بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
اللهم صل على محمد وآل محمد
كل مخلوق بهذا الوجود يعيش من خلال البحث عن الكمال، وهذا البحث مبني على اساس الوصول إلى الحالة المثلى فالإنسان الذي مثلا حسب ما يعتقد بأنّ السير الكمالي يكون من خلال طاعة الله عز وجل والبحث عن رضاه هذا يكون بحثه مثمر، وهناك من الناس من يعتقد بأنّ الكمال هو بالحصول على زينة الحياة الدنيا فيكون سيره الكمالي بإرضاء هذه النفس من خلال ملذات هذه الدنيا ويعتقد أنّ الدنيا خلقت لأجل أنْ يتلذذ بها بما لا يرضي الله عز وجل، فهاتان حالتان مثل ما قال الباري عز وجل في كتابه العزيز: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾[1].
فهذه النفس يلهمها خالقها أنّ العيش يكون من خلال حالتين إما الطاعة وإما المعصية فهناك من يطمئن من جانب المعصية ويعتبر انها أمر مباح وعليه أن يتنعم بهذه الدنيا ولو بما لا يرضي الله عز وجل، والبعض الآخر فهم وعرف أنّ طريقه كمالي يرتقي به الى رضا الله من خلال هذا الالهام الرباني وعرف أنّ التقوى هي الطريق الموصلة الى الله سبحانه وتعالى كما قال: ﴿.. وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾[2].
وعليه نجد أنّ هناك حالات ذُكرت في القرآن الكريم لتبيين الطريق الذي يجب أنْ يسلك من قبل العباد للوصول الى الله سبحانه وتعالى، فمثلا لقمان الحكيم تقول الروايات أنّه عبد اسود وبعض الروايات تقول أنّه كان نبيا ووصل الى هذا المقام بمعرفة كيفية التعامل مع هذه الدنيا من خلال سلوك طريق الكمال بالتقوى الى الله سبحانه وتعالى فهنا تأتي رواية عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ : ((مَا أُوتِيَ لُقْمَانُ اَلْحِكْمَةَ لِحَسَبٍ وَلاَ مَالٍ وَلاَ بَسْطٍ فِي جِسْمٍ وَلاَ جَمَالٍ وَلَكِنَّهُ كَانَ رَجُلاً قَوِيّاً فِي أَمْرِ اَللَّهِ مُتَوَرِّعاً فِي اَللَّهِ سَاكِناً سِكِّيتاً وَذَكَرَ جُمْلَةً مِنْ أَوْصَافِهِ وَمَدَائِحِهِ إِلَى أَنْ قَالَ: وَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ اَلنَّاسِ عَلَى بَوْلٍ وَلاَ غَائِطٍ قَطُّ وَلاَ اِغْتِسَالٍ لِشِدَّةِ تَسَتُّرِهِ وَتَحَفُّظِهِ فِي أَمْرِهِ إِلَى أَنْ قَالَ: فَبِذَلِكَ أُوتِيَ اَلْحِكْمَةَ وَمُنِحَ اَلْقَضِيَّةَ))[3].
فلقمان الحكيم ما كان لديه غرور وعجب ولم يجد له ميزة على باقي البشر أو ذو مال يستخدم هذا المال لمعصية الله عز وجل وغالبا ما نجد كثير ممن يستخدم المال في معصية الله، أو ذو جسم لكي يستخدم هذا الجسم والشكل لتحصيل زينة الحياة الدنيا أو ما يتحصل من خلال القوة ومن خلال كثير من الامور ولم يكن جميلا وغالبا الانسان اذا اعطي الجمال يعتبر ان هذه الميزة تجعله الافضل عند البشر ويتعاطى بتعالي وغرور، لكنه اذا كان رجلا قويا في امر الله وفي طاعة الله لا يفعل شيء يغضب الله سبحانه وتعالى ويتورع عن محارم الله صاحب سكون وهدوء ولا يتكلم الكلام الكثير من دون نفع بالإضافة الى أنّه يستحي من الناس بحيث انه لم يُرى وهو يقضي حاجته، ولم يُرى أنّه مثلا كان يستحم أو كان عاريا أو ما شابه فكان شديد التستر ومتحفظ في أمره، فلقمان مثال لمن أُوتي الحكمة ومن كونه غنيا بايمانه ومن أولياء الله عز وجل في الارض، فقد رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ اِبْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ يَقُولُ: ((حَقّاً أَقُولُ لَمْ يَكُنْ لُقْمَانُ نَبِيّاً وَلَكِنَّهُ كَانَ عَبْداً كَثِيرَ اَلتَّفَكُّرِ حَسَنَ اَلْيَقِينِ أَحَبَّ اَللَّهَ فَأَحَبَّهُ وَمَنَّ عَلَيْهِ بِالْحِكْمَةِ كَانَ نَائِماً نِصْفَ اَلنَّهَارِ إِذْ جَاءَ نِدَاءٌ يَا لُقْمَانُ هَلْ لَكَ أَنْ يَجْعَلَكَ اَللَّهُ خَلِيفَةً))[4].
__________________________________________________ ________
[1] سورة الشمس، الآيات، 7-10.
[2] سورة البقرة، الآية: 197.
[3] وسائل الشیعة، ج 1، ص 305.
[4] بحار الأنوار، ج 13، ص 424.
تعليق