بسم الله الرحمن الرحيم
ولله الحمد والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في دعاء أبي حمزة الثمالي الكثير من الفقرات التي ينبغي لنا التوقف عندها والتأمّل فيها..
منها هذه الفقرة الشريفة النورانية: ((اَدْعُوكَ يا سَيِّدي بِلِسان قَدْ اَخْرَسَهُ ذَنْبُهُ، رَبِّ اُناجيكَ بِقَلْب قَدْ اَوْبَقَهُ جُرْمُهُ))..
غالباً ما يكون الدعاء من خلال اللسان، أي بأمر لفظي، أما المناجاة فهي شعور واحساس من مختصات القلب، لذا أورد الامام السجاد عليه السلام الفقرة الأولى بمقارنة الدعاء مع اللسان، والمناجاة مع القلب..
ما الذي يجعل اللسان أخرساً غير قادر على الكلام؟
انّها الذنوب، شتى أنواع الذنوب والمعاصي التي يرتكبها الانسان في حياته ومعاملاته، من غيبة ونميمة وعقوق واعتداء وكذب وبيع وشراء وو.. الى كثير من الأمور التي تُمارس في الحياة الدنيا..
ويعظم هذا الذنب عندما يكون بحق الخالق العظيم، لذا ورد عن الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله أنه قال: ((لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن أنظر إلى من عصيت))، فالإنسان الذي يُقرّ على نفسه بالخطيئة والمعصية لهي جديرة بإخراس اللسان ولا تجعله ينبسّ بكلمة واحدة، ألا ترى انّ المجرم الذي يمثل أمام القاضي (حتى لو كان جرمه صغيراً) وبحضور الناس تجده مطأطئ الرأس مقرّاً بذنبه بادي الخجل على محيّاه.. هذا في الحياة الدنيا وهي أمام إنسان مثله، فكيف بالعبد عندما يقف بين يديّ جبّار السماوات والأرض، وهو يستشعر ذلك الذنب، فبالتأكيد سيتلعثم.. بل لا ينطق أبداً..
ويعظُم الأمر ويصبح خطيراً عندما يصل الى القلب.. فالقلب أشد خطراً بل هو أساس الأعمال من صالحها وطالحها، لأنّ ما انعقد عليه القلب سيظهر على الجوارح، ألا ترى انّ البعض يكون هادئاً في الأمور الاعتيادية ويتصرف بصورة طبيعية ولكن ما إن يصادفه أمر يكون خلاف ما يريده سيكون شخصاً آخر ويخرج عن طوره الاعتيادي (حتى انّ البعض عندما يعود الى هدوئه يعتذر عمّا بدر منه معلّلاً تصرفه بأنّه لا شعوري)، نعم انّه ترسبات ظهرت الى أرض الواقع، فالكأس المملوء بالماء الصافي وفي قاعه قد ترسّبت الأتربة والكدر سرعان ما يعكّر صفو هذا الصفاء عند تحريك ذلك الماء..
هكذا هو القلب حتى عندما يضمر شيئاً لا نراه في الواقع ولكنه يؤثّر سلباً على سلوك وتصرّف الانسان، فيصبح هذا القلب مريضاً، وبكثرة هذه الترسبات يصل الى مرحلة العمى حتى قال تعالى في كتابه الكريم: ((فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)) (الحج: 46)..
بعكس القلب السليم الذي من صفاته أن يكون مستقراً ومطمئناً، وهذا الاستقرار والاطمئنان لا يتأتى إلا لمن ابتعد عمّا يكون عائقاً أمام رؤية النور من خلال نافذة القلب الخالية من ترسبات الكدر والأدران، وهذه لا تنجلي إلا من خلال المراقبة القلبية مستصحبة بالاستغفار ودوام الذكر ((أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)) (الرعد: 28)..
نسأل الله تعالى أن تكون قلوبنا صافية مطمئنة وألسنتنا منطلقة بذكره تعالى..
تعليق