[ حول آية السامري والإشكالات الواردة ]

إذا كان إتيان الله تعالى الآية بمن يعلم أنه يستفسد بها العباد ويدعوهم لأجلها إلى الضلال والفساد ، مستحيلا في العقول لما يؤدي إليه من انسداد الطريق إلى معرفة الصادق من الكاذب عليه ، ولكون ذلك وهنا في حكمته تعالى وعلم بالقبح وغناه عنه، فكيف جاز أن يمكن السامري من أخذ القبضة التي فعل الله تعالى الخوار في العجل عند إلقائه لها فيه ، وقد كان مغويا لاتباعهم بني إسرائيل له بطاعتهم
إياه وقبولهم منه وإذعانهم إليه ، وقد نطق القرآن بذلك في قوله سبحانه ( فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار ، فقال هذا إلهكم وآله موسى ) إلى آخر القول ، وقال سبحانه حكاية عن موسى عليه السلام ( فما خطبك يا سامري قال * بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول وكذلك سولت لي نفسي ) وجاءت الأخبار بأنه أخذ هذه القبضة من تحت قدمي الملك ، وقال : إنه رآه وقد وطئ مواتا فعاش ، وكيف ساغ تمكينه من ذلك ؟ فقد استدعى به بني إسرائيل إلى الضلال وكان معلها كونه منه بهذه القبضة لله تعالى . وهل يجئ من كون ذلك قادحا في حكمة الله سبحانه ؟ كون العقول دالة على بطلان ما دعى إليه . وفعل الآية مع المبطل من فاعلها سواء كان ما ادعى إليه جائزا في العقول ، أو في حيز المحال ، لأنها ينوب في التصديق له مناب قوله ( قد صدقت الرؤيا ) وإذ لا فرق بين تصديقه فعلا وقولا ، ومن صدق كاذبا فليس بحكم وهل يجئ من ذلك ما يمكن بتجويزه من تقدم القاء القبضة والخوار من دعوى السامري .
وأي فرق بين كون ذلك الذي ادعاه شافعا للخوار وبين تقدمه له ؟ في قبح تمكينه منه ، مع العلم أنه يستند به لكون القبضة والإلقاء معلومين للناس من جهته وصنعه ، وليس يجري ذلك مجرى ما يشاهده الناس من أن يتقدم على دعواه داع إلى الباطل أو يتأخر عنها ، لأن ذلك لا يكون معلوما وقوعه منه وحصوله من فعله ، كما حصل القاء القبضة معلوما من جهة السامري ، وشفع إلقاءه لها الخوار الذي وقع الفتنة به . فلينعم بما عنده في ذلك .

الجواب :
اعلم أن العلماء قد تأولوا هذه الآية على وجهين ، كل واحد منهما يزيل المعترضة فيها ، أحدهما - وهو الأقوى والأرجح - أن يكون الصوت المسموع من العجل ليس بخوار على الحقيقة ، وإن أشبه في الظاهر ذلك . وإنما احتال السامري بأن جعل في الذي صاغه من الحلي على هيئة العجل فرجا ومنافذ وقابل به الريح ، فسمعت تلك الأصوات المشبهة للخوار المسموعة من الحي وإنما أخذ القبضة التراب من أثر الملك وألقاها فيما كان سبك من الحلي ليوهمهم أن القبضة هي التي أثرت كون العجل حيا مسموع الأصوات ، وهذا مسقط للشبهة .
والوجه الآخر : أن الله تعالى كان أجرى العادات في ذلك الوقت ، بأن من أخذ مثل تلك وألقاها في شئ فعل الله تعالى فيه الحياة بالعادة ، كما أجرى العادة في حجر المقناطيس ، بأنه إذا قرب من الحديد فعل الله تعالى فيه الحركة إليه . وإذا وقعت النطفة في الرحم فعل الله تعالى فيها الحياة . وعلى الجوابين معا ما فعل الله تعالى آية معجزة على يد كذاب ومن ضل عن القوم عند فعل السامري ، إنما أتى من قبل نفسه .
أما على الجواب الأول أنه كان ينبغي أن يتنبه على الحيلة التي نصبت حتى أوهمت أنه حي وأن له خوار ، وإذا لم سخت عن ذلك فهو القاصر ، وعلى الجواب الثاني قد كان يجب أن يعلم أن ذلك إذا كان مستندا إلى عادة جرت بمثله ، فلا حجة فيه وليس بمعجزة . ولم يبق مع ما ذكرناه شبهة
[1]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ


[1] ـ رسائل الشريف المرتضى: ج1، ص420.