ما هو العرش؟
أشير في القرآن الكريم عشرون مرّة إلى "عرش الله". وفي اللغة "العرش" بمعنى المكان المُعَدّ للجلوس ذي القوائم المرتفعة، والكرسيّ هو المقعد المُعَدّ للجلوس ذي القوائم المنخفضة.
عندما نقرأ: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾, يعني كرسيّه يسع هذا الوجود، فكيف بعرشه؟
و"العرش" إمّا كناية عن مركز القدرة الإلهيّة، وإمّا مركز صدور الأحكام الإلهيّة. والمراد من حاملي العرش, الملائكة الذين عددهم ثمانية، كما تحدّثت الآية الكريمة: ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ﴾[1].
[1] سورة الحاقة، الآية: 17.
62
43
3. إبلاغ السلام
قيل: إنّ حقيقة العرش ليست واضحة لدينا، ولكن من مجموع الآيات يمكن استفادة هذا المعنى: إنّ عالم الوجود له مركز، والله سبحانه لديه إحاطة كاملة بهذا المركز: ﴿اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾. وإجراء الإرادة الإلهيّة يكون عن طريق الملائكة المحيطين بمركز الأمر.
عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "العرش هو العلم الذي أطلع الله عليه أنبياءه ورسله"[1].
ذكرت الآيات التي تعرضت للعرش أموراً إلى جانبه، توصل الإنسان من خلال جمعها إلى مركز الأمر، نظير:
﴿اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾[2], ﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ﴾[3], ﴿يُفَصِّلُ الآيَاتِ﴾[4], ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا﴾[5].
تبديل الليل بالنهار، وتدبير الأمور، وتفصيل الآيات، والعلم بجميع ذرّات الوجود، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، دليلٌ على أنّ جميع هذه الأمور تقع في العرش الإلهيّ.
يقول المرحوم العلامة الطباطبائيّ قدس سره: العرش حقيقة من الحقائق العينيّة، وأمر من الأمور الخارجيّة. ويرى قدس سره أنّ العرش مركز تدبير أمور العالم[6].
[1] معاني الأخبار، الصدوق، ص29.
[2] سورة الأعراف، الآية: 54.
[3] سورة يونس، الآية: 3.
[4] سورة الرعد، الآية: 2.
[5] سورة الحديد، الآية: 4.
[6] الميزان في تفسير القرآن، الطباطبائيّ، ج 8، ص156- 158.
63
44
3. إبلاغ السلام
وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "العرش والكرسيّ بابان من أكبر أبواب الغيوب"[1].
والمراد من "العرش" ليس تختاً أو سريراً جسمانيّاً, لكونه لا يعلو فوق الماء، والله تعالى يقول: ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء﴾[2], بل المراد أنّه في الوقت الذي لم يكن هناك أرض ولا سماء، وكان العالم كلّه ماءً، كان مركز الأمر الإلهيّ على الماء، ثمّ بعد خلق السماوات والأرض انتقل مركز أمر العالم إلى السماوات.
10- وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ
يقول تعالى في سورة لقمان (الآية 27): ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.
ولعلّ المراد بـ "سبعة أبحر" في هذه الآية هو الكثرة، ولا خصوصيّة للعدد سبعة, فيكون المعنى: لو أنّ جميع ماء البحار مُزج بعضه ببعض، فلا يمكن أن تنفد كلمات الله أيضاً.
إنّ منهج الأنبياء عليهم السلام هو إخراج الإنسان من السذاجة والمحدوديّة، وربطه باللامتناهي.
وفي (الآية 109) من سورة الكهف، نقرأ أيضاً: ﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾.
معنى "كلمة الله" في القرآن
أمّا "كلمة الله" التي وردت في هذا الدعاء، فقد أُشير إليها في القرآن الكريم في الموارد الآتية:
[1] التوحيد، الصدوق، ص321.
[2] سورة هود، الآية: 7.
64
45
3. إبلاغ السلام
1- النعم الإلهيّة: ﴿لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي﴾[1].
2- السُنَن الإلهيّة: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ﴾[2], ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾[3].
3- المخلوق الإلهيّ الخاصّ: ﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ﴾[4].
4- الحوادث التي يُبتلى بها الإنسان: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ﴾[5].
5- الآيات الإلهيّة في حقّ السيدة مريم عليها السلام: ﴿وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا﴾[6].
6- أسباب انتصار الحق على الباطل: ﴿وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾[7], ﴿وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ﴾[8].
نستفيد من جميع ما تقدّم، أنّ المراد من "الكلمة" ليس اللفظ فقط، بل المراد السنن، والمخلوقات، والإرادة والألطاف الإلهيّة التي تتجلّى في الوجود.
[1] سورة الكهف، الآية: 109.
[2] سورة الصافات، الآيتان: 171 - 172.
[3] سورة الشورى، الآية: 21.
[4] سورة النساء، الآية: 171.
[5] سورة البقرة، الآية: 124.
[6] سورة التحريم، الآية: 12.
[7] سورة الأنفال، الآية: 7.
[8] سورة الشورى، الآية: 24.
65
46
3. إبلاغ السلام
وعليه، لو أنّ جميع الأشجار كانت أقلاماً، وجميع البحار مزجت بعضها ببعض، ما نفدت كلمات الله, فمخلوقات الله وألطافه وسننه عبر التاريخ لا يمكن أن تنفد، سواءٌ التي وجدت للإنسان أو لجميع المخلوقات.
وفي الرواية عن الإمام الكاظم عليه السلام أنّه قال: "نحن الكلمات التي لا تُدرك فضائلنا ولا تُستقصى"[1].
نعم، إنّ أولياء الله هم وسائط الفيض من جهة الذات المقدّسة، وكلّ لطف أو كمال يصل إلى الآخرين إنّما هو بوساطة هؤلاء العظماء.
11- وَمَا أَحْصَاهُ عِلْمُهُ
العدّ والإحصاء بمعنى واحد، إلّا أنّ الإحصاء يكون مع الدقّة بحيث لا يفوت القلم شيء. والله تعالى يعلم كلّ شيء بدقّة، حتّى عدد أنفاس الخلائق التي تنفّستها أو تتنفسها.
نقرأ في سورة مريم (الآية 84): ﴿فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا﴾, أي لا تعجل بعذابهم فنحن نحصي لهم اليوم والساعات والأعمال وحتّى النفَس، إلى أن يأتي ميعادهم.
وعن عبد الأعلى مولى آل سامّ، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: قول الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا﴾, قال: ما هو عندك؟ قلت: عدد الأيّام، قال: "إنّ الآباء والأمّهات يحصون ذلك، لا ولكنّه عدد الأنفاس"[2].
وجاء في سورة مريم (الآية 94): ﴿لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا﴾.
[1] تفسير نور الثقلين، الحويزيّ، ج 5، ص788.
[2] الكافي، الكلينيّ، ج 3، ص259.
66
47
3. إبلاغ السلام
وعلى هذا الأساس، فإنّ الإحصاء الدقيق لكلّ أجزاء الوجود بيده تبارك وتعالى، وعلم الله تعالى لا يحيط بالكلّيّات فقط، بل يحيط بالجزئيّات أيضاً.
12. وَأَحَاطَ بِهِ كِتَابُهُ
الله تعالى عالم بكلّ شيء، وفي الأحوال كلّها، ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾[1], فهو محيط بكل شيء، أمّا سواه: ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء﴾[2].
ونقرأ في سورة النساء (الآية 126): ﴿ وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطًا﴾.
نعم، الله تعالى لديه إحاطة كاملة بجميع مخلوقاته، وهي إحاطة قهر وتسخير، وإحاطة علم وتدبير، وإحاطة خلق وتغيير.
وجاء في سورة الأنعام أيضاً: ﴿ وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ﴾[3].
وعن الإمام الصادق عليه السلام حول هذه الآية أنّه قال: "محيط بما خلق علماً وقدرةً وإحاطةً وسلطاناً وملكاً"[4].
إنّ ذكر هذا المقطع، والتوجّه به في هذا الدعاء، أمران مهمّان, لأنّ الإيمان بالإحاطة العلميّة لله تعالى، باعثٌ على العمل الحسن من جهة، وزاجر عن العمل السيّئ من جهة أخرى. لذا، اهتمّ القرآن الكريم كثيراً بهذا الأمر: ﴿يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ﴾[5].
[1] سورة البقرة، الآية: 255.
[2] الآية نفسها.
[3] سورة الأنعام، الآية: 3.
[4] التوحيد، الصدوق، ص133.
[5] سورة الأنعام، الآية: 3.
67
48
3. إبلاغ السلام
أشير في القرآن الكريم عشرون مرّة إلى "عرش الله". وفي اللغة "العرش" بمعنى المكان المُعَدّ للجلوس ذي القوائم المرتفعة، والكرسيّ هو المقعد المُعَدّ للجلوس ذي القوائم المنخفضة.
عندما نقرأ: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾, يعني كرسيّه يسع هذا الوجود، فكيف بعرشه؟
و"العرش" إمّا كناية عن مركز القدرة الإلهيّة، وإمّا مركز صدور الأحكام الإلهيّة. والمراد من حاملي العرش, الملائكة الذين عددهم ثمانية، كما تحدّثت الآية الكريمة: ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ﴾[1].
[1] سورة الحاقة، الآية: 17.
62
43
3. إبلاغ السلام
قيل: إنّ حقيقة العرش ليست واضحة لدينا، ولكن من مجموع الآيات يمكن استفادة هذا المعنى: إنّ عالم الوجود له مركز، والله سبحانه لديه إحاطة كاملة بهذا المركز: ﴿اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾. وإجراء الإرادة الإلهيّة يكون عن طريق الملائكة المحيطين بمركز الأمر.
عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "العرش هو العلم الذي أطلع الله عليه أنبياءه ورسله"[1].
ذكرت الآيات التي تعرضت للعرش أموراً إلى جانبه، توصل الإنسان من خلال جمعها إلى مركز الأمر، نظير:
﴿اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾[2], ﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ﴾[3], ﴿يُفَصِّلُ الآيَاتِ﴾[4], ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا﴾[5].
تبديل الليل بالنهار، وتدبير الأمور، وتفصيل الآيات، والعلم بجميع ذرّات الوجود، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، دليلٌ على أنّ جميع هذه الأمور تقع في العرش الإلهيّ.
يقول المرحوم العلامة الطباطبائيّ قدس سره: العرش حقيقة من الحقائق العينيّة، وأمر من الأمور الخارجيّة. ويرى قدس سره أنّ العرش مركز تدبير أمور العالم[6].
[1] معاني الأخبار، الصدوق، ص29.
[2] سورة الأعراف، الآية: 54.
[3] سورة يونس، الآية: 3.
[4] سورة الرعد، الآية: 2.
[5] سورة الحديد، الآية: 4.
[6] الميزان في تفسير القرآن، الطباطبائيّ، ج 8، ص156- 158.
63
44
3. إبلاغ السلام
وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "العرش والكرسيّ بابان من أكبر أبواب الغيوب"[1].
والمراد من "العرش" ليس تختاً أو سريراً جسمانيّاً, لكونه لا يعلو فوق الماء، والله تعالى يقول: ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء﴾[2], بل المراد أنّه في الوقت الذي لم يكن هناك أرض ولا سماء، وكان العالم كلّه ماءً، كان مركز الأمر الإلهيّ على الماء، ثمّ بعد خلق السماوات والأرض انتقل مركز أمر العالم إلى السماوات.
10- وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ
يقول تعالى في سورة لقمان (الآية 27): ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.
ولعلّ المراد بـ "سبعة أبحر" في هذه الآية هو الكثرة، ولا خصوصيّة للعدد سبعة, فيكون المعنى: لو أنّ جميع ماء البحار مُزج بعضه ببعض، فلا يمكن أن تنفد كلمات الله أيضاً.
إنّ منهج الأنبياء عليهم السلام هو إخراج الإنسان من السذاجة والمحدوديّة، وربطه باللامتناهي.
وفي (الآية 109) من سورة الكهف، نقرأ أيضاً: ﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾.
معنى "كلمة الله" في القرآن
أمّا "كلمة الله" التي وردت في هذا الدعاء، فقد أُشير إليها في القرآن الكريم في الموارد الآتية:
[1] التوحيد، الصدوق، ص321.
[2] سورة هود، الآية: 7.
64
45
3. إبلاغ السلام
1- النعم الإلهيّة: ﴿لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي﴾[1].
2- السُنَن الإلهيّة: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ﴾[2], ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾[3].
3- المخلوق الإلهيّ الخاصّ: ﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ﴾[4].
4- الحوادث التي يُبتلى بها الإنسان: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ﴾[5].
5- الآيات الإلهيّة في حقّ السيدة مريم عليها السلام: ﴿وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا﴾[6].
6- أسباب انتصار الحق على الباطل: ﴿وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾[7], ﴿وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ﴾[8].
نستفيد من جميع ما تقدّم، أنّ المراد من "الكلمة" ليس اللفظ فقط، بل المراد السنن، والمخلوقات، والإرادة والألطاف الإلهيّة التي تتجلّى في الوجود.
[1] سورة الكهف، الآية: 109.
[2] سورة الصافات، الآيتان: 171 - 172.
[3] سورة الشورى، الآية: 21.
[4] سورة النساء، الآية: 171.
[5] سورة البقرة، الآية: 124.
[6] سورة التحريم، الآية: 12.
[7] سورة الأنفال، الآية: 7.
[8] سورة الشورى، الآية: 24.
65
46
3. إبلاغ السلام
وعليه، لو أنّ جميع الأشجار كانت أقلاماً، وجميع البحار مزجت بعضها ببعض، ما نفدت كلمات الله, فمخلوقات الله وألطافه وسننه عبر التاريخ لا يمكن أن تنفد، سواءٌ التي وجدت للإنسان أو لجميع المخلوقات.
وفي الرواية عن الإمام الكاظم عليه السلام أنّه قال: "نحن الكلمات التي لا تُدرك فضائلنا ولا تُستقصى"[1].
نعم، إنّ أولياء الله هم وسائط الفيض من جهة الذات المقدّسة، وكلّ لطف أو كمال يصل إلى الآخرين إنّما هو بوساطة هؤلاء العظماء.
11- وَمَا أَحْصَاهُ عِلْمُهُ
العدّ والإحصاء بمعنى واحد، إلّا أنّ الإحصاء يكون مع الدقّة بحيث لا يفوت القلم شيء. والله تعالى يعلم كلّ شيء بدقّة، حتّى عدد أنفاس الخلائق التي تنفّستها أو تتنفسها.
نقرأ في سورة مريم (الآية 84): ﴿فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا﴾, أي لا تعجل بعذابهم فنحن نحصي لهم اليوم والساعات والأعمال وحتّى النفَس، إلى أن يأتي ميعادهم.
وعن عبد الأعلى مولى آل سامّ، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: قول الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا﴾, قال: ما هو عندك؟ قلت: عدد الأيّام، قال: "إنّ الآباء والأمّهات يحصون ذلك، لا ولكنّه عدد الأنفاس"[2].
وجاء في سورة مريم (الآية 94): ﴿لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا﴾.
[1] تفسير نور الثقلين، الحويزيّ، ج 5، ص788.
[2] الكافي، الكلينيّ، ج 3، ص259.
66
47
3. إبلاغ السلام
وعلى هذا الأساس، فإنّ الإحصاء الدقيق لكلّ أجزاء الوجود بيده تبارك وتعالى، وعلم الله تعالى لا يحيط بالكلّيّات فقط، بل يحيط بالجزئيّات أيضاً.
12. وَأَحَاطَ بِهِ كِتَابُهُ
الله تعالى عالم بكلّ شيء، وفي الأحوال كلّها، ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾[1], فهو محيط بكل شيء، أمّا سواه: ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء﴾[2].
ونقرأ في سورة النساء (الآية 126): ﴿ وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطًا﴾.
نعم، الله تعالى لديه إحاطة كاملة بجميع مخلوقاته، وهي إحاطة قهر وتسخير، وإحاطة علم وتدبير، وإحاطة خلق وتغيير.
وجاء في سورة الأنعام أيضاً: ﴿ وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ﴾[3].
وعن الإمام الصادق عليه السلام حول هذه الآية أنّه قال: "محيط بما خلق علماً وقدرةً وإحاطةً وسلطاناً وملكاً"[4].
إنّ ذكر هذا المقطع، والتوجّه به في هذا الدعاء، أمران مهمّان, لأنّ الإيمان بالإحاطة العلميّة لله تعالى، باعثٌ على العمل الحسن من جهة، وزاجر عن العمل السيّئ من جهة أخرى. لذا، اهتمّ القرآن الكريم كثيراً بهذا الأمر: ﴿يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ﴾[5].
[1] سورة البقرة، الآية: 255.
[2] الآية نفسها.
[3] سورة الأنعام، الآية: 3.
[4] التوحيد، الصدوق، ص133.
[5] سورة الأنعام، الآية: 3.
67
48
3. إبلاغ السلام
تعليق