بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد والمجد والصلاة وعلى مبعوثه الامين النبي الكريم وآل بيته الطاهرين المعصومين.
ان التخلق بالأخلاق الكريمة مما ندب اليه الشارع المقدس وحثت عليه الآيات القرآنية الكريمة وهي من اهم ما بُعث الانبياء لأجله اذ لولا الاخلاق لأصبح الانسان حيوانا كاسرا يكتسح كل شيء امامه خصوصا لما يتمتع به من ذكاء خارق اودعه الله سبحانه فيه.وله الحمد والمجد والصلاة وعلى مبعوثه الامين النبي الكريم وآل بيته الطاهرين المعصومين.
اذن الخطوة الثانية هي ارسال الانبياء لتعليم البشر حدودا وقوانين للتعامل فيما بينهم تخضع للأخلاق الحميدة وتسمو بالنفس الى اعلى مراتب الكمال ولو استعرضنا القرآن الكريم سنجد الاهتمام بذكر احد اسباب بعثة الانبياء وعلى رأسهم خاتمهم وسيدهم لتزكية الناس وتعليمهم.
ومنها قوله تعالى: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ {البقرة/129}.
وقوله تعالى : لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ {آل عمران/164}.
وقوله تعالى : هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ {الجمعة/2}.
والملاحظ انه لولا هذه التزكية والتعليم لبقى الانسان في ضلال مبين حسب تعبير الكتاب الكريم وقول رب العالمين, ولو رجعنا الى كلام محمدٍ وآل محمد سنجد الاهتمام المنقطع النظير لتعليم الناس الاخلاق بأبهى صورها وقد تم التأكيد عليها من قبل المعصومين سلام الله عليهم.
فمما ورد عن النبي الاكرم صلى الله عليه وآله قوله انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق (مجمع البيان للطبرسي ج 10 ص 333) وكذلك ما ورد مكررا عن ائمة آل البيت في وصف النبي الاكرم صلى الله عليه وآله فقد كان (صلى الله عليه وآله) يبادر من لقيه بالسلام والمصافحة ، فيسلم حتى على الصغير ،وكان شديد المداراة للناس حتى قال (صلى الله عليه واله ) :«أعقل الناس أشدهم مداراة للناس ، وأذل الناس من أهان الناس » وكان (صلى الله عليه وآله ) لا يذم أحداً ، ولا يعير أحداً ، ولا يفتش عن عيوب أحد ، بل كان شديد الحياء وقد ورد أنه كان حين يريد لوم أحد أو عتابه يعاتبه بكل حياء وخجل . وكان من سأله حاجة قضاها له إن قدر على ذلك ، وإلا واجه صاحب الحاجة بكلمة طيبة أو دعاء أو نصيحة أو توجيه .
وكان (صلى الله عليه وآله ) إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه ، فإن كان غائباً دعا له ، وإن كان شاهداً زاره ، وإن كان مريضاً عاده .
وكان (صلى الله عليه وآله ) لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر الله جل اسمه ، ولا يتخذ لنفسه مكاناً خاصاً في المجلس بل كان يجلس حيث ينتهي به المجلس ، ويأمر أصحابه بذلك. وكذلك كان ائمة آل البيت عليهم السلام وهذا بديهي لمن تصفح كتب الحديث والتواريخ سنتركها رعاية للاختصار.
نعم بالنسبة الى عموم المكلفين اليوم فان التخلق بهذه الاخلاق لا يتم بسهوله لصعوبة قيادة النفس المتمردة وميلها الى الباطل وغلبة جنود الشيطان في نفس الانسان على جنود الرحمن الا ما رحم ربي سبحانه.
لذلك ذكر علماء الاخلاق طرقاً لعلاج هذه المشاكل ولترويض النفس ونلخصها بما يلي ( مشارطة النفس ثم مراقبتها ومحاسبتها وأخيرا معاقبتها) وسنذكر هذه الخطوات بشيءٍ من الاختصار.
الاول: مشارطة النفس
قالوا ان في كل صباح وقبل القيام بأي عمل ما يجب الانفراد مع النفس ووضع شروطاً عليها والاتفاق على تطبيق هذه الشروط لذلك يجب مراعاة ان لا تكون هذه الشروط مستحيلة خوفاً من ردة الفعل ونفور النفس . نعم يجب تذكيرها بأن هذه النشأة هي للعمل لا التلذذ وأن وراء هذه اللذات عقبات شديدة وسنينَ طويلة هي الحياة الحقيقة التي سيعيشها الانسان كما قال سبحانه (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ {العنكبوت/64}. وان السعادة الحقيقة هي في الجنة كما قال ربي سبحانه (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ {هود/108}.
ويجب ان نذكر انه بهذه المشارطة يجب معاملة النفس كما يعامل التاجر شريكه فأن المصير واحد اما حفرة من حفر النيران او روضة من رياض الجنة رزقنا الله واياكم المصير اليها وجنبنا نيران الجحيم.
الثاني: مراقبة النفس
الخطوة الثانية هي مراقبة النفس لمعرفة مدى التزامها بما اشترطنا عليها صباحا ويجب ان نتصور ان الفرد بشخصين احدهما يراقب والاخر مُراقب وهذه المراقبة حثيثة ودقيقة والا فان النفس تميل الى العصيان والتمرد تلقائيا فلو لم تكن المراقبة حثيثة لضاعت الجهود هدراً.
وليتذكر الانسان قوله الله تعالى : « إنّ الله كان عليكم رقيباً ». (النساء :1)
وكذلك قال الامام الصادق عليه السلام : « اعبد الله كأنّك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك ». (المحجة البيضاء : 8/155) .
الثالث: محاسبة النفس
كما قلنا بوجوب التفرغ قبل العمل بساعة لمشارطة النفس يجب ايضا التفرغ ساعة قبل النوم لمحاسبتها , فعند انتهاء اليوم الصاخب بالأعمال كما هي طبيعة الدنيا يجب النظر فيما قضى الانسان يومه وما كسبت يداه فأن هذه الساعات هي من تحدد مصير الانسان , وهذه المحاسبة نستطيع تصورها بمحاسبة التاجر لتجارته فهو يخلو بالشهر مرة او في السنة مرة لمحاسبة نفسه لكي يديم تجارته فكذلك الانسان يجب ان يحاسب نفسه محاسبة دقيقة ومركزة على كل شيء. نعم يجب ان لا يركز على الجانب السلبي ( الذنوب ) فعند نظره انه لم يقترف ذنبا فانه سينام مرتاحا ويحمد الله سبحانه وانتهى الامر.
كلا فالمفروض ايضا ان يدقق في الجانب الايجابي (العمل) فماذا قدم في يومه لخدمة دينه ومجتمعه , فانه يعيش في مجتمع مطلوب منه ان يساهم في اصلاحه وتقوية عقيدته والذب عنه من مكائد الشيطان وخدمته, فاذا لم يرى من هذه الاعمال شيئا عليه ان يتضرع الى الله سبحانه لتوفيقه لخدمة المؤمنين فأن هذا توفيق ما بعده توفيق. وان عليه ان لا ينسى حركاته وسكناته ايضا فالنفس ستخفي بعض الذنوب وتهونها فلا تغره تلك الاساليب من النفس فلو رمى الانسان حجراً في داره عند كل معصيةٍ لامتلأت الدار في سرعة مريبة وعجيبة. ومع ان النفس تنسى اكثر الذنوب ولكن هناك من يتذكر ( أحصاه الله ونسوه).
وليتذكر قوله تعالى ( ولتنظر نفس ما قدّمت لغد ». (الحشر : 18) وقوله صلى الله عليه وآله : « حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ». (المحجّة البيضاء : 8/165).
الرابع: معاقبة النفس
الخطوة الاهم لتحقيق اهداف الانسان المؤمن عند عدم استجابة النفس هي معاقبتها لعدم التزامها بما تم الاتفاق عليه.
نعم يجب عند معاقبة النفس الاهتمام بطريقة العقاب تحسباً لردة فعل غير متوقعة ونفوراً كبيراً للنفس وهذه نكسة كبيرة لو وقعت لا سمح الله.
فمثلا يعاقب نفسه بالصوم وهي عبادة اذا لم تستيقظ النفس لصلاة الصبح أو يثقل على نفسه بالعبادة والاوراد الدينية اذا اقترفت معصية ما علها تنتبه وتلتزم وهكذا . نعم يجب مجاهدة النفس جهادا كبيرا فكما ورد اعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك ( بحار الانوار ج 67 ص 37), ولا تسامحها بأي صغيرة وكبيرة .
انتهى ما اردنا بيانه ولو التزم به الانسان وصار منهجا ثابتا له وزاده الباري توفيقا لأصبح من السعداء في الدنيا والآخرة.
نعم نقول أخيرا من الامور النافعة مصاحبة العلماء والاتقياء والصالحين فان النفس تقترن بمثيلاتها فأختر نفساً مؤمنة صالحة عسى ان تكون مصدر الهام لنفسك التي بين جنبيك.
فقد روي أنّه كان في بني إسرائيل رجل يتعبّد في صومعته فمكث زماناً طويلاً فأشرف من صومعته يوماً فنظر إلى امرأة فافتتن بها فأخرج رجله بالنزول إليها فأدركه الله بلطفه فرجعت إليه نفسه وعصمه الله تعالى وندم ،
فلمّا أراد أن يعيد رجله إلى الصومعة قال : هيهات! رجل خرجت تريد المعصية تعود معي في صومعتي لا يكن والله أبداً ، فتركها معلّقة من الصومعة تصيبها الأمطار الرياح والثلج والشمس حتّى تقطّعت ، فسمّي ذا الرجل ، فشكر الله له ذلك وأنزل في بعض الكتب ذكره (إحياء العلوم : 4/406). والحكايات في هذا الباب كثيرة.
والعجب أنّك تعاقب عبدك وأمتك وأهلك وولدك على تقصير صدر من أحدهم لأنّك تخاف أن يخرج أمرك عن الاختيار لو داريتهم ويبغوا عليك ، ثم تهمل نفسك مع كونها أعظم عداوة وأشدّ طغياناً عليك وضررك من طغيانها أشدّ من ضررك منهم ، إذ غايته تشويش عيش الدنيا والعيش عيش الآخرة ، والنفس هي التي تخلّصه لك.
والحمد لله رب العالمين
ملاحظة: تمت الاستفادة من بعض كتب الاخلاق احمد خالد الاسدي
ليلة 15 ربيع الاول 1437
ليلة 15 ربيع الاول 1437
تعليق