تويت
بسم الله الرحمن الرحيم
عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ فِي وَصِيَّةِ اَلنَّبِيِّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) لِعَلِيٍّ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) قَالَ:
يَا عَلِيُّ ثَلاَثَةٌ يُقَسِّينَ اَلْقَلْبَ
اِسْتِمَاعُ اَللَّهْوِ
وَطَلَبُ اَلصَّيْدِ
وَإِتْيَانُ بَابِ اَلسُّلْطَانِ[1] .
في هذا الحديث وصية من النبي صلى الله عليه واله لأمير المؤمنين وسيد الوصيين عليه السلام، والمراد منها بيان امر مهم جدا يتعلق بنا؛ بما معناه أنّ المقصود من هذه الوصية هم اتباعك يا علي فعليهم أنْ يلتزمون بمثل هذه الوصية، وموضوعها هو قساوة القلب فتصيبه القسوة نتيجة لعدة اسباب وهي كثيرة، والقسوة معناها أنّ قلب العابد الذي هو في رواية عَنِ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : ((اَلْقَلْبُ حَرَمُ اَللَّهِ فَلاَ تُسْكِنْ حَرَمَ اَللَّهِ غَيْرَ اَللَّهِ))[2].
فهذا الحرم يجب أنْ لا يكون فيه إلّا ذكر الله والتعلق بالله عز وجل، فلما ينسى العبد ذكر الله ويتعلق بهذه الدنيا فلا يمكن أنْ يبقى ذكر الله وحب الله سبحانه وتعالى في هذا القلب، إنّما يكون ذكر الدنيا ومحبة الدنيا فيه، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ﴾ [3]،فالقاسي قلبه هو الذي يتماهل في العبادة بل يتركها، وهو الذي يفعل المنكر ولا يهتم بأنّه فعل المنكر، فأراد النبي صلى الله عليه واله في هذه الحديث أنْ يبيّن ثلاثة اسباب لقساوة القلب: فالسبب الأول: هو استماعه الى الغناء لأنّ اللهو الذي قد ذكره القران فقال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾[4] هو الغناء وفسره بذلك الإمام الباقر عليه السلام فقد ورد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ((اَلْغِنَاءُ مِمَّا وَعَدَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ اَلنَّارَ وَتَلاَ هَذِهِ اَلْآيَةَ: ﴿وَمِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ اَلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ﴾))[4]، ولما يكون الانسان ممن يستمع الى الغناء او يغني فيكون في حالة انشغال عن الله في لهو الحديث (الغناء) مما يبعده عن الله عز وجل، وهذا الكلام عليه شواهد كثيرة: منها أنّ الانسان كلما اختلى مع نفسه يردد هذه الأغاني، في حين عليه أن يردد الكلام الذي يذكره بالله عز وجل ويناجي به الله عز وجل فهذا سبب للقسوة.
والسبب الاخر هو: طلب الصيد وهو امر مباح فيجوز للإنسان أن يتصيد، ولكن إذا كان هذا همه فهذا القلب يكون حرما للصيد وكيفيته؛ لأنّه في هذه الحالة مع البحث عن الصيد في البر أو في السماء او في البحر فيغفل عن ذكر الله عز وجل.
أمّا السبب الثالث فهو: اتيان باب السلطان والمقصود منه أنّ العبد يحاول أن يتودد ويتقرب ويرضي السلطان تحصيلا لجوائزه او تحصيلا للقرب منه، وقد ورد عن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ : ((إِيَّاكُمْ وَأَبْوَابَ اَلسُّلْطَانِ وَحَوَاشِيَهَا فَإِنَّ أَقْرَبَكُمْ مِنْ أَبْوَابِ اَلسُّلْطَانِ وَحَوَاشِيهَا أَبْعَدُكُمْ مِنَ اَللَّهِ تَعَالَى وَمَنْ آثَرَ اَلسُّلْطَانَ عَلَى اللهِ تَعَالَى أَذْهَبَ اَللَّهُ عَنْهُ اَلْوَرَعَ وَجَعَلَهُ حَيْرَانَ))[6]، فيحاول من خلال الهاء قلبه بالبحث عما يوصله لهذه الاغراض فسيشغل القلب بما لا يجب أن ينشغل فيه، ويكون همه المنساق اليه دائما وابدا هو السلطان وليس الله عز وجل، فهذا انشغال يؤدي الى قسوة القلب لأنّه سيحاول أن يصل الى هذه الغاية بشتى الوسائل ولو عن طريق الحرام، طبعا التقرب الى السلطان في حال كونه لغرض دنيوي وهذا السلطان من أهل الجور، فذاك فعل رديء قبيح سيء.
وعلى هذا الاساس هذه الاسباب الثلاثة لو وجد واحد منها في قلبك أيها الانسان فستصيبك قساوة القلب وعليك أن تبتعد عن مثل هذه الامور كي لا تجعل في حرم الله ما ليس لله عز وجل.
____________________________________________
[1] وسائل الشيعة، ج 17، ص 314.
[2] جامع الأخبار، ج 1، ص 185.
[3] سورة يونس، الآية: 7.
[4] سورة لقمان، الآية: 6.
[5] الكافي، ج 6، ص 431.
[6] ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ج 1، ص 260.
تعليق