﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾1.
لا تؤثّر العلّة أثرها، ولا ينتج السبب مسبّبه إلّا إذا ارتفعت الموانع. فالبناء لا يعلو بجهد البنّاء وحده بل بكفّ الهادمين عن التخريب والهدم. والدواء لا يشفي إذا لم يقترن بالحمية في الأمراض التي تحتاج إلى حمية. وعلى هذا المنوال تجري أمور كالنصر. فالنصر له أسبابه المتقدّمة المشار إليها آنفًا, ولكن له أيضًا موانعه التي تبطل فاعليّة تلك الأسباب وتحول دون تأثيرها. وسوف نسير في بحثنا عن الموانع سيرتنا في البحث عن الأسباب أي سنحاول الاهتداء بهدي القرآن الكريم لنكتشف موانع النصر ومبطلات تلك الأسباب. ويمكن بكلمة عامّة أن نقول إنّ ضدّ الأسباب المتقدّمة يصبّ في الجهة المعاكسة للهدف الذي يدفع ذلك السبب نحوه. وكي لا نكرّر ما تقدّم نترك ملاحظة هذا الأمر إلى فطنة القارئ الكريم، ونيمّم شطر القرآن الكريم لنكتشف أسباب الهزيمة التي ورد النصّ فيها بشكلٍ مباشر.
التنازع والفرقة
الانسجام بين المجاهدين ووحدة هدفهم من الأمور المساعدة على النصر، والتفرقة وتوجّه بوصلة قلوب المقاتلين إلى جهات شتّى خطوة أولى نحو الهزيمة. وقد ذكر الله تعالى ذلك في أكثر من آية من كتابه عزّ وجلّ:
- قال الله تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾2. والتنازع هو الاختلاف الذي يدبّ بين المجاهدين في سبيل الله لأسباب منها التنافس على المغانم أو المناصب. والملفت أنّ الآية تشير بوجهٍ خفيٍّ إلى أنّ التنازع لا يحصل عادةً في أوقات الشدّة والضعف وإنما يحصل في حالة القوّة والرخاء. ويستفاد هذا المعنى من تعليل النهي عن التنازع بالفشل وذهاب الريح أي القوّة. ويبدو بحسب بعض المفسّرين أنّ هذه الآية نزلت بعد معركة بدرٍ التي غيّرت صورة المسلمين عند أنفسهم وعند العدوّ.
المعصية ومخالفة الأوامر
وفي الآية المذكورة أعلاه أمر بطاعة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قبل النهي عن التنازع المسبّب للفشل. وقد اهتدت البشريّة إلى مثل هذا الأمر بتجربتها أو ربّما بهدي الله عبر رسله السابقين. ومن هنا اشتهرت القاعدة العسكريّة المعروفة التي تقول للعسكر: "نفّذ ثمّ اعترض". وقد جرّب المسلمون في تاريخهم المعاصر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل هذا الأمر وذاقوا وبال مخالفتهم لأوامر قائدهم وتجرّعوا مرارة الهزيمة ولو إلى حين، وذلك عندما ترك الرماة في معركة أحد مواقعهم وانصرفوا إلى أمور أخرى كالسعي وراء نيل المغنم فكان ما كان ممّا سطّرته كتب السيرة.
تولّي غير الله
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً﴾3. تتحدّث هذه الآية عن مجموعة من المسلمين كانت تربطهم ببعض المنافقين علاقات صداقة ومودّة وكانوا يتّخذونهم بطانة أي أصحابًا مقرّبين رغبة في بعض المطامع. فلفت الله عزّ وجلّ نظرهم ونهاهم عن مثل هذا الأمر لأنّ المنافق لا يترك فرصة للوثوب على المؤمنين إلا واستغلّها لإفساد حالهم.
قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾4. يناله إلا الخذلان في وقت هو أحوج ما يكون إلى ناصرٍ ومعين، وفي مثل هذه اللحظات يتخلّى عنه جاره ووليّه ويعلن براءته منه بطريقة ساخرة مدّعيًا أنه يخاف الله ربّ العالمين. وما يصدق على الشيطان وتولّيه يصدق على أتباع الشيطان وحزبه.
انقلاب القيم
تُبتلى بعض الجماعات البشريّة المخلصة في بعض حالات النصر بانقلاب في المفاهيم والقيم، وتنقلب من جماعات مظلومة إلى جماعات ظالمة، ومن جماعات زاهدة إلى مترفة... وفي مثل هذه الحالات فإنّ أوّل ما تخسره هذه الجماعة التي تُصاب بانقلاب القيم هو فقدانها النصر الذي حصلت عليه نتيجة صلتها بالله. ومن المعلوم أن ليس بين الله وبين أحد قرابة"، فمن أعطى النصر لمن يستحقّه يسلبه عمّن لا يستحقّه. يقول الله عزّ وجلّ: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾5. الآية الأولى من هاتين الآيتين فيها وعدٌ بالنصر لمن يخلص النيّة ويشمّر عن ساعد الجدّ في سبيل الله وفي خدمة أهدافه. والقيد الذي يذكره الله عزّ وجلّ في الآية اللاحقة هو قيد عدم الانقلاب والتحوّل إلى جهة أخرى فإنّ الأمّة التي تستحقّ النصر هي الأمّة التي تبقى ثابتةً على الأهداف التي نهضت من أجل تحقيقها. وأمّا الأمّة التي تنقلب على عقبيها فلا تستحقّ دوام اللطف واستمرار الرعاية: ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ﴾6.
تسريب الأسرار
لا تؤثّر العلّة أثرها، ولا ينتج السبب مسبّبه إلّا إذا ارتفعت الموانع. فالبناء لا يعلو بجهد البنّاء وحده بل بكفّ الهادمين عن التخريب والهدم. والدواء لا يشفي إذا لم يقترن بالحمية في الأمراض التي تحتاج إلى حمية. وعلى هذا المنوال تجري أمور كالنصر. فالنصر له أسبابه المتقدّمة المشار إليها آنفًا, ولكن له أيضًا موانعه التي تبطل فاعليّة تلك الأسباب وتحول دون تأثيرها. وسوف نسير في بحثنا عن الموانع سيرتنا في البحث عن الأسباب أي سنحاول الاهتداء بهدي القرآن الكريم لنكتشف موانع النصر ومبطلات تلك الأسباب. ويمكن بكلمة عامّة أن نقول إنّ ضدّ الأسباب المتقدّمة يصبّ في الجهة المعاكسة للهدف الذي يدفع ذلك السبب نحوه. وكي لا نكرّر ما تقدّم نترك ملاحظة هذا الأمر إلى فطنة القارئ الكريم، ونيمّم شطر القرآن الكريم لنكتشف أسباب الهزيمة التي ورد النصّ فيها بشكلٍ مباشر.
التنازع والفرقة
الانسجام بين المجاهدين ووحدة هدفهم من الأمور المساعدة على النصر، والتفرقة وتوجّه بوصلة قلوب المقاتلين إلى جهات شتّى خطوة أولى نحو الهزيمة. وقد ذكر الله تعالى ذلك في أكثر من آية من كتابه عزّ وجلّ:
- قال الله تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾2. والتنازع هو الاختلاف الذي يدبّ بين المجاهدين في سبيل الله لأسباب منها التنافس على المغانم أو المناصب. والملفت أنّ الآية تشير بوجهٍ خفيٍّ إلى أنّ التنازع لا يحصل عادةً في أوقات الشدّة والضعف وإنما يحصل في حالة القوّة والرخاء. ويستفاد هذا المعنى من تعليل النهي عن التنازع بالفشل وذهاب الريح أي القوّة. ويبدو بحسب بعض المفسّرين أنّ هذه الآية نزلت بعد معركة بدرٍ التي غيّرت صورة المسلمين عند أنفسهم وعند العدوّ.
المعصية ومخالفة الأوامر
وفي الآية المذكورة أعلاه أمر بطاعة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قبل النهي عن التنازع المسبّب للفشل. وقد اهتدت البشريّة إلى مثل هذا الأمر بتجربتها أو ربّما بهدي الله عبر رسله السابقين. ومن هنا اشتهرت القاعدة العسكريّة المعروفة التي تقول للعسكر: "نفّذ ثمّ اعترض". وقد جرّب المسلمون في تاريخهم المعاصر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل هذا الأمر وذاقوا وبال مخالفتهم لأوامر قائدهم وتجرّعوا مرارة الهزيمة ولو إلى حين، وذلك عندما ترك الرماة في معركة أحد مواقعهم وانصرفوا إلى أمور أخرى كالسعي وراء نيل المغنم فكان ما كان ممّا سطّرته كتب السيرة.
تولّي غير الله
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً﴾3. تتحدّث هذه الآية عن مجموعة من المسلمين كانت تربطهم ببعض المنافقين علاقات صداقة ومودّة وكانوا يتّخذونهم بطانة أي أصحابًا مقرّبين رغبة في بعض المطامع. فلفت الله عزّ وجلّ نظرهم ونهاهم عن مثل هذا الأمر لأنّ المنافق لا يترك فرصة للوثوب على المؤمنين إلا واستغلّها لإفساد حالهم.
قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾4. يناله إلا الخذلان في وقت هو أحوج ما يكون إلى ناصرٍ ومعين، وفي مثل هذه اللحظات يتخلّى عنه جاره ووليّه ويعلن براءته منه بطريقة ساخرة مدّعيًا أنه يخاف الله ربّ العالمين. وما يصدق على الشيطان وتولّيه يصدق على أتباع الشيطان وحزبه.
انقلاب القيم
تُبتلى بعض الجماعات البشريّة المخلصة في بعض حالات النصر بانقلاب في المفاهيم والقيم، وتنقلب من جماعات مظلومة إلى جماعات ظالمة، ومن جماعات زاهدة إلى مترفة... وفي مثل هذه الحالات فإنّ أوّل ما تخسره هذه الجماعة التي تُصاب بانقلاب القيم هو فقدانها النصر الذي حصلت عليه نتيجة صلتها بالله. ومن المعلوم أن ليس بين الله وبين أحد قرابة"، فمن أعطى النصر لمن يستحقّه يسلبه عمّن لا يستحقّه. يقول الله عزّ وجلّ: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾5. الآية الأولى من هاتين الآيتين فيها وعدٌ بالنصر لمن يخلص النيّة ويشمّر عن ساعد الجدّ في سبيل الله وفي خدمة أهدافه. والقيد الذي يذكره الله عزّ وجلّ في الآية اللاحقة هو قيد عدم الانقلاب والتحوّل إلى جهة أخرى فإنّ الأمّة التي تستحقّ النصر هي الأمّة التي تبقى ثابتةً على الأهداف التي نهضت من أجل تحقيقها. وأمّا الأمّة التي تنقلب على عقبيها فلا تستحقّ دوام اللطف واستمرار الرعاية: ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ﴾6.
تسريب الأسرار
تعليق