إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

شرح دعاء العهد

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #11
    ما هو العرش؟

    أشير في القرآن الكريم عشرون مرّة إلى "عرش الله". وفي اللغة "العرش" بمعنى المكان المُعَدّ للجلوس ذي القوائم المرتفعة، والكرسيّ هو المقعد المُعَدّ للجلوس ذي القوائم المنخفضة.



    عندما نقرأ: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾, يعني كرسيّه يسع هذا الوجود، فكيف بعرشه؟



    و"العرش" إمّا كناية عن مركز القدرة الإلهيّة، وإمّا مركز صدور الأحكام الإلهيّة. والمراد من حاملي العرش, الملائكة الذين عددهم ثمانية، كما تحدّثت الآية الكريمة: ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ﴾[1].



    [1] سورة الحاقة، الآية: 17.



    62

    43

    3. إبلاغ السلام


    قيل: إنّ حقيقة العرش ليست واضحة لدينا، ولكن من مجموع الآيات يمكن استفادة هذا المعنى: إنّ عالم الوجود له مركز، والله سبحانه لديه إحاطة كاملة بهذا المركز: ﴿اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾. وإجراء الإرادة الإلهيّة يكون عن طريق الملائكة المحيطين بمركز الأمر.



    عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "العرش هو العلم الذي أطلع الله عليه أنبياءه ورسله"[1].



    ذكرت الآيات التي تعرضت للعرش أموراً إلى جانبه، توصل الإنسان من خلال جمعها إلى مركز الأمر، نظير:

    ﴿اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾[2], ﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ﴾[3], ﴿يُفَصِّلُ الآيَاتِ﴾[4], ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا﴾[5].



    تبديل الليل بالنهار، وتدبير الأمور، وتفصيل الآيات، والعلم بجميع ذرّات الوجود، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، دليلٌ على أنّ جميع هذه الأمور تقع في العرش الإلهيّ.



    يقول المرحوم العلامة الطباطبائيّ قدس سره: العرش حقيقة من الحقائق العينيّة، وأمر من الأمور الخارجيّة. ويرى قدس سره أنّ العرش مركز تدبير أمور العالم[6].





    [1] معاني الأخبار، الصدوق، ص29.

    [2] سورة الأعراف، الآية: 54.

    [3] سورة يونس، الآية: 3.

    [4] سورة الرعد، الآية: 2.

    [5] سورة الحديد، الآية: 4.

    [6] الميزان في تفسير القرآن، الطباطبائيّ، ج 8، ص156- 158.



    63

    44

    3. إبلاغ السلام


    وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "العرش والكرسيّ بابان من أكبر أبواب الغيوب"[1].



    والمراد من "العرش" ليس تختاً أو سريراً جسمانيّاً, لكونه لا يعلو فوق الماء، والله تعالى يقول: ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء﴾[2], بل المراد أنّه في الوقت الذي لم يكن هناك أرض ولا سماء، وكان العالم كلّه ماءً، كان مركز الأمر الإلهيّ على الماء، ثمّ بعد خلق السماوات والأرض انتقل مركز أمر العالم إلى السماوات.



    10- وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ

    يقول تعالى في سورة لقمان (الآية 27): ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.



    ولعلّ المراد بـ "سبعة أبحر" في هذه الآية هو الكثرة، ولا خصوصيّة للعدد سبعة, فيكون المعنى: لو أنّ جميع ماء البحار مُزج بعضه ببعض، فلا يمكن أن تنفد كلمات الله أيضاً.



    إنّ منهج الأنبياء عليهم السلام هو إخراج الإنسان من السذاجة والمحدوديّة، وربطه باللامتناهي.



    وفي (الآية 109) من سورة الكهف، نقرأ أيضاً: ﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾.



    معنى "كلمة الله" في القرآن

    أمّا "كلمة الله" التي وردت في هذا الدعاء، فقد أُشير إليها في القرآن الكريم في الموارد الآتية:



    [1] التوحيد، الصدوق، ص321.

    [2] سورة هود، الآية: 7.



    64

    45

    3. إبلاغ السلام


    1- النعم الإلهيّة: ﴿لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي﴾[1].



    2- السُنَن الإلهيّة: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ﴾[2], ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾[3].



    3- المخلوق الإلهيّ الخاصّ: ﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ﴾[4].



    4- الحوادث التي يُبتلى بها الإنسان: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ﴾[5].



    5- الآيات الإلهيّة في حقّ السيدة مريم عليها السلام: ﴿وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا﴾[6].



    6- أسباب انتصار الحق على الباطل: ﴿وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾[7], ﴿وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ﴾[8].



    نستفيد من جميع ما تقدّم، أنّ المراد من "الكلمة" ليس اللفظ فقط، بل المراد السنن، والمخلوقات، والإرادة والألطاف الإلهيّة التي تتجلّى في الوجود.



    [1] سورة الكهف، الآية: 109.

    [2] سورة الصافات، الآيتان: 171 - 172.

    [3] سورة الشورى، الآية: 21.

    [4] سورة النساء، الآية: 171.

    [5] سورة البقرة، الآية: 124.

    [6] سورة التحريم، الآية: 12.

    [7] سورة الأنفال، الآية: 7.

    [8] سورة الشورى، الآية: 24.



    65

    46

    3. إبلاغ السلام


    وعليه، لو أنّ جميع الأشجار كانت أقلاماً، وجميع البحار مزجت بعضها ببعض، ما نفدت كلمات الله, فمخلوقات الله وألطافه وسننه عبر التاريخ لا يمكن أن تنفد، سواءٌ التي وجدت للإنسان أو لجميع المخلوقات.



    وفي الرواية عن الإمام الكاظم عليه السلام أنّه قال: "نحن الكلمات التي لا تُدرك فضائلنا ولا تُستقصى"[1].



    نعم، إنّ أولياء الله هم وسائط الفيض من جهة الذات المقدّسة، وكلّ لطف أو كمال يصل إلى الآخرين إنّما هو بوساطة هؤلاء العظماء.



    11- وَمَا أَحْصَاهُ عِلْمُهُ

    العدّ والإحصاء بمعنى واحد، إلّا أنّ الإحصاء يكون مع الدقّة بحيث لا يفوت القلم شيء. والله تعالى يعلم كلّ شيء بدقّة، حتّى عدد أنفاس الخلائق التي تنفّستها أو تتنفسها.



    نقرأ في سورة مريم (الآية 84): ﴿فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا﴾, أي لا تعجل بعذابهم فنحن نحصي لهم اليوم والساعات والأعمال وحتّى النفَس، إلى أن يأتي ميعادهم.



    وعن عبد الأعلى مولى آل سامّ، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: قول الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا﴾, قال: ما هو عندك؟ قلت: عدد الأيّام، قال: "إنّ الآباء والأمّهات يحصون ذلك، لا ولكنّه عدد الأنفاس"[2].



    وجاء في سورة مريم (الآية 94): ﴿لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا﴾.



    [1] تفسير نور الثقلين، الحويزيّ، ج 5، ص788.

    [2] الكافي، الكلينيّ، ج 3، ص259.



    66

    47

    3. إبلاغ السلام


    وعلى هذا الأساس، فإنّ الإحصاء الدقيق لكلّ أجزاء الوجود بيده تبارك وتعالى، وعلم الله تعالى لا يحيط بالكلّيّات فقط، بل يحيط بالجزئيّات أيضاً.



    12. وَأَحَاطَ بِهِ كِتَابُهُ

    الله تعالى عالم بكلّ شيء، وفي الأحوال كلّها، ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾[1], فهو محيط بكل شيء، أمّا سواه: ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء﴾[2].



    ونقرأ في سورة النساء (الآية 126): ﴿ وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطًا﴾.



    نعم، الله تعالى لديه إحاطة كاملة بجميع مخلوقاته، وهي إحاطة قهر وتسخير، وإحاطة علم وتدبير، وإحاطة خلق وتغيير.



    وجاء في سورة الأنعام أيضاً: ﴿ وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ﴾[3].



    وعن الإمام الصادق عليه السلام حول هذه الآية أنّه قال: "محيط بما خلق علماً وقدرةً وإحاطةً وسلطاناً وملكاً"[4].



    إنّ ذكر هذا المقطع، والتوجّه به في هذا الدعاء، أمران مهمّان, لأنّ الإيمان بالإحاطة العلميّة لله تعالى، باعثٌ على العمل الحسن من جهة، وزاجر عن العمل السيّئ من جهة أخرى. لذا، اهتمّ القرآن الكريم كثيراً بهذا الأمر: ﴿يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ﴾[5].



    [1] سورة البقرة، الآية: 255.

    [2] الآية نفسها.

    [3] سورة الأنعام، الآية: 3.

    [4] التوحيد، الصدوق، ص133.

    [5] سورة الأنعام، الآية: 3.



    67

    48

    3. إبلاغ السلام


    تعليق


    • #12
      3. إبلاغ السلام


      نعم، لله تعالى إحاطة بجميع الناس، ﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ﴾[1]. ونقرأ في سورة الكهف (الآية 91): ﴿كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا﴾, فالإله المستحقّ للعبادة هو الذي يحيط علماً بكلّ شيء: ﴿وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾[2].



      فعلمه تعالى متعلّق بجميع الجزئيّات، وعلمه دقيق: ﴿أَحْصَاهُ اللَّهُ﴾[3], وعلمه حضوريّ: ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾[4], وعلمه لا يعلوه غبار النسيان: ﴿أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ﴾[5], وبوساطة علمه يُطلع الآخرين على أعمالهم التي نسوها: ﴿وَنَسُوهُ﴾[6], ﴿فَيُنَبِّئُهُم﴾[7], كما أنّ الإحاطة العلميّة لله تعالى بكلّ شيء دائمة وأزليّة: ﴿هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا﴾[8], وعلمه دائمي وليس بموسمي "يعلم"، "عليم"، وعلمه تعالى بالسماوات والأرض واحد: ﴿يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾[9].



      الخلاصة

      إنّ علمه تعالى ليس علماً إجماليّاً, بل لديه إحاطة وإحصاء كامل بكلّ شيء.





      [1] سورة الإسراء، الآية: 60.

      [2] سورة طه، الآية: 98.

      [3] سورة المجادلة، الآية: 6.

      [4] الآية نفسها.

      [5] الآية نفسها.

      [6] الآية نفسها.

      [7] الآية نفسها.

      [8] سورة المجادلة، الآية: 7.

      [9] سورة التغابن، الآية 4.



      68

      49

      4. العهد المهدويّ


      اللَّهُمَّ إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِي هذَا،

      وَمَا عِشْتُ مِنْ أَيَّامِي،

      عَهْداً وَعَقْدَاً، وَبَيْعَةً لَهُ فِي عُنُقِي، لا أَحُولُ عَنْهَا وَلا أَزُولُ أَبَداً



      العهد والميثاق مع إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف

      "العهد" في حياة المنتظِر لا بدّ من أن يكون موجوداً بشكل دائم. فعندما تُصمَّم الحياة على أساس الانتظار، فالعهد سيكون دائميّاً ومستمرّاً، والمنتظِر الواقعي هو الذي لا يحول عن عهده مع إمامه.



      إن قراءة هذا الدعاء في صبيحة كلّ يوم توجب أن لا ننسى - أكثر من أيّ أحد - أنّنا عاهدنا إمامنا، ولا بدّ من حفظ هذا العهد, لأنّ هذا العهد أولى من أيّ عهد آخر.



      العهد مع إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف يعني أن تكون الحياة مبنيّة على أساس رضى الإمام المهديّعجل الله تعالى فرجه الشريف. والشخص الذي يمدّ يد البيعة لإمامه، لا يأخذ بعين الاعتبار إلّا رضى إمامه, وعليه فالعمل المبنيّ على أساس التوجُّه وطلب رضى الإمام لا بدّ من أن يكون هو أولويّة المنتظرين.



      مقامات عهد المنتظرين

      في هذا القسم من الدعاء، يبيّن المنتظرون للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف عهدهم في مقامات عدّة:

      1- اللَّهُمَّ إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِي هَذَا



      الميثاق مع الإمام من هدايا يوم الغدير القيّمة, فعندما نصَّب



      71

      50

      4. العهد المهدويّ


      النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الغدير، كان على المسلمين أن يقوموا بوظيفتهم ويبايعوه. كذلك الحال في كلّ واحد من الأئمّة عند تسلُّم الإمامة، كان على الناس أن يبايعوه.



      البيعة مع الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف كانت في التاسع من ربيع الأوّل عام 260 للهجرة (أي بعد شهادة أبيه الإمام العسكريّ عليه السلام)، ومع ذلك يلاحظ في هذا القسم الحديث عن تجديد العهد والبيعة, لأنّ المنتظرين الحقيقيّين هم من يجدّدون العهد والبيعة مع إمام زمانهم في كلّ يوم.



      2- وَمَا عِشْتُ مِنْ أَيَّامِي

      العلاقة مع الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، في هذا الدعاء، تتجدّد دائماً, لأنّ الداعي يقول: "في يومي هذا وفي كلّ يوم".



      أحياناً يقول لك شخصٌ: "أنا أحبّك"، ثمّ يغيب عن الأنظار ولا تعود تسمع له حسّاً. وتارةً، هناك شخصٌ يتّصل بك كلّ يوم ويقول: "فلان، أنا أحبّك".



      في هذا الدعاء، يقول الداعي: أيّها المهديّ الحبيب، اليوم وفي كلّ يوم، أجدّد بيعتي لك.



      72

      51

      4. العهد المهدويّ


      في عهدي وعقدي وبيعتي لإمام زماني لن أسمح لشيء من داخلي أنْ يغيّرني، ولن أضعف أمام أيٍّ من الشدائد والظروف



      3- عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً

      يا إمام زماننا، نحن نعاهدك، بل أكثر من ذلك، نعقد معك عقداً، بل أكثر من ذلك أيضاً، نبايعك على أن كلّ ما تطلبه منّا سننفّذه، وسنكون كما تريد.



      قيل: إنّ "العهد" هو الحدّ الأقل، و"العقد" هو الحدّ المتوسط، و"البيعة" هي الحدّ الكامل للارتباط بالإمام. فالعلاقة في هذا الدعاء تتّجه بنا نحو الرشد, لأنّ الداعي في البداية يقول: أنا أعاهدك، ثمّ أجري معك عقداً، ثمّ أبايعك. فقد يقوم شخصان بتشكيل عهد بينهما ويعد أحدهما الآخر، ولكن لا يجريان عقداً، ويمكن أن يتحقّق عهدٌ وعقد، ولكن لا يوجد تسليم، بينما في الدعاء يقول الداعي: "وبيعةً"، يعني تسليماً. فقوله: "عهداً" يعني التعهّد للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، وقوله: "عقداً" يعني إجراء العقد مع إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، وقوله: "وبيعةً" يعني البيعة له عجل الله تعالى فرجه الشريف.



      4- لَهُ فِي عُنُقِي

      العلاقة في هذا الدعاء حتميّة, لأنّ الداعي يقول: إنّ هذه العلاقة في رقبتي، وكم هو جميل إبراز هذه العلاقة! يقول: "في رقبتي"، فمن الممكن أن يكون للشخص علاقةٌ ما بآخر، ولكنّه لا يفتخر بها.



      5- لا أَحُولُ عَنْهَا

      الحَول بمعنى التغيير والتبديل. وفي هذه الفقرة من الدعاء والتي تليها، علامة على ثبات قدم المنتظِر, لأنّ إحدى السمات الأساس للحياة المهدويّة هي الصمود في مسير الحقّ، والثبات على الصراط المستقيم في الحوادث والوقائع وعند بروز الفتن.



      73

      52

      4. العهد المهدويّ


      6- وَلَا أَزُولُ أَبَدَاً

      الزوال بمعنى الانعدام وذهاب الشيء. وهذه العبارة تعني أنّني في عهدي وعقدي وبيعتي لإمام زماني لن أسمح لشيء من داخلي أنْ يغيّرني، ولن أضعف أمام أيٍّ من الشدائد والظروف الخارجيّة التي قد تعوق حركتي. فأنا في مسيري هذا سأبقى ثابتاً وصامداً ولن أنكث بعهدي، فالوفاء بالعهد من صفات المؤمنين.



      74


      53

      5. معنى العهد والعقد


      اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ وَأَعْوَانِهِ وَالذَّابِّينَ عَنْهُ، وَالْمُسَارِعِينَ إِلَيْهِ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِ، وَالْمُمْتَثِلِينَ لأَوَامِرِهِ، وَالْمُحَامِينَ عَنْهُ، وَالسَّابِقِينَ إِلَى إِرَادَتِهِ، وَالْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ.



      في هذا الدعاء، بعد السلام على الإمام وتجديد العهد معه عجل الله تعالى فرجه الشريف، نطلب من الله تعالى ثمانية مقامات لأجل الوصول إلى الأهداف العالميّة:

      وعلى أساس هذه التعاليم، ينبغي للمنتظِر أن يبني حياته، ليكون من أنصار الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف. ولازم هذه النصرة هو معرفة إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، فمن يريد أن ينصر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف عليه أن يتعرّف على أهداف الإمام أوّلاً.



      أما مفاد هذا القسم من الدعاء، فهو:

      1- اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ

      الحياة المهدويّة تتّخذ شكلها وطابعها على أساس نصرة الحجّة.

      وقد جاء في القرآن الكريم حول نصرة أولياء الله قوله تعالى في سورة آل عمران (الآية 81): ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ﴾.



      وعلى هذا الأساس، الإيمان وحده ليس كافياً، بل لا بدّ من



      77

      54

      5. معنى العهد والعقد


      النصرة والدفاع. فالمنتظِر للإمام مع كونه معتقداً به، لا بدّ من أن يطيع - أيضاً - في مقام العمل، وأن يقوم بنصرته ومؤازرته.



      شيعتنا حواريّونا

      ونقرأ في سورة آل عمران (الآية 52) قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾.



      كلمة "الحواريّون" تُطلق على الأنصار الخاصّين للنبيّ عيسى عليه السلام، وقد كانوا اثني عشر شخصاً. وأصل هذه الكلمة مأخوذ من "الحور" بمعنى النقاء والبياض الخالص. وقد أطلق عليهم هذا الاسم إمّا لكونهم كانوا يلبسون اللباس الأبيض وقلوبهم نقيّة بيضاء، وإمّا لكون باطنهم نقيّاً أبيض، وكانوا يدعون غيرهم ليكون نقيّاً مثلهم.



      عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "إنّ حواريّي عيسى عليه السلام كانوا شيعته، وإنّ شيعتنا حواريّونا، وما كان حواريّو عيسى بأطوع له من حواريِّينا لنا، وإنّما قال عيسى عليه السلام للحواريّين: ﴿قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ﴾. فلا - والله - ما نصروه من اليهود ولا قاتلوهم دونه، وشيعتنا – والله -لم يزالوا منذ قبض الله عزَّ ذكره رسولَه صلى الله عليه وآله وسلم ينصروننا، ويقاتلون دوننا، ويُحرَقون ويعذَّبون ويشرَّدون في البلدان، جزاهم الله عنّا خيراً"[1].



      مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّه؟

      جاء في سورة الصف (الآية 14) قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي



      [1] الكافي، الكلينيّ، ج 8، ص268.



      78

      55

      5. معنى العهد والعقد


      إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾.



      وفي هذه الآية ثمّة بعض النكات، وهي:

      1- على المؤمن أن يسير نحو الكمال خطوة خطوة, ففي الآيات التي سبقت هذه الآية ثمّة دعوة إلى التجارة مع الله تعالى، بينما في هذه الآية ثمّة دعوة إلى مرتبة أعلى، فهي تدعو المؤمن بشكل رسميّ إلى أن يكون من "أنصار الله", ﴿كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ﴾, أي أن يكون حاضراً دائماً لنصرة الدين وأولياء الله.



      2- إنّ الله تعالى غنيٌّ عن نصرنا, لأنَّ الانتصارات كلّها منه سبحانه, ﴿نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ﴾. فالكون من أنصار الله - في حدّ نفسه - فخر بالنسبة إلينا.



      3- إنّ الأنبياء الإلهيّين عليهم السلام يريدون الناس لله، لا لأجل أنفسهم أو لأجل جماعة أو حزب, ﴿مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾.



      4- يسلك الأنبياء عليهم السلام في مجال الغلبة على الأعداء الطرق العاديّة والطبيعيّة، ويستفيدون من الأسباب الظاهريّة وقوّة الناس, ﴿مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾.



      5- على القائد أن يكون لديه تقييمٌ دقيقٌ عن أنصاره, ﴿مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾.



      6- أخذ الإقرار من الأنصار نوعٌ من تجديد البيعة وإعلان الوفاء, ﴿مَنْ أَنصَارِي﴾، ﴿نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ﴾.



      7- لا بدّ من إجابة دعوة القادة الدينيّين, ﴿مَنْ أَنصَارِي﴾، ﴿نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ﴾.



      8- الإنسان مختار في أن يقبل دعوة الأنبياء عليهم السلام فيسعد، أو يردّها فيشقى, ﴿فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ﴾, ﴿وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ﴾.



      79

      56

      5. معنى العهد والعقد

      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
      x
      يعمل...
      X