المنمنات هي نتاج تصويري فني ذي ابعاد صغيرة يتميز بدقة في الرسم والتلوين، وهو اسم يطلق عادة على الاعمال الملونة بالالوان المائية ( الوان الكواش المجسمة) و الوان الاكرليك، ويطلق هذا الاسم على بعض الوثائق الكتابية المزينة بالصور او الخطوط والهوامش المزخرفة والمذهبة، وقد حقق هذا الفن المرتبط بالمخطوطات كمالا رفيعا خلال القرون الوسطى في الشرقين الاوسط والادنى وحتى اوروبا.
تشير اغلب الدراسات ان استخدام لفظة المنمنمات جاءت للتعبير عن اعمال التصوير المصغرة - وهي اشبه بالرسوم الايقونية في اوروبا- التي كان يجري ابداع رسمها وتلوينها على الخامات المختلفة مثل الخشب والعاج والجلود والورق المقوى والمعادن وبعض من قطع الاثاث المنزلي، فضلاً عن العديد من الصناعات المزخرفة والمطلية، وهناك اليوم اعمالاً مرسومة على قصاصات من جلد الغزال مودعة بمكتبة الفاتيكان واخرى موجودة في متحف سان ماركو بفلورنسا والمتحف البريطاني والمتمثل فيها جمال تزيين كتب الخدمة الكنائسية بالرسوم الايقونية المصغرة، ويشير مصطلح الايقونة في رسوم اوروبا المصغرة الى الصور المقدسة التي تستمد قداستها من خلال طبيعة موضوعاتها التي تعرضها وطبيعة التفاعل الحاصل ما بين رسام الايقونة - الذي ينكر ذاته- وبين الله المطلق، واصل كلمة ايقونة مصطلح اغريقي مأخوذ عن الكنيسة الارثوذكسية، اطلقت على الصور الدينية التي ترسم على اللواح خشبية، وهي تصور الجوهر الروحي الداخلي والقداسة المتسامية للشخوص والمفردات المصورة، وقد عرفت الايقونات في الفن القبطي فكانت ترسم على الواح خشبية صغيرة وقد وجدت في مصر في منطقة اباويط في اسيوط اللواح من الخشب وهي من الامثلة الجميلة لتصوير السيد المسيح وترجع الى اواخر القرن السادس وبداية القرن السابع للميلاد، حيث كانت الموضوعات الدينية والمناظر الطبيعية والمضامين الميثولوجية والصور الشخصية هي المجال الاوسع لإبداع الفنانين .
اما فيما يخص فنون المنمنمات التي ظهرت في العصور الاسلامية اذ تميزت مهارة الفنان الاسلامي فيها من خلال تنفيذ الخطوط بدقة ومهارة عاليتين، فسمك الخط المرسوم لا يزيد احيانا عن سمك شعرة الانسان الناعمة، ويخطط الفنان والمزوق الاسلامي اغلب رسوماته عادة بالحبر الاحمر ثم يؤكد هذا التخطيط باللون الاسود، وقد يخطط باللون الاحمر ثم يلون الرسم بمساحات لونية مختلفة ومنها اللون الذهبي ، ثم يخطط فوق الالوان باللون الاسود او الابيض اذا كانت القاعدة سوداء.
ومن خلال الرجوع الى المصادر التاريخية في هذا الامر نجد الالوان كانت تحضر بان تسحق المعادن الى ان تصّير ترابا ناعمان ويتم ذلك عادة بواسطة حجر صنع خصيصا لهذا الغرض، ثم تخلط المكونات بسائل يستعين به المصور في تكوين الاصباغ بإضافة بعض المعادن والمثبتات اليه، ويتوقف جمال الالوان على امرين الاول منهما يتعلق بدقة السحق والغربلة والثاني يتعلق بكمية المحمل – السائل -المستعمل في عملية تكوين اللون، وللمحمل ثلاثة انواع وهي الزلال والغراء والصمغ العربي، اماالفرشاة المستخدمة في هكذا رسوم فكانت من شعر الحيوانات ففي ايران مثلاً من شعر رقبة قط ابيض وفي الهند شعر السنجاب وكانت الفرشاة تعد بشكل خاص بحيث ينتهي طرفها بشعره واحدة ليتمكن من تلوين الخطوط الرفيعة، اما الورق فكان المرقط بالذهب والرخامي او السنجابي اللون وهو انواع منها المذهب وذو النقوش الكتابية والرسوم، وكان الورق يصقل جيداً لئلا يمتص الالوان، واســتخدم لصقل الورق زلال البيض او محلول مخفف من النشأ حيث يوضع المحلول على سطح الورق باســـتخدام فرشاة وبعد جفافه توضع الورقة على لوح مقوس من الخشب ثم تحك بواسطة المحار او البلوط حتى تصبح لامعة.
يتميز تصوير المنمنمات الاسلامية بخصائص محددة تشمل الجوانب التقنية والاسلوبية والوظيفية التي يطمح اليها هذا التصوير وينطلق هذا كله من فلسفة تتناول الانسان والكون والدين في اطار روحين فكما هو معروف ان فلسفة التصوير في الاسلام ترتبط بين العالم المادي والروحي مما يجعل من اعمال الفن الاسلامي تشكل نمطا فريدا في مزاياهن من خلال قربه من ان يكون نوعا من ممارسة عبادية ما، وقد ارتبط هذا النوع من التصوير بتطور المخطوطات التي تناولت شتى المعارف العلمية منها والادبية، وترقى اقدم المخطوطات الى القرن الثاني عشر الميلادي وان كانت اعداد قليلة منها معروفة وفي كل من مصر وايران والتي تأثرت بالفن الصيني وخصوصا في ايران، اذ تلتقي عديد من الدول في تصوير المنمنمات الاسلامية وبتأثيرات مختلفة تارة ما تكون عربية واخرى ايرانية او صينية او مغولية او سلجوقية وعثمانية.. كما تظهر بعض التأثيرات البيزنطية في فترات محددة وخاصة في دول حوض البحر المتوسط.
تتمثل اهم مدارس تصوير فن المنمنمات بالمدرسة المغولية والتيمورية ثم الصفوية والمملوكية والمدرسة التركية والهندية ثم المدرسة المعاصرة، وقد تميزت كل هذه المدارس بميزات خاصة ويشكل نشاطها مجتمعة السيرة الرئيسة لتطور فن المنمنمات في العالم الاسلامي ولقد عملت شعوب العالم الاسلامي بدأب الى هذه الدرجة او تلك في تطوير هذا الفن الذي يعتقد البعض انه جاء متأثراً بالرسوم الصينية، فالمنمنمات التي اشتقت موضوعاتها في كثير من الاحيان من الدين قد اعطت للمنمنمات طابعا عالميا يتجاوز الحدود القومية ولا يقف عند الحدود الجغرافية، واستنادا على ذلك نلمس صعوبة كبيرة في محاولة فك الارتباطات الاسلوبية بين المدارس المختلفة وتأثيرها في فنون كل دولة من الدول التي دخلت في تكوين الخلافة الاسلامية، ويتصف نظام تطوير المنمنات في العصور الوسطى الاسلامية (بتقليديته) التي املتها اغراض عقائدية وجمالية معا والمنطلقة من متطلبات التاويل الديني الرمزي ونشرها ليطلع عليها الاخر.
وقد ترعرعت المنمنمة بصفتها شكلا من اشكال الابداع الفني ضمن اطار التصوير التراثي، ففي المنمنمة مكونات مستقلة تتمثل بوحدة خاصة والتي لا تتكرر، فالعمل الابداعي الاصيل يتصف بفرادة تجعله منيعا على التكرار بصفة اجمالية، وكما هو معهود فلكل عمل فني وحدته الخاصة به وهي غير قابلة للتكرار وهو وحدة جميع مكوناته الجزئية، ومهما كان حجم المنمنمة صغيرا ومهما كان حجم المساحة التي ترسم فيها الطبيعة صغيرا فهي تضم جبالا ومياها ووديانا وسماء ونباتات وحيوانات وطيورا واسماكا وادميين، وتظهر هذه التفصيلات بصفتها رموزا تدل على كل موجود في الكون المرمز داخل المنمنمة والذي يقف الفنان المنفذ لها وراء اسباب انتاجه للاشكال على هذه الصورة الشاعرية وهكذا يُتم تعبيره عن وحدة الوجود في رسمته.
لقد عالجت المنمنمات موضوعات متعددة واحد اهم موضوعاتها واقدمها الصورة الشخصية ويمكن للمتتبع ان يطلع على غزارة هذه الصور في فنون القرون الوسطى الاسلامية، وبالرغم من تواضع امكانيات التصوير فقد بقي رسم الصورة الشخصية وتم اعتمادت التزينية المرافقة لها في المنمنات بأسلوب رصف الاشكال والطابع التسطيحي للصور لتظهر وهي تحمل احساسا قويا وحقيقيا بالحياة ومن خلالها تظهر العلاقة الجمالية للمصور تجاه العالم المحيط به، ولا يخفى ان مهارة المصورين في هذا الفن قد حققت توازنا بين التاثير التزييني المميز للمنمنات الشرقية وبين الاحساس بحجوم المواد.. وهو ما اعتمدوا فيه على تقليد الفن البيزنطي بعض الشيء فقد تم تمثيل حركة ثنيات النسيج الفني اما من خلال الوان داكنة او فاتحة مرسومة بخطوط بيضاء كما لو كانت من الكلس وهو ما يشبه الحلول التشكيلية في الرسم الجداري ، وقد ادخل مصورو المنمنات اللون الازرق الباهت والاخضر والاحمر القرميدي ويزين اللونان الابيض والاسود المنمنمات كثيرا وببراعة عالية وخاصة في استخدام اللون الذهبي الباهت في تلوين الادوات ومحتويات المنزل والحلي لتخرج بذلك لوحات فنية تتميز برهافة الوانها وتكون بحد ذاتها انجازا في مجال التلوين وعلى مختلف مستويات الفنون الاخرى .
المرفقات
كاتب : سامر قحطان القيسي