إنّ الدنيا دار عمل ولا حساب فيها ، والآخرة دار حساب ولا عمل فيها ، إذ يجزى كُلّ إنسان حسب عمله إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشرّ ، وربما تدركه الرحمة الإلهية، أو شفاعة الأنبياء والأئمة الطاهرين(عليهم جميعا السلام) فتنقذه ، وهذه إحدى مظاهر الرحمة الإلهية بعباده ، وإن كانت أعماله كلها سيئة وعقيدته باطلة ، فإنّ الله قد وعد بإدخاله نار جهنم خالداً فيها أبداً.
وهنا يدور في الأذهان سؤالان مهمان هما:
أولاً: ما هي علاقة أعمال الإنسان في الدنيا بحياته في الآخرة؟
ثانياً: لو افترضنا إنّ الإنسان كان عاصياً في الدنيا وأذنب فيها، فلماذا يعذّبه الله في الآخرة، ويحرقه في نار جهنم ، ويكون خالداً فيها أبداً؟
علاقة الأعمال في الدنيا بالحياة الأخرى:
هناك رأيان رئيسيان يوضحان الجواب على هذين السؤالين:
الرأي الأول:الثواب والعقاب هما وعد الله وجزاءه:
إنّ الله سبحانه وتعالى هو المالك والرب والإله، وقد أمر عباده بطاعته ، والامتناع عن معصيته، وأرسل الأنبياء لهداية الناس إلى الحقّ ، وقد بذل الأنبياء والأوصياء ، ثُمّ العلماء والمؤمنين جهدهم في الأعذار والإنذار والتبليغ والوعظ والإرشاد، فمن عمل صالحاً من الناس فقد وعده الله بالجنة خالداً فيها أبداً، ومن عمل سوء يجز بعمله في الآخرة فيعذّب حسب عمله. وقد يكون عذابه في الدنيا، بأن يصاب بشتى أنواع الابتلاء ، أو في البرزخ حيث هو مرحلة من مراحل تصفية الحساب مع المذنبين فيكون (القبر إمّا روضة من رياض الجنان أو حفرة من حفر النيران) حسب الحديث الشريف، وإذا كانت ذنوب الإنسان كثيرة، فإنّ الله يعذّبه في يوم القيامة وهو يوم طويل مقداره خمسون ألف سنة من سنين الدنيا. فيقف الإنسان للحساب طوال هذه المدّة ويعاني الأهوال والشدائد والحرّ والظلمة وأنواع العذاب، فإن كان ذلك يكفي جزاء لذنوبه، فيمكن أن يدخل الجنة، وإلاّ، فقد تدركه شفاعة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته، وهي من مظاهر الرحمة الإلهية، لأنّهم (لا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى).
وإن كانت ذنوبه أكثر من ذلك، فإن كان مسلماً، فسيدخل نار جهنم يعذّب فيها ما شاء الله من سنين تذكره بعض الروايات بمائة سنة وأخرى بأربعمائة سنة. ( وللعلم فأنّ كُلّ يوم من أيام الآخرة يعادل ألف سنة من سنين الدنيا، وكلّ سنة تعادل ثلاثمائة وستين ألف سنة من سنين الدنيا.) وبعد ذلك تصفى ذنوبه، وتشمله الرحمة الإلهية، فيشفع النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) له ويخرج من النار إلى الجنة.
أما إذا كان الإنسان –والعياذ بالله- مشركاًَ بالله، فإنّه سيبقى معذّباً في نار جهنم خالداً فيها أبداً، لا يموت ولا ينقضي عذابه. وقد تطرّق القرآن الكريم إلى هذا الأمر بما يقرب من ألف آية كريمة.
إذن حسب هذا الرأي فإنّ الثواب هو وعد من الله جلّ وعلا للمؤمنين والله أكرم من أن لا يفي بوعده، فلا بدّ أن يدخل المؤمنين الجنة حسب وعده لهم بالمغفرة.
وإنّ النار عقاب للمذنبين والكافرين ، ولله أن يفي بوعيده فيدخلهم نار جهنم يعذّبهم فيها أمّا مؤقتاًَ إن كانوا من المسلمين المذنبين ، أو خالدين فيها أبداًَ إن كانوا من الكافرين.
وقد ذكر القرآن الكريم هذا المعنى في عدة آيات كريمة منها:
1- قال تعالى حول خلود المؤمنين في الجنة:
تعليق