عن سدير الصيرفي قال: دخلتُ أنا والمفضل بن عمر وأبو بصير وأبان بن تغلب، على مولانا أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام فرأيناه
جالساً على التراب وعليه مسح خيبري مطوق بلا جيب، مقصر الكمين وهو يبكي بكاء الواله الثكلى، ذات الكبد الحرى، قد نال الحزن من وجنتيه
وشاع التغير في عارضيه، وأبلى الدموع محجريه، وهو يقول: "سيّدي! غيبتك نفت رقادي، وضيقت عليّ مهادي، وأسرت مني راحة فؤادي،
سيّدي غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد، وفقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد، فما أحس بدمعة ترقى من عيني، وأنين يفتر من صدري
عن دوارج الرزايا وسوالف البلايا إلا مثل لعيني عن غوابر أعظمها وأفظعها وبواقي أشدها وأنكرها ونوائب مخلوطة بغضبك، ونوازل معجونة
بسخطك". قال سدير: فاستطارت عقولنا ولهاً، وتصدعت قلوبنا جزعاً من ذلك الخطب الهائل والحادث الغائل، وظننا أنه سمت لمكروهة قارعة
أو حلّت به من الدهر بائقة، فقلنا لا أبكى الله يا بن خير الورى عينيك، من أي حادثة تستنزف دمعتك، وتستمطر عبرتك، وأية حالة حتمت عليك
هذا المأتم. قال: فزفر الصادق عليه السلام زفرة انتفخ منها جوفه، واشتد عنها خوفه، وقال: "ويكم إني نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم
وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة الذي خص الله تقدس اسمه به محمداً والأئمة من
بعده عليه وعليهم السلام، وتأملتُ فيه مولد قائمنا وغيبته وإبطاءه وطول عمره وبلوى المؤمنين (به من بعده) في ذلك الزمان وتولد الشكوك
في قلوبهم من طول غيبته، وارتداد أكثرهم عن دينهم، وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم، التي قال الله تقدّس ذكره: ( وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ
فِي عُنُقِهِ(/ (الإسراء:13) يعني الولاية، فأخذتني الرقة، واستولت عليّ الأحزان".
سارة الميرزا مهدي
تم نشره في المجلة العدد66
تعليق