اظهرت الاعمال الفنية الزخرفي في الأضرحة والمراقد المقدسة في العراق والمنطقة العربية قابلية الفنان الابداعية في تصاميمه الفنية ولاسيما الزخارف النباتية، وذلك لأنها تمثل أجمل الفنون الزخرفية وما تتمتع به من تنوعات تكوينية ذات السمات التزيينية من خلال ما طرأت عليها من متغيرات فنية تمثلت بالأصالة والجمال، والتي أظهرت نتاجات ذات طابع ابتكاري للتكوينات والمكونات الزخرفية حتى أصبحت عنصرا جوهريا مع مثيلتها في التوظيف التزيني للتكوينات الخطية النصوص القرآنية والأحاديث الشريفة، اذ تم تنظيمها وفق تصاميم موحدة تعبر عن العقائد الفكرية والتقاليد الفنية الأصيلة الموظفة ضمن العتبات المقدسة بفعل أنها تنطوي على سمات أسلوبية لها خصوصية اكتسبت التفرد في مفرداتها وانشائها الزخرفي من حيث التقسيم المساحي وأشغالها بزخارف نباتية متعددة من نوع أو نوعين وذلك وفق هيأة مصمتة أو ذات حشو داخلي، فضلا عن الجانب التنظيمي لها من حركات غصنية مختلفة كُيفت حسب مقتضيات المساحة الأساسية للعمل الى جانب التنوع في بنية المفردات والوحدات الزخرفية وتنوع تكراراتها الموظفة ضمنا مع التصميم والتي مثلت في نفس الوقت التنوعات اللونية والتي لعبت دورا بارزا في اضفاء الوحدة والتنوع العام في العمل النهائي للتصميم الزخرفي .
ولو تأملنا في مصورات التصاميم الزخرفية اعلاه والتي تشغل حيزاً مكانياً وجمالياً من الجدران الخارجية لمرقد المولى ابي الفضل العباس عليه السلام ، لوجدنا انها تحمل فيضاً من التنوعات التقنية والفنية المختلفة التي استثمرها الفنان لإخراج العمل بأبهى صوره ، والتي نستطيع ايجازها بالتنوعات التالية :
التنوع في التقسيم المساحي للتصميم..
اعتمد الفنان المنفذ اسلوب التناظر الثنائي في تنفيذ تصميمه الزخرفي معتمدا اسلوب المحور العمودي في تحقيق النظام العام للتصميم مما احدث توازنا مماثلا على جانبي المحور الوسطي لكل تصميم من خلال توزيع التكوينات الزخرفية الشاغلة لأواسط التصاميم المتمثلة بأشكال الآنية والقلوب، وعلى وفق تسلسل تتابعي بإيقاعية متناقصة في الترتيب صعودا الى الاعلى بصورة شريطية عبر محور واحد، فضلا عن التقسيمات المتنوعة ضمنا للتكوينات الزخرفية والتاي جمعت بين التناظر الثنائي للآنية الزخرفية المماثلة مع التقسيم العام للتصميم والتناظر الرباعي للقلب الزخرفي الذي يعلو الآنية والتناظر الثنائي للقلب الزخرفي المكمل مما حقق التنوع في التقسيم والتنظيم للتكوينات ضمن رؤية اتجاهية واحدة متوازنة شكليا، ولا يخفى امام المشاهد اعتماد الفنان للتناظر الثنائي ضمن الوحدة الاساسية داخل فضاء الاطار الزخرفي التي شغلت المساحة وفق الامتداد العمودي والافقي من خلال تكرار متعاكس لتلك الوحدة.
التنوع في بنية المفردات والاغصان النباتية وتنظيمهما..
وقد احتوت التصاميم اعلاه انشاء زخرفياً لنوع واحد من الزخارف وهي الزخارف الزهرية، وذلك ضمن مساحة التصميم الاساسية لكل منها، فضلاً عن توظيف بعض اشكال الطيور ضمناً مع الزخارف الزهرية وما تشمله من مفردات بسيطة ثنائية الفصوص وثلاثية وخماسية وازهار ثلاثية الاوراق ورباعية مزدوجة الخطوط واخرى مركبة متعددة الاوراق ومسننة تشبه ورقة العنب ، وقد وزعت بصورة انتشارية متكافئة في اشغال المساحات ضمن التصميم وورود مفردة زخرفية مضاعفة مسننة الحواف تشبه ورقة العنب مشغولة بمفردة مركبة متعددة الاوراق واوراق نباتية سعفية مسننة الحواف واخرى متراكبة ملحق بها مفردات بسيطة وبراعم واشواك مدمجة مع الغصن ضمن مسار حركة الغصن.
وقد حقق الاطار الزخرفي اشغالاً زخرفيا واحدا هو (الزخارف الكأسية) الاحادية الفلق والثنائية والثلاثية واشغال الفضاءات المتخللة عند عملية تكرار الوحدة الاساسية بمفردة زهرية بسيطة مفصصة ملحق بها وريقات مسننة الحواف، وقد نظمت حركة اغصان المساحة الاساسية على وفق الحركة الحلزونية الملتفة نحو الداخل وتفرعاتها المنطلقة من نقطة انبثاق واحدة من المفردة الزخرفية المضاعفة ضمن فوهة الانية واعتماد الحركة الدورانية المعكوسة ذات الامتداد الافقي في اشغال الاطار الزخرفي المكون من تلاقي حركة الغصنين ليحدث بينهما فضاء مشغول بمفردات زهرية بسيطة بعضها مستديرة الشكل.
التنوع في بنية الوحدات الزخرفية النباتية:
خضع التصميم الى التعدد الشكلي للتكوينات الزخرفية (الآنية والقلوب)الشاغلة لفضاء التصميم فالآنية اسفل المساحة متألفة من الفوهة المستقيمة محملة بزهرة مضاعفة وزوج من المقابض ذات توظيف مستحدث لأشكال حيوانية بهيأة (طيور) والعنق شبه مستطيل افقيا مرتبط مع البدن بعقد رابطة معقدة مسننة الحواف ،والبدن متسع من الاعلى ومستدق من الاسفل مشغول بزخارف كاسية احادية الفلق وثنائية وثلاثية اما القاعدة بهيأة مستوحاة من عنصر كأسي ذي قاع مجوف شغلت بزخارف زهرية بسيطة ثلاثية الفصوص وخماسية وازهار مركبة متعددة الاوراق مزدوجة الخطوط، نظمت اغصانها بحركة مفصصة ضمن بدن الآنية وحركة شبه متموجة لفضاء قاعدة الآنية.
اما التكوينات الاخرى الشاغلة منتصف المساحة الاساسية فتمثلت بتنوع هيئاتها التكوينية من قلب زخرفي مركزي ذي شكل لوزي مفصص مشغول باشكال حيوانية (طيور) يعلوه قلب مكمل بهيأة مستوحاة من عنصر اساسي ثلاثي الفلق مجوف القاع وظفت الزخارف الزهرية داخل فضاءه من مفردات خماسية الفصوص منتشرة على وفق مسار حركة الغصن ، فضلاً عن انبثاق عنصر كأسي ثلاثي الفلق من الخطوط الخارجية للقلب متضمن مفردات كأسية احادية وثنائية وثلاثية الفلق صغيرة نسبيا ، اذ اعطى الناتج المتحقق من توظيف الزخارف النباتية الزهرية والكأسية وحتى الاشكال الحيوانية ، مما ادى الى احداث تنظيم مكاني متوازن ذي ترابط شكلي للتكوينات الزخرفية مما حققت مسارا تتابعيا نحو مجمل المساحة من خلال الهيئات الشكلية التي ظهرت بها التكوينات على وفق استقرار مكاني ضمن المساحة الاساسية واعطاء السيادة المظهرية للقلب المركزي ذي التوظيف لأشكال الطيور والمغايرة اللونية له.
التنوع في تكرار التكوينات:
اما هنا فيتمثل ذلك بالتكرار المماثل المتطابق للتصميم العام والتكرار المنتظم بصورة انتشارية للمفردات الزخرفية ضمن مساحة التصميم فضلاً عن التكرار المتناوب، من خلال انتشار المفردات المركبة المتعددة الاوراق والمسننة المشابهة لورقة العنب ضمن المحور العمودي للنصف الواحد، اضافة الى التكرار المتغير لتكوينات القلوب الزخرفية على وفق هيأتها الشكلية والتكرار المتغير في توظيف الاشكال الحيوانية تارة مدمجة مع بدن الآنية واخرى شاغلة لفضاء القلب الزخرفي (المركزي) وورودها مفردة مشتركة مع الزخارف الزهرية، وهناك التكرار المتعاكس للوحدة الاساسية الشاغلة لمساحة الاطار الزخرفي اذ ساعدت التكرارات المتعددة الى احداث التنوع الشكلي الصفاتي- المظهري بين التكوينات نتج عنه اشغال كامل لمساحة التصميم واغلاق فضائي تام له.
اما التنوع اللوني فقد اعتمد الفنان في هذا الموطن نظام المقاربة اللونية بين الفضاء الاساسي الشذري مع لوني الزخارف الزهرية الأزرق والأسود اذ تشكل المفردات ازاء هذه المعالجات نقاط استقطاب بصري منتشرة بصورة متناوبة المسافات بما ينطوي على الايحاء الحركي ضمن التصميم والأصفر والأزرق لبعض المفردات و الشذري والأزرق المتقاربين للأشكال الحيوانية المتمثلة بالطيور داخل فضاء القلب المركزي البرتقالي المحمروالمغاير للون الفضاء الاساسي احدث السيادة المظهرية ومركز استقطاب بصري نحو القلب بفعل المغايرة اللونية فضلاًعن التوازن للون الأصفر اسفل التصميم المتجسد واعلاه ضمن بدن الآنية والقلب الزخرفي المكمل،
ولا ننسى التضاد اللوني بين الزخارف الكأسية (الأبيض والأصفر) مع فضاء الاطار (الأزرق) ادى الى احداث السيادة المظهرية ضمناً للأغصان الكأسية ونتيجة التعدد اللوني للتصميم عموما اسهم في احداث الجمالية اللونية المتوخاة ضمن وحدة مظهرية متنوعة شاملة.
كاتب : سامر قحطان القيسي