب الناس والذي يُكدّر صفاء الروح..
2- ورد أن استغفار المعصومين هو من "ترك الأولى"، (أي: ترك عملٍ غير واجب كان الأولى بهم فعله، أو فعل عملٍ مباح لا حرمة فيه كان الأولى بهم تركه).
وبحسب التتبع لم يصدر "ترك الاولى" من رسولنا والأئمة عليهم السلام، لكنّ في بقية الأنبياء عليهم السلام، فقد ثبت صدور أشياءٍ عنهم ـ حكاها القرآن الكريم ـ تُحمل على "ترك الأولى"، وهذا أحدُ ادلة أفضلية الأئمة على الانبياء.
يقول العلاّمة الإرْبِلي: الاَنبياء والاَئمّة تكون أوقاتهم مشغولة بالله تعالى.. فمتى انشغلوا بالأكل والشرب وغيره من المباحات، عَدّوهُ ذنباً واستغفروا منه، لأنهم انشغلوا عن ذكر الله سبحانه في هذا الوقت.
3- ومن أسباب استغفار المعصومين: من أجل تربية الناس وتعليمهم طريقة الاستغفار والتوبة والاعتذار من الأخطاء والرجوع الى جادة الصواب، سواءً كان الخطأ مع الله سبحانه او مع الناس، لذا فاستغفارهم في كثير من الأدعية إنما هو تربوي.
4- ولا يخفى-ايها الأعزاء-أن الاستغفار له آثار كثيرة لا تنحصر فيما ذكرنا، فَمَنْ أكثر الاستغفار جعلَ اللهُ له من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب، ويطرد الشياطين..
وقيل في تفسير الحديث: لمّا كان قلب النبيّ (صلى الله عليه وآله) أتمّ القلوب صفاءً وأكثرها ضياءً وأعرفها معرفةً، وكان (صلى الله عليه وآله) مبيّناً مع ذلك لشرائع الملّة وتأسيس السُنّة ميسّراً غير معسر لم يكن له بدّ من النزول إلى الرخص والالتفات إلى حظوظ النفس مع ما كان متمتّعاً به من أحكام البشريّة، فكأنّه إذا تعاطى شيئاً من ذلك أسرعت كدورة ما إلى القلب لكمال رقّته وفرط نورانيّته، فإنّ الشيء كلمّا كان أصفى كانت الكدورة عليه أبين وأهدى.
وكان (صلى الله عليه وآله) إذا أحسّ بشيء من ذلك عدّه على النفس ذنباً فاستغفر منه.
جعلنا الله وإياكم من المستغفرين التائبين