المقدّمةُ:
لم تكنِ المواجهةُ بين الحقِّ والباطلِ حكرًا على ميادينِ الحربِ والسلاحِ فحسب، بل كان الإعلامُ سلاحًا فعّالًا في يدِ السلطاتِ والفرقِ المنحرفةِ عبرَ التاريخِ، لتشويهِ صورةِ أهلِ الحقِّ والطعنِ في رموزهم وعقائدهم. ومن أبرزِ الأمثلةِ على ذلكَ: استغلالُ ظاهرةِ القرامطةِ لتلبيسِ صورتِهم على الشيعةِ الإماميةِ، في محاولةٍ ماكرةٍ لضربِ التشيُّعِ من الداخلِ وتشويهِه في نظرِ الأمّةِ الإسلاميّةِ. في هذا المقالِ، نسلّطُ الضوءَ على العلاقةِ المزعومةِ بين القرامطةِ والتشيُّعِ، ونكشفُ زيفَ هذا الربطِ المفتعَلِ، عبرَ منهجٍ علميٍّ دقيقٍ وتحقيقٍ تاريخيٍّ رصينٍ.
أوّلًا: من همُ القرامطةُ؟
القرامطةُ فرقةٌ باطنيةٌ ظهرتْ في القرنِ الثالثِ الهجريِّ، انبثقتْ عن الحركةِ الإسماعيليةِ المنشقةِ على الخطِّ الإماميِّ، وقد تميّزتْ بنزعاتٍ ثوريّةٍ عنيفةٍ، ومعتقداتٍ غامضةٍ تتداخلُ فيها الغلوُّ بالمجوسيةِ، والزندقةُ بالتأويلِ المفرِطِ للنصوصِ. اتخذوا من البحرينِ مركزًا لحركتهم، وارتكبوا مجازرَ مروّعةً أبرزُها الهجومُ على مكةَ سنةَ ٣١٧ هـ، حيثُ قتلوا الحجيجَ في الحرمِ المكيِّ، واقتلعوا الحجرَ الأسودَ ونقلوه إلى هَجَر (شرقِ الجزيرةِ)، في سابقةٍ لم يعرفها التاريخُ الإسلاميُّ في بشاعتِها.
ثانيًا: لماذا نُسبوا إلى التشيُّعِ ظلمًا؟
يرجعُ سببُ ربطِ القرامطةِ بالتشيُّعِ الإماميِّ إلى تشابهٍ ظاهريٍّ في بعضِ الشعاراتِ، كالدعوةِ إلى “الإمامِ الغائبِ”، و”العدلِ الاجتماعيِّ”، و”رفضِ الظلمِ العباسيِّ”، لكنّ هذا التشابهَ مجرَّدُ قشرةٍ لا تلبثُ أن تنقشعَ عند التأمُّلِ في الجذورِ العقائديةِ لكلِّ مدرسةٍ. فالشيعةُ الإماميةُ يؤمنونَ بإمامةِ أئمةٍ منصوصٍ عليهم من قِبَلِ اللهِ تعالى، ويستمدّونَ دينَهم من القرآنِ الكريمِ وسنّةِ النبيِّ (ص) كما فسّرها أهلُ البيتِ (ع)، ويُقدّسونَ الشريعةَ ويمتثلونَ لأحكامِها. أما القرامطةُ، فقد أنكروا الشريعةَ، وأسقطوا التكاليفَ، وادّعوا حلوليةً وتأويلاتٍ شاذّةً تُخرجُهم عن الإسلامِ، فضلًا عن التشيُّعِ.
ثالثًا: موقفُ علماءِ الشيعةِ من القرامطةِ
لم يقفْ علماءُ الإماميةِ صامتينَ أمامَ هذا التلبيسِ، بل أكّدوا عبرَ كتبِهم ومواقفِهم أنّ القرامطةَ ليسوا من الشيعةِ في شيءٍ، بل هم خصومٌ عقائديّونَ لهم، وقد حذّروا من الخلطِ الذي تروّجُ له السلطاتُ العباسيةُ، أو خصومُ الشيعةِ، لأغراضٍ سياسيةٍ. يقولُ العلّامةُ الشيخُ المفيدُ (رحمه الله) في الردِّ على الغلاةِ والباطنيّةِ: “وإنما الشيعةُ همُ القائلونَ بإمامةِ الإثني عشرَ الذينَ نصَّ عليهم رسولُ اللهِ (ص) واحدًا بعدَ آخرَ، وهمُ الذينَ حفظوا الشريعةَ وعظَّموا حدودَها.”
خاتمةٌ:
إنَّ نسبةَ القرامطةِ إلى التشيُّعِ الإماميِّ تُعدّ واحدةً من أوجهِ التشويهِ الإعلاميِّ المتعمَّدِ الذي رافقَ مسيرةَ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) منذُ العصورِ الأولى. ولا بدَّ لكلّ باحثٍ منصفٍ من أن يفرّقَ بين التشيُّعِ الأصيلِ القائمِ على القرآنِ والعقلِ والعفّةِ، وبين الحركاتِ المنحرفةِ التي لبستْ لبوسَ التشيُّعِ زورًا وبهتانًا. وإنّ من العدلِ والإنصافِ أن يُفصَلَ بينَ الخطِّ المحمديِّ العلويِّ، وبينَ الحركاتِ الخارجةِ عن الدينِ باسمِ الدينِ
لم تكنِ المواجهةُ بين الحقِّ والباطلِ حكرًا على ميادينِ الحربِ والسلاحِ فحسب، بل كان الإعلامُ سلاحًا فعّالًا في يدِ السلطاتِ والفرقِ المنحرفةِ عبرَ التاريخِ، لتشويهِ صورةِ أهلِ الحقِّ والطعنِ في رموزهم وعقائدهم. ومن أبرزِ الأمثلةِ على ذلكَ: استغلالُ ظاهرةِ القرامطةِ لتلبيسِ صورتِهم على الشيعةِ الإماميةِ، في محاولةٍ ماكرةٍ لضربِ التشيُّعِ من الداخلِ وتشويهِه في نظرِ الأمّةِ الإسلاميّةِ. في هذا المقالِ، نسلّطُ الضوءَ على العلاقةِ المزعومةِ بين القرامطةِ والتشيُّعِ، ونكشفُ زيفَ هذا الربطِ المفتعَلِ، عبرَ منهجٍ علميٍّ دقيقٍ وتحقيقٍ تاريخيٍّ رصينٍ.
أوّلًا: من همُ القرامطةُ؟
القرامطةُ فرقةٌ باطنيةٌ ظهرتْ في القرنِ الثالثِ الهجريِّ، انبثقتْ عن الحركةِ الإسماعيليةِ المنشقةِ على الخطِّ الإماميِّ، وقد تميّزتْ بنزعاتٍ ثوريّةٍ عنيفةٍ، ومعتقداتٍ غامضةٍ تتداخلُ فيها الغلوُّ بالمجوسيةِ، والزندقةُ بالتأويلِ المفرِطِ للنصوصِ. اتخذوا من البحرينِ مركزًا لحركتهم، وارتكبوا مجازرَ مروّعةً أبرزُها الهجومُ على مكةَ سنةَ ٣١٧ هـ، حيثُ قتلوا الحجيجَ في الحرمِ المكيِّ، واقتلعوا الحجرَ الأسودَ ونقلوه إلى هَجَر (شرقِ الجزيرةِ)، في سابقةٍ لم يعرفها التاريخُ الإسلاميُّ في بشاعتِها.
ثانيًا: لماذا نُسبوا إلى التشيُّعِ ظلمًا؟
يرجعُ سببُ ربطِ القرامطةِ بالتشيُّعِ الإماميِّ إلى تشابهٍ ظاهريٍّ في بعضِ الشعاراتِ، كالدعوةِ إلى “الإمامِ الغائبِ”، و”العدلِ الاجتماعيِّ”، و”رفضِ الظلمِ العباسيِّ”، لكنّ هذا التشابهَ مجرَّدُ قشرةٍ لا تلبثُ أن تنقشعَ عند التأمُّلِ في الجذورِ العقائديةِ لكلِّ مدرسةٍ. فالشيعةُ الإماميةُ يؤمنونَ بإمامةِ أئمةٍ منصوصٍ عليهم من قِبَلِ اللهِ تعالى، ويستمدّونَ دينَهم من القرآنِ الكريمِ وسنّةِ النبيِّ (ص) كما فسّرها أهلُ البيتِ (ع)، ويُقدّسونَ الشريعةَ ويمتثلونَ لأحكامِها. أما القرامطةُ، فقد أنكروا الشريعةَ، وأسقطوا التكاليفَ، وادّعوا حلوليةً وتأويلاتٍ شاذّةً تُخرجُهم عن الإسلامِ، فضلًا عن التشيُّعِ.
ثالثًا: موقفُ علماءِ الشيعةِ من القرامطةِ
لم يقفْ علماءُ الإماميةِ صامتينَ أمامَ هذا التلبيسِ، بل أكّدوا عبرَ كتبِهم ومواقفِهم أنّ القرامطةَ ليسوا من الشيعةِ في شيءٍ، بل هم خصومٌ عقائديّونَ لهم، وقد حذّروا من الخلطِ الذي تروّجُ له السلطاتُ العباسيةُ، أو خصومُ الشيعةِ، لأغراضٍ سياسيةٍ. يقولُ العلّامةُ الشيخُ المفيدُ (رحمه الله) في الردِّ على الغلاةِ والباطنيّةِ: “وإنما الشيعةُ همُ القائلونَ بإمامةِ الإثني عشرَ الذينَ نصَّ عليهم رسولُ اللهِ (ص) واحدًا بعدَ آخرَ، وهمُ الذينَ حفظوا الشريعةَ وعظَّموا حدودَها.”
خاتمةٌ:
إنَّ نسبةَ القرامطةِ إلى التشيُّعِ الإماميِّ تُعدّ واحدةً من أوجهِ التشويهِ الإعلاميِّ المتعمَّدِ الذي رافقَ مسيرةَ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) منذُ العصورِ الأولى. ولا بدَّ لكلّ باحثٍ منصفٍ من أن يفرّقَ بين التشيُّعِ الأصيلِ القائمِ على القرآنِ والعقلِ والعفّةِ، وبين الحركاتِ المنحرفةِ التي لبستْ لبوسَ التشيُّعِ زورًا وبهتانًا. وإنّ من العدلِ والإنصافِ أن يُفصَلَ بينَ الخطِّ المحمديِّ العلويِّ، وبينَ الحركاتِ الخارجةِ عن الدينِ باسمِ الدينِ
تعليق