البحث عن فرادة شاعر وسط الكثير من التجارب والأسماء وملايين القصائد تعد مجازفة غير محمودة العواقب، ودون هذه المجازفة سنبقى ندور في محض مكرورات لا قيمة لها كمحاولات تفسيرية او السعي لإبراز بعض الجوانب وربما تكون غير مهمة؛ ولكن حين يكون التأمل جادا عليه أن يسعى اولا لإدراك قيمة الاستقلالية وخصوصيتها الابداعية، فكثير من التجارب اليوم كررت تجارب اخرى وبعدها يكون البحث عن التماسك والتناسب بين الأبعاد الفنية والفكرية بحثا عن قيمة الجمالية لاكتشاف معنى الفرادة في ثنايا المنجز. وفي مسعى الشاعر عودة ضاحي التميمي في مجموعة (دماء على وجه كربلاء) نجد مثل هذه المساحات الكثير، ورغم إن القصائد المنبرية مبنية على اساس النبرات الصوتية (السماع قبل القراءة) اذن التلقي التدويني يعتبر قيمة ثابتة نرتكز على سحبها الى المتحول المعاش، وهذا ما جعل التعامل مع التاريخ تعاملا مع الحاضر نفسه بل سينسحب الى المستقبل ايضا من خلال التركيز الفكري والوجداني الذي اعطى معنا اوسع الى البطولة الرتيبة، فحقيقة تعامل الوعي مع الفطرية سيعطي تنوع اشتغال لا يكتفي بعرض صور المصابين دون اشتغالات شعرية تستند على سردية الاحداث كالمرجعية القرآنية:
{محكم التنزيل يذكر فضل حيدر على الخليقة
توحد وويه الدين خلقة وصار للمبدأ شقيقة
وبحيدره حال الدهر ضل بمثيله وعتذر}
ونجده ايضا ينفتح باتجاه مسند مرجعي حياتي يعتمد على تضادية الفعل المؤثر
{الدنيا مشغل للخليقة الشخص بيهه يأدي دورة
وأبدما ينعد حضوره واحد يظل فعلة بصمة راسخة ووتبقه جذوره}
ولو تأملنا داخل هذا التضاد سنجد ثمة معبر الى ثنائية اخرى تبرز لنا جوهر الرمز وفرادته الانسانية وليصبح الموقف الفكري منطلقا يوازي سلطة القوة... منطق الالتقاء هنا يمنحنا عمقا فنيا قادرا على تسليط الضوء في المناطق الدقيقة التكوين:
{منطلق للسيف واضح ينفرد بيه المحارب
والفكر منطلق اخر هذا ثابت بالتجارب
ثنين يتناقض فعلهم هذا موجب ذاك سالب
وانته العجيب بهل زمن الضدين بيك توافقن}
طموحنا الى دقة التشخيص يأخذنا نحو الاطالة قليلاً بالاستشهاد الشعري، وعلينا في كل الأمور معرفة المكمن الحقيقي في صعوبة الشعر الحسيني، والذي يتلخص في تعامله مع وقائع معروفة مسبقا عند متلقيها، فلذلك نجد إن اغلب التعامل الشعري سيتم من خلال العرض السردي الواضح والذي ينهل من الواقع التاريخي، وينفتح على مسعى شعوري بحت، وفي مثل هذا الحال ستعجز الشعرية حتى الناضجة منها لخلق الدهشة الشعورية لقدم هذا الضرب الشعري زمانياً؛ إذ كان هو قرين الواقعة وهذا يجعل الشعر الحسيني دائما بحاجة الى مواكبة تطويرية تنمي قوة القصيدة وتجيد مثلا اسلوب الشاهد العياني الذي اعتمده الشاعر عودة ضاحي التميمي:
{تنعمي عيوني من اصدلچ وانظر ايامچ حزينة}
او مثلاً لنأخذ:
{شفت ركبة الطفل بيد امه تدله وتحاول بالدموع المنحره تشله}
ويلجأ الشاعر المتمكن الى اسلوب المنلوج الداخلي الذي كثر التعامل معه في مجموعة {دماء على وجه كربلاء} قد يطول الحديث عن مستجدات التعامل الشعري مما يجعلنا نحتاج الى استشهادات كثيرة يضيق بها المجال مثل التحفيزات الشعرية الواعية، التبأير المعنوي بما فيه داخلي، خارجي، والرؤيا:
{كل شخص يبدأ حياته شما يخوض من القضايه
لابد يلفة الظلام وينتهي بعد البداية
وانته يحسين البداية القائمة المالك نهاية}
ولابد من البحث في البناء السردي الشعري وسردية الوصف الشعوري والمعرفي. والملاحظ إن شعرية (عودة ضاحي التميمي) هي شعرية محفزة لاستبدال (المصيباتي) الذي تعامل معه البعض وكأنه جزء من خسارة لتحويله الى خطاب فكري موشح بالتضحية، فلا وجود للانكسارية رغم الدخول بقوة الى وجع المصيبة، ويعني إن شعرية التميمي تتميز بشمولية الاشتغال، وبالموازنة العقلية الفنية الجمالية مع التركيز على الجانب المعنوي:
{حسين ياغوث الصريخ حسين يمأمن الخايف
بسدك تلوذ الجبال وصبرك يفل الكلايف
سيدي عيالك بمحنه تحوطه جيوش وعواصف}
ويمتلك ايضا وسيلة استدراج الحدث الشعوري وتغيير الخطاب بعدة متغيرات من متحدث بأناه وغائب حاضر عبر فجيعته حتى تتوائم التنويعات داخل القصيدة الواحدة...
اذن تطور المنظومة السردية اخذ عدة اتجاهات نحو لغة فكرية اشتغلت بمرتكزات الحداثوية الشعرية:
{دم وريدك لبه صوته}...
{وأذّن وذان المنايا وصارمه بالحومه كبر}
ختاماً لا أعتقد أني غاليت بعرض تجربة من تجارب شاعر بدأ كتابة الشعر الشعبي عام 1967م وكتب القصيدة الفصيحة بأنواعها عمودي، حر، نثر، وكتب النقد واشرف على صفحات وبرامج ناجحة للشعر الشعبي ناجحة كثيرة.
وفي كل الأحوال نحن لم نستطع احتواء كامل لثيمات المجموعة، فأهملنا الكثير من المساحات المشكلة اساساً في داخلها كتوظيف الأساليب الشعرية في القصيدة المنبرية، تواجد الشاعر داخل التاريخ كفعل قائم بذاته، الصيغة الفنية الدقيقة في تكوين الرأي، وتوسيع الدلالات الفنية لخصوصية البعد الفكري، ومساعي التوصيل. ولهذا انا مقتنع بأني بحاجة الى اكثر من موضوع اخر.