بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
اللهم صل على محمد وآل محمد
كثيراً ما نلتقي بشخصٍ مزدوج الشخصية، كصاحب اللسانين أو ما يسمى بالنفاق القولي وهو: أن يثني على كل من يلقاه منهم ويمتدحه ويتملق له ويظهر المحبة له، ولكنه في غيابه يعمد إلى تكذيبه وإلى استغابته. أوصاحب الوجهين أو ما يسمى بالنفاق العملي وهو: أن يبدي المرء ظاهر حاله وصورته الخارجية لهم على خلاف ما تكون في باطنه وسريرته. كأن يبدي أنه من أهل المودة والمحبة لهم، وأنه مخلص حميم، بينما يكون في الباطن على خلاف ذلك فيعامل بالصدق والمحبة في حضورهم، ولا يكون كذلك لدى غيابهم.، وهو ما يُعبر عنه في الشرع الحنيف ب “المنافق"*، يتعامل في كل زمان ومكان بشخصية مختلفة، فيتلوّن بما يراه من مصلحة، فهو قد يُظهر الاسلام وهو يُبطن الكفر.
فيذم الامام الباقر (عليه السلام) المنافق بقوله: ((بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ يَكُونُ ذَا وَجْهَيْنِ وَذَا لِسَانَيْنِ، يُطْرِي أَخَاهُ شَاهِداً وَيَأْكُلُهُ غَائِباً إِنْ أُعْطِيَ حَسَدَهُ وَإِنِ ابْتُلِيَ خَذَلَهُ))[1].
وقد خصص الله عَزَّ وجَلَّ سورةً كاملة من القرآن للتحذير منهم، فقال تعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾[2].
ويحدد لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) علامات المنافق فيقول:
((أربَعٌ مَن كُنَّ فيهِ فهُو مُنافِقٌ، وإن كانَت فيهِ واحِدَةٌ مِنهُنَّ كانَت فيهِ خَصلَةٌ مِن النِّفاقِ حتّى يَدَعَها: مَن إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وَعَدَ أخلَفَ، وإذا عاهَدَ غَدَرَ، وإذا خاصَمَ فَجَرَ (أي: خرج عن الحق الى الباطل))[3].
كما نجد أمير المؤمنين (عليه السلام) يعدد لنا بعض سماته النفسية فيقول:
((المُنافِقُ إذا نَظَرَ لَها (اللهو)، وإذا سَكَتَ سَها (نسي وغَفِل)، وإذا تَكَلَّمَ لَغا (أخطأ وقال باطلاً)، وإذا استَغنى طَغا، وإذا أصابَتهُ شِدَّةٌ ضَغا (ذلّ وهان)، فهُو قَريبُ السُّخطِ بَعيدُ الرِّضا، يُسخِطُهُ علَى اللَّهِ اليَسيرُ، ولا يُرضيهِ الكثيرُ، يَنوي كثيراً مِن الشَّرِّ ويَعمَلُ بطائفَةٍ مِنهُ، ويَتَلَهَّفُ على ما فاتَهُ مِن الشَّرِّ كيفَ لَم يَعمَلْ بهِ!))[4] .
فالمنافق أشبه شيء بحيوان "الحرباء" التي يتلوّن جسدها بلون المكان الذي تكون عليه.
فتجده يتلون بلون الجماعة التي يجلس معها، فيقول لهم: أنا معكم، وحينما يذهب الى جماعة اخرى يقول أيضاً: انا معكم، "إنما نحن مستهزؤن".
وإذا أردنا البحث عن الأسباب التي تجعل الانسان منافقاً (ذا وجهين ولسانين) فسنجد منها:
1- الشخصية الضعيفة / المهزوزة:
ولأنه لا يملك شخصية متكاملة، لذا يحاول تغطية نقصه وضعفه بموافقة الآخرين والتماهي لا سيما الذين يحملون السمات الحميدة في المجتمع كالمؤمنين او الناجحين، فيُظهر للآخرين بأنه يحمل نفس افكارهم، وفي الحقيقة هو لا يؤمن بهم.
2- الجبن والخور:
هناك مجتمعات لا تتقبل مَنْ يُخالفها في الرأي، وتستخدم الضغط والعزلة تجاههم، فلا يستطيع البعض اظهار شخصيته ورأيه الحقيقي، فيجاريهم فيما هم عليه، فيُظهر شيئاً ويبطن شيئاً، لكيلا يضطر للمواجهة ويخسر مكانته.
(وهذا يختلف تماماً عن التقية).
3- الانتهازيون: وهم المنتفعون الذين لا يهمهم أيّ شيء سوى مصلحتهم ونفعهم، فيميلون مع الجميع (الحق والباطل) حفاظاً على وضعهم.
4- سوء الظن بالله، ولعله هو الجامع لكل النقاط السابقة وهو أصل هذه الآفات.
فَسَيء الظن بالله لا يؤمن بأنه تعالى هو المؤثر والقادر والذي بيده كل شيء، فيلجأ إلى النفاق ظناً منه بأنه يحمي نفسه ويستجلب لها الخير..
وهناك الكثير من الأسباب.
ويعالج النفاق أولاً: بالتفكير في عاقبة النفاق والمفاسد الّتي تنتج عنه وهو أسلوب علمي، وثانياً: بالأسلوب العملي لعلاج النفس، بأن يراقب حركاته وسكناته بكلّ دقّة لفترة من الوقت، ويعمد إلى العمل بما يخالف رغبات النفس وتمنّياتها.
__________________________________________________ __________
[1] الأمالي للصدوق: 417، ح551.
[2] سورة المنافقون، الآية: 1.
[3] الخصال، للشيخ الصدوق ص: 254، ح 129.
[4] تحف العقول: ص: 212.
تعليق