اللهم صل على محمد وآل محمد
يؤكد أمير المؤمنين (عليه السلام) في كثير من كلماته النيرة على حقيقة الذنوب وأثرها في الابتعاد عن الله (عز وجل)، كون الذنوب بحد ذاتها من المعاصي،
لأنّ المعصية سواء كانت صغيرة أم كبيرة، وسواء كانت جهرةً أم خفية، تنطبق عليها أحكام المعصية؛ لأنّ العبد العاصي بمعصيته قد تعرّض لسخط ربّه وغضبه.
- ومرتكب المعصية يكون فرحاً مبتهجاً بما اقترفه من المعصية ، ويفتخر بذلك،
عن جعفر بن محمّد، عن أبيه (عليهما السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من أذنب ذنباً وهو ضاحك دخل النار وهو باك[1].
- ومن هذا المنطلق نرى أغلب الذين يفعلون المعاصي يبتهج ويتفاخر بنفسه عند قيامه بذنب اقترفه وهذا أعظم من المعصية؛ لذا قال أمير المؤمنين (عليه السلام): التبجح بالمعاصي أقبح من ركوبها[2].
والتبجح معناه: بالميم والباء: البذخ والفخر وهو يتمجح و يتبجح[3]، وهذه الصفة السيئة يتّصف بها بعض العصاة والفسّاق الذين خرجوا من ولاية الله ودخلوا في ولاية الطاغوت، وهي من صفة الطغيان والمجاهرة بالإثم والفجور.
وقال امير المؤمنين (عليه السلام): لا وزر أعظم من التبجح بالفجور[4].
فالوزر هو: الحمل الثقيل من الإثم[5]، والفجور: الرِّيبة ، والكذب من الفُجُورِ[6].
فالذنوب والمعاصي بحد ذاتها تبعد الانسان من رحمة الله، فكيف إذا ارتكب هذه الذنوب وافتخر بفعلته نحو انغماسه وتلوثه بالذنوب والجرائم فهذا الافتخار أعظم من ارتكاب الذنب، لذا قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ): تهوين الذنب أعظم من ركوب الذنب[7].
وعن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من علامات الشقاء جمود العين وقسوة القلب وشدّة الحرص في طلب الدنيا والإصرار على الذنب[8].
ونرى حاليا في مجتمعاتنا وجود الكثير من العصاة مضافاً إلى ارتكابهم الذنب والمجاهرة به علناً يظهرون طغيانهم وتبجّحهم أمام الآخرين بأنّه كذّب وسرق وزنى ونظر... الخ، مبتهجاً بذلك ومتلذّذاً بما قام به، فرحاً مسروراً بذنبه، وهذا من أقبح الصفات التي قد يتّصفُ بها العبد العاصي، وقد ورد التحذير والنهي عنها وذكر بعض آثارها.
لذا على الانسان أن يتمعن النظر بما أصاب الأمم السابقة والحذر من غضب الله للذين كانوا يقترفون الذنوب والمعاصي؛ كون الشيطان زين لهم سوء أعمالهم فرأوها حسنة مفتخرين بفعلهم
لذا جاء في كلام للإمام (عليه السلام) يحذر من الشيطان وخطواته في اغواء النفس الإنسانية وابعادها عن طاعة الله عز وجل، بقوله عليه السلام:
(فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللَّه عَدُوَّ اللَّه أَنْ يُعْدِيَكُمْ بِدَائِه، وأَنْ يَسْتَفِزَّكُمْ بِنِدَائِه وأَنْ يُجْلِبَ عَلَيْكُمْ بِخَيْلِه ورَجِلِه، فَلَعَمْرِي لَقَدْ فَوَّقَ لَكُمْ سَهْمَ الْوَعِيدِ، وأَغْرَقَ إِلَيْكُمْ بِالنَّزْعِ الشَّدِيدِ، ورَمَاكُمْ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ، فَقَالَ ( رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ، ولأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) قَذْفاً بِغَيْبٍ بَعِيدٍ ورَجْماً بِظَنٍّ غَيْرِ مُصِيبٍ، صَدَّقَه بِه أَبْنَاءُ الْحَمِيَّةِ وإِخْوَانُ الْعَصَبِيَّةِ، وفُرْسَانُ الْكِبْرِ والْجَاهِلِيَّةِ، حَتَّى إِذَا انْقَادَتْ لَه الْجَامِحَةُ مِنْكُمْ، واسْتَحْكَمَتِ الطَّمَاعِيَّةُ مِنْه فِيكُمْ، فَنَجَمَتِ الْحَالُ مِنَ السِّرِّ الْخَفِيِّ إِلَى الأَمْرِ الْجَلِيِّ، اسْتَفْحَلَ سُلْطَانُه عَلَيْكُمْ، ودَلَفَ بِجُنُودِه نَحْوَكُمْ، فَأَقْحَمُوكُمْ وَلَجَاتِ الذُّلِّ، وأَحَلُّوكُمْ وَرَطَاتِ الْقَتْلِ، وأَوْطَئُوكُمْ إِثْخَانَ الْجِرَاحَةِ طَعْناً فِي عُيُونِكُمْ، وحَزّاً فِي حُلُوقِكُمْ ودَقّاً لِمَنَاخِرِكُمْ، وقَصْداً لِمَقَاتِلِكُمْ وسَوْقاً بِخَزَائِمِ الْقَهْرِ، إِلَى النَّارِ الْمُعَدَّةِ لَكُمْ،
فَأَصْبَحَ أَعْظَمَ فِي دِينِكُمْ حَرْجاً، وأَوْرَى فِي دُنْيَاكُمْ قَدْحاً، مِنَ الَّذِينَ أَصْبَحْتُمْ لَهُمْ مُنَاصِبِينَ وعَلَيْهِمْ مُتَأَلِّبِينَ، فَاجْعَلُوا عَلَيْه حَدَّكُمْ ولَه جِدَّكُمْ، فَلَعَمْرُ اللَّه لَقَدْ فَخَرَ عَلَى أَصْلِكُمْ، ووَقَعَ فِي حَسَبِكُمْ ودَفَعَ فِي نَسَبِكُمْ، وأَجْلَبَ بِخَيْلِه عَلَيْكُمْ وقَصَدَ بِرَجِلِه سَبِيلَكُمْ، يَقْتَنِصُونَكُمْ بِكُلِّ مَكَانٍ ويَضْرِبُونَ مِنْكُمْ كُلَّ بَنَانٍ، لَا تَمْتَنِعُونَ بِحِيلَةٍ ولَا تَدْفَعُونَ بِعَزِيمَةٍ، فِي حَوْمَةِ ذُلٍّ وحَلْقَةِ ضِيقٍ، وعَرْصَةِ مَوْتٍ وجَوْلَةِ بَلَاءٍ، فَأَطْفِئُوا مَا كَمَنَ فِي قُلُوبِكُمْ، مِنْ نِيرَانِ الْعَصَبِيَّةِ وأَحْقَادِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّمَا تِلْكَ الْحَمِيَّةُ تَكُونُ فِي الْمُسْلِمِ، مِنْ خَطَرَاتِ الشَّيْطَانِ ونَخَوَاتِه ونَزَغَاتِه ونَفَثَاتِه، واعْتَمِدُوا وَضْعَ التَّذَلُّلِ عَلَى رُءُوسِكُمْ، وإِلْقَاءَ التَّعَزُّزِ تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ، وخَلْعَ التَّكَبُّرِ مِنْ أَعْنَاقِكُمْ، واتَّخِذُوا التَّوَاضُعَ، مَسْلَحَةً بَيْنَكُمْ وبَيْنَ عَدُوِّكُمْ إِبْلِيسَ وجُنُودِه، فَإِنَّ لَه مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ جُنُوداً وأَعْوَاناً، ورَجِلًا وفُرْسَاناً، ولَا تَكُونُوا كَالْمُتَكَبِّرِ عَلَى ابْنِ أُمِّه، مِنْ غَيْرِ مَا فَضْلٍ جَعَلَه اللَّه فِيه، سِوَى مَا أَلْحَقَتِ الْعَظَمَةُ بِنَفْسِه مِنْ عَدَاوَةِ الْحَسَدِ،
وقَدَحَتِ الْحَمِيَّةُ فِي قَلْبِه مِنْ نَارِ الْغَضَبِ، ونَفَخَ الشَّيْطَانُ فِي أَنْفِه مِنْ رِيحِ الْكِبْرِ، الَّذِي أَعْقَبَه اللَّه بِه النَّدَامَةَ، وأَلْزَمَه آثَامَ الْقَاتِلِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)[9].
---------------
الهوامش:
[1] - الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيرازي، ج3، ص208.
[2] - ميزان الحكمة، الريشهري، ج2، ص994
[3]، ينظر: لسان العرب: ابن منظور، ج2، ص588.
[4] ميزان الحكمة، ج2، ص994.
[5] العين: الخليل الفراهيدي، ج7، ص380؛ الصحاح الجواهري، ج2، ص845.
[6] لسان العرب، ج5، ص48.
[7]- جامع أحاديث الشيعة: السيد البروجردي، ج13، ص334.
[8]- الكافي: الكليني، ج2، ص290.
[9] - نهج البلاغة: تحقيق (د. صبحي الصالح) ص289.
تعليق