اللهم صل على محمد وآل محمد
قالوا في تاريخ واقعة الحسين عليه السلام :
( ان العباس عليه السلام حين ذهب ليملأ القربة بالماء وحارب اعداءه إلى ان وصل إلى ضفة النهر قالوا : ثم اغترف غرفة من الماء وادناها من فمه ليشرب ثم رمى بها من يده وقال
يا نفس من بعد الحسين هوني
وبعده لا كنت ان تكوني
هذا الحسين وارد المنون
وتشربين بارد المعين
تا لله ما هذا فعال ديني
فقد يخطر في البال السؤال عما اذا كان الأولى بالعباس عليه السلام شرب الماء للتقوّي على الاعداء ، ومن ثم نصرة الحسين عليه السلام، ومن ثم نصرة الدين اساسا ؟
الا انه ينبغي ان يكون الجواب واضحاً بعد كل الذي سبق ان عرفناه وذلك على عدة مستويات نذكر منها :
المستوى الأول
أنه لم يكن يوجد اي سبب في ذلك الحين مما يؤدي إلى نجاة الحسين عليه السلام من القتل فحتى لو شرب العباس الماء بالمقدار الذي يحتاجه جسمه او اكثر وتشجع وقاتل اكثر مما قاتل،
فإنه لم يكن بالممكن ان ينجو هو ولا اخوه الحسين عليه السلام من القتل، بل السبب لقتلهم موجود ومتحكم لا محالة .
المستوى الثاني
انه وجد من الخيانة لأخيه وذويه ان يكون رياناً بالماء وهم عطاشى ، وهذا ما يصرح به التاريخ(1), وقد نطق به الشعر الذي نقلناه عنه بصراحة, وهو ادب اسلامي عالي امام الله.سبحانه ومن هنا قال :
تالله ما هذا فعال ديني
المستوى الثالث
انه شعر بتكليف في ذلك الحين بوجوب الاعراض عن شرب الماء واطاع تكليفه ذاك.
وهذا الشعور يكون باحد اساليب :
- اما بالالهام او بالرواية عن رسول الله « صلى الله عليه وآله » اوعن فاطمة الزهراء عليها السلام، كما نقل عن بعض الروايات (2)
المستوى الرابع
انه عليه السلام اراد ان يموت عطشاناً عمداً، امام الله سبحانه ، لأن ذلك اكثر اجراً واعلى مقاماً .
- ومن هذا القبيل ما روي عن ابيه امير المؤمنين عليه السلام : انه دعاه اخوه(3) في بعض الايام في منزله على مأدبة فأكل ثلاث لقم فقط ثم سحب يده فقال له : ( هلاّ اكلت يا امير المؤمنين ) فقال :
(ان هي الا ثلاث وأريد ان القى ربي خميصاً ) 4.
اذن فكما ان امير المؤمنين يريد ان يلقى الله جوعاناً فكذلك ابنه العباس يريد ان يلقى الله عطشاناً.
------------
وينبغي ان نلتفت ان المستوى الاول هو الاهم فقهياً وهو الذي فتح الباب للعباس عليه السلام إلى احد المستويات الثلاثة الأخرى لوضوح ان شرب الماء لو كان سبباً للنجاة كان واجباً، ولا تقوم امامه المستويات الاخرى اطلاقاً.
- الا انا عرفنا انه لا يحتمل في ذلك .
------------
(1) البحار ,المجلسي ج45 ؛ ص 41 - رياض المصائب ص313.
(2) مقتل الخوارزمي ج 1 ص 162
(3) ومراد المؤلف هنا هو اخو ابي الفضل العباس لا امير المؤمنين (عليه السلام) فهذه الرواية ذكرها المؤرخون في اخر حياة امير المؤمنين (عليه السلام) في شهر رمضان عندما كان يفطر ليلة عند ولده الحسن (عليه السلام) واخرى عند الحسين (عليه السلام) وثالثة عند عبد الله بن جعفر ...
( 4 ) الكامل لابن الاثير ج 3 ص 195.
----
منقول
تعليق