بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن اعدائهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من أسباب الصلح كما تصورّها النصوص عن الإمام الحسن ( عليه السّلام ) :اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن اعدائهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1 - روى الشيخ الصدوق في « علل الشرايع » بسنده عن أبي سعيد عقيصا الذي سأل الإمام الحسن ( عليه السّلام ) عن السبب الذي دفعه إلى الصلح مع معاوية من أنّه ( عليه السّلام ) يعلم أنّه على الحقّ وأنّ معاوية ضالّ وظالم ، فأجابه الإمام ( عليه السّلام ) :
« يا أبا سعيد ، ألست حجّة اللّه تعالى ذكره على خلقه ، وإماما عليهم بعد أبي ( عليه السّلام ) ؟ قلت : بلى ، قال : ألست الذي قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) لي ولأخي : الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ؟ قلت : بلى ، قال : فأنا إذن إمام لو قمت ، وأنا إمام إذا قعدت ، يا أبا سعيد علّة مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) لبني ضمرة وبني أشجع ، ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية ، أولئك كفّار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفّار بالتأويل ،
يا أبا سعيد إذا كنت إماما من قبل اللّه تعالى ذكره لم يجب أن يسفّه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة ، وإن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبسا ، ألا ترى الخضر ( عليه السّلام ) لمّا خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى ( عليه السّلام ) فعله ؟ لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضي . هكذا أنا ، سخطتم عليّ بجهلكم بوجه الحكمة فيه ، ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلّا قتل »[1].
ونقل الطبرسي في « الاحتجاج »[2] شبيه هذا السبب عن الإمام الحسن ( عليه السّلام ) .
2 - ذكر زيد بن وهب الجهني أنّه بعد أن جرح الإمام ( عليه السّلام ) في المدائن ، سألته عن موقفه الذي سيتّخذه في هذه الظروف ، فأجاب ( عليه السّلام ) :
« أرى واللّه معاوية خيرا لي من هؤلاء ، يزعمون أنّهم لي شيعة ، ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي ، وأخذوا مالي ، واللّه لأن آخذ من معاوية عهدا أحقن به دمي وآمن به في أهلي خير من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأهلي ، واللّه لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني اليه سلما ، فو اللّه لأن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسيره أو يمنّ عليّ فتكون سبّة على بني هاشم إلى آخر الدّهر ، ومعاوية لا يزال يمنّ بها وعقبه على الحيّ منّا والميت . . . »[3].
3 - وذكر سليم بن قيس الهلالي أنه عندما جاء معاوية إلى الكوفة ؛ صعد الإمام الحسن ( عليه السّلام ) المنبر بحضوره ، وبعد أن حمد اللّه تعالى وأثنى عليه ، قال :
« أيّها الناس إنّ معاوية زعم أنّي رأيته للخلافة أهلا ، ولم أر نفسي لها أهلا ، وكذب معاوية ، أنا أولى الناس بالناس في كتاب اللّه وعلى لسان نبيّ اللّه ، فاقسم باللّه لو أنّ الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني لأعطتهم السماء قطرها ، والأرض بركتها ، ولما طمعت فيها يا معاوية ، وقد قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ما ولّت امّة أمرها رجلا قطّ وفيهم من هو أعلم منه إلّا لم يزل أمرهم يذهب سفالا ، حتى يرجعوا إلى ملّة عبدة العجل . . . »[4].
4 - وعن سبب الصلح روى العلّامة القندوزي في « ينابيع المودة » أنّ الإمام الحسن ( عليه السّلام ) ألقى في الناس خطابا جاء فيه :
« أيّها الناس قد علمتم أنّ اللّه - جلّ ذكره وعزّ اسمه - هداكم بجدّي وأنقذكم من الضلالة ، وخلّصكم من الجهالة ، وأعزّكم به بعد الذلّة ، وكثّركم به بعد القلّة ، وأنّ معاوية نازعني حقّا هو لي دونه ، فنظرت لصلاح الامّة وقطع الفتنة ، وقد كنتم بايعتموني على أن تسالموا من سالمني وتحاربوا من حاربني ، فرأيت أن أسالم معاوية وأضع الحرب بيني وبينه ، وقد صالحته ورأيت أنّ حقن الدماء خير من سفكها ، ولم أرد بذلك إلّا صلاحكم وبقاءكم وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ »[5].
5 - في رواية نقلها السيد المرتضى - رحمة اللّه عليه - أنّ حجر بن عدي اعترض على الإمام ( عليه السّلام ) بعد موافقته على الصلح وقال له : « سوّدت وجوه المؤمنين » فأجابه الإمام ( عليه السّلام ) :
« ما كلّ أحد يحبّ ما تحبّ ولا رأيه كرأيك ، وإنّما فعلت ما فعلت إبقاء عليكم » .
وبعد ذلك أشار إلى أنّ شيعة الإمام ( عليه السّلام ) اعترضوا على الصلح وأعربوا عن تأسّفهم لقرار الإمام ( عليه السّلام ) ، ومن بينهم سليمان بن صرد الخزاعي الذي قال للإمام :
« ما ينقضي تعجّبنا من بيعتك معاوية ، ومعك أربعون ألف مقاتل من أهل الكوفة ، كلّهم يأخذ العطاء ، وهم على أبواب منازلهم ، ومعهم مثلهم من أبنائهم وأتباعهم ، سوى شيعتك من أهل البصرة والحجاز ، ثم لم تأخذ لنفسك ثقة في العقد ، ولا حظّا من العطيّة ، فلو كنت إذ فعلت ما فعلت أشهدت على معاوية وجوه أهل المشرق والمغرب ، وكتبت عليه كتابا بأنّ الأمر لك بعده ، كان الأمر علينا أيسر ، ولكنّه أعطاك شيئا بينك وبينه لم يف به ، ثم لم يلبث أن قال على رؤوس الأشهاد :
« إنّي كنت شرطت شروطا ووعدت عداة إرادة لإطفاء نار الحرب ، ومداراة لقطع الفتنة ، فلمّا أن جمع اللّه لنا الكلم والألفة فإنّ ذلك تحت قدمي » واللّه ما عنى بذلك غيرك ، وما أراد إلّا ما كان بينك وبينه ، وقد نقض ، فإذا شئت فأعد ، الحرب خدعة ، وائذن لي في تقدّمك إلى الكوفة ، فأخرج عنها عامله واظهر خلعه وتنبذ اليه على سواء ، إنّ اللّه لا يحبّ الخائنين ، وتكلّم الباقون بمثل كلام سليمان .
فأجابه الإمام ( عليه السّلام ) :
« أنتم شيعتنا وأهل مودّتنا ، فلو كنت بالحزم في أمر الدنيا أعمل ، ولسلطانها أركض وأنصب ، ما كان معاوية بأبأس منّي بأسا ، ولا أشدّ شكيمة ولا أمضى عزيمة ، ولكنّي أرى غير ما رأيتم ، وما أردت بما فعلت إلّا حقن الدماء فارضوا بقضاء اللّه ، وسلّموا لأمره والزموا بيوتكم وأمسكوا »[6].
[1] علل الشرايع : 200 .
[2] بحار الأنوار : 44 / 19 .
[3] الاحتجاج للطبرسي : 148 .
[4] بحار الأنوار : 44 / 22 .
[5] ينابيع المودة : 293 .
[6] بحار الأنوار : 44 / 21 - 28 .
تعليق