بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
اللهم صل على محمد وآل محمد
هو غلام أمير المؤمنين عليه السلام، ومُرافقه، اسمه قنبر، ويقال إنّ الإمام سمّاه بهذا الاسم. اسم أبيه همدان، والظاهر أنّه غير عربيّ.
يرجّح بعض الباحثين أنّه نشأ في بلاد فارس، وأنّه كان من أولاد الملوك، ولهذا فإنّ أمير المؤمنين عليه السلام احتضنه كما احتضن بنات يزدجر بعد فتح إيران.
كان من السابقين الذين عرفوا حق أمير المؤمنين (عليه السلام) وثبتوا على الذود عن حق الولاية كان قنبر رجلا عابدا، ورعا، عارفا، متكلما، لسنا.
تولى خدمة أمير المؤمنين وكان يحبه حبا شديدا، تولى بيت المال في الكوفة في خلافة الإمام علي ووقف إلى جانبه في الملمات فشاركه حرب صفين دفع اليه الإمام لواء يوم صفين في قبال غلام عمرو بن العاص الذي كان قد رفع لواء.
فمن مآثر العظماء تركُ بصمة اعمالهم وعطاءاتهم واضحة في مجتمعهم، إما من خلال مواقفهم المفصلية الفريدة وإما في جهودهم العلمية وحِكَمهم النورانية، وإما في بطولاتهم وجهادهم وتضحياتهم، وإما فيمن حولهم من رجالات يخلفونهم في الاثر..
فكيف إذا كان ذلك أمير المؤمنين علي عليه السلام..
فقد ترك في كل جانب آثاراً لا تمحى وفوائد لا تقضى.
وكمثال على ذلك خادمه قنبر والذي ورد ذكره في القصيدة الكوثرية لخادم اهل البيت السيد رضا الهندي (قد)؛
قـاسُـوكَ أبـا حسـنٍ بـِسِــواكَ
وهـلْ بـالطَّـوْدِ يُقـاسُ الـذَّرْ
أَنَّــى سـاوَوْكَ بِـمَـن نــاوَوْكَ
وهـل سـاوَوْا نَعـلَيْ قَـنْـبَر
الذي تصدى لطاغية عصره.
وروى الشيخ المفيد بسنده إلى جابر الأنصاريّ قال: سمع أمير المؤمنين عليه السلام رجلا يشتم قنبراً وقد رام قنبر أن يردّ عليه، فناداه أمير المؤمنين عليه السلام: ((مَهْلاً يا قَنْبَرُ، دَعْ شاتِمَك مُهاناً؛ تُرْضي الرَّحْمَنَ، وَتُسْخِطُ الشَّيْطانَ، وَتُعاقِبُ عَدُوَّكَ. فَو الذي فَلَقَ الحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ ما أَرْضى المُؤْمِنُ رَبَّهُ بِمِثْلِ الحِلْمِ، وَلا أَسْخَطَ الشَّيْطانَ بِمِثْلِ الصَّمْتِ، وَلا عُوقِبَ الأَحْمَقُ بِمِثْلِ السُّكوتِ عَنْهُ))[1].
روى أصحاب السيرة من طرق مختلفة، على ما يحدثنا المفيد في إرشاده: أن الحجاج بن يوسف الثقفي قال ذات يوم: أحبّ أن أصيب رجلا من أصحاب أبي تراب فأتقرب إلى الله بدمه.
فقيل له: ما نعلم أحداً كان أطول صحبة لأبي تراب من قنبر مولاه.
فبعث في طلبه فأتي به، فقال له: أنت قنبر؟
قال: نعم.
قال: أبو همدان؟
قال: نعم.
قال: مولى عليّ بن أبي طالب؟
قال: الله مولاي وأمير المؤمنين عليّ ولي نعمتي.
قال: أبرأ من دينه.
قال: فإذا برئت من دينه تدلني على دين غيره أفضل منه؟
قال: إني قاتلك، فاختر أي قتلة أحبّ إليك.
قال: قد صيرت ذلك إليك.
قال: ولِم؟
قال : لأنك لا تقتلني قتلة إلاّ قتلتك مثلها، ولقد أخبرني أمير المؤمنين (عليه السلام) أن ميتتي تكون ذبحاً ظلماً بغير حق ، قال فأمر به فذبح[2].
وحدّث الكشي في رجاله، قال: إن قنبراً مولى أمير المؤمنين (عليه السلام) دخل على الحجاج بن يوسف فقال له: ما الذي كنت تلي من عليّ بن أبي طالب؟
فقال: كنت أوضئه.
فقال له: ما كان يقول إذا فرغ من وضوئه؟
فقال : كان يتلو هذه الآية : ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أبْوَابَ كُلِّ شَيْء حَتَّى إذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ القَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾[3].
فقال الحجاج: أظنه كان يتأولها علينا؟
قال: نعم.
فقال: ما أنت صانع إذا ضربت علاوتك - رأسك -؟
قال: إذن أسعد وتشقى. فأمر به.[4]
[1] الأمالي للمفيد، ص 118.
[2] الارشاد، ج 1، ص 328 .
[3] سورة الأنعام، الآيتان: 44 - 45.
[4] رجال الكشي، ج 1، ص 290، رقم 130.
تعليق