تويت
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
اللهم صل على محمد وآل محمد
الله سبحانه وتعالى خلق مخلوقاته وجعل لها صور وافضل الصور التي جعلها هي للإنسان؛ لأنه المخلوق المكرم عند الله سبحانه وتعالى، فهذه الصور منها صورتان للإنسان: صورة ظاهرية ملكية دنيوية فكانت هي احسن الصور التي هي جيدة وجميلة المنظر وقال عز وجل بهذا الخصوص في كتابه العزيز: ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾[1]، ويؤكد على ذلك في آية آخرى فيقول: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾[2]، والصورة الاخرى هي الصورة الملكوتية الغيبية الباطنية التي تتشكل بحسب ما يتلبس الانسان.
فصورة الانسان الباطنية هي التي يظهر بها بعد الموت سواء في البرزخ أو في يوم القيامة لقوله تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً* فَادْخُلِي فِي عِبَادِي* وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾[3]، على خلاف الصورة الظاهرية التي تكون في هذه الحياة.
طبعا تدور اعمال الانسان في هذا المقام في المقام الدنيوي وفي عالم الظاهر على الامور المادية وهي الاذن والعين واللسان والبطن والفرج واليد والرجل، على هذا الاساس لو وقف الانسان مع نفسه وراجع نفسه بوقفة صدق ولو لهنيئة من الوقت
وبحث عن سبب وجوده؟ وما هو الهدف من هذا الوجود؟ ايضا ما هو الهدف من هذه النعم المتكثرة بهذا العالم؟ بما معناه ما هو الهدف من هذا الخلق؟ فيتبين أنّ الهدف هو ليس امرا اعتباطيا وإنّما هو أسمى وأعظم مما يفكر الانسان؛ وأنّ هذه الحياة الحيوانية ليست هي الغاية بحد ذاتها، فعلى الانسان العاقل أن يتفكر بنفسه ويرفق بحاله ويشفق على نفسه المسكينة، بأن لا يرتكب أي عمل يخالف الاوامر الإلهية بل يعزم ويتخذ قرارا حاسما بهذا الامر ويترك ما خالف الاوامر الإلهية ولو لمده يوم حتى يرى الى أين يصل به هذا الامر ومثل ما وصى به الامام الكاظم عليه السلام في رواية جميلة بهذا الخصوص، فَعَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي خَلَفٍ عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ) أَنَّهُ قَالَ لِبَعْضِ وُلْدِهِ:
((يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ أَنْ يَرَاكَ اَللَّهُ فِي مَعْصِيَةٍ نَهَاكَ عَنْهَا وإِيَّاكَ أَنْ يَفْقِدَكَ اَللَّهُ عِنْدَ طَاعَةٍ أَمَرَكَ بِهَا اَلْحَدِيثَ))[4].
وبهذا رسم الإمام الكاظم (عليه السلام)، انطلاقاً من الخطّ الإسلامي العام، منهجاً للإنسان في علاقته بربّه وبمجتمعه وبالحياة من حوله، فلما يلتزم ويشارط نفسه على مثل هذا بأن لا يراه الله في معصية بل يراه ويجده في طاعته؛ عند ذاك يكون الانسان قد حقق المهم لوجوده والغاية من وجوده ومِنْ أَلْفَاظِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: ((اَلشَّدِيدُ مَنْ غَلَبَ نَفْسَهُ))[5]. ويتحصل على الوجود الاخر الدائم في ذلك العالم عالم الآخرة، فاذا الانسان أثقل نفسه بالمفاسد الأخلاقية، فافضل علاج لمثل هذا هو أن يأخذ كل واحدة من هذه الصفات القبيحة والميول الفاسدة التي هو يراها في نفسه لأنّه يعلم ما في نفسه ويعلم ما كسبت هذه النفس؛ أي يعلم باطن هذه النفس فيجمع الهمم لديه ويعزم على أن يخالف هذه النفس الباطنية التي غرقت في اهواء الدنيا فيتخلى عن كل صفة، ويخرجها الى النفس الباطنية السليمة الصحيحة الخالية من كل شوائب، وهذا طبعا يكون بالتدريج ويحصل من خلال ترويض هذه النفس وكسر شوكة هذه الميول والسيطرة عليها كما ورد في الروايات: فورد عَنْ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): ((إِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ اَلْخَوْفِ اَلْأَكْبَرِ وَتَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ اَلْمَزْلَقِ وَلَوْ شِئْتُ لاَهْتَدَيْتُ اَلطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا اَلْعَسَلِ وَلُبَابِ هَذَا اَلْقَمْحِ وَنَسَائِجِ هَذَا اَلْقَزِّ وَلَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ وَيَقُودَنِي جَشَعِي..))[6].
_________________________________________________
[1] سورة غافر، الآية:64.
[2] سورة المؤمنون، الآية: 14.
[3] سورة الفجر، الآيات: 27-30.
[4] وسائل الشیعة، ج 15، ص 238.
[5] وسائل الشيعة، ج 15، ص 162.
[6] نهج البلاغة، ج 1 ص: 416.
تعليق