بسمه تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
واعظم الله اجورنا واجوركم واجور صاحب العصر والزمان(عج) بستشهاد النورالمبين سيدتنا ومولاتنا الزهراءعليها السلام..
عندما ندرس خطبة الصديقة الطاهرة فاطمه عليها السلام في المسجد النبويّ، فإنَّها كانت أوّل خطبة تُبدع أسلوباً جديداً لـم يعرفه النّاسُ في ذلك العهد، فنحن نرى في هذه الخطبة، أنَّها أعطت تفسيراً لأكثر من تشريع من التشريعات الإسلاميّة، مما يتّصل بالعبادة، أو بالعلاقات الإنسانيّة، أو بالمنهج الإسلامي. ونُلاحظ أيضاً، أنَّها قدّمت للمسلمين في خطبتها دراسةً عن الواقع السلبي الّذي تمثَّل في المرحلة التي أعقبت شهادة رسول اللّه(صلى الله عليه واله)، ما دلّل على أنَّ السيدة الزهراء(عليه السلام) قدّمت تقريراً سياسياً عن المرحلة التي كان يعيشها المسلمون بعد رسول اللّه(صلى الله عليه واله). ولأوّل مرّة، تدخل في جدلٍ فقهي قرآني في إثبات مسألة إرثها، فقد قدّمت القرآن في آياته التي دلّت على أنَّ الأنبياء(عليه السلام) يورّثون أبناءهم وذرّيتهم المال، ورسول اللّه(صلى الله عليه واله) ليس بدعاً من الرسل، ولذلك، فإنَّ القرآن يُخالف قولهم: “نحن معاشر الأنبياء لا نورّث، ما تركناه صدقة”، لأنَّ الله سبحانه وتعالى يقول: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ}[14]. وقوله تعالـى: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِياً * يَرِثُني وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ}[15]. لذلك، فإنَّ هذا الأسلوب الفاطمي؛ أسلوب الجدل الفقهي القرآني في مواجهة فكرة فقهيّة أخرى، لـم يكن معروفاً في حياة المسلمين من قبل. كما أنَّ أسلوب الإثارة الذي حرّكته الزهراء(ع) من أجل إثارة مشاعر المسلمين وعواطفهم، وأسلوب العتاب الذي عاتبتهم به، لأنَّهم لـم يحفظوا رسول اللّه(صلى الله عليه واله) في أهله وعقبه، كان أسلوباً غير معهود. ولهذا، فإنَّنا نعتقد أنَّ خطبة فاطمة الزهراء(عليها السلام)، تُعتبر وثيقة إسلاميّة علميّة سياسيّة جدليّة، استطاعت أن تؤكّد المفاهيم التي أرادت تركيزها في حياة المسلمين. وعندما نقرأ الردّ الذي رُدَّ عليها فيه، فإنَّه لا يخرج عن كونه ردّاً عاطفياً، من دون الدّخول في مناققشة للقضايا التي أثارتها. ومن خلال ذلك، نعرف أنَّ الزّهراء(عليها السلام) كانت الإنسانة الحركيّة التي لا تجلس في بيتها لتندب حظّها وتبكي مأساتها، ولكنَّها كانت تتحرّك في المجتمع من أجل أن تصدم الانحراف الذي عاشه المجتمع، ومن أجل أن تُطلق الصّرخة الإسلاميّة، لتهزّ المجتمع من أعماقه بطريقة علميّة تارةً، وعاطفيّة تارةً أخرى.
ومن خلال ذلك أيضاً، نعرف أنَّ الزّهراء(عليها السلام) كانت تحمل علماً جمّاً، ولو امتدّت بها الحياة، لرأى المسلمون منها الكثير الكثير مما تفيض به من علومها التي أخذتها عن رسول اللّه(صلى الله عليه واله)، لأنَّها كانت في حياتها مع رسول اللّه(صلى الله عليه واله) تغرف من بحر علمه، وتتحرّك في خطِّ أخلاقه، وتعيش آفاق روحانيّته، ولهذا، كانت بضعةً منه: “فاطمة بضعة مني”[16]، فعقلها بضعةٌ من عقله، وقلبها بضعةٌ من قلبه، وطاقاتها بضعةٌ من طاقاته، وروحانيّتها بضعةٌ من روحانيته، فليست كلمة “بضعة مني” تعني مجرّد أنَّها ابنته، ولذلك قال: “يؤذيني ما آذاها، ويريبني ما يريبها، ويبسطني ما يبسطها”، لأنَّها كانت منه بمنـزلة الروح من الجسد، كانت شيئاً منه بكلِّ ما تعنيه ذاته المقدّسة، حتّى إنَّها كانت في وعيها السياسي تريد أن تسجّل احتجاجها الأخير لتُثير التساؤل، فأوصت الامام عليّاً(عليه السلام) أن يدفنها ليلاً.. وليست المسألة مجرّد أذى شخصيّ كما يوصي الإنسان بأن لا يحضر فلان جنازته من خلال عقدة شخصيّة، وإنَّما أرادت أن تسجّل احتجاجاً أخيراً بعد الموت، كالاحتجاج الكبير قبل الموت، ليتساءل النّاس: لماذا أوصت بذلك؟ لماذا دُفنت ليلاً، وكلّ المسلمين يحبّونها، وكان حبّهم لها ليس فوقه إلا حبّهم لرسول اللّه(صلى الله عليه واله)؟ والدّليل على ذلك، أنَّ الرّجل عندما هدّد بإحراق البيت، لـم يقل الّذين حوله إنَّ فيه عليّاً(عليه السلام)، ولـم يقولوا إنَّ فيه حسناً وحسيناً، بل قالـوا إنَّ فيه فاطمة، أي كيف تحرقه وفيه فاطمة عليها السلام؟! ما يدلّ على أنَّ للزّهراء(عليها السلام) مكانة في نفوس المسلمين بالمعنى العاطفي للمكانة. لذلك، كانت تريد أن تثير التساؤل، فلعلّه يفتح نافذة من الوعي لدى المسلمين الذين ابتعدوا عن خطِّ الاستقامة في الحكم الإسلامي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
واعظم الله اجورنا واجوركم واجور صاحب العصر والزمان(عج) بستشهاد النورالمبين سيدتنا ومولاتنا الزهراءعليها السلام..
عندما ندرس خطبة الصديقة الطاهرة فاطمه عليها السلام في المسجد النبويّ، فإنَّها كانت أوّل خطبة تُبدع أسلوباً جديداً لـم يعرفه النّاسُ في ذلك العهد، فنحن نرى في هذه الخطبة، أنَّها أعطت تفسيراً لأكثر من تشريع من التشريعات الإسلاميّة، مما يتّصل بالعبادة، أو بالعلاقات الإنسانيّة، أو بالمنهج الإسلامي. ونُلاحظ أيضاً، أنَّها قدّمت للمسلمين في خطبتها دراسةً عن الواقع السلبي الّذي تمثَّل في المرحلة التي أعقبت شهادة رسول اللّه(صلى الله عليه واله)، ما دلّل على أنَّ السيدة الزهراء(عليه السلام) قدّمت تقريراً سياسياً عن المرحلة التي كان يعيشها المسلمون بعد رسول اللّه(صلى الله عليه واله). ولأوّل مرّة، تدخل في جدلٍ فقهي قرآني في إثبات مسألة إرثها، فقد قدّمت القرآن في آياته التي دلّت على أنَّ الأنبياء(عليه السلام) يورّثون أبناءهم وذرّيتهم المال، ورسول اللّه(صلى الله عليه واله) ليس بدعاً من الرسل، ولذلك، فإنَّ القرآن يُخالف قولهم: “نحن معاشر الأنبياء لا نورّث، ما تركناه صدقة”، لأنَّ الله سبحانه وتعالى يقول: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ}[14]. وقوله تعالـى: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِياً * يَرِثُني وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ}[15]. لذلك، فإنَّ هذا الأسلوب الفاطمي؛ أسلوب الجدل الفقهي القرآني في مواجهة فكرة فقهيّة أخرى، لـم يكن معروفاً في حياة المسلمين من قبل. كما أنَّ أسلوب الإثارة الذي حرّكته الزهراء(ع) من أجل إثارة مشاعر المسلمين وعواطفهم، وأسلوب العتاب الذي عاتبتهم به، لأنَّهم لـم يحفظوا رسول اللّه(صلى الله عليه واله) في أهله وعقبه، كان أسلوباً غير معهود. ولهذا، فإنَّنا نعتقد أنَّ خطبة فاطمة الزهراء(عليها السلام)، تُعتبر وثيقة إسلاميّة علميّة سياسيّة جدليّة، استطاعت أن تؤكّد المفاهيم التي أرادت تركيزها في حياة المسلمين. وعندما نقرأ الردّ الذي رُدَّ عليها فيه، فإنَّه لا يخرج عن كونه ردّاً عاطفياً، من دون الدّخول في مناققشة للقضايا التي أثارتها. ومن خلال ذلك، نعرف أنَّ الزّهراء(عليها السلام) كانت الإنسانة الحركيّة التي لا تجلس في بيتها لتندب حظّها وتبكي مأساتها، ولكنَّها كانت تتحرّك في المجتمع من أجل أن تصدم الانحراف الذي عاشه المجتمع، ومن أجل أن تُطلق الصّرخة الإسلاميّة، لتهزّ المجتمع من أعماقه بطريقة علميّة تارةً، وعاطفيّة تارةً أخرى.
ومن خلال ذلك أيضاً، نعرف أنَّ الزّهراء(عليها السلام) كانت تحمل علماً جمّاً، ولو امتدّت بها الحياة، لرأى المسلمون منها الكثير الكثير مما تفيض به من علومها التي أخذتها عن رسول اللّه(صلى الله عليه واله)، لأنَّها كانت في حياتها مع رسول اللّه(صلى الله عليه واله) تغرف من بحر علمه، وتتحرّك في خطِّ أخلاقه، وتعيش آفاق روحانيّته، ولهذا، كانت بضعةً منه: “فاطمة بضعة مني”[16]، فعقلها بضعةٌ من عقله، وقلبها بضعةٌ من قلبه، وطاقاتها بضعةٌ من طاقاته، وروحانيّتها بضعةٌ من روحانيته، فليست كلمة “بضعة مني” تعني مجرّد أنَّها ابنته، ولذلك قال: “يؤذيني ما آذاها، ويريبني ما يريبها، ويبسطني ما يبسطها”، لأنَّها كانت منه بمنـزلة الروح من الجسد، كانت شيئاً منه بكلِّ ما تعنيه ذاته المقدّسة، حتّى إنَّها كانت في وعيها السياسي تريد أن تسجّل احتجاجها الأخير لتُثير التساؤل، فأوصت الامام عليّاً(عليه السلام) أن يدفنها ليلاً.. وليست المسألة مجرّد أذى شخصيّ كما يوصي الإنسان بأن لا يحضر فلان جنازته من خلال عقدة شخصيّة، وإنَّما أرادت أن تسجّل احتجاجاً أخيراً بعد الموت، كالاحتجاج الكبير قبل الموت، ليتساءل النّاس: لماذا أوصت بذلك؟ لماذا دُفنت ليلاً، وكلّ المسلمين يحبّونها، وكان حبّهم لها ليس فوقه إلا حبّهم لرسول اللّه(صلى الله عليه واله)؟ والدّليل على ذلك، أنَّ الرّجل عندما هدّد بإحراق البيت، لـم يقل الّذين حوله إنَّ فيه عليّاً(عليه السلام)، ولـم يقولوا إنَّ فيه حسناً وحسيناً، بل قالـوا إنَّ فيه فاطمة، أي كيف تحرقه وفيه فاطمة عليها السلام؟! ما يدلّ على أنَّ للزّهراء(عليها السلام) مكانة في نفوس المسلمين بالمعنى العاطفي للمكانة. لذلك، كانت تريد أن تثير التساؤل، فلعلّه يفتح نافذة من الوعي لدى المسلمين الذين ابتعدوا عن خطِّ الاستقامة في الحكم الإسلامي.
تعليق