🔸قصة الكتاب الذي استخرجه الأمير (ع) ..
لما أراد النبي صلى الله عليه وآله فتح مكة، سأل الله - جل اسمه - أن يعمي أخباره عل قريش ليدخلها بغتة، وكان عليه وآله السلام قد بنى الأمر في مسيره إليها على الاستسرار بذلك، فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بعزيمة رسول الله صلى الله عليه وآله على فتحها، وأعطى الكتاب امرأة سوداء كانت وردت المدينة تستميح بها الناس وتستبرهم (١)، وجعل لها جعلا على أن توصله إلى قوم سماهم لها من أهل مكة، وأمرها أن تأخذ على غير الطريق.
فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك، فاستدعى أمير المؤمنين عليه السلام وقال له: " إن بعض أصحابي قد كتب إلى أهل مكة يخبرهم بخبرنا، وقد كنت سألت الله أن يعفي أخبارنا عليهم، والكتاب مع امرأة سوداء قد أخذت على غير الطريق، فخذ سيفك وألحقها وانتزع الكتاب منها وخلها وصر به إلي " ثم استدعى الزبير بن العوام فقال له. " امض مع علي بن أبي طالب في هذه الوجه " فمضيا وأخذا على غير الطريق فأدركا المرأة، فسبق إليها الزبير فسألها عن الكتاب الذي معها، فأنكرته وحلفت أنه لا شئ معها وبكت، فقال الزبير: ما أرى - يا أبا الحسن - معها كتابا، فارجع بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله لنخبره ببراءة ساحتها.
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: " يخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن معها كتابا ويأمرني بأخذه منها، وتقول أنت أنه لا كتاب معها " ثم اخترط السيف وتقدم إليها فقال: " أما والله لئن لم تخرجي الكتاب لأكشفنك، ثم لأضربن عنقك " فقالت له: إذا كان لا بد من ذلك فاعرض يا ابن أبي طالب بوجهك عني، فأعرض عليه السلام بوجهه عنها فكشفت قناعها، وأخرجت الكتاب من عقيصتها . ( ظفيرتها )
فأخذه أمير المؤمنين عليه السلام وصار به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأمر أن ينادي بالصلاة جامعة، فنودي في الناس فاجتمعوا إلى المسجد حتى امتلأ بهم، ثم صعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر وأخذ الكتب بيده وقال: " أيها الناس، إني كنت سألت الله عز وجل أن يخفي أخبارنا عن قريش وإن رجلا منكم كتب إلى أهل مكة يخبرهم بخبرنا، فليقم صاحب الكتاب، وإلا فضحه الوحي " فلم يقم أحد، فأعاد رسول الله صلى الله عليه وآله مقالته ثانية، وقال. " ليقم صاحب الكتاب وإلا فضحه الوحي " فقام حاطب بن أبي بلتعة وهو يرعد كالسعفة في يوم الريح العاصف فقال: يا رسول الله أنا صاحب الكتاب، وما أحدثت نفاقا بعد إسلامي، ولا شكا بعد يقيني. فقال له النبي صلى الله عليه وآله:
" فما الذي حملك على أن كتبت هذا الكتاب؟ " فقال: يا رسول الله، إن لي أهلا بمكة، وليس لي بها عشيرة، فأشفقت أن تكون الدائرة لهم علينا، فيكون كتابي هذا كفا لهم عن أهلي، وبدا لي عندهم ولم أفعل ذلك لشك في الدين.
فقال عمر بن الخطاب. يا رسول الله مرني بقتله فإنه قد نافق.
فقال النبي صلى الله عليه وآله: " إنه من أهل بدر، ولعل الله تعالى اطلع عليهم فغفر لهم. أخرجوه من المسجد ".
قال: فجعل الناس يدفعون في ظهره حتى أخرجوه، وهو يلتفت إلى النبي صلى الله عليه وآله ليرق عليه ، فأمر النبي صلى الله عليه وآله برده وقال له: " قد عفوت عنك وعن جرمك، فاستغفر ربك ولا تعد لمثل ما جنيت " .
📙: الارشاد للشيخ المفيد .