هم رجال اثبتوا إن الرجولة ليست بالكلام وان حصون الشر تخر ساجدة من هول وقع أقدامهم.. هي اثبت من أوتاد الجبال الراسخات..
تتزلزل قلاع الأعداء أمام صرخاتهم التي ترعب وترهب أحفاد بني أمية وبني سفيان وعمرو بن العاص ويزيد ومعاوية وهند..
عادت الجاهلية الأولى وعاد معها أبناء بدر وحنين ليمحوها عن بكرة أبيها..
أضحى الإسلام وأبنائه غرباء تحوطهم الذئاب العاديات...تنهش بأنيابها كل من صدح بـ (واحسيناه) لأنها تخيفهم حد الجنون..وترعبهم حد
الموت..
رجال نفضوا غبار الذل عن وجه البسيطة لأنهم عشقوا صرخات الحسين (هيهات منا الذلة) فاحتضنوا بنادقهم وافترشوا تراب وطنهم
وتوسدوا عشقه وهجروا الأهل والأحباب..
وهناك رجال آخرين قدروا ما فعله إخوتهم فآلوا على أنفسهم إلا أن يشركوهم في هذا العشق فلزموا الجهاد ولكن من طريق آخر لا يقل أهمية
عن ما يفعلوه أحفاد جون وعابس وحبيب وزهير فأسسوا مجموعتهم التي ابعدوا عنها دناسة السياسة والأحزاب والطائفية والخضوع
لأشخاص لديهم مآرب مشبوهة وما أكثرهم.. من اجل هذا اسموا هذه المجموعة باسم (خدام الحشد الشعبي) وتعاهدوا على تقديم الغالي
والنفيس نصرة للدين والمذهب اعتمدوا على الله وعلى أنفسهم وعلى تبرعات أهل الخير واعتمدوا على الحملات التطوعية على مصادر
بسيطة من أموال المؤمنين...تشرفنا بلقاء احد أعضاء المجموعة الأخ عدنان دعير زبون (أبو داليا) الذي بين لنا طبيعة عملهم هذا:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق أجمعين أبي القاسم محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين..
قال تعالى في محكم كتابه الكريم بسم الله الرحمن الرحيم: ( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم
وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وانتم لا تظلمون) سورة الأنفال
وقال رسول الله صلى الله عليه واله : (من جهز غازيا فقد غزا)
امتثالا لأمر المرجعية العليا توجه بعض المؤمنين إلى مشروع إسناد قوات الحشد الشعبي المبارك ماديا ومعنويا وأسسنا مشروعنا
هذا قربة إلى الله تعالى بعيدا عن التيارات الحكومية وغير الحكومية وهذه المجموعة تعاهدت بينها على تقديم الغالي والنفيس لإخواننا...
يقوم أفراد المجموعة بطرح المشروع على إخوانهم من المؤمنين ومن خلال سعيهم يتم تجهيز الحملات وبالنسبة للتبرعات فإنها تأخذ طريقين
الطريق الأول: يقوم المتبرع بتجهيزنا بالمواد العينية التي نطلبها منه.
الطريق الثاني: يقوم المتبرع بإعطائنا المبلغ المالي ويكلفنا نحن بشراء المواد التي نجهز بنا الحشد.
أما المواد التي نشتريها فإننا نحرص على ان تكون من المواد الجافة التي لا تفسد بسرعة لأننا نوصلها إلى المقاتلين تحت درجات حرارة
عالية والى اماكن بعيدة اما نوعية التجهيز فيكون بالمواد الآتية : ( الحمص- باقلاء- سمك تونة- قشطة- جبن مثلثات- قيمر- حليب مكثف-
مربى- عسل- بسكويت- كيس تمر سعة كيلو واحد- لبن- صمون-كليجة) نقوم بعمل حصص متساوية لكل شخص إضافة إلى تزويد كل حصة
بملابس داخلية عدد1 ومنشفة، تقوم عائلتي بمساعدتي في التجهيز، أما عن طريقة توصيل المواد فقد عملنا خطة عمل وفق جدول نقوم على
أساسه بالوصول إلى فصائلنا المقاومة ويتضمن هذا الجدول كل فصائل الحشد الشعبي وأماكن تواجدها وتكون زياراتنا بالترتيب إذ نقوم
أولا بالتنسيق مع الجهة التي نريد زيارتها ونذهب الى جبهات القتال ومن شروط الحملة إيصال المساعدات إلى الخطوط الأمامية فنذهب
إليهم تحت القصف المعادي ونقوم بالشد على أيديهم ونقوي معنوياتهم، وقد خطت أقدامنا المناطق التي حدثت فيها المعارك
فكانت حصتنا منها: ( جبال حمرين- سامراء- بيجي- سبايكر- الاسحاقي- الكرمة- الصقلاوية- الاحويش) ذهبنا هناك لنرى
أساطير الأبطال بأعيننا فهناك ملاحم لا تُصدق لعل التاريخ لا يهملها فعليه أن يكتبها بماء الذهب وينقطها بالجواهر والدرر
ويكتبها على صفحات الإنسانية سأروي لكم منها هذا النزر:
جنون العاشقين:
تهجد الوطن في محراب عيونهم.. تألق فيها..جنى ترابه من جنونهم دماء سقطت..روّت أرضه العطشى لجنون العاشقين...
أورث عابس جنونه لعشاق الحسين (عليه السلام) فعُرفوا به..
محمد دينار احد أحفاد عابس ملأت أخبار جنونه سواتر الصقلاوية لم يتحدث لي مباشرة عن نفسه لأنه مؤمن بمقولة ( من مدح نفسه ذمها)
وإنما عزف لي أنغامه احد زملائه في القاطع إذ رتل وتغنى قائلا: يبدأ جنون محمد دينار في الليل وينتهي عند الصباح يقوم بالعبور إلى قوات
العدو ويعمل الكمائن للدواعش في معسكراتهم ولا يعود إلا مع آذان الفجر الذي يعلن لنا عن عودته منتصرا يحمل في يديه ما رزقه الله
أما قتلى أو أسرى، وكأن الله اكبر التي يصدح بها المؤذن ما هي إلا صفارة إنذار تطلقها الجوامع نهاية لغارة محمد دينار في ارض
ومعسكرات العدو.
حبيب بن مظاهر كان هناك
يحتضن بندقيته بكل شوق وعزيمة.. ارتسمت على تجاعيد وجهه سنين الانتظار لهذه اللحظات التي يعيشها بكل جوارحه، سألته:
يا عم ما الذي أتى بك إلى هنا وأنت شيخ كبير في السن؟ رمقني بنظرة تملأها إمارات الاستغراب من كلامي والعذر لجرأة سؤالي،
ومن نفس العينين أفاض عليّ بالجواب مشفوعا بحنو الأب حينما يريد أن يوضح لابنه حكمة ما : هل تريد يا ولدي أن اجعل بناتي
وبنات المذهب أسرى بيد الدواعش الجبناء، والله لا يحدث ذلك إلا على جثتي.
القاسم كان حاضرا
آه....من هذا؟ ....انه يافع لم يتجاوز الـ 17 سنة من عمره حتى انه لم تخط شارباه بعد، شباب القاسم كان حاضرا هناك لم يكن من الممكن
أن لا يكون للقاسم من يتبعه ويقتدي ب هاو يواسي أمه رملة...
ولدي ماذا تفعل هنا؟
نظرات عينيه تمتلئ ثقة بنفسه قل نظيرها لا يبدو انه يكترث لقوة أعدائه ... لا اعرف لماذا تذكرت كيف إن القاسم( عليه السلام)
كان يصلح شسع نعله الطاهر ولم يهوله منظر الأعداء، تذكرت هذا المنظر وأنا أرى هذا الفتى وهو يقول لي:
( لا تستصغر سني يا عم صحيح إني لا امتلك شاربا ولكني امتلك روحا قتالية جعلت أعدائي يخافوني ويهابوني، واسأل عني سوح الحرب
وما افعله فيها)
نعم انه لا يمتلك شاربا ولكنه امتلك روحا وقلبا لبسه كالدرع.
علي الأكبر يقاتل حتى آخر رمق
كانت دمائه تصبغ المكان وكأنه يلون حياته بهذا اللون القاني استعدادا للاحتفال بميلاده في العالم الآخر، كان زملائه قد نقلوه
للخطوط الخلفية فأشار إليّ أن انقله بسيارتي إلى حيث الخطوط الأمامية حيث اذهب إلى هناك، فاستغربت من وضعه صدمني جنونه
انه يريد الاحتفال على طريقته أجبته : انك جريح وجرحك في رأسك بالغ الخطورة، فعد إلى بيتك إلى أن تتعافى..
لا اعرف كيف لاحت لي في نظرات عينيه مقولة علي الأكبر(عليه السلام) لا نبالي إن وقعنا على الموت أو وقع علينا)
انتفض جرحه عليّ وهو يرفض العرض: كيف أعود واترك إخوتي يقاتلون الدواعش وحدهم أما نستشهد سوية أو نعود سوية.
أم وهب عادت من جديد
النساء وما أدراك ما النساء؟
ترتمي سحابات الهموم وتنتهي في أول خطوة تخطوها بنات الزهراء (عليها السلام) نحو أعتاب الجهاد..بكلمة واحدة يشحذن همم الرجال..
.بكلمة واحدة يقدمن أسباب الشجاعة والإقدام إلى الأبناء والأزواج والإخوة بصبر زينب (عليها السلام) تسلحن وتجلببن بعفافها..
آلين على أنفسهن إلا إكمال مسيرتها المقدسة...في طريقي إلى سامراء وجدت امرأة على الشارع الرئيسي وقد صنعت تنور طين وتقوم هي
وبناتها بخبز العجين وتوزيعه على أبطال الطف الجديد..كان منظرها يشحذ الهمم ويعطي الدروس للرجال بضرورة التقدم لنيل إحدى الحسنيين..
امرأة أحنى الدهر ظهرها ولكن لم يحنِ عزيمتها وصبرها وإيمانها الراسخ بالشهادة، سألتها: لماذا تتعبين نفسك وأنتِ بهذه السن؟
أجابتني على بساطتها التي تميزت بالعفوية النابعة من القلب الصابر على المحن: لا اشعر بأي تعب يا بني إني فداء لكل مقاتل وأنا هنا لا ابرح
هذا المكان ليلا ولا نهارا حتى يرزقني الله الشهادة التي أتمناها واحلم بها.
برقت عيون الأخ أبو داليا وهو يتحدث عن هذه المشاهدات التي هزت مشاعره وختم حديثه بالشكر والثناء والدعاء للمرجعية العليا
التي انضوى الجميع تحت عباءتها المباركة.
تعليق