بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
اللهم صل على محمد وآل محمد
الحياء خلق حسن ممدوح من قبل الله عز وجل ومن قبل خلقه، فعندما يتحلى العبد بهذه الخصلة وهي الحياء مع ربه، يكون قد تحلى بخلق حميد وحسن ينفعه في حياته، ودافعا لتحميل الاجر والثواب المانع له من دخول النار، ففي يوم من أيام التبليغ المحمدي لرسالة السماء لبيان الأخلاق يحث فيها المؤمن على التزين بها، وهو ما ورد عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِيٍّ (عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ):
اِسْتَحْيُوا مِنَ اَللَّهِ حَقَّ اَلْحَيَاءِ
قَالُوا: وَمَا نَفْعَلُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ
قَالَ: فَإِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ فَلاَ يَبِيتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وأَجَلُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ
ولْيَحْفَظِ اَلرَّأْسَ ومَا وَعَى
واَلْبَطْنَ ومَا حَوَى
ولْيَذْكُرِ اَلْقَبْرَ واَلْبِلَى
ومَنْ أَرَادَ اَلْآخِرَةَ فَلْيَدَعْ زِينَةَ اَلْحَيَاةِ اَلدُّنْيَا[1].
وجاء اللفظ بصيغة الامر استحيوا من الله، بل أكد على هذا الفعل عندما قال حق الحياء.
عند ذاك لما سمع الاصحاب هذا القول من رسول الله صلى الله عليه واله عاشوا في لحظة تأمل وتفكير؛ يجب ان نكون من اهل هذا الفعل لأنّ الرسول صلى الله عليه واله ما ينطق عن الهوى وهو يريد المصلحة لنا ونتيجة لهذا التفكير كان رد الفعل بماذا نفعل يا رسول الله لكي نكون من اهل الحياء مع الله سبحانه وتعالى؟ فكان الجواب من الرسول صلى الله عليه واله فيه نكتة لطيفة؛ وهي هناك فرق بين أن تكونوا تفاعلتم مع كلامي هذا في عقولكم وبرمجتم هذه العقول على تقبل مثل هذا الامر من دون فعل فلا نفع في ذلك، لكن النفع كل النفع في أنّكم اذا اردتم الفعل وعزمتم على مثل هذا الامر ما بينكم وبين الله عز وجل فعليكم ان تنتقلوا من التفكير والعزم الى الفعل، وفي هذه المرحلة الشيطان يوسوس للإنسان ويقول له هو كلام صدر من الرسول صلى الله عليه واله ولست مجبورا بفعله! فتخرج من هذا المحفل وكأنّ شيئا لم يكن! ولا يراقبك الرسول فلا يستطيع أن يراقب جمعكم، مما يجعله في غفله والتي لا يفكر معها أنّ الرقيب هو الله عز وجل لقوله: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم ۚ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾[2].
ولذلك يؤكد الرسول صلى الله عليه واله على الفعل ففصل لهم بما يلي:
أولاً: على العبد كي يكون فاعلا لما يريد من الحياء مع الله سبحانه وتعالى، هو أن يضع نصب عينيه الاجل فممكن أن يموت في أيِّ لحظة من لحظات عمره القادم، وهذا التفكير مانع للعبد من أن يفعل المعصية أو أن يغرق في هواه، ويكون حافزا له بالطاعة والبحث عن رضا الله عز وجل.
ثانياً: يحفظ حواس رأسه العينين واللسان والاذنين من كل فعل مشين يبغضه الله عز وجل، بأن لا ينظر الى حرام ولا يسمع الحرام ولا يأكل الحرام، وهذا نافع له في أن يكون في خانة الحياء من الله سبحانه وتعالى، ولا يدخل في بطنه من الحرام شيء سواء كان من الشراب أو من الأكل.
ثالثاً: ليتذكر القبر كيف أنّ الانسان لمّا يُنزل الى القبر والاهوال التي تمر عليه بعد انقطاع علاقته من هذه الدنيا، وكيف يكون العالم القادم وهو عالم البرزخ بالنسبة اليه فيجد الضمة والوحدة والوحشة والدود والمساءلة والضغطة وما شابه من امور القبر، فعند ذاك ينتبه الى الافعال السيئة ولا يقترفها، وذاك البلاء الذي يبتلى به العبد في قبره وفي حياته البرزخية.
رابعاً واخيراً: فليترك العبد زينة الحياة الدنيا ولا يغتر بها لأنّها المهلكة والمؤدية به الى الضياع وعدم تحصيل نعيم الآخرة، انما سيكون في جحيم الآخرة.
فعلى العبد أن يتعظ من خلال هذه الكلمات ويعيش في حالة الحياة الحقيقية لقوله تعالى: ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾[3]، مع الله سبحانه وتعالى.
[1] الخصال ج 1، ص 293.
[2] سورة الزخرف، الآية: 80.
[3] سورة العنكبوت، الآية: 64.
تعليق