اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا عَيْنَ الْحَياةِ
بحث الغيبة الصغرى للحجه(عجل الله فرجه).
بسمه تعالى
اللهم صلّ على محمد وآل محمد وعجل فرج قائم آل محمد ، اللهم ارني الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة.
ببركة محمد وآل محمد وعون من صاحب الروح والزمان المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف وجعلنا من أنصاره وأعوانه ومدد من السيدة زينب عليها السلام وفي يوم ميلادها الشريف نشرع بكتابة بحثاً متواضعاً ممزوجاً بالحب والانتظار عن الغيبة الصغرى للإمام الغائب الحاضر روحي وأرواح العالمين له الفداء سائلين المولى عز وجل أن يتقبل منا هذا قليل القليل المتواضع بقبوله الحسن.
جمادى الأولى ٥
بقلم الخادم: صاحبي الغائب.
حياته مع والده العسكري صلوات الله عليهم:
بدايةً لابد من الشروع إلى حياة الإمام صلوات الله عليه في عهد أبيه الحسن العسكري عليه السلام وهي تعتبر بداية الغيبه الصغرى للإمام حيث كان يعيش مع والده في سامراء وكان الإمام العسكري عليه السلام يبدأ له عناية خاصة حيث أنه لم يظهره للناس عامة فقط للثقاة من الشيعة كونه أمام آخر الزمان ويُعرفه لهم بأنه الإمام الثاني عشر وبعد أن دُس السم للأمام العسكري عليه السلام وكان سماً قاتلاً مما جعل يدي الإمام يرتعشان حضر الإمام المهدي عجل الله فرجه عند والده ليعينه على شرب الدواء ويمسك الإناء الذي كان يصطلك بأسنان الإمام العسكري عليه السلام بسبب رعشت يديه من تأثير ذلك السم كان ذلك اللقاء آخر اللقاء وآخر العهد مع أبيه العسكري عليه السلام وفارق الحياة بعدها تاركً خلفه صبياً يتيماً غريباً وحيداً.
الغيبة الصغرى:
تسلم الإمام المهدي ( عليه السلام ) المهام وهو ابن الخمس أو الستة أعوام وليس غريب هذا على الأنبياء و الأوصياء فقد سبقه لذلك بعض الانبياء حسب نص القرآن الكريم كـالنبي عيسى عليه السلام والنبي ويحيى عليه السلام. كما سبقه الإمام علي الهادي والإمام محمد الجواد صلوات الله عليهم ، فقد خاض الإمام الجواد امتحانين عامين الأول كان بحضور مشايخ مذهب أهل البيت عليهم السلام وعلمائهم وبعد تسلمه لمنصب الإمامة كان الامتحان الثاني في مجلس المأمون بحضور علماء المسلمين وكبار زعماء العباسيين، وقد خرج من كلا الامتحانين بنجاح باهر، كان أهم اثمار هذه التجربة إثبات إمامة الائمة الاثني عشر لذلك نلاحظ علماء المسلمين الذين ترجموا للإمام المهدي عليه السلام اعتبروا تسلمه للإمامة وهو إبن الخمس أعوام أمر طبيعي، غيبة النعماني.
أول مهام الحجه المنتظر:
كان من أول مهامه عجل الله فرجه بعد تسلمه للإمامة هي الصلاة على والده العسكري عليه السلام وإعلان وجوده ².
روية الشيخ الطوسي عن أحمد بن عبد الله الهاشمي من ولد العباس قال:
حضرت دار أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام بسر من رأى يوم توفي، وأخرجت جنازته ووضعت، ونحن تسعة وثلاثون رجلا قعود ننتظر، حتى خرج إلينا غلام عشاري حاف عليه رداء قد تقنع به.
فلما أن خرج قمنا هيبة له من غير أن نعرفه، فتقدم وقام الناس فاصطفوا خلفه فصلى عليه ومشى فدخل بيتاً غير الذي خرج منه ³.
وحدث أبو الأديان قال: كنت أخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام وأحمل كتبه إلى الأمصار فدخلت عليه في علته التي توفي فيها صلوات الله عليه فكتب معي كتبا وقال: امض بها إلى المدائن فإنك ستغيب خمسة عشر يوما وتدخل إلى سر من رأى يوم الخامس عشر و تسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل. قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي فإذا كان ذلك فمن؟ قال: من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي، فقلت: زدني، فقال: من يصلي علي فهو القائم بعدي، فقلت: زدني، فقال: من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي، ثم منعتني هيبته أن أسأله عما في الهميان.
وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها ودخلت سر من رأى يوم الخامس عشر كما ذكر لي عليه السلام فإذا أنا بالواعية في داره وإذا به على المغتسل وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار والشيعة من حوله يعزونه ويهنونه، فقلت في نفسي: إن يكن هذا الامام فقد بطلت الإمامة، لأني كنت أعرفه يشرب النبيذ ويقامر في الجوسق ويلعب بالطنبور، فتقدمت فعزيت وهنيت فلم يسألني عن شئ، ثم خرج عقيد فقال: يا سيدي قد كفن أخوك فقم وصل عليه فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمان والحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة.
فلما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفنا فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه، فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجبذ برداء جعفر بن علي وقال: تأخر يا عم فأنا أحق بالصلاة على أبي، فتأخر جعفر، وقد أربد وجهه واصفر ⁴.
²) إعلان الهداية الباب الثالث_ ص ١٢٧.
³)الغيبة – الشيخ الطوسي – ج ١ – الصفحة ٢٨١
⁴)كمال الدين وتمام النعمة - للشيخ الجليل الأقدم الصدوق – ج ١ – الصفحة ٥٠٣
______________________
فتقدم الصبي وصلى عليه ودفن إلى جانب قبر أبيه عليهما السلام ثم قال: يا بصري هات جوابات الكتب التي معك، فدفعتها إليه، فقلت في نفسي: هذه بينتان بقي الهميان، ثم خرجت إلى جعفر بن علي وهو يزفر، فقال له حاجز الوشاء: يا سيدي من الصبي لنقيم الحجة عليه؟ فقال: والله ما رأيته قط ولا أعرفه. فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي عليهما السلام فعرفوا موته فقالوا: فمن (نعزي)؟ فأشار الناس إلى جعفر بن علي فسلموا عليه وعزوه وهنوه وقالوا: إن معنا كتبا ومالا، فتقول ممن الكتب؟ وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول: تريدون منا أن نعلم الغيب، قال:
فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان (وفلان) وهميان فيه ألف دينار وعشرة دنانير منها مطلية، فدفعوا إليه الكتب والمال وقالوا: الذي وجه بك لاخذ ذلك هو الامام، فدخل جعفر بن علي على المعتمد وكشف له ذلك، فوجه المعتمد بخدمه فقبضوا على صقيل الجارية فطالبوها بالصبي فأنكرته وادعت حبلا بها لتغطي حال الصبي فسلمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي، وبغتهم موت عبيد الله بن يحيى بن – خاقان فجأة، وخروج صاحب الزنج بالبصرة فشغلوا بذلك عن الجارية، فخرجت عن أيديهم، والحمد لله رب العالمين.
)كمال الدين وتمام النعمة - للشيخ الجليل الأقدم الصدوق – ج ١ – الصفحة ٥٠٤
تاريخ الغيبة الصغرى:
تبدأ الغيبة الصغرى منذ استشهاد والإمام العسكري عليه السلام سنة 2٦٠ه تولى الإمام مهام الإمامة إلى حين وفاة السفير الرابع وهو الشيخ علي بن محمد السمري في النصف من شعبان سنة ٣٢٩ه ،اي ما يقارب سبعون سنة تاريخ الغيبة الصغرى و كانت بداية الغيبة الكبرى في ذكرى ولادته عجل الله فرجه وكانت هذه الغيبة تتميز بعدم الاستتار الكلي للإمام بل كان يتصل بعدد من المؤمنين وكذلك تتميز بالرسائل الصادرة منه صلوات الله وسلامه عليه وكذلك تتميز بوجود السفراء والوكلاء الخاصين بالإمام وهذه الفترة مثلت الظهور المباشر حياة ابائه وبين الاستتار الكامل للغيبة الكبرى.
أسباب الغيبة الصغرى وأهدافها
تميزت الغيبة الصغرى بميزات واهمها:
الميزة الأولى: لكي يتولى مسؤوليته الكبرى في قيادة قواعده الشعبية خاصة وان البشرية كلها عامة ،الى قوانين السعادة والسلام.
الميزة الثانية: عدم الإستتار الكلي للمهدي عليه السلام ، وإنما كان يتصل بعدد مهم من الخاصة، لأجل مصالح كبرى ستعرفها فيما بعد ، على حين بدأ الإستتار الكلي - إلا فيمن شاء الله عز وجل – بانتهاء هذه الفترة.
الميزة الثالثة :
وجود السفراء الأربعة ، الموكلين بتبليغ تعاليم الامام المهدي الى الناس من قواعده الشعبية بحسب الوكالة الخاصة المنصوص عليها من قبل المهدي نفسه او من قبل ابائه عليهم السلام .وكان الاسلوب الرئيسي للمهدي (ع) في قيادة قواعده الشعبية وإصدار التعليمات وقبض الأموال ، هو ما يكون بتوسط هؤلاء السفراء وما يتسنى لهم القيام به من قول أو عمل.
وقد خسرت الأمة الإسلامية هذه الوكالة الخاصة ، بوفاة السفير الرابع .وانتقل التكليف الإسلامي ، بعده إلى الإتكال على الوكالة العامة، الثابتة في الكتاب والسنة ،كما هو المعروض في محله من كتب البحوث والأحكام الإسلامية.
ولم تخل هذه الفترة من تشاويش وصعوبات ، عاناها السفراء والمهدي عليه السلام – وهو في غيبته – من أجل ادعاء أفراد معينين للوكالة لاخاصة زوراً ، ومعارضتهم للسفراء الحقيقيين ،وإغرائهم للناس بالجهل ، غير أنه كانت تكتب لهم الخيبة والفشل ، نتيجة للجهود الواسعة التي يبذلها السفراء في تكذيبهم وعزل الناس عنهم ، استشهاداً بأقوال الإمام المهدي وبياناته فيهم.
واهم هؤلاء المدعين ،واكبرهم تاثيراً في جماعات من الناس هو الشلغماني ابن ابي العزاقر. وسياتي التعرض الى موقفه وموقف المهدي عليه السلام منه تفصيلاً.
كما ان هذه الفترة ،لم تخل من مصاعب بلحاظ المطاردة الحادة التي كانت السلطات توجهها الى الامام المهدي عليه السلام بالخصوص. وقواعده الشعبية على وجه العموم .وبلحاظ المناقشات وانحاء الكلام والطعن الذي كان يصدر من القواعد الشعبية غير الموالية للأئمة عليهم السلام، وخاصة اؤلئك المتملقين للدولة والمستاكلين على مائدتها والمنتفعين بسياستها.
ولعل الثغرة التي كان يمكن لهؤلاء ان يصلوا اليها في مناقشاتهم كانت اوسع بعض الشيء مما كانت عليه مناقشات امثالهم في زمان ظهور الائمة عليهم السلام فان القواعد الشعبية الموالية .كانت في هذه الفترة فاقدة للاتصال المباشر بشخصية الامام عليه السلام ، تلك الشخصية الفذة النيرة التي تعطي من توجيهها وتدبيرها في نفض الشبهات وحل المشكلات ،الشيء الكثير ، مما يصعب على الوكلاء والسفراء القيام به الا بشكل يكون اضيق دائرة واقل درجة.
على ان الامام (ع) في بياناته ومقابلاته للاخرين لم يكن يأل جهداً في المناقشة والتوجيه والتدبير ،على ما سنذكر في مستقبل البحث بتوفيق الله عز وجل .
.(موسوعه السيد الشهيد محمد الصدر_تاريخ الغيبة الصغرى_ ص ٣٤١_٣٤٢(
السفراء الأربعة ونشاطهم:
ان السفراء الاربعة، الذين تولوا الوكالة الخاصة عن الإمام المهدي عليه السلام خلال غيبته الصغرى هم كل من: عثمان بن سعيد العمري، وابنه محمد بن عثمان العمري، والحسين بن روح النوبختي، وعلي بن محمد السمري. ووحودهم يشكل في الواقع المزية الرئيسية لهذه الفترة، وبانتهائهم انتهى عهد الغيبة الصغرى.
السفير الأول:
عثمان إبن سعيد العمري:
هو الشيخ الموثوق محمد بن عثمان بن سعيد العمري ، أبو عمرو الأسدي . وإنما سمي العمري نسبة إلى جده. وقد قال قوم من الشيعة: إن أبا محمد بن علي العسكري عليه السلام قال : لا يجمع على امرىء بين عثمان ، وأبو عمرو ، وأمر بكسر كنيته فقيل : العمري بفتح العين وسكون الميم.
ويقال له العسكري أيضاً ، لأنه كان من عسكر وهي سامراء ويقال له : السمان لأنه كان يتجر بالسمن تغطية على الأمر . وكان الشيعة إذا حملوا إلى أبي محمد عليه السلام ما يجب عليهم حمله من الأموال أنفذوا إلى أبي عمرو ، فيجعله في جراب السمن وزقاقه ، ويحمله إلى ابي محمد (ع) تقية وخوفاً(غيبة الشيخ الطوسي ص ٢١٤).
وكان الامام العسكري عليه السلام يكثر من مدحه والثناء عليه في مناسبات مختلفة ، وامام اناس كثيرين.
فمن ذلك انه (ع) قال: هذا ابو عمرو الثقة الامين . ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات. فما قاله لكم فمعنى يقوله ،ما أدى إليكم فعني يؤدي(1) ، وقال امام وفد من اليمن: امض يا عثمان ، فإنك الوكيل والثقة المأمون على مال الله ..(2)
حتى اشتهر حاله وجلالة شأنه بين الشعب الموالي .قال ابو العباس الجميري: فكنا كثيراً من نتذاكر هذا القول ، ويعني مدح الامام العسكري له، ونتواصف جلالة محل ابي عمرو(3) وقال وفد اليمن حين سمع من الامام مدحه: يا سيدنا ان عثمان لمن خيار شيعتك ،ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك وانه وكيلك وثقتك على مال الله تعالى(4). فلم تزل الشيعة مقيمة على عدالته (5) وتتسالم على وثاقته وجلالة قدره.
وحين يولد للامام العسكري عليه السلام ولده المهدي يبعث إلى أبي عمرو يأمره بأن يشتري عشرة الاف رطل خبز وعشرة آلاف رطل لحم ويفرقه على بني هاشم ، وأن يعق بكذا وكذا شاة (6).
ــــــــــــــــ
(1) الغيبة للشيخ الطوسي ص215. (2) نفس المصدر ص216.
(3) نفس المصدر ص215. (4) المصدر نفسه ص216.
(5) المصدر والصفحة . (6) الاكمال المخطوط.
السفير الثاني
محمد عثمان إبن سعيد العمري:
هو الشيخ الجليل محمد بن عثمان بن سعيد العمري ، تولى السفارة بعد أبيه ، بنص من الامام العسكري عليه السلام، حيث قال عليه السلام لوفد اليمن الذي أشرنا إليه: واشهدوا عليّ أن عثمان بن سعيد وكيلي ،وان ابنه محمد وكيل ابني مهديكم وبنص أبيه على سفارته بأمر من المهدي (ع).
وكانت قواعده الشعبية مجتمعة على عدالته وثقته وأمانته ، لا يختلف في ذلك اثنان من الامامية ،وكيف لا وفيه وفي أبيه ، قال الإمام الحسن العسكري عليه السلام ،لبعض أصحابه : العمري وابنه ثقتان فما أديا فعني يؤديان ،وما قالا لك فعني يقولان ، فاسمع لهما واطعهما فإنهما الثقتان المأمونان(1).
وكلمات الإمام المهدي عليه السلام فيه ، متظافرة ومتواترة ، فقد سمعناه يعزيه بوفاة أبيه ويثني عليه الثناء العاطر ،ويشجعه وهو في أول أيام اضطلاعه بمهمته الكبرى. وقال في حقه: لم يزل ثقتنا في حياة الأب - رضي الله عنه وأرضاه وانضر وجهه – يجري عندنا مجراه ويسد مسده ، وعن أمرنا يأمر الإبن وبه يعمل(2) . وغير ذلك من عظيم الاجلال والإكبار(3).
والتوقيعات كانت تخرج على يده ،من الإمام المهدي (ع) في المهمات ، طول حياته ، بالخط الذي كانت تخرج في حياة أبيه عثمان .لا يعرف الشيعة في هذا الأمر غيره ولا يرجع إلى أحد سواه .وقد نقلت عنه دلائل كثيرة. ومعجزات الإمام ظهرت على يده .وأمور أخبرهم بها عنه زادتهم في هذا الأمر بصيرة(4) .
وبقي مضطلعاً بمسؤولية السفارة نحواً من خمسين سنة(5). حتى لقي ربه العظيم في جمادى الأولى سنة خمس وثلثمائة(6) أو أربع وثلاثمائة (7).
ــــــــــــــــ
(1) الغيبة ص219. (2) المصدر ص220.
(3) نفس المصدر والصفحة . (4) نفس المصدر ص221.
(5) نفس المصدر ص223. (6) انظر الغيبة ص223 والكامل ج6 ص159 وابن الوردي ج1 ص255.
(7) انظر غيبة الشيخ الطوسي ص223 وأعلام الورى ص416
السفير الثالث
الحسين بن روح النوبختي:
هو الشيخ الجليل أبو القاسم الحسين بن روح ابن أبي بحر النوبختي .
من بني نوبخت.
وهو كغيره من السفراء وغيرهم ، لم تذكر عام ولادته ،ولا تاريخ مبدأ حياته. وإنما يلمع نجمه أول لمعانه كوكيل مفضل لأبي جعفر محمد بن عثمان العمري ، ينظر في أملاكه ، ويلقي باسراره لرؤساء الشيعة وكان خصيصاً به ، حتى أنه كان يحدثه بما يجري بينه وبين جواريه لقربه منه وأنسه .فحصل في انفس الشيعة محصلاً جليلاً لمعرفتهم باختصاصه بأبي جعفر وتوثيقه عندهم .ونشر فضله ودينه ،وما كان يحتمله من هذا الأمر " يعني الدعوة الإمامية المهدوية " .فمهدت له الحال في طول حياة أبي جعفر، إلى أن انتهت الوصية إليه بالنص عليه .فلم يختلف في أمره ولم يشك فيه أحد (1).
ــــــــــــــــ
(1) غيبة الشيخ الطوسي ص227.
وكان أول كتاب تلقاه من الإمام المهدي عليه السلام ، كتاب يشتمل على الثناء عليه، ومشاركة الحملة التي بدأها أبو جعفر العمري في تعريف الحسين بن روح للرأي العام والأصحاب ، ممن مشى على خط الأئمة عليهم السلام، وقد مثل هذا الكتاب آخر وأهم خطوة في هذا الطريق لكي يبدأ هذا السفير بعدها مهمته بسهولة ويسر. وقد دعا له المهدي (ع) في الكتاب، وقال: عرفه الله الخير كله ورضوانه، وأسعده بالتوفيق وقفنا على كتابه، وثقتنا بما هو عليه. وأنه عندنا بالمنزلة والمحل اللذين يسر أنه زاد الله في إحسانه إليه. إنه ولي قدير .والحمد لله لا شريك له وصلى الله على رسوله محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً.
وقد وردت هذه الرقعة يوم الأحد لست خلون من شوال سنة 305 . بعد حوالي الخمسة أشهر من وفاة أبي جعفر العمري ، الذي توفي في جمادى ألاولى من نفس العام .
وقد اضطلع أبو القاسم منذ ذلك الحين بمهام السفارة. وقام بها خيلا قيام ، وكان من مسلكه الإلتزام بالتقية المضاعفة ، بنحو ملفت للنظر ، بإظهار الإعتقاد بمذهب أهل السنة من المسلمين. يحفظ بذلك مصالح كبيرة ، ويجلب بها قلوب الكثيرين، على ما ياتي التعرض له فيما يلي من البحث .حتى أننا نسمع أنه يدخل عليه عشرة أشخاص تسعة يلعنونه وواحد يشكك ، فيخرجون منه تسعة منهم يتقربون إلى الله بمحبته وواحد واقف .يقول الراوي: لأنه كان يجارينا من فضل الصحابة ما رويناه وما لم نروه ، فنكتبه نحن عنه - رضي الله عنه-(1) وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على لبلقته وسعة اطلاعه وتوجيهه على هذا المسلك من قبل الإمام المهدي عليه السلام .
ــــــــــــــــ
(1) المصدر ص228
السفير الرابع
أبو الحسن علي إبن حسن السمري:
الشيخ الجليل أبو الحسن علي بن محمد السمري أو السيمري أو الصيمري .والمشهور جداً هو الأول مضبوطاً بفتح السين والميم معاً .والآخرين مضبوطين بفتح أولهما وسكون الياء وفتح الميم وربما قيل بالضم أيضاً.
لم يذكر عام ميلاده ،ولا تاريخ فجر حياته ،وإنما ذكر أولاً كواحد من أصحاب الإمام العسكري عليه السلام.
ذكر قائماً بمهام السفارة المهدوية ببغداد،بعد الشيخ ابن روح، بإيعاز منه عن الإمام المهدي عليه السلام(1).
ولم يرد في هذا الإيعاز خبر معين، وإنما يعرف بالتسالم والإتفاق الذي وجد على سفارة السمري بين الموالين، الناشىء لا محالة من تبليغ ابن روح عن الإمام المهدي (ع) .وقد سبق أن قلنا أن مثل هذا التسالم والإتفاق، كانت القواعد الشعبية الموالية للإمام (ع) تعتمده وتتبعه فيتبع في ذلك الجاهل العالم والبادي والحاضر .ووجود هذا التسالم مأخوذ في التاريخ جيلاً بعد جيل عن جيل الغيبة الصغرى ، ممما يعلم بوجوده ويحرز تحققه بالقطع واليقين.
تولى السفارة من حين وفاة أبو القاسم بن روح عام 326 ، إلى أن لحق بالرفيق الأعلى عام 329 في النصف من شعبان(2) فتكون مدة سفارته عن الإمام المهدي عليه السلام ثلاثة أعوام كاملة ، غير أيام.
ولم ينفتح للسمري ، خلال هذا الزمان القصير ، بالنسبة إلى أسلافه القيام بفعاليات موسعة ، كالتي قاموا بها، ولم يستطع أن يكتسب ذلك العمق والرسوخ في القواعد الشعبية كالذي اكتسبوه. وإن كان الإعتقاد بجلالته ووثاقته كالإعتقاد بهم.
ــــــــــــــــ
(1) أعلام الورى ص417
(2) انظر غيبة الشيخ الطوسي ص424 .وفي أعلام الورى أنه توفي عام 328 ،ص417 والمعتمد ما ذكره الشيخ الطوسي .قده
فما ذكره بعض المستشرقين، من أنه - أي السمري- ربما أدركته الخيبة ، فشعر بتفاهة منصبه وعدم حقيقته كوكيل معتمد للإمام المفترض(1)..ناشيء من عقيدة ذلك المستشرق في إنكار الإسلام وإنكار وجود المهدي عليه السلام. وإلا فأي تفاهة في مثل هذا المنصب الخطير الذي عرفنا خطوطه وأهميته .وهو يمثل القيادة العامة للملايين، بالنيابة عن إمامهم، في ظروف معاكسة خطرة ،ودولة مراقبة ومطاردة لهذا الخط وللسائرين عليه.
كما ان الشعور بعدم حقيقة الوكالة، أمر لا معنى له على الإطلاق بالنسبة إلى موقفه المباشر من الامام المهدي ، وتلقي التعليمات والتوقيعات منه ،واستيثاق قواعده الشعبية وعلماء الطائفة يومئذ به وركونهم إليه، وإنما كلام هذا المستشرق ناشيء من عقائده الخاصة ولله في خلقه شؤون.
نعم ، لا يبعد ان يكون لما ذكره ذلك المستشرق من كون تلك السنوات "مليئة بالظلم والجور وسفك الدماء"(2) دخل كبير في كفكفة نشاط هذا السفير، وقلة فعالياته .فإن النشاط الإجتماعي يقترن وجوده دائماً، بالجو المناسب والفرصة المواتية .فمع صعوبة الزمان وكثرة الحوادث وتشتت الاذهان ،لا يبقى هناك مجال لمثل عمله المبني على الحذر والكتمان.
ــــــــــــــــ
(1) عقيدة الشيعة لرونلدسن ص257
(2) المصدر والصفحة
وهذا بنفسه ،من الاسباب الرئيسية لانقطاع الوكالة بوفاة السمري وعزم الإمام المهدي عليه السلام على الإنقطاع عن الناس ، كما انقطع الناس عنه، وفرقتهم الحوادث عن متابعة وكلائه ..إلى أسباب أخرى نشير إليها في فصل آت من هذا التاريخ .
ولذا نجد السمري رضي الله عنه. يخرج إلى الناس قبل وفاته بأيام، توقيعاً من الإمام المهدي عليه السلام ، يعلم فيه انتهاء الغيبة الصغرى وعهد السفارة بموت السمري ،ويمنعه أن يوصي بعد موته إلى أحد ليكون سفيراً بعده.
ويقول عليه السلام فيه :
" بسم الله الرحمن الرحيم " :
يا علي محمد بن السمري! أعظم الله أجر إخوانك فيك .فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام ، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك. فقد وقعت الغيبة التامة .فلا ظهور إلا بإذن الله تعالى ذكره ،وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً وسيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة ،إلا فمن أدعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".
فكان هذا خطاب خرج من الإمام المهدي عليه السلام ، عن طريق السفارة الخاصة .. آخر ارتباط مباشر بينه وبين الناس في الغيبة الصغرى .
حياة الإمام المهدي الخاصة:
والآن نشرع في كتابة بعض من صفاته وشكله صلوات الله عليه:
شكله :
كان سلام الله عليه وعجل فرجه ، يوم وفاة أبيه ، حيت رآه الناس يصلي على ابيه ... صبياً بوجهه سمرة ، بشعره قطط بأسنانه تفل ، كما سبق ان سمعنا .
لم يصفه من رآه بعد ذلك خلال غيبته الصغرى ، بأنه شاب حسن الوجه طيب الرائحة ، هيوب ، ومع هيبته متقرب إلى الناس .قال الراوي :فتكلم ، فلم أر أحسن من كلامه ولا أعذب من منطقه في حسن جلوسه(1). وفي رواية أخرى كأنه شاب أسمر لم أر قط في حسن صورته واعتدال قامته(2) .
ــــــــــــــــ
(1) غيبة الشيخ ص152
(2) المصدر ص153
وفي رواية ثالثة فتى حسن الوجه طيب الرائحة يتبختر في مشيته(1). وفي رواية رابعة: أنه ليس بالطويل الشامخ ولا بالقصير اللازق بل مربوع القامة مدور الهامة صلب الجبين أزج الحاجبين ، أقنى الأنف ، سهل الخدين ، على خده الأيمن خال(2) .إلى غير ذلك من الروايات (3).
ونسمع من سفيره محمد بن عثمان رضي الله عنه ، حين سئل عن رؤيته للمهدي (ع) ...يصف عنقه في حسنه وغلظه ، فيشير بيده ويقول :وعنقه هكذا (4) أو قال :ورقبته مثل هذه(5). وإنما أكد على صفة عنقه ليدل على صفة الرجولة فيه ، وأنه لم يبق كما عهده الناس في حياة أبيه صبياً صغيراً ،أو غلاماً عشارياً عليه رداء تقنع به(6) .
إذن فهو عليه السلام ، قد تقدم وتطور من حيث شكله، فأصبح شاباً بعد أن كان غلاماً وقوياً بعد أن كان ضعيفاً وكبيراً بعد أن كان صغيراً ، وكان سفراؤه يواجهونه في شبابه هذا.
ــــــــــــــــ
(1)غيبة الشيخ ص159 (2) المصدر ص161
(3) انظر المصدر أيضاً ص156 وص163 وص182 وغيره من المصادر كثير.
(4) المصدر ص215 (5) المصدر 219
(6) المصدر ص155
مكانه وانتقالاته :
كان حال حياة أبيه عليهما السلام في سامراء . دلت على ذلك جميع الروايات الناقلة لمشاهدته في تلك الفترة ، وقد سبق أن سمعنا قسطاً كبيراً منها .ومن الطبيعي أن يبقى في سامراء يوم وفاة أبيه يصلي على أبيه ويقابل وفد القميين ، ليحولهم على بغداد ، حيث يعين لهم سفيراً جديداً .
ويبقى في سامراء ردحاً من السنين بعد ذلك ،كما تدل عليه حوادث تحويل السفيرين الأولين بأموال الوفود إلى سامراء ،كما سيأتي في الحقل الخاص بذلك ، ويدل عليه أيضاً ما قامت به السلطات من المطاردة له والكبس على داره في سامراء من قبل المعتمد والمعتضد .حيث يكون عليه السلام موجوداً هناك ولكنه يستطيع التخلص والهروب ،إذن فهو إلى زمان خلافة المعتضد التي تولاها عام 279. كان ساكناً في دار ابيه في سامراء فلو فرض -كما هو المظنون – ان الكبس الذي امر به المعتضد كان في اول عام من خلافته ، فمعنى ذلك أن المهدي عليه السلام بقي هناك تسعة عشر سنة بعد وفاة أبيه عليه السلام.
وقد أبعد المهدي (ع) عن نفسه كل الآثار ،وكل ما يلفت النظر ويثير الشك ، حتى وكلائه أصبحوا بعيدين عنه، لكي لا يوجهوا الأنظار إليه أولاً ، ولكي يعيشوا في قلب الحوادث الإجتماعية شأن كل من يريد أداء الخدمة الصالحة لمجتمعه وأمته ، ثانياً، ولكي يبعدوا هم بدورهم عن أرصاد الدولة وعاصمة الملك حال كونها في سامراء خلال هذه التسعة عشر سنة ثالثاً .
____________
موسوعة السيد الشهد الصدر _ الغيبة الصغرى _ص٥٤٢
أما هو فلا ينبغي أن يعيش الحوادث ولا أن يختلط بالناس ،بل يبقى بعيداً يكتفي بسماع الأخبار والإطلاع على الآثار، يعيش هموم الأمة الإسلامية ذهنياً إن لم يستطع أن يعيشها خارجاً ،حتى تهدأ النائرة ، ويندمل الجرح وتخف المطاردة ، وبمضي الردح الأول من الغيبة الصغرى ليستطيع بعد ذلك أن يقوم بعمل جديد .
والمتتبع لخروج التوقيعات والبيانات عن الإمام المهدي عليه السلام خلال الفترة الأولى من غيبته ، يرى بوضوح قلتها وندرتها .إلى حد لا يكاد ينقل عن السفير الأول ، بل السفير الثاني في أول سفارته توقيع ذو بال، إلا في حدود قليلة وعند الحاجة الكبيرة ، وما ذلك إلا لأن الحاجة إلى الحذر في هذه الفترة ألزم ، والبعد ما بين المهدي وسفرائه من حيث المكان أكثر.
وحين تنتهي هذه الفترة الحرجة ،ولا يزال محمد بن عثمان سفيراً في ذلك الحين ، تنفتح له عليه السلام ، فرصة جديدة في الخروج والتجول بنحو لا يمكن أن يعرفه الناس ولا أن يشار إليه بحقيقته ، فإن أكثر الناس لم يروه في حياة أبيه، ومن رآه منهم كان قد رآه طفلاً أو صبياً والآن قد أصبح شاباً وسيماً ،فلا تكاد ملامحه أن تكون محفوظة معروفة بعد مرور هذه الفترة، على ان جيلاً من الناس قد مات وجيلاً قد واجه الحياة من جديد، وهو لا يعرف من شكل المهدي شيئاً . وكلما طالت المدة ابتعدت صورته عن أذهان الناس وذابت ذوباناً كلياً .
موسوعة السيد الشهد الصدر _ الغيبة الصغرى _ص٥٤٣
ومن هنا انفسحت للمهدي فرصة جديدة ،لأن يدخل بغداد لنراه تارة بزي التجار(1). وأخرى أمراً محمد بن علي بن بلال ،أن يدفع ما لديه من الأموال إلى سفيره العمري(2) .وأصبح يحضر موسم الحج في كل عام ، كما سمعنا ماشياً (3)،بل أصبح يخالط الحجاج من خواصه ويحدثهم(4) ويعلمهم الأدعية ويعطيهم التعليمات(5) .بل أنه ليكشف حقيقته امام البعض إذا اقتضت المصلحة ولم يكن في ذلك خطر(6). وكان يسكن خلال فترة الحج في تلك الديار المقدسة .
ومن هنا سنرى ان جملة من مقابلاته تمت هناك ، من قبل الباحثين عنه المريدين التشرف بلقائه.
وكما يذهب إلى الحج ،فإنه يذهب إلى كربلاء لزيارة جده سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين، يوم عرفة، فيوصل إلى أحدهم مالاً (7) على ما سيأتي .
بل أنه يصل إلى مصر. على ما يظهر من بعض الروايات ، وينزل الإسكندرية في خان ينزله الغرباء ، يصلي في مسجده بأهل ذلك الخان .ثم يسافر مع أحدهم ، ويأخذ طريق البحر(8).
ــــــــــــــــ
(1) غيبة الشيخ الطوسي ص164 (2) المصدر ص246
(3) المصدر ص258 (4) انظر المصدر نفسه ص152
(5) المصدر ص156 (6) المصدر ص152
(7) المصدر ص 181 (8) المصدر ص183
ثم أنه يعود من هذه الأسفار إلى بغداد ليباشر الإتصال بسفرائه ،وإدارة مصالح المجتمع ،والوقوف في وجه المنحرفين ، عن طريق التوقيعات والبيانات .
هذا ونسمع قول المهدي "ع" - في رواية علي بن ابراهيم بن مهزيار ! أبي أبو محمد عهد إلي أن لا أجاور قوماً غضب الله عليهم ولعنهم ،ولهم الخزي في الدنيا والآخرة ،ولهم عذاب أليم وأمرني أن لا أسكن من الجبال إلا وعرها ومن البلاد إلا عفرها.والله مولاكم أظهر التقية،فوكلها بي، فأنا في التقية إلى يوم يؤذن لي فأخرج(1).
وهذا الخبر لو صح لكان معارضاً لعدد من الأخبار أهمها طريقة استحصال التوقيعات منه عليه السلام ،إلا ببعض الفروض االبعيدة أو الإعجازية التي نحن في غنى عن افتراضها ،والمهدي (ع) في غنى عن اتخاذها. ومعه تكون تلك الأخبار مقدمة على مدلول هذا الخبر. وقد سبق أن عرفنا أن الحذر والتقية يتم مع سكناه المدن ايضاً لعدم معرفة الناس بشكله وعدم الإلتفات إلى حقيقته .وليست التقية متوقفة على سكنى الجبال وعفر البلاد .ان لم يكن ذلك ملفتاً للنظر وجالباً للشك احياناً والله العالم بحقائق الامور غيبته. الشيخ ا لطوسي ص161
عمره الشريف :
ولد عليه السلام في النصف من شعبان عام 255 ،كما عرفنا ، فيكون عمره حين وفاة أبيه شهر ربيع الأول من عام 260 كما سبق ، أربع سنوات وحوالي ستة أشهر .وقال المسعودي وثمانية أشهر(1).
ولعله مبني على رواية أخرى لم تأخذ بها ،وفي هذا العمر تولى منصب الإمامة وقيادة الأمة وآتاه الله الحكم صبياً.
وقد عرفنا أنه لم يكن شكله يوم وفاة أبيه موافقاً مع هذا العمر ، بل كان صبياً يافعاً يقول من يراه أنه ابن ثمان أو عشر سنين ، ويكون عمره الشريف حين شوهد في الحج عام 293 ، شاباً أسمر ، قال الراوي : لم أر قط في حسن صورته واعتدال قامته(2) ثمان وثلاثون عاماً .
ويكون عمره عند وفاة سفيره الثاني في جمادى الأولى عام 305 خمسين عاماً غير ثلاثة أشهر .وعند وفاة سفيره الثالث الحسين بن روح رضي الله عنه عام 326 واحداً وسبعين عاماً.
ويكون عمره عند وفاة سفيره الرابع الشيخ السمري، عام 329 ، وانتهاء فترة الغيبة الصغرى ..أربعاً وسبعين عاماً ، قضى منها أربع سنين ونصف في حياة أبيه عليه السلام ، وتسعة وستين عاماً ونصف في حياة أبيه عليه السلام ، وتسعة وستين عاماً ونصف وخمسة عشر يوماً في الغيبة الصغرى ، ثم بدأت الغيبة الكبرى حيث لا ظهور إلا أن يأذن الله تعالى بالفرج لكي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
ــــــــــــــــ
(1) اثبات لاوصية ص236
(2) الغيبة ص153
إعلان إنتهاء الغيبة الصغرى وبدأ الغيبة الكبرى:
" بسم الله الرحمن الرحيم " :
يا علي محمد بن السمري! أعظم الله أجر إخوانك فيك .فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام ، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك. فقد وقعت الغيبة التامة .فلا ظهور إلا بإذن الله تعالى ذكره ،وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً وسيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة ،إلا فمن أدعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".
بعد هذا الخطاب وآخر خطاب صدر من الإمام صلوات الله عليه بدأت الغيبة الكبرى وانتهى مرحلة السفراء والوكلاء وكان من أسباب الغيبة الصغرى هي تمهد للغيبة الكبرى وتمهيد الناس لغيبة أمامهم وهذا كان نهج الأئمة عليهم السلام في التمهد للغيبة ومن هنا بدأ إنتظار الفرج والعمل والسعي لظهوره صلوات الله عليه من أفضل الأعمال، وهنا انتهت مرحلة الغيبة الصغرى لا يسعني القول الا ساعد الله قلب المنتظر وفرج الله همنا بإمام زمانا وقرب ظهوره و كحل ناظرنا برؤيته و يرينا طلعته البهية.
بعض الأحاديث في بينا وجه الانتفاع من الامام الغائب:
بحار الأنوار (ط – بيروت)، ج52،
ص: 93عَنْ جَابِرٍ الْأَنْصَارِيِ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ ص هَلْ يَنْتَفِعُ الشِّيعَةُ بِالْقَائِمِ ع فِي غَيْبَتِهِ فَقَالَ ص إِي وَ الَّذِي بَعَثَنِي بِالنُّبُوَّةِ إِنَّهُمْ لَيَنْتَفِعُونَ بِهِ وَ يَسْتَضِيئُونَ بِنُورِ وَلَايَتِهِ فِي غَيْبَتِهِ كَانْتِفَاعِ النَّاسِ بِالشَّمْسِ وَ إِنْ جَلَّلَهَا السَّحَابُ.
بحار الأنوار (ط – بيروت)، ج51، ص: 66
بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الثُّمَالِيِّ عَنِ ابْنِ طَرِيفٍ عَنِ ابْنِ نُبَاتَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لَمَّا عُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَ مِنْهَا إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَ مِنَ السِّدْرَةِ إِلَى حُجُبِ النُّورِ نَادَانِي رَبِّي جَلَّ جَلَالُهُ يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ عَبْدِي وَ أَنَا رَبُّكَ فَلِي فَاخْضَعْ وَ إِيَّايَ فَاعْبُدْ وَ عَلَيَّ فَتَوَكَّلْ وَ بِي فَثِقْ فَإِنِّي قَدْ رَضِيتُ بِكَ عَبْداً وَ حَبِيباً وَ رَسُولًا وَ نَبِيّاً وَ بِأَخِيكَ عَلِيٍّ خَلِيفَةً وَ بَاباً فَهُوَ حُجَّتِي عَلَى عِبَادِي وَ إِمَامٌ لِخَلْقِي بِهِ يُعْرَفُ أَوْلِيَائِي مِنْ أَعْدَائِي وَ بِهِ يُمَيَّزُ حِزْبُ الشَّيْطَانِ مِنْ حِزْبِي وَ بِهِ يُقَامُ دِينِي وَ تُحْفَظُ حُدُودِي وَ تُنْفَذُ أَحْكَامِي وَ بِكَ وَ بِهِ بِالْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِكَ أَرْحَمُ عِبَادِي وَ إِمَائِي وَ بِالْقَائِمِ مِنْكُمْ أَعْمُرُ أَرْضِي بِتَسْبِيحِي وَ تَقْدِيسِي وَ تَهْلِيلِي وَ تَكْبِيرِي وَ تَمْجِيدِي وَ بِهِ أُطَهِّرُ الْأَرْضَ مِنْ أَعْدَائِي وَ أُوَرِّثُهَا أَوْلِيَائِي وَ بِهِ أَجْعَلُ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِيَ السُّفْلَى وَ كَلِمَتِيَ الْعُلْيَا بِهِ أُحْيِي بِلَادِي وَ عِبَادِي بِعِلْمِي وَ لَهُ أُظْهِرُ الْكُنُوزَ وَ الذَّخَائِرَ بِمَشِيَّتِي وَ إِيَّاهُ أُظْهِرُ عَلَى الْأَسْرَارِ وَ الضَّمَائِرِ بِإِرَادَتِي وَ أُمِدُّهُ بِمَلَائِكَتِي لِتُؤَيِّدَهُ عَلَى إِنْفَاذِ أَمْرِي وَ إِعْلَانِ دِينِي ذَلِكَ وَلِيِّي حَقّاً وَ مَهْدِيُّ عِبَادِي صِدْقاً.
إكمال الدين الشَّيْبَانِيُّ عَنِ الْأَسَدِيِّ عَنْ سَهْلٍ عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْحَسَنِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عَنْ آبَائِهِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع قَالَ لِلْقَائِمِ مِنَّا غَيْبَةٌ أَمَدُهَا طَوِيلٌ كَأَنِّي بِالشِّيعَةِ يَجُولُونَ جَوَلَانَ النَّعَمِ فِي غَيْبَتِهِ يَطْلُبُونَ الْمَرْعَى فَلَا يَجِدُونَهُ أَلَا فَمَنْ ثَبَتَ مِنْهُمْ عَلَى دِينِهِ [وَ] لَمْ يَقْسُ قَلْبُهُ لِطُولِ أَمَدِ غَيْبَةِ إِمَامِهِ فَهُوَ مَعِي فِي دَرَجَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ قَالَ ع إِنَّ الْقَائِمَ مِنَّا إِذَا قَامَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ فَلِذَلِكَ.
وفي ختام هذا البحث المتواضع وبأقل الكلمات لا أقول إلا الحمد لله والحمد حمداً وله الشكر دوماً والحمد لله على نعمة الولاية والحمد لله الذي جعلنا من أمّة مستتر أمامها وجعل انتظاره من أفضل الأعمال اللهم ارزقنا نظرته وحنانه و رأفته أنت ولي التوفيق والنجاح.
تم بحمد الله وبركاته
تعليق