إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

شرح دعاء العهد

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • شرح دعاء العهد

    المقدّمة



    ينقل أحد المقرّبين من الإمام الخـــمـــــينـــيّ قدس سره أنّـــه قال: "أحد الأمور التي أوصاني بها الإمام في أيّامه الأخيرة هي قراءة دعاء العهد. كان يقول: اقرأ هذا الدعاء في كلّ صباح، فإنّ له دوراً في تحديد مصيرك".



    دور دعاء العهد في تحديد المصير

    هذا الدعاء له آثار وبركات عديدة في الدنيا والآخرة. ينقل أحد المقرّبين من الإمام الخمينيّ قدس سره أنّه قال:

    "أحد الأمور التي أوصاني بها الإمام في أيّامه الأخيرة هي قراءة دعاء العهد. كان يقول: اقرأ هذا الدعاء في كلّ صباح، فإنّ له دوراً في تحديد مصيرك"[1].



    وقد جاء في سيرة هذا العالم العظيم أيضاً: أنّه لم يكن غافلاً عن الأنس بكتاب مفاتيح الجنان حتّى في تلك الحالة التي كان فيها في المستشفى لإجراء عملية جراحيّة. وبعد رحيله عندما جاؤوا بمفاتيح الجنان الخاصّ بالإمام ليعيدوه إلى البيت وجدوا على هامش دعاء العهد الذي كان يقرأه الإمام أربعين صباحاً، أنّه قد كتب: "تاريخ الابتداء الثامن من شوّال"[2].



    آثار المداومة على قراءته

    وذكر بعض العلماء أنّ من أهمّ آثار المداومة على هذا الدعاء هو ثلاثة أمور:

    1- ثواب المداوم عليه أن يكون في خدمة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في زمان ظهوره.



    [1] برداشتهايى أز سيره امام خمينى (فارسي)، ج3، ص42.

    [2] المصدر نفسه، ج3، ص43.



    13

    1

    المقدّمة




    2- يكون سبباً لثبات محبّة الشخص لإمامه وكمالها، وإخلاصه وإيمانه.

    3- يكون سبباً للتوجّه الخاصّ ونظر الرحمة الكاملة للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف إلى مواليه

  • #2
    تخطيط الحياة المهدويّة

    في هذا الدعاء تمّ ترسيمُ الحياة المهدويّة وتخطيطها, لأنّه اشتمل على السلام الخاصّ من طرف الداعين، بل وجميع الرجال والنساء المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها، برِّها وبحرها، وعن الوالدين والأولاد، إلى وليّ العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف.



    ثمّ يُجدِّد القارئ العهد والعقد والبيعة للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، ويُظهر ثباته على هذا العقد إلى يوم القيامة، ثمّ يطلب من الله تعالى إذا وقع عليه الموت قبل ظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف، أن يخرجه من قبره بعد ظهوره, ليسعد بكونه من أنصاره وأصحابه عجل الله تعالى فرجه الشريف.



    وفي المقطع الأخير، ثمّة الدعاء بتعجيل الظهور والفرج، وإقامة الحكومة الحقّة، وإصلاح أوضاع العالم، وإحياء حقائق الدين وأهل الإيمان.



    يتألّف هذا الدعاء من ثمانية أقسام، وهو ما سنتناوله بالبحث إن شاء الله تعالى:





    14

    2

    1. معرفة الله


    اللَّهُمَّ رَبَّ النُّورِ الْعَظِيمِ، وَرَبَّ الْكُرْسِيِّ الرَّفِيعِ، وَرَبَّ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ، وَرَبَّ الظِّلِّ وَالْحَرُورِ، وَمُنْزِلَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَرَبَّ الْمَلاَئِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَالأَنْبِياءِ وَالْمُرْسَلِينَ



    يبدأ هذا الدعاء بعبارة "اللهمّ"، وقد تكرّرت ثلاث عشرة مرّة فيه، ما يعطي للداعي توجّهاً خاصّاً إلى الله تعالى.



    بعدها جاءت كلمة "ربّ" وقد تكرّرت في الدعاء خمس مرّات، ما يشير إلى أنّ على الداعي أن يستذكر الله دائماً وفي جميع لحظات الدعاء.



    في القرآن الكريم ورد دعاء كهذا, إذ جاء في سورة المائدة (الآية 114) قوله تعالى: ﴿ٱللَّهُمَّ رَبَّنَا﴾. وأدعية القرآن عادةً تبدأ باسم "ربّ"، ولكن في هذه الآية بدأت بكلتا الكلمتين: "اللهمّ ربّنا"، ولعلّ ذلك بسبب أهمّيّة الحادثة ودلالتها.



    وهذا يعلِّمنا ضرورة أن ننادي الله تعالى، وأن نطلب منه بأدب كامل، وبالصفة المناسبة لحاجاتنا.



    دعا النبيّ عيسى عليه السلام ربّه أنْ ﴿أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا﴾[1]. والمشركون يعلمون أنّ هذا لم يكن عملاً عاديّاً، بل كان معجزةً غيبيّةً إلهيّة.



    وعليه، فمثل هذا الدعاء مذكور في القرآن الكريم، وله دلالة على روح معرفة الله تعالى في الأدعية. والإنسان المنتظِر بحاجة إلى مجموعة من المعارف، وأوّلها هو الذي ورد في بداية هذا الدعاء.



    [1] سورة المائدة، الآية 114.



    17

    3

    1. معرفة الله


    المعرفة هي التي تعطي القيمة لأعمالنا، ففي الإسلام تقاس درجات الأعمال والأفعال بميزان المعرفة، وكلّما زادت معرفتنا كلّما صارت قيمة أعمالنا أعلى وأرفع.



    الاستفادة من النعم المعرفيّة

    إنّ الفرق بين الإنسان وسائر الموجودات الأخرى يكمن في قدرته على الاستفادة من النعم المعرفيّة الكبرى. وحول أهمّيّة المعرفة، يكفي ما يدعونا إليه تعالى في كثير من آيات القرآن الكريم لكسب المعرفة، وذمّه سبحانه وتوبيخه بشدّة لأولئك الذين لا يتفكّرون ولا يتدبّرون ولا يعقلون.



    لقد نهانا الله تعالى في كتابه عن اتّباع ما ليس لنا به علم: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾[1]. وقد وصف سبحانه أولئك الذين يسيرون ويعملون بلا معرفة بأنّهم صُمٌّ بُكمٌ عُميٌ, لأنّهم لا يتدبّرون.



    من اللافت جدّاً في مجال ضرورة المعرفة، ما جاء في كلام أمير المؤمنين عليه السلام لكميل بن زياد، حيث يقول عليه السلام: "يا كميل، ما من حركةٍ إلّا وأنت محتاج فيها إلى معرفة"[2].



    المعرفة هي التي تعطي القيمة لأعمالنا، ففي الإسلام تقاس درجات الأعمال والأفعال بميزان المعرفة، وكلّما زادت معرفتنا كلّما صارت قيمة أعمالنا أعلى وأرفع.



    معرفة الله، والأنبياء، والأئمّة، والوجود، وأصول الدين وفروعه، أمر ضروريّ ولازم للمنتظرين.



    بالالتفات إلى هذا الأمر، فإنّ أوّل المسير الذي يخطّه هذا الدعاء للحياة المهدويّة هو معرفة الله, لأنّ بداية هذا الدعاء هي بذكر الله تعالى وصفاته.



    من يريد أن يعرف إمام زمانه عجل الله تعالى فرجه الشريف، عليه أن يعرف الله أوّلاً. وقد ورد الحثّ على قراءة دعاء: "اللَّهُمَّ



    [1] سورة الإسراء، الآية 36.

    [2] بحار الأنوار، المجلسيّ، ج 77، ص269.



    18

    4

    1. معرفة الله


    عَرِّفْنِي نَفْسَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ نَبِيَّكَ. اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ. اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي"[1].



    معرفة الله مقدّمة لمعرفة الإمام

    الإنسان الذي يسعى لمعرفة إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف لا بدّ من أن يكون إنساناً يمتلك معرفةً توحيديّة، وعلى معرفة بالله تعالى, لأنّ معرفة الله مقدّمة لمعرفة الإمام.



    إنّ القاعدة والركيزة الأساس لجميع تحرّكات المنتظرين الحقيقيّين للمهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وتصرّفاتهم، هي المعرفة الحقيقيّة بالله تعالى، والمعرفة العميقة بالتعاليم الدينيّة.



    هذه النظرة هي التي تبعث على ملاحظة الملكة الباطنيّة في تطبيق جميع القوانين الإلهيّة، بحيث يلاحظ الشخص المنتظِر ذلك في مشيه، وفي جلوسه، وفي نظره، وفي سمعه، بل وفي فكره أيضاً، ويقدّم رضى الله تعالى ورضى حجّة الله على كلّ شيء.



    وقد حازت معرفة الله تعالى أهمّيّةً كبيرةً في الأوصاف التي جاءت لأصحاب الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، فقد جاء فيهم أنّهم:

    "رجال عرفوا الله حقّ معرفته، وهم أنصار المهديّ في آخر الزمان"[2]، و"هم الذين وحَّدوا الله حقَّ توحيده"[3].



    لذا، كان من علائمهم أنّهم: "مجدّون في طاعة الله"[4]، و"هم الذين قال الله فيهم: ... يحبّهم ويحبّونه"[5].



    [1] كمال الدين وتمام النعمة، الصدوق، ج2، ص512.

    [2] كشف الغمّة، الأربليّ، ج2، ص478.

    [3] إلزام الناصب، علي اليزديّ الحائريّ، ج2، ص165.

    [4] المصدر نفسه، ص236.

    [5] الغيبة، النعمانيّ، ص316، المائدة: 54.



    19

    5

    1. معرفة الله

    تعليق


    • #3
      1. معرفة الله


      في بداية دعاء العهد, ثمّة ستّة عشر وصفاً من الأوصاف الإلهيّة:

      رَبَّ النُّورِ الْعَظِيمِ، وَرَبَّ الْكُرْسِيِّ الرَّفِيعِ، وَرَبَّ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ، وَرَبَّ الظِّلِّ وَالْحَرُورِ، وَمُنْزِلَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَرَبَّ الْمَلاَئِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَالأَنْبِياءِ وَالْمُرْسَلِينَ و...إلخ.



      وفي هذا المقطع، ذُكر تعالى مع سبع صفات خاصّة، تُعدّ تجلّياً خاصّاً لمعرفته تعالى.



      1- اللَّهُمَّ رَبَّ النُّورِ الْعَظِيمِ

      تعليق


      • #4

        1- اللَّهُمَّ رَبَّ النُّورِ الْعَظِيمِ

        عادةً عندما يراد الابتداء ببناءٍ ما يقوم الناس بدعوة إحدى الشخصيّات لافتتاحه ووضع حجر الأساس له. ونحن إذا أردنا أن نفتتح بناءً أو عملاً لنا باسم أحد ما، فلا اسم أفضل من اسم الله تعالى، الله خالق كلّ شيء، وأسمائه الحسنى.



        قال تعالى: ﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى﴾[1]. وقد تكرّرت هذه الآية في القرآن الكريم ثلاث مرّات، ومن بين الأسماء الحسنى، فإنّ أفضل الأسماء الإلهيّة من بينها هو كلمة "الله" الجامع لجميع صفات الكمال، فهو أكمل الأسماء, أي أنّ المعاني والكمالات كلّها موجودة فيه.



        الربّ: المالك والمدبّر

        بعد اسم "الله" ورد في الدعاء اسم "الربّ". وهي كلمة تعني المالك والمدبّر, فالله تعالى هو المالك والمدبّر. وتَكرار هذا الوصف يدلّ على أهمّيّة هذه الكلمة. وقد ذُكر اسم "الربّ" كثيراً




        [1] سورة الأعراف، الآية: 180.



        20

        6

        1. معرفة الله


        في القرآن الكريم، حيث بلغ مئة وثلاثين مرّة، فهو ثاني أكثر كلمة وردت في القرآن الكريم بعد كلمة "الله".



        هذا النوع من التَكرار لا يتنافى مع البلاغة، لاختلاف موارده. فالتَكرار قد يكون ضرورياًّ للتذكير، أو للتفصيل والتنويع، ويتناسب ذلك مع التربية والتوجيه.



        لا يخلو تَكرار كلمة "ربّ" من الحكمة، خصوصاً في الفقرات الخمس التي ورد فيها هذا الاسم الإلهيّ, لأنّ ذكر كلمة "ربّ" وتَكرارها في الدعاء يجعلان طلب الحاجة مقروناً بالإجابة



        تَكرار "يا ربّ"

        أما في أوّل الدعاء، فلا يخلو تَكرار كلمة "ربّ" من الحكمة، خصوصاً في الفقرات الخمس التي ورد فيها هذا الاسم الإلهيّ, لأنّ ذكر كلمة "ربّ" وتَكرارها في الدعاء يجعلان طلب الحاجة مقروناً بالإجابة.



        ففي سورة الأنبياء (الآية 89)، نقرأ قوله تعالى: ﴿وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ﴾.



        كما أنّ تَكرار كلمة "ربّ" في بداية أدعية إبراهيم عليه السلام - أيضاً - مهمّ ولافت، وفيه دلالة على تأثير ذلك في استجابة الدعاء، أو في كونه أحد آدابه. ففي سورة إبراهيم (الآيتان 40-41)، نقرأ قوله تعالى: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾.



        ويوجد في الأدعية إصرار وتَكرار ممزوجان بكلمة "ربّ", ففي دعاء "المجير" نقرأ نحو سبعين مرة: "أجِرنا من النار يا ربّ"، وكذلك في دعاء الجوشن الذي يحتوي على مئة فقرة، نقول في نهاية كلّ فقرة: "خلّصنا من النار يا ربّ".



        21

        7

        1. معرفة الله


        أما تَكرار كلمة "ربّ" في هذا الدعاء، فلعلّ ذلك لكونه أفضل وأنسب اسم لعقيدة الرجعة, أي أنّ الله تعالى المالك والمدبّر قادر على الإحياء مرّة أخرى.



        2- وَرَبَّ الْكُرْسِيِّ الرَّفِيعِ

        الكرسيّ كناية عن القدرة، السلطة، التدبير، الهداية والإدارة الكاملة للعالم. وفي اللغة الفارسيّة - أيضاً - "الإجلاس" أو "الجلوس على العرش" كناية عن التسلّط على الأوضاع، والإمساك بالقدرة والحكومة.



        نعم، من الممكن - أيضاً - أنّ يكون "العرش" كناية عن عالم ما وراء المادة، و"الكرسيّ" كناية عن العالم المادّيّ، كما نقرأ في آية الكرسيّ: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾[1].



        يُفسِّر الإمام الصادق عليه السلام الكرسيّ بالعلم، فعن حفص بن غياث قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾، قال: "علمه"[2].



        وفي حديث عن الإمام الصادق عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "يا أبا ذر، ما السماوات السبع في الكرسيّ إلّا كحلقة ملقاة في أرض فلاة، وفضل العرش على الكرسيّ كفضل الفلاة على تلك الحلقة"[3].



        هذا، والروايات الواردة حول الكرسيّ مختلفة، وقد ورد في حديث عن الإمام الصادق عليه السلام أنّ الكرسيّ من العلوم التي لا يعلمها أحد إلّا الله، فعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام- في قول الله عزّ وجلّ : ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾- فقال:



        [1] سورة البقرة، الآية 255.

        [2] التوحيد، الصدوق، ص327.

        [3] الخصال، الصدوق، ص523.



        22

        8

        1. معرفة الله


        "السموات والأرض وما بينهما في الكرسيّ، والعرش هو العلم الذي لا يُقدِّر أحد قدره"[1].



        أمّا تَكرار كلمة "ربّ" في هذا الدعاء، فلعلّ ذلك لكونه أفضل وأنسب اسم لعقيدة الرجعة, أي أنّ الله تعالى المالك والمدبّر قادر على الإحياء مرّة أخرى



        3- وَرَبَّ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ

        تحدّث القرآن الكريم عن البحر المشتعل الذي له غليان وصوت قويّ في الآية السادسة من سورة التكوير: ﴿وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ﴾.



        والمقصود بهذه البحار، إمّا البحار التي تُسجَّر عند اقتراب يوم القيامة، وإمّا الموادّ المذابة والمنصهرة في قعر الأرض كالبحار من النار، التي تفور أحياناً وتخرج من فوهة البراكين.



        الخلاصة:

        إنّ القرآن النازل, والقرآن الصاعد (الدعاء), يسوقان الإنسان من الأمور المرئيّة إلى الأمور غير المرئيّة, ويوجّهانه إلى المسائل التي قد يصعب تصديقها ابتداءً. أمّا بالنّسبة إلى الله تعالى, فهذه المسائل هيّنة وممكنة, وهو على كل شيء قدير.



        4- وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ

        الكتب السماويّة النازلة من عند الله تعالى إنّما هي لأجل هداية الإنسان. والمراد من الصحف الأولى في سورة طه (الآية 133)، هو التوارة والإنجيل والزبور. والتصديق بكون التوراة والإنجيل كتباً سماويّة ليس معناه إبقاءهما بشكل دائم، بل معناه وحدة أهدافهما وانسجام محتواهما جميعها: ﴿مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾[2].



        [1] التوحيد، الصدوق، ص327.

        [2] سورة البقرة، الآية 97.



        23

        9

        1. معرفة الله


        إنّ أصول الأديان واحدة، ولكن شرائعها متعدّدة. والدين والشريعة طريقان للوصول بنا إلى الحياة الواقعيّة والإنسانيّة، ولكن في كلّ زمان لا يُقبل إلّا شريعة واحدة. واليوم، الدين الوحيد الذي يرتضيه الله تعالى هو الإسلام فقط، ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ﴾[1].



        إنّ قوانين الإسلام الإجرائيّة ومنهجه التربويّ - أيضاً - قائمان على أساس العدل. فهو دين العدل والعدالة. ولو ألقينا نظرة على آيات القرآن الكريم، لشاهدنا منهجه العادل في جميع الموضوعات، ولرأينا - بوضوح - الإنصاف والعدالة وعدم الانحياز في برامجه كلّها. فالقرآن مع الامتيازات كلّها التي يختصّ بها، لا يُغفل أمر الكتب السماويّة السابقة، ويؤيّد الكتب غير المحرّفة من التوراة والإنجيل التي تقدّمت عليه، وهذا نموذج من الإنصاف.



        جاءت كلمة "الزبور" في اللغة العربيّة بمعنى أيّ نوع من أنواع الخط والكتابة: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ﴾[2]، ولكن بقرينة آية ﴿وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾[3]، يبدو أنّ المراد من الزبور - وقد نزل بعد التوراة - هو الكتاب الخاصّ بالنبيّ داود عليه السلام، الذي يحتوي على مجموعة من مناجاته وأدعيته ومواعظه، وهي مئة وخمسون فصلاً، كلّ فصل منها عبارة عن مزمور.



        والمراد بالذكر في (الآية 105) من سورة الأنبياء: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾، هو التوراة - أيضاً -، كما في ورد في (الآية 48) من السورة نفسها التعبير عن التوراة بالذكر: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ﴾.



        [1] سورة آل عمران، الآية 19.

        [2] سورة القمر، الآية 52.

        [3] سورة النساء، الآية: 63, سورة الإسراء، الآية: 55.



        24


        10

        1. معرفة الله


        القرآن مع الامتيازات كلّها التي يختصّ بها، لا يُغفل أمر الكتب السماويّة السابقة، ويؤيّد الكتب غير المحرّفة من التوراة والإنجيل التي تقدّمت عليه، وهذا نموذج من الإنصاف



        لكن أهمّ الكتب السماويّة هي: توراة اليهود، وإنجيل المسيحيّين، وقرآن المسلمين. وقد وصفها الله تعالى جميعاً بأنّها نور. ففي سورة المائدة (الآية 15)، يصف الله القرآن بكونه نوراً: ﴿قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ﴾.



        وفي (الآية 44) من السورة نفسها، يصف التوراة بكونها نوراً: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ﴾.



        وفي (الآية 46) وُصف الإنجيل بالنور: ﴿وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ﴾.



        وتوجد بين القرآن الكريم وهذه الكتب وجوهُ شبهٍ أخرى، وخصوصاً بين القرآن والتوراة. فالإنجيل يعتمد بشكل أساس على المواعظ، والزبور على الدعاء، ولكن من حيث القوانين، فالتوراة يشبه القرآن الكريم أكثر, ولذا وصفت التوراة بأنّها إمام، ﴿وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا﴾[1]، إلّا أنّه لا بدّ من أن يُعلم أنّ القرآن هو الوارث الكامل والجامع للتوراة والإنجيل والزبور.



        فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أُعطيتُ السور الطوال مكان التوراة، وأعطيت المئين مكان الإنجيل، وأعطيت المثاني مكان الزبور، وفُضِّلت بالمفصَّل ثمان وستون سورة، وهو مهيمن على سائر الكتب، والتوراة لموسى، والإنجيل لعيسى، والزبور لداود"[2].



        والإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف في هذا الزمان هو وارث جميع الكتب السماويّة, لأنّ الإمام في كلّ عصر وزمان هو الوارث لجميع فضائل



        [1] سورة هود، الآية: 17.

        [2] الكافي، الكلينيّ، ج 2، ص601.



        25

        11

        1. معرفة الله


        مَن سبقه. وفي بعض زيارات الإمام الحسين عليه السلام: "السلام عليك يا وارث التوراة والإنجيل والزبور"[1]. والإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف هو وارث جميع الأنبياء والأولياء عليهم السلام.



        5- وَرَبَّ الظِّلِّ وَالْحَرُورِ

        الظلّ بمعنى الفيء، والحَرور بمعنى شدّة الحرّ. والله تعالى هو مالك كليهما، وهو خالق الدنيا والآخرة، ومالك الأضداد وجاعلها، وإله الليل والنهار.



        وقد ورد لفظا الظلّ والحَرور في سورة فاطر (الآية 21): ﴿وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ﴾، حيث شُبِّه المؤمن والكافر بالظلّ والشمس. ونتيجة هذا التشبيه وهذه المقايسة هي أنّ شخصيّة المؤمن ومصيره ليسا كالكافر.



        إنّ تشبيه المؤمن بالظلّ الذي يُطمأنّ إليه، والكافر بالريح الحارّة الحارقة، ساق له بعض المفسرين معنى للآية يناسب حالهما من حيث النتيجة، فقال: المقصود بالظلّ الجنّة, لأنّها ذات ظلّ دائم، والمقصود بالحَرور نار جهنّم, لأنّها ذات حَرور[2].



        كما أنّه قد ورد في الروايات إطلاق "يوم الحَرور" بعنوانه وصفاً ليوم القيامة.



        وعلى هذا، فالله سبحانه وتعالى هو المالك والربّ للشمس والظلّ، وإذا شئتم النجاة من حرّ الشمس والعذاب الإلهيّ في الدنيا والآخرة، وأن تكونوا في ظلّ الأمن الإلهيّ، فالطريق الوحيد لذلك فقط هو اتباع القرآن الكريم.



        عن معاذ بن جبل، كنّا مع رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم في سفر... فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إن أردتم عيش السعداء وموت الشهداء، والنجاة يوم الحشر،



        [1] إقبال الأعمال، ابن طاووس، ج 2، ص712.

        [2] راجع: تفسير القرطبيّ، ج14، ص340 (نسبَه إلى قيل).



        26

        12

        1. معرفة الله


        والظلّ يوم الحَرور، والهدى يوم الضلالة، فادرسوا القرآن، فإنّه كلام الرحمن، وحرزٌ من الشيطان، ورجحان في الميزان"[1].



        6- وَمُنْزِلَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ

        تعليق


        • #5


          6- وَمُنْزِلَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ

          يخاطب الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن بقوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾[2]. والإنصاف، إنّ القرآن كتاب عظيم جدّاً. إنّ من بين 114 سورة قرآنيّة، تبدأ 29 سورة بالحروف المقطّعة، وفي 24 مورد بعد هذه الحروف، تتحدّث الآيات عن القرآن ومعجزته وعظمته، كما في سورة البقرة بعد قوله تعالى:

          ﴿الم﴾، يقول سبحانه: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾، ثمّ يشير إلى عظمة القرآن.



          إن الكُتَّاب عموماً لا يرون كُتُبَهم خاليةً من النقص، ويعتذرون عمّا فيها من النقص أو الإشكالات، ويتقبّلون الملاحظات والاقتراحات التي تأتي في هذا المجال، لكنّ الله تعالى فقط يقول عن كتابه بصراحة: ﴿الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾[3], إذ جميع آياته محكمة، وهي قائمة على أساس الحكمة، فهو كتاب مُحكم لا يقبل الخلل، ولا طريق فيه إلى أيّ نقصٍ أو عيب.



          وقد بيّنت الروايات الواردة عن المعصومين عليهم السلام عظمة القرآن الكريم, منها ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة:



          - "أَلَاَ إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا يَأْتي، وَالْحَدِيثَ عَنِ الْمَاضِي، وَدَوَاءَ دَائِكُمْ، وَنَظْمَ مَا بَيْنَكُمْ"[4].



          [1] مستدرك الوسائل، الميرزا النوريّ، ج 4، ص232، نقلاً عن تفسير أبي الفتوح الرازيّ. وقريب من هذه الرواية عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لسلمان مع اختلاف في قوله: "يوم الحسرة وظُلَل يوم الحَرور", انظر: جامع الأخبار، فصل 21، ص41.

          [2] سورة الحجر، الآية: 87.

          [3]سورة يونس، الآية: 1, سورة لقمان، الآية: 2.

          [4] نهج البلاغة، الخطبة 158.



          27

          13

          1. معرفة الله


          - "... وبَحْراً لَا يُدْرَكُ قَعْرُه... وتِبْيَاناً لَا تُهْدَمُ أَرْكَانُه، وشِفَاءً لَا تُخْشَى أَسْقَامُه، وعِزّاً لَا تُهْزَمُ أَنْصَارُه، وحَقّاً لَا تُخْذَلُ أَعْوَانُه"[1].



          - "وَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَعِظْ أَحَداً بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ حَبْلُ اللهِ الْمَتِينُ، وَسَبَبُهُ الأمِينُ، وَفِيهِ رَبِيعُ الْقَلْبِ، وَيَنَابِيعُ الْعِلْمِ، وَمَا لِلْقَلْبِ جَلاَءٌ غَيْرُهُ"[2].



          - "وعَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّه، فَإِنَّه الْحَبْلُ الْمَتِينُ، والنُّورُ الْمُبِينُ، والشِّفَاءُ النَّافِعُ، والرِّيُّ النَّاقِعُ، والْعِصْمَةُ لِلْمُتَمَسِّكِ، والنَّجَاةُ لِلْمُتَعَلِّقِ"[3].



          - "ومَا جَالَسَ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ عَنْه بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ: زِيَادَةٍ فِي هُدَىً، أَوْ نُقْصَانٍ مِنْ عَمَىً"[4].



          - "فَإِنَّ فِيه شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ، وهُوَ الْكُفْرُ والنِّفَاقُ، والْغَيُّ والضَّلَالُ"[5].



          - "واعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لَا يَغُشُّ، والْهَادِي الَّذِي لَا يُضِلُّ، والْمُحَدِّثُ الَّذِي لَا يَكْذِبُ"[6].



          - "واعْلَمُوا أَنَّه لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْ فَاقَةٍ، ولَا لأَحَدٍ قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ غِنًى"[7].




          [1] نهج البلاغة، الخطبة 198.

          [2] المصدر نفسه، الخطبة 176.

          [3] المصدر نفسه، الخطبة 156.

          [4] المصدر نفسه، الخطبة 176.

          [5] المصدر نفسه، الخطبة 176.

          [6] المصدر نفسه، الخطبة 176.

          [7] المصدر نفسه، الخطبة 176.



          28

          14

          1. معرفة الله


          - "إِذَا الْتَبَسَتْ عَلَيْكُمُ الْأُمُورُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، فَعَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ"[1].



          - "ولَا تُخْلِقُه كَثْرَةُ الرَّدِّ"[2].



          - "فَضْلُ الْقُرْآنِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَاْمِ كَفَضْلِ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ"[3].



          - "واللَّه اللَّه فِي الْقُرْآنِ، لَا يَسْبِقُكُمْ بِالْعَمَلِ بِه غَيْرُكُمْ"[4].



          وأنا بعد عشرات السنين من جلوسي على هذه المأدبة الإلهيّة، أتمنّى عليكم أيّها الأعزّاء، أن يكون القرآن هذا الكتاب العظيم بالنسبة إليكم مظهراً للعلم الإلهيّ، ولو أنّكم في كلّ يوم تدبّرتم في جملة واحدة لاستفدتم فائدة جديدة.



          وللطلّاب الأعزّاء أقول: إذا أردتم أن تصبحوا علماءَ ربّانيّين، فعليكم بالاشتغال - بفهم وتدبُّر - بهذا العلم الذي لا نهاية له, لأنّ الله تعالى يقول في القرآن الكريم: ﴿وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ﴾[5]. ففي هذه الآية تكرّرت كلمة "كنتم" مرّتين، إلى جانب كلمتَي "تعلمون" و"تدرسون"، ما يعني الاستمرار والدوام, أي إنّ تعليم القرآن وتدريسه لا بدّ من أن يكون في كلّ يوم وفي جميع المراحل.



          7- وَرَبَّ الْمَلاِئكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ

          أ- الملائكة المقرّبون:

          المقرّب بمعنى القريب. جاء في سورة النساء (الآية 172) قوله



          [1] بحار الأنوار، المجلسيّ، ج 74، ص134.

          [2] نهج البلاغة، الخطبة 156.

          [3] بحار الأنوار، المجلسيّ، ج 89، ص19، (والرواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم).

          [4] نهج البلاغة، قسم الرسائل، 47.

          [5] سورة آل عمران، الآية: 79.



          29

          15

          1. معرفة الله


          تعالى: ﴿الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾، فالملائكة ليسوا على درجة ومرتبة واحدة، فمقامهم مختلف، كما أنّ وظائفهم مختلفة, فمقام بعضهم كجبرائيل وميكائيل وعزرائيل وإسرافيل أفضل من مقام سواهم. وقد ذكر القرآن من هؤلاء الملائكة الأربعة جبرائيل وميكائيل: ﴿وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ﴾[1]، وأما بقيّة الآيات فقد تعرّضت لأوصافهم، كقوله تعالى: ﴿كِرَامًا كَاتِبِينَ﴾[2].



          لذا، فإنّ الملائكة فِرَقٌ ومجموعاتٌ متعدّدة ومختلفة، ولكلّ مجموعة منها مقام خاصّ، ولها قدرتها الخاصّة بعملها: ﴿وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ﴾[3]، فمسؤول الوحي جبرائيل، ومسؤول الأرزاق ميكائيل، ومسؤول قبض الأرواح عزرائيل، ومسؤول النفخ في الصور إسرافيل.



          "الروح" - أيضاً - هو أحد الملائكة المقرّبين من الله تعالى، وقد جاء اسمه في القرآن بصورة مستقلّة، وعادة ما يُذكر إلى جانب الملائكة، ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ﴾[4]، ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾[5]، و﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ﴾[6].



          ب- الأنبياء والمرسلون:

          تعليق


          • #6
            ب- الأنبياء والمرسلون:

            في هذه الفقرة من الدعاء، أُشير إلى مقام الأنبياء والمرسلين, ومن الواضح أنّ ثمّة فرقاً بين النبيّ والرسول.





            [1] سورة البقرة، الآية: 98.

            [2] سورة الانفطار، الآية: 11.

            [3] سورة الصافات، الآية: 164.

            [4] سورة النبأ، الآية: 38.

            [5] سورة المعارج، الآية: 4.

            [6] سورة القدر، الآية: 4.



            30

            16

            1. معرفة الله


            في الفرق بينهما ذُكرت آراء عديدة، منها:

            أوّلاً: إذا كان أصل كلمة نبيّ من مادّة "النبأ" بمعنى الخبر، يكون النبيّ هو الشخص المطّلع على الوحي الإلهيّ، والذي يُخبر بما يُوحى إليه، أمّا الرسول، فهو الشخص الذي أُلقيت على عاتقه مهمّةٌ أو رسالةٌ ليبلّغها.



            ثانياً: إذا كان أصل كلمة نبيّ من مادّة "نَبْوَة" على وزن "نَغْمَة"، بمعنى رفعة المقام، فيكون النبيّ هو الشخص العالي المقام، والسامي المرتبة.



            والرسول - أيضاً - صاحب شريعة ومأمور بتبليغها, أي يتلقّى الوحي الإلهيّ ثمّ يبلّغه للناس، أمّا النبيّ فإنّه يتلقى الوحي، لكنّه ليس مكلّفاً بتبليغه، بل مكلّف بأداء واجبه فقط، أو الإجابة عن أسئلة من سأله[1].



            وبتعبير آخر، فإنّ النبيّ مثله كالطبيب الواعي الذي جلس في محلّه مستعدّاً لاستقبال المرضى، فهو لا يذهب إلى المرضى، أمّا إذا راجعه مريض، فإنّه لا يمتنع عن معالجته وأداء النصح إليه. أما الرسول، فإنّه كالطبيب السيّار، وبتعبير الإمام عليّ عليه السلام في نهج البلاغة عن رسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم: "طبيبٌ دوّارٌ بطبِّه"[2]، فهو يدور في كلّ مكان، يذهب إلى المدن والقرى، والجبال والصحارى، ليجد المرضى ويشرع في علاجهم، فهو عين تنبع بالماء العذب وتجري نحو العطاشى، وليس عيناً يبحث عنها العطاشى[3].



            [1] تفسير الأمثل، ناصر مكارم الشيرازيّ، ج 9، ص467 - 468.

            [2] نهج البلاغة، الخطبة 108.

            [3] تفسير الأمثل، ناصر مكارم الشيرازيّ، ج 9، ص468.



            31

            17

            1. معرفة الله


            بعض الأنبياء لديهم كلا المقامين، كنبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم، فقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يتلقّى الوحي، ومضافاً إلى ذلك كان يبلغ أوامر الله تعالى، ويسعى إلى إقامة الحكومة وتنفيذ الأحكام، وفي الوقت نفسه يقوم عن طريق الباطن بمهمّة تربية النفوس[1].



            ينقل أبو ذر الغفاريّ (رضوان الله عليه) - أيضاً - عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّ عدد الأنبياء مئة وأربعة وعشرون ألف نبيّ، كان بينهم ثلاث مئة وثلاثة عشر رسولاً فقط[2].




            [1] تفسير الأمثل، ناصر مكارم الشيرازيّ، ج 1، ص371.

            [2] المصدر نفسه، ج 3، ص544.



            32

            18

            2. السؤال والطلب "أسألك"


            اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ، وَبِنُورِ وَجْهِكَ الْمُنِيرِ، وَمُلْكِكَ الْقَدِيمِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ بِهِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرَضُونَ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي يَصْلَحُ بِهِ الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ، يَا حَيَّاً قَبْلَ كُلِّ حَيٍّ، وَيَا حَيَّاً بَعْدَ كُلِّ حَيٍّ، وَيَا حَيَّاً حِينَ لا حَيَّ. يَا مُحْيِيَ الْمَوْتَى وَمُمِيتَ الأَحْياءِ، يَا حَيُّ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ.



            في هذا القسم من الدعاء، يقوم الداعي لأجل بيان مسائله ومطالبه بذكر الأسماء والصفات الإلهيّة مرّةً أخرى. وهذا التَكرار للصفات الإلهيّة في هذين القسمين (الأوّل والثاني)، وخصوصاً بعد كلمة "أسألك" إنّما هو لكون الداعي يذكر الأسماء والصفات الإلهيّة المناسبة لحاجته، والتي لا يخلو حتّى تَكرارها من اللطف.



            بالتَكرار تحصل الكمالات

            كان أمير المؤمنين عليه السلام - أحياناً - يكرّر بعض الألفاظ ليحثَّ بعض الناس على أمرٍ ما, ففي وصيّته عليه السلام لأبنائه يكرِّر لفظ الجلالة فيها: "الله الله في الأيتام"، "الله الله في جيرانكم"، "الله الله في القرآن"، "الله الله في الصلاة"...[1].



            وكذلك تَكرار الصلاة في كلّ يوم وليلة إنّما هو لأجل أن نقترب من الله تعالى في كلّ يوم خطوة، فالشخص الذي يصعد على درجات السلَّم هو في الظاهر يقوم بتحريك رجله بحركة تَكرارية، لكنّه في الواقع يقطع بكلّ حركة خطوة إلى الإمام، ويرتفع إلى الأعلى. والشخص الذي يحفر بئراً ويضرب بمعوله، هو في الظاهر يقوم بعمل تَكراريّ، لكنّه في الواقع يزيد بكلّ حركة عمقَ البئر.



            [1] نهج البلاغة, الوصيّة 47.



            35

            19

            1. معرفة الله


            وكذلك الإنسان فهو بكلّ صلاة وذكر وتلاوة آية، يقترب من الله تعالى خطوة، انتهاءً بالمقام الذي نقرأه حول نبيّنا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾[1].



            كما أنّ تَكرار الوصيّة بالتقوى في كلّ من خطبتَي صلاة الجمعة في كلّ أسبوع، هو أحد أوجه دور التَكرار في التربية الدينيّة للناس، بل إنّ بقاء الحياة متوقّف على التنفُّس المتكرِّر. والكمالات إنّما تحصل بالتَكرار، فبمرّة واحدة من الإنفاق والإقدام لا يحصل الإنسان على ملكة السخاء والشجاعة، كما أنّ الرذائل والخبائث تثبت في روح الإنسان من خلال التَكرار.



            "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ"

            في هذا القسم من الدعاء، يسأل الداعي ربَّه بأمورٍ عشرة:

            1- بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ

            المقصود من هذه الكلمات ليس معناها الظاهريّ, إذ الله تعالى ليس بجسم، كي يكون له وجه. وفي سورة البقرة (الآية 115) نقرأ قوله تعالى: ﴿وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾، وفي آخر سورة القصص - أيضاً -، نقرأ قوله تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ﴾. وعليه:

            أوّلاً: وجه الله باقٍ وفي كلّ مكان. لذا، لا بدّ من أن نقصده هو فقط لحاجاتنا. وإذا جعلنا أولياء الله واسطة، فلا بد من أن نعلم أنّهم يقومون بإيصال الفيض الإلهيّ إلينا.



            ثانياً: هو كريم. وقد ذُكرت هذه الصفة في القرآن كإحدى



            [1] سورة النجم, الآيتان: 8-9.



            36

            20

            2. السؤال والطلب "أسألك"


            الصفات الإلهيّة: ﴿مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾[1]. والكريم هو العظيم والمعطي.



            نعم، يمكن القول إنّ المصداق البارز والكامل لوجه الله الكريم في هذا العصر والزمان هو الإمام المهديّعجل الله تعالى فرجه الشريف, لأنّه جاء عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: "وجه الله أنبياؤه ورسله وحججه صلوات الله عليهم، هم الذين بهم يتوجّه إلى الله وإلى دينه ومعرفته"[2].



            وفي دعاء الندبة - أيضاً - نقرأ في وصف إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف: "أين وجه الله الذي إليه يتوجّه الأولياء".



            2- وَبِنُورِ وَجْهِكَ الْمُنِيرِ

            يخاطب الإمام الحسين عليه السلام الله تعالى في دعاء عرفة بهذا الخطاب: "فأسألك بنور وجهك الذي أشرقت له الأرض والسماوات"[3].



            وفرقٌ بين نور الوجه وبين الوجه الوارد في الجملة السابقة، فالله تعالى نور ومنوِّر أيضاً، وكلّ نور العالم هو انعكاسُ نور جماله. فالنور فقط هو الله تعالى، وهو الذي يعطي النور لمن يشاء ويجعله نورانيّاً. وكلّ فرد بمقدار ما يكون مقرّباً من الحضرة الإلهيّة يصير منيراً. لذا، وصف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن بأنّه منير، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾[4].



            [1] سورة الأحزاب، الآيتان: 45-46.

            [2] التوحيد، الصدوق، ص117.

            [3] بحار الأنوار، المجلسيّ، ج 95، ص219، إقبال الأعمال، ابن طاووس، ج 1، ص343.

            [4] سورة الأحزاب، الآيتان: 45-46.



            37

            21

            2. السؤال والطلب "أسألك"


            تعليق


            • #7
              2. السؤال والطلب "أسألك"


              في هاتين الآيتين بيانٌ لدور النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في المجتمع، فهو سراج هداية، ونوره سبب تكامل المجتمع وحركته وبروزه (سراجاً منيراً). واليوم، فإنّ المخلوق الوحيد في هذه الدنيا الذي اكتسب نوره من الله تعالى في المرتبة الأعلى، والذي يعطي النور لمن سواه، هو آخر ورثة النبيّ، الإمام المهديّعجل الله تعالى فرجه الشريف.



              3- وَمُلْكِكَ الْقَدِيمِ

              الله تعالى هو المالك وهو مَن بيده جميع أمور عالم الوجود، ﴿لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾[1].



              إنّ كلمة "الملِك" في اللغة تعني الحاكم ومَن بيده زمام الأمور. وفي الآيات والروايات دلالات عدّة على الملك القديم لله تعالى، ففي سورة التوحيد -مثلاً- نقول: ﴿وَلَمْ يُولَدْ﴾[2]، بل هو أزليّ وليس حادثاً وُجِد من شيء آخر. وفي القصص الإنشاديّة يقولون: كان يا ما كان، في قديم الزمان، غير ربّ السماء لم يكن أحد قد كان, أي أنّ الله هو القديم.



              وفي سورة الحديد (الآية 2)، نقرأ قوله تعالى: ﴿لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.



              4. يا حيّ يا قيّوم

              في آية الكرسيّ، نقرأ قوله تعالى: ﴿اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾.



              يفترق معنى الحياة في حقّ الذات الإلهيّة عن معناها في حقّ الآخرين، وهي كسائر الصفات الإلهيّة لا تقبل الانفكاك عن الذات، فلا طريق لطروء الفناء عليه تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي



              [1] سورة المائدة، الآية: 120.

              [2] سورة التوحيد، الآية: 3.



              38

              22

              2. السؤال والطلب "أسألك"


              لَا يَمُوتُ﴾[1]، فهو سبحانه لا يحتاج في حياته إلى الغذاء، وتوليد المثل، والجذب والدفع، "يا حيُّ الذي ليس كمثله حيّ"[2].



              وبما أنّ اسم الـ "حيّ" قد تكرَّر في الفقرات الآتية من هذا الدعاء، فسيجيء مزيد من التوضيح له، إن شاء الله.



              أمّا اسم "القيُّوم" فهو من القيام، والقيام والقِوام: اسمٌ لما يقوم به الشيء, أي يثبت، كالعِماد والسِّناد: لما يُعمد ويُسند به[3].



              وقد جاءت كلمة "قيُّوم" ثلاث مرّات في القرآن الكريم، وفي كلّ مرّة من هذه المرّات الثلاث كانت تأتي معها كلمة "حيّ".



              وقيام الله تعالى بنفس ذاته، وأمّا قيام سائر الموجودات فبوجوده سبحانه.



              والمراد من القيوميّة الإلهيّة هو تسلّطه سبحانه وحفظه وتدبيره الكامل لمخلوقاته. وقيامه تعالى دائم ومحيط من كلّ جانب: يخلق، ويرزق، ويهدي، ويميت، ولا يغفل أبداً.



              ثمّ إنّ كلّ موجود حيّ يحتاج في بقائه حيّاً إلى منبع الفيض، كالضوء الذي يحتاج لبقاء نوره إلى الاتصال بالكهرباء. وهكذا جميع الموجودات تحتاج في حياتها إلى "الحيّ"، ولاستمرار بقائها إلى الاستمداد من "القيُّوم".



              يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "كلّ شيء خاضع له، وكل شيء قائم به"[4].



              وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه في معركة بدر كان يكرِّر في سجوده: "يا حيّ يا قيّوم"[5].



              [1] سورة الفرقان، الآية: 58.

              [2] دعاء الجوشن الكبير، الفقرة 70.

              [3] المفردات، الراغب الأصفهانيّ، ذيل كلمة "قيُّوم"، ص156.

              [4] نهج البلاغة، الخطبة رقم 108.

              [5] الدعوات، الراونديّ، ص45.



              39

              23

              2. السؤال والطلب "أسألك"


              5- أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ بِهِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرَضُونَ

              مرّة أخرى يؤكِّد الداعي الطلب باسم الله: "أسألك باسمك الذي..."، يعني أنّني أطلب العون منك فقط، وأنت معتمدي ومعشوقي فقط, لأنّ جميع مَن في هذا العالم راجع إلى الله سبحانه. والأنبياء إنّما جاؤوا ليرجعوا الناس إلى الله تعالى، فالتوحيد معناه أنّ أصل وأساس ومنبع هذا الوجود هو الله تعالى.



              في هذه الفقرة يقوم الداعي مرّة أخرى بالتوجّه إلى التوحيد بصورة خاصّة، ويسأل المولى تعالى باسمه الذي "أشرقت به السموات والأرضون".



              ويناسب هذه الفقرة من الدعاء، قوله تعالى في (الآية 69) من سورة الزمر التي تتحدّث عن إشراق يوم القيامة: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾.



              وقد قيل: إنّ إشراق الآخرة بنور الله ليس معناه أنّ الدنيا خالية من النور الإلهيّ، بل الدنيا كالآخرة -أيضاً- مشرقة بنور ربّها، لكن بسبب خصائص الدنيا وأحكامها، فإنّ هذا النور غير مشاهد، وأمّا في الآخرة فسوف يتجلّى النور الإلهيّ بالكامل، وسيقف عليه الجميع ويشاهدونه.



              نقرأ في تفسير أطيب البيان[1]: بما أنّ نور الشمس والقمر يوم القيامة يأفلان، فالمراد من "نور الربّ" النور الذي يشع من المؤمنين، ثمّ يذكر شاهداً على ذلك هذه الآية: ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾[2].



              [1] أطيب البيان، عبد الحسين الطيب الأصفهانيّ، ذيل الآية الشريفة.

              [2] سورة الحديد، الآية: 12.



              40

              24

              2. السؤال والطلب "أسألك"


              ومن هذه الآية وهذا التفسير يمكن أن نستنتج: أنّ النور المشرق على الوجود يمكن أن يكون نور المعصوم الذي يستمدّ نوره من نور الله تعالى، وعلى هذ الأساس فالنبيّ وأهل بيته عليهم السلام سواء في الدنيا أم الآخرة هم نور الله الذي أشير - أيضاً - في زيارة الجامعة الكبيرة إلى تجلّيه: "وأشرقت الأرض بنوركم"، وهو ما ينسجم مع هذه الفقرة من الدعاء.



              ولا بدّ من أن يُعلم، أنّه بناء على ما يعتقد به الشيعة، فإنّ أهل البيت عليهم السلام هم أعظم تجلّيات النور الإلهيّ، وإنّ نورهم يشرق ويهدي بنور الله تعالى.



              وفي هذا المجال، ورد في مقطع لبعض الأحاديث الطويلة والجميلة قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "ثمّ أظلمت المشارق والمغارب، فشكت الملائكة إلى الله تعالى أن يكشف عنهم تلك الظلمة، فتكلّم الله جلّ جلاله كلمةً فخلق منها روحاً، ثمّ تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نوراً، فأضاءت النور إلى تلك الروح، وأقامها مقام العرش فزهرت المشارق والمغارب، فهي فاطمة الزهراء, ولذلك سمّيت الزهراء لأنّ نورها زهرت به السماوات"[1].



              [1] بحار الأنوار، المجلسيّ، ج 40، ص44.



              41

              25

              2. السؤال والطلب "أسألك"


              نعم، الآية المذكورة فسرت وأولت في الروايات بقيام الإمام المهديّعجل الله تعالى فرجه الشريف أيضاً، وفي الحقيقة هو نوع تشبيه وتأكيد على هذا الأمر، وهو أنّه عند قيام الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف ستصبح الدنيا كصورة ونموذج عن يوم القيامة، وسيسود العدل ويحكم العالم بوساطة هذا الإمام.



              يبين الإمام الصادق عليه السلام تغيُّر العالم في زمان ظهور الإمام صاحب العصر والزمان في ظلّ الآية الشريفة: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا﴾[1], بقوله: "إنّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربّها..."[2].



              6- وَبِاسْمِكَ الَّذِي يَصْلَحُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ

              السؤال والطلب من الله تعالى بهذه الكلمات موجود - أيضاً - في أدعية أخرى. يقول الإمام الحسين عليه السلام: "فأسألك بنور وجهك الذي أشرقت له الأرض والسماوات، وانكشفت به الظلمات، وصلح عليه أمر الأولين والآخرين..."[3].



              وكلّ فرد بمقدار ما يصبغ حياته بلون المهدويّة، فإنّه بذلك المقدار يكون نصيب انتفاعه واستفادته



              كما في الفقرة السابقة، لا يبعد أنّ ذاك الاسم الذي يصلح به الأولون والآخرون، هو مقام الإنسان الكامل والخليفة الإلهيّ, لأنّ الله تعالى جعل الحجّة والإمام قبل الخلق، ومع الخلق، وبعد الخلق، ولا تخلو الأرض في زمان منه أبداً. فإنّ الوجود المقدّس الحاضر في حياة كلّ فرد، والحافظ له عن الفساد، والموصل له إلى الصلاح، هو الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف, وبعبارة أخرى: إنّ المهدويّة هي سبب رشد وارتقاء وتربية الفرد والمجتمع. واليوم، ليس للحياة أيّ طريق للنجاة والإصلاح





              [1] سورة الزمر، الآية: 69.

              [2] بحار الأنوار، المجلسيّ، ج 52، ص337.

              [3] إقبال الأعمال، ابن طاووس، ج 2، ص80.



              42

              26

              2. السؤال والطلب "أسألك"


              إلّا بالأمل به وذكر اسمه. وكلّ فرد بمقدار ما يصبغ حياته بلون المهدويّة، فإنّه بذلك المقدار يكون نصيب انتفاعه واستفادته.



              دور حجّة الله في الحياة

              المنتظِر، في هذه الفقرة، يترنّم بهذه المسألة الدقيقة، وهي أنّ حياته لا بدّ من أن تكون مورد رضى وليّ العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف, لأنّ دور حجّة الله في الحياة أنّه ينجي الإنسان من الفساد، ويوصله إلى الصلاح والفلاح. جاء في زيارة الجامعة الكبيرة: "بموالاتكم... وأصلح ما كان فسد من دنيانا". حقيقةً، إنّ كلّ فرد يوفَّق في حياته، ويصل إلى الرشد والصلاح، إنّما يوفّق ويصل إلى تلك النعمة والقيمة العظيمة بوساطة حجّة زمانه عليه السلام.



              7- يَا حَيّاً قَبْلَ كُلِّ حَيٍّ، وَيَا حَيّاً بَعْدَ كُلِّ حَيٍّ، وَيَا حَيّاً حِينَ لا حَيَّ

              ثمّة تأكيد خاصّ على الحياة الإلهيّة المتعالية في الأدعية، وقد جاءت هذه المسألة في المقطع السبعين من دعاء الجوشن الكبير على الشكل الآتي:

              "يا حيّاً قبل كل حيّ، ويا حيّاً بعد كل حيّ، يا حيّ الذي ليس كمثله حيّ، يا حيّ الذي لا يشاركه حيّ، يا حيّ الذي لا يحتاج إلى حيّ، يا حيّ الذي يميت كل حيّ، يا حيّ الذي يرزق كل حيّ، يا حيّاً لم يرث الحياة من حيّ، يا حيّ الذي يحيي الموتى، يا حيّ يا قيّوم لا تأخذه سنة ولا نوم"[1].



              أمّا لماذا تكرّر هذا الاسم في دعاء العهد أربع مرّات، ثمّ أُشير بعده إلى مسألة الإحياء والإماتة؟ هل من الممكن أن يكون ذلك




              [1] البلد الأمين، ابن طاووس، ص408.



              43

              27

              2. السؤال والطلب "أسألك"


              مرتبطاً ببحث الرجعة الوارد في هذا الدعاء العظيم؟ يبدو أنّ التأكيد على هذه المسألة لا يخلو من ارتباط بذلك.



              8- يَا مُحْيِيَ الْمَوْتَى

              تعليق


              • #8
                8- يَا مُحْيِيَ الْمَوْتَى

                من يحيي مرّة يمكنه أن يحيي مرّات أخرى: ﴿يُحْيِي الْمَوْتَى﴾[1].



                وجاء في سورة النجم (الآية 44) أيضاً: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا﴾.



                نعم، من كان لديه حُكم كامل على جميع الوجود، فله القدرة - أيضاً - على الإحياء والإماتة: ﴿لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾[2].



                وقد بيّنت الآيات القرآنية ذلك أيضاً، فمثلاً في سورة العنكبوت (الآية 19)، نقرأ قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾.



                في النتيجة:

                1- عالم الوجود مظهر تجلّي قدرة الله تعالى في إيجاد ظواهر الحياة والموت: ﴿يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾.

                2- الخلق والإماتة وإعادة الإحياء, هي أفعالٌ دائمة له تعالى: ﴿يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾, إذ إنّ فعل المضارع ﴿يُبْدِئُ﴾, و﴿يُعِيدُه﴾ يدلّ على الإستمرار والدوام.

                3- لخلق الأوّل وإعادة الإحياء يوم القيامة أمران يسيران بالنّسبة إلى الله, فلا يحتاجان إلّا إرادته سبحانه: ﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾.





                [1] سورة الحج، الآية: 6.

                [2] سورة الأعراف، الآية: 158.



                44

                28

                2. السؤال والطلب "أسألك"


                9- وَمُمِيتَ الْأَحْيَاءِ

                نقرأ في القرآن الكريم أنّ الموت والحياة هما تجلّيان للربوبيّة الإلهيّة: ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى﴾[1], ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ﴾[2], وجاء في سورة يونس (الآية 56): ﴿هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾.



                لقد أشار النبيّ إبراهيم عليه السلام، في مجال التعريف والاستدلال على وجود الله تعالى، إلى هذه المسألة: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾[3].



                ونقرأ في سورة الروم (الآية 40) قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾.



                وقد أُشير، في هذه الآية، إلى أربع صفات إلهيّة، بحيث إنّ كلّ واحدة منها كافية لتسليم الإنسان وعبوديّته. فخلق الإنسان دليل مستقلّ على لزوم العبودية على الإنسان: ﴿اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾[4], والرزق الإلهيّ دليل على لزوم العبوديّة: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْف﴾[5], والإماتة والإحياء - أيضاً - كلّ واحدة منهما دليل على لزوم تعبّد الإنسان وتسليمه لربّه تبارك وتعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾[6].





                [1] سورة النجم، الآية: 42.

                [2] السورة نفسها، الآية: 44.

                [3] سورة البقرة، الآية: 258.

                [4] السورة نفسها، الآية: 21.

                [5] سورة قريش، الآية: 3-4.

                [6] سورة الروم، الآية: 40.



                45

                29

                2. السؤال والطلب "أسألك"


                ونقرأ في سورة غافر (الآية 68) أيضاً: ﴿هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾.



                وفي النتيجة:

                الإماتة والإحياء بيده تعالى فقط: ﴿هُوَ الَّذِي﴾.
                قدرته تعالى على الإحياء والإماتة واحدة: ﴿يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾.



                10- يَا حَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ

                في هذه الفقرة ذُكرت وحدانيّته تعالى، وسنوضح بعض الأمور المتعلّقة بها:

                جاء في القرآن الكريم شعار التوحيد مكرّراً وببيانات مختلفة، مثل: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾[1], ﴿لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾[2], ﴿لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ﴾[3], ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا﴾[4].



                "لا إله إلّا الله"، هي أوّل صفحة في هُويّة أيّ مسلم. وأوّل شعار وأوّل دعوة لنبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم كانت بهذه الجملة: "قولوا لا إله إلّا الله تفلحوا"[5]، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: "من قال لا إله إلّا الله مخلصاً دخل الجنّة، وإخلاصه بها أن تحجزه لا إله إلّا الله عمّا حرّم الله"[6].



                وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "قول لا إله إلّا الله ثمن



                [1] سورة الصافات، الآية: 35.

                [2] سورة البقرة، الآية: 163.

                [3] سورة الأنبياء، الآية: 87.

                [4] سورة النحل، الآية: 2.

                [5] مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، ج 1، ص51.

                [6] ثواب الأعمال، الصدوق، ص20, التوحيد، الصدوق، ص28.



                46

                30

                2. السؤال والطلب "أسألك"


                الجنّة"[1]، وفي الحديث القدسيّ المنقول عن الإمام الرضا عليه السلام: "كلمة لا إله إلّا الله حصني"[2].



                نعم، التوحيد أساس نجاة الإنسان وخلاصه، لكن بالشروط اللازمة المذكورة في محلّها.



                يقول العارف الواصل المرحوم الحاج الميرزا جواد الملكيّ التبريزيّ:

                "كان لي شيخ جليل عامل عارف كامل (قدّس الله تربته) - لعلّه المرحوم الآخوند ملّا حسين قلّي الهمدانيّ - ما رأيت له نظيراً... سألته عن عمل مجرّب يؤثّر في إصلاح القلب وجلب المعارف، فقال قدس سره: ما رأيت عملاً مؤثّراً في ذلك مثل المداومة على سجدة طويلة في كلّ يوم مرّة واحدة، يقال فيها: ﴿لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾[3]. يقوله وهو يرى نفسه مسجونة في سجن الطبيعة، ومقيّدة بقيود الأخلاق الرذيلة، مقرّاً بقوله: إنّك لم تفعل ذلك بي وتظلمني، وأنا الذي ظلمت نفسي وأوقعتها في هذه الحال...[4].



                وعن أمير المؤمنين عليه السلام - أيضاً - في دعاء كميل: "لا إله إلّا أنت سبحانك وبحمدك، ظلمت نفسي وتجرّأت بجهلي".



                إنّ الإقرار والاعتراف بالوحدانيّة موجود في مواضع كثيرة من الأدعية، ويمكن القول تقريباً: إنّ أحد آداب الدعاء هو هذه المسألة.



                [1] بحار الأنوار، المجلسيّ، ج 93، ص196، ثواب الأعمال، ص4.

                [2] عيون أخبار الرضا عليه السلام، الصدوق، ج 2، ص134.

                [3] سورة الأنبياء، الآية: 87.

                [4] أسرار الصلاة، الميرزا التبريزي، ص359.



                47

                31

                3. إبلاغ السلام

                تعليق


                • #9
                  3. إبلاغ السلام


                  اللَّهُمَّ بَلِّغْ مَوْلاَنَا الإِمَامَ الْهَادِيَ الْمَهْدِيَّ، الْقَائِمَ بِأَمْرِكَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى ابَائِهِ الطَّاهِرِينَ، عَنْ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، فِي مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، سَهْلِهَا وَجَبَلِهَا، وَبَرِّهَا وَبَحْرِها، وَعَنِّي وَعَنْ والِدَيَّ، مِنَ الصَّلَوَاتِ زِنَةَ عَرْشِ اللَّهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ، وَمَا أَحْصَاهُ عِلْمُهُ، وَأَحَاطَ بِهِ كِتَابُهُ



                  السلام على إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف في هذا الدعاء، هو عالميٌّ من جهة الكميّة، وبمقدار زنة العرش من حيث الكيفيّة.



                  إنّ كيفيّة السلام على الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في هذا الدعاء تعود إلى بُعد نظر المنتظِر, فهو بعيد النظر، ولديه ثقافة عالميّة، وعند الحاجة يطرح ذلك بنظرة عميقة وبعيدة المدى.



                  فبعض الناس يريدون الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف لأجل حلّ مشاكلهم فقط، أمّا المنتظرون الواقعيّون فلديهم مشاعر وأحاسيس عالميّة، وعندما تقع مشكلة في غير المنطقة الجغرافيّة التي هم فيها، يصيبهم القلق والاضطراب.



                  سلامُ المنتظرين

                  يضفي دعاء العهد على المنتظرين أفقاً عالميّاً، حيث نقرأ في هذه الفقرة من الدعاء: "عن جميع المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها".



                  يسلّم المنتظرون على إمامهم، عن جميع المؤمنين والمؤمنات في جميع أنحاء العالم، من خلال قراءة هذا الدعاء في بداية صبيحة كلّ يوم.



                  51


                  32

                  3. إبلاغ السلام


                  وهذه الفقرة من الدعاء تُظهر أنّ طلب الإمام لأجل الحاجة الشخصيّة أمر خاطئ، فالمنتظِر الواقعيّ لديه مشاعر عالميّة، ومثل هذا الانتظار هو انتظار إيجابيّ وفعّال.



                  كيف يبلِّغ المنتظِرُ سلامه للإمام؟

                  يَطلب المنتظِر من الله تعالى إبلاغ السلام والتحيّة لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، في اثنتي عشرة فقرة:

                  1- اللَّهُمَّ بَلِّغْ مَوْلانَا الْإِمَامَ الْهَادِيَ الْمَهْدِيَّ الْقَائِمَ بِأَمْرِكَ

                  إنّ للأشخاص العظماء والمشهورين أسماءً وألقاباً وكنىً مختلفة وواقعيّة، وكل واحد منها يعكس بعداً من أبعاد شخصيّتهم ووجودهم.



                  لذلك، عندما تُبيّن الأدعية والزيارات أسماءً وألقاباً متعدّدة للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، نستكشف منها أنّ الأبعاد الوجوديّة للإمام متعدّدة وذات حقيقة. وقد أُشير في هذه الفقرة إلى خمس خصائص للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، سنوضّحها في العناوين الآتية:

                  أ- المولى

                  كلمة المولى مشتقّة من مادة (و-ل-ي). وهذه الكلمة هي من أكثر الكلمات استعمالاً في القرآن الكريم، بأشكال مختلفة.

                  والمعنى الأصليّ لهذه الكلمة هو المتولِّي للأمور، وسائر المعاني الأخرى التي تُذكر لهذه الكلمة تستفاد من القرينة.



                  والإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف هو "مولانا"، فله الولاية علينا، وهو المتولِّي لأمورنا.



                  عندما تُبيّن الأدعية والزيارات أسماءً وألقاباً متعدّدة للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، نستكشف منها أنّ الأبعاد الوجوديّة للإمام متعدّدة وذات حقيقة.



                  52

                  33

                  3. إبلاغ السلام


                  "الإمام" ليس هادياً فحسب، بل "إمام"، وليس متولّياً للأمور فحسب، بل "إمام"، ما يعني أنّ في عمله وعبادته، أكله وحربه، سكوته وكلامه، "درساً وأسوة"



                  ب- الإمام:

                  الله تعالى هو الذي جعل الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف إماماً. و"الإمام" ليس هادياً فحسب، بل "إمام"، وليس متولّياً للأمور فحسب، بل "إمام"، ما يعني أنّ في عمله وعبادته، أكله وحربه، سكوته وكلامه، "درساً وأسوة".



                  و"الإمام" هو التجسيد العينيّ للأقوال والنظريّات، وهو الذي يحوّل الأطروحات الذهنيّة للإسلام إلى حقائق خارجيّة، والتصوّرات إلى واقعيّات، والخيال إلى حقيقة، ويبيّن أنّ الإسلام ليس اسماً بلا مسمّى.



                  و"الإمام" بما يحمل من صفات وأفكار وأعمال هو دائماً "إمام"، في جميع الأوقات وبالنسبة إلى كلّ الأفراد، كما هي الحال في إبراهيم عليه السلام الذي لا زال حتّى الآن إماماً.



                  ما أجمل هذا التعبير! وما أحلى هذا المقام! وما أروع هذه الكلمة! "إمام". وهي كلمة جامعة وذات محتوى إلى درجة أنّ الكلمات الأخرى من قبيل: المعلّم، المرشد، الهادي، المبلّغ، الواعظ، ليس لها هذا المعنى، وهي تدلّ على التعليم والإرشاد، لا على الحركة والاتّباع، لكنّ "الإمام" هو الشخص الذي يسير ويكون مقدَّماً من الناحية العمليّة، والآخرون يتبعونه ويسيرون خلفه.



                  ج- الهادي:

                  الشخص الوحيد الذي تجري الهداية على يديه هو خاتم الأوصياء الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، يقول تعالى في سورة الرعد (الآية 7): ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾.



                  53

                  34

                  3. إبلاغ السلام


                  وبما أنّ النبوّة قد خُتمت، فالله تعالى يُتمّ الحجّة على جميع خلقه، ولا يخلي الأرض من حجّة ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾. وقد جاء في التفاسير كـ"مجمع البيان" و"كنز الدقائق" حديث يبيّن أن المراد بالـ: ﴿هَادٍ﴾. هم الأئمّة المعصومون عليهم السلام. وفي زماننا الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف الهادي الوحيد للعالَم من قبل الله تعالى.



                  د- المهديّ:

                  أحد الألقاب المشهورة لإمام الزمان هو "المهديّ". وهو بمعنى صاحب الهداية ومن لديه الهداية. وفي الواقع هو التجلّي الواقعيّ لهداية الناس في أهمّ مقاطع التاريخ البشريّ. فالإمام هو الموصِل لجميع الناس إلى أوج الكمال والتعالي، والمُنجي لهم من الغرق في مهاوي الضلال والفساد.



                  جاء في الرواية: "إنّما سُمّي القائم مهديّاً لأنّه يهدي إلى أمر مضلول عنه..."[1]. وعن الإمام الصادق عليه السلام -أيضاً- أنّه قال: "لأنّه يهدي إلى كلّ أمر خفيّ"[2].



                  وعليه، فالإمام الثاني عشر يمكنه هداية الجميع وإرشادهم للوصول إلى قمّة الحقيقة والإيمان، كما جاء في حديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال لعليّ عليه السلام: "يا عليّ، لو لم يبقَ من الدنيا إلّا يوم واحد، لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يملك رجل من عترتك، يُقال له المهديّ، يهدي إلى الله عزّ وجل..."[3].



                  هـ- القائم:

                  أحد أهمّ ألقاب الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وأشهرها هو "القائم". وسُمّي




                  [1] الإرشاد، المفيد، ج 2، ص383.

                  [2] الغيبة، الطوسي، ص471, الغيبة، النعمانيّ، ص237.

                  [3] دلائل الإمامة، الطبري الإماميّ، ص469.





                  54

                  35

                  3. إبلاغ السلام


                  بذلك لأنّه يقوم مقابل الانحرافات وأنواع الظلم الموجودة، السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، ويعمل ضدّ الظالمين والفاسدين. في هذه المدة الطويلة كلّها، الإمام جاهز للنهضة العالميّة، والقتال ضدّ الأعداء، وهو بشكل دائم في حال انتظار للقيام.



                  يجب أن يعلم المنتظرون، أنّ إحدى الآفات التي تلاحقهم هي الغفلة عن الإمام، ويحتمل أن تصل ببعض الأفراد المعتقدين بإمام الزمان، فيقعون في بلاء نسيان الحجّة الحيّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وفي رواية عن الإمام الجواد عليه السلام أنّه سئل: يا بن رسول الله، لم سمّي القائم؟ قال عليه السلام: "لأنّه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته"[1].



                  وعلى هذا الأساس، يجب أن يعلم المنتظرون، أنّ إحدى الآفات التي تلاحقهم هي الغفلة عن الإمام، ويحتمل أن تصل ببعض الأفراد المعتقدين بإمام الزمان، فيقعون في بلاء نسيان الحجّة الحيّعجل الله تعالى فرجه الشريف.



                  2- صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ

                  من الوظائف والتكاليف المتعلّقة بالعباد تجاه الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، الصلاة عليه[2]. وبالالتفات إلى الآية الكريمة: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[3], يتضح:

                  أ- إنّ الله تعالى يصلّي على نبيّه. وهذه الصلوات التي هي جمع صلاة، عندما تُنسب إلى الله تعالى تأتي بمعنى إنزال الرحمة، وعندما تُنسب إلى الملائكة والمؤمنين تأتي بمعنى طلب الرحمة[4].



                  [1] كمال الدين وتمام النعمة، الصدوق، ص378.

                  [2] مكيال المكارم، محمّد تقيّ الأصفهانيّ، ج 2، ص373، الوظيفة الإحدى والأربعون، وقد بيَّن في هذا المجال مطالب قيّمة.

                  [3] سورة الأحزاب، الآية: 56.

                  [4] المفردات، الراغب الأصفهانيّ، مادة: "صل".



                  55

                  36

                  3. إبلاغ السلام


                  ب- من تعبير "يصلون"، الذي هو فعل مضارع دالّ على الاستمرار، يُفهم أنّ الله تعالى يصلّي عليه، وينزل رحمته عليه دائماً وبلا انقطاع[1].



                  ج- العلاقة بين الناس والقائد في الحكومة الإلهية هي الصلوات والسلام: العلاقة القلبيّة ليست كافية، بل من اللازم إظهارها، فالله تعالى يخاطب نبيَّه في كتابه: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾[2].



                  وهذه الآية توصي الناس بأن يصلّوا على النبيّ. نعم، العلاقة في الإسلام بين الناس والقائد هي علاقة الصلوات والسلام، كما ورد في (الآية 54) من سورة الأنعام من أنّ الله تعالى يأمر نبيّه بالسلام على من يأتيه: ﴿وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ﴾.



                  وعليه، فالصلوات الإلهية على الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بمعنى إرسال الرحمة والبركة الدائمة والمستمرّة.



                  وهذه الصلوات نجدها كثيراً في الأدعية:

                  ففي دعاء الافتتاح، نطلب من الله تعالى: "اللهمّ، وصلِّ على وليِّ أمرك القائم"، وفي دعاء عيد الفطر -أيضاً- ندعو: "اللهمَّ صلِّ على وليّك المنتظَر"، وفي صبيحة كلّ يوم جمعة، نسأل الله تعالى في دعاء الندبة: "اللهمَّ صلِّ على حجّتك ووليّ أمرك"، وفي دعاء الصلوات نقول أيضاً: "اللهمَّ صلِّ على وليّك وابن أوليائك"[3].




                  [1] راجع: تفسير الأمثل، ناصر مكارم الشيرازيّ، حيث ذكر بحثاً مفصّلاً في ذيل الآية الشريفة، أيضاً: الأنوار الساطعة، ج 5، ص527.

                  [2] سورة التوبة، الآية: 103.

                  [3] مصباح المتهجِّد، الطوسيّ، ص45.



                  56

                  37

                  3. إبلاغ السلام


                  - لماذا نصلّي على المعصوم؟

                  تعليق


                  • #10
                    - لماذا نصلّي على المعصوم؟

                    سئل المرحوم الطباطبائيّ: إنّ المعصوم لا يحتاج إلى الصلوات، فلماذا نصلّي عليه؟ فأجاب ذلك العالم الحكيم: إّن الصلوات التي نصلّيها:

                    أوّلاً: نحن لا نهدي شيئاً، بل نسأل الله تعالى ونطلب منه أن ينزل رحمته على النبيّ وأهل بيته عليهم السلام.



                    ثانياً: صحيح أنّ هؤلاء الصفوة ليسوا محتاجين إلينا، لكنّهم محتاجون إلى الذات الإلهيّة المقدّسة، ولا بد من نزول الفيض الإلهيّ عليهم.



                    نحن بهذه الصلوات نقترب من هؤلاء الصفوة، كما لو أنّ بستانيّاً كان يعمل لدى صاحب بستان، وكلّ ما فيه من ورود وأزهار وفاكهة هو ملك لصاحب البستان، وكان يتقاضى أجره على عمله عنده، لكنّه في يوم العيد جاءه بباقة من الورود اقتطفها من البستان وبحضور صاحب البستان نفسه، وقدّمها إليه، فهل عمله هذا يوجب تقرّبه من صاحب البستان أو لا؟ من المسلَّم أنّه يوجب ذلك، فهذا العمل دليل أدب البستانيّ.



                    الصلوات - أيضاً - إثباتٌ لأدبنا، وإلّا فليس هناك شيء منّا، بل نسأل الذات الإلهيّة المقدّسة أن يزيد من مراتب هؤلاء العظماء ودرجاتهم، وهذا الأدب نفسه الذي نقدّمه، هو بالنسبة إلينا تقرُّبٌ إليهم[1].



                    أسرار الصلوات في مقام الدعاء

                    أسرار الصلوات وفوائدها، خصوصاً في مقام الدعاء، كثيرة ومتعددة، حيث يعلِّمنا الإمام زين العابدين وسيّد الساجدين عليه السلام هذا النوع من الأسلوب في الدعاء.



                    [1] توصيه ها، برسش ها وباسخ ها، ص78.



                    57

                    38

                    3. إبلاغ السلام


                    أحد أسرار الصلوات هي أنّ الرحمة عندما تنزل على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، تصل إلى غيره أيضاً، حيث هو مجرى الفيض، وإذا كان من خير يصل إلى الآخرين، فإنّه ينزل أوّلاً عليه وهو الرحمة الخاصّة، ثمّ يصل إلى الآخرين.



                    يقول المرحوم العلّامة الطباطبائيّ:

                    معنى الصلوات على محمّد وآل محمّد، هو: اللهمّ أنزل رحمتك عليهم كي تصل إلينا، وإذا أردت أن ترسل رحمة فأرسلها إلى أولئك الصفوة أوّلاً ثمّ تصل إلى الآخرين. وطلب الرحمة يستلزم إجابة الدعاء[1].



                    لذا، مضافاً إلى كون الصلوات توجب الرحمة الإلهيّة لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، فإنّ آثارها تتوجّه إلى أطراف العالم، كما ورد ذلك في كيفيّة السلام عليه في السرداب المقدّس:

                    "اللهمّ صلّ عليه صلاةً تظهر بها حجّته، وتوضح بها بهجته، وترفع بها درجته، وتؤيّد بها سلطانه، وتعظّم بها برهانه، وتشرّف بها مكانه، وتعلي بها بنيانه، وتعزّ بها نصره، وترفع بها قدره، وتسمّي بها ذكره، وتظهر بها كلمته، وتكثر بها نصرته، وتعزّ بها دعوته، وتزيده بها إكراماً، وتجعله للمتّقين إماماً، وتبلّغه في هذا المكان، مثل هذا الأوان، وفي كلّ مكان وأوان، منّا تحيّةً وسلاماً، لا يبلى جديده، ولا يفنى عديده"[2].



                    تَكرار لا يخلو من حكمة

                    وهنا التفاتة أخرى، وهي أنّ مجيء لفظ الصلوات بصيغة الجمع




                    [1] توصيه ها، برسش ها وباسخ ها، ص96.

                    [2] بحار الأنوار، المجلسيّ، ج 99، ص85.



                    58

                    39

                    3. إبلاغ السلام


                    وتَكرار لفظ "على" لا يخلو من حكمة، وهو ما سنوضحه في المقطع الآتي:

                    3- وَعَلَى آبَائِهِ الطَّاهِرِينَ

                    يستفاد من عبارة: "وعلى آبائه الطاهرين" أنّه في السلام على الإمام المهديّعجل الله تعالى فرجه الشريف لا ينبغي الغفلة عن آبائه وأجداده عليهم السلام، فالإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف هو في الحقيقة استمرار للرسالة والولاية. وفي الرؤية الإسلاميّة، ثمّة للسابقين قيمةٌ ومقامٌ عالٍ: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾[1].



                    ومن الثابت في أدبيّات اللغة العربيّة، أنّ تَكرار حرف الجرّ هو بحكم تَكرار العامل. وتوضيح ذلك: أنّه في هذا الدعاء، يطلب الداعي الرحمات الإلهيّة للإمام المهديّعجل الله تعالى فرجه الشريف دفعةً واحدة، ثمّ بتَكرار لفظ "على" يطلب هذه الرحمات الإلهيّة لآباء إمام الزمان وأجداده, لأنّ مقام حياتهم مختلف عن مقام مماتهم الظاهريّ، والإمام المهديّ هو الوحيد الحيّ والحاضر.



                    في الصلاة على النبيّ وأهل بيته عليهم السلام "اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد"، جاءت كلمة "الصلاة" مفردة، ولم يتكرّر لفظ "على" قبل "آل محمّد". أمّا في هذا الدعاء، فجاءت على صيغة الجمع "صلواتك"، وكذلك تكرّر حرف الجرّ "صلواتك عليه وعلى آبائه". والداعي يمكنه طلب الرحمة دفعة واحدة للإمام الحيّ والحاضر، ودفعة أخرى للأئمّة الذين قبله. مع الالتفات إلى أنّ كلّ إمام له وظيفته الخاصّة والمعيّنة التي أوكلت إليه، وهذا التنوّع في الوظائف يتطلّب تنوّعاً في الرحمات والبركات والفيوضات. والداعي بذكره للفظ الصلوات بصيغة الجمع، يريدها ويطلبها للإمام المهديّعجل الله تعالى فرجه الشريف، وكذلك لسائر الأئمّة عليهم السلام.



                    [1] سورة الواقعة، الآيتان: 10-11.



                    59

                    40

                    3. إبلاغ السلام


                    إذا توجّهنا للزيارة، علينا أن نأتي بالزيارة نيابةً عن جميع المؤمنين والمؤمنات، وإذا تصدّقنا نقول: هذه الصدقة لدفع البلاء عن جميع المؤمنين والمؤمنات



                    4- عَنْ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ

                    في دعاء العهد، يسلّم جميع المؤمنين على الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف, فالعلاقة هي علاقة جمعيّة وعالميّة. لذا، على المنتظِر أن يعلم أنّ أعمال الخير لا بدّ من أن تؤخذ بنظرة عالميّة، وليست شخصيّة أو محلّيّة أو قوميّة أو عائليّة.



                    وإذا توجّهنا للزيارة، علينا أن نأتي بالزيارة نيابةً عن جميع المؤمنين والمؤمنات، وإذا تصدّقنا نقول: هذه الصدقة لدفع البلاء عن جميع المؤمنين والمؤمنات، ولا نقول في دعائنا: إلهي! ارحم المؤمنين الذين يصلّون في هذا المسجد، بل ندعو للمؤمنين الذين يصلّون في سائر المساجد، فلماذا التعصّب؟ ألستَ تنتظر إماماً عالميّاً؟



                    إذاً، المنتظِر الذي ينتظر الإصلاح العامّ، لا بدّ من أن يفكّر بطريقة عامّة أيضاً، عن جميع المؤمنين والمؤمنات.



                    5- فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا

                    تبرز في هذا الدعاء مسألة حذف الحدود والشروط، فالعلاقة المطلوبة علاقة بلا حدود. في هذا الدعاء يسلّم المؤمنون على إمامهم من مشارق الأرض ومغاربها، فالعلاقة هي علاقة بدون حدود.

                    ورد في القرآن الكريم حول المشرق والمغرب تعابير ثلاثة:

                    بصورة مفردة: ﴿الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾[1].

                    وبصورة التثنية: ﴿... الْمَشْرِقَيْنِ ... الْمَغْرِبَيْنِ﴾[2].

                    وبصورة الجمع: ﴿الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ﴾[3].



                    [1] سورة البقرة، الآية: 115.

                    [2] سورة الرحمن، الآية: 17.

                    [3] سورة المعارج، الآية: 40.



                    60

                    41

                    3. إبلاغ السلام


                    وهذه التعابير الثلاثة صحيحة, لأنّه بنظرة عامّة كلّيّة يوجد من جهةٍ "مشرق" ومن جهةٍ ثانيةٍ "مغرب", وبنظرة أخرى، يتغيّر المدار بين الصيف والشتاء، فمدار الصيف يكون في الشمال، ومدار الشتاء يكون في الجنوب، فالشمس لها مشرقان ومغربان, وبنظرة أدقّ: كلّ يوم توجد نقطة طلوع ونقطة غروب، فيوجد في الواقع 365 مشرقاً، و365 مغرباً. وهناك حديث عن أمير المؤمنين عليه السلام يؤيّد ذلك أيضاً.



                    6- سَهْلِهَا وَجَبَلِهَا

                    يمكن للمؤمنين والمؤمنات الإقامة والسكنى في جميع أنحاء الأرض. وأتباع أهل البيت عليهم السلام يتعلّمون من هذا الدعاء عدم الاعتناء بالبعد الجغرافيّ الخاصّ، وأن يتذكّروا الجميع، وأن يكونوا بعيدي النظر.



                    7- وَبَرِّهَا وَبَحْرِهَا

                    كم هو مربٍّ هذا الدعاء! بقراءة هذا الكلام أعلن أنِّي أستحضر بفكري الجميع، في البرّ والبحر، في السهل والجبل، في المشرق والمغرب, وهذا يعني بتعابير مختلفة، وجميلة جدّاً: أنّ العلاقة مع الآخرين لا يحدّها حدّ.



                    8- وَعَنِّي وَعَنْ وَالِدَيَّ

                    إشراك الوالدين في الأدعية والزيارات هو من الأمور الجميلة في مذهبنا، فأنا أسلِّم على إمام الزمان عني وعن والديّ، يعني أن العلاقة لا تقف عند تاريخ محدَّد، فأرسل إليه عبق السلام عنّي وعن أجدادي الذين عاشوا ومضوا سابقاً.



                    9- مِنَ الصَّلَوَاتِ زِنَةَ عَرْشِ اللهِ

                    العلاقة بالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف لا يمكن حصرها وإحصاؤها, لأنّ هذا الدعاء



                    61

                    42

                    3. إبلاغ السلام


                    يتحدّث عن علاقة بزِنَة عرش الله، حيث لا أحد يعلم عنه شيئاً.



                    يا إمام الزمان! السلام عليك بعدد زِنَة العرش، بعدد كلّ شيء أُحصي في الكتاب، بعدد كلّ شيء أحاط به علمه تعالى.



                    نحن، عندما نشكر الله نقول: اللهمّ أشكرك مئة ألف مرة! مئة ألف مرّة ليست بشيء، هي بمثابة ما يوضع في كفّ اليد. وأنت القائل: أشكرك مئة ألف مرّة، تريد أن تقول: اللهمّ، انظر كم رفعنا الشكر إليك، بقدر مئة ألف مرّة، وهذه المئة ألف ليست بشيء.



                    إحدى بنات الإمام الحسين الصغيرات، التي استُشهد أبوها في أرض كربلاء وأُخذت أسيرة، وأُدخلت على ابن زياد ويزيد، وعندما سئلت: كيف هي الحال؟ لم تقل: الحمد لله مائة ألف مرّة، بل قالت: الحمد لله عدد الرمل والحصى.



                    طفلة صغيرة تقول: بعدد الرمل والحصى، ونحن ماذا نقول؟ مئة ألف مرّة، فما أصغر فكرِنا إذاً!



                    ما هو العرش؟

                    تعليق

                    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                    حفظ-تلقائي
                    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                    x
                    يعمل...
                    X