قوله تعالى: <يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ۳۳ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۳۴ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ۳۵ إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ>[1].
في بحثنا في هذه الآيات الشريفة وصل بنا المقام إلى قوله تعالى: <وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ>، وكنا قد تحدّثنا عن موارد بطلان العمل وأنّ عدم الطاعة والانصياع والاستماع والاتباع للأوامر الولائية لرسول الله (ص) وللقيادة الشرعية، سبب لبطلان العمل، وذكرنا الروايات في ذلك. الأقوال الأخرى في بطلان العمل
نريد أن نتحدّث هنا عن بطلان العمل بدون الولاية، فهناك أقوال أخرى حول <وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ>، وهي بنظرنا ليست صحيحة، فمن جملة هذه الأقوال أنّ المقصود: لا تبطلوا أعمالكم بالكبائر، والقول الآخر: لا تبطلوا أعمالكم بالمن بالإسلام.
أمّا القول الأول ، فهو مذهب المعتزلة، فإنّهم يقولون: إنّ الإنسان إذا ارتكب كبيرة تبطل أعماله كلّها، وهذا ليس صحيحًا؛ فنحن عندنا <إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ>[2]، وليس عندنا قاعدة تقول: إنّ السيئات يذهبن الحسنات. نعم؛ لدينا بحث يتعلّق بحبط الأعمال، فبعض الأمراض القلبيّة تُسبّب حبط الأعمال كما هو واضح. ومن جملة تلك الأمراض القلبية، الحسد، والعُجب، والبخل، وأمثال هذه الأمراض. لكن هذا ليس معناه أنّ من يرتكب كبيرة تبطل أعماله، فكلام المعتزلة هذا غير صحيح؛ خصوصًا أنّ الكبائر تزول بالتوبة وبالشفاعة «ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي»[3]. هذا ما يتعلّق بالنقطة الأولى.
وأمّا القول الثاني، وهو (لا تبطلوا أعمالكم بالمن بالإسلام)، فيشير إلى قوله تعالى: <يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ>[4]. ويناقش بأنّ المنُّ بالإسلام بنفسه لا دليل فيه على بطلان العمل، إلّا اللهمّ أن يؤدّي هذا المنّ بالإسلام إلى ترك طاعة الرسول (ص)، فإذا أدّى إلى ترك طاعة القيادة، فهو يُسبّب إبطال العمل، فالبعض يقومون بإنجازات للإسلام وللأمة الإسلامية وينصرون القيادة الصالحة، ولكن بدلًا من أن يكون هذا عمل منهم في سبيل الله وقربةً إلى الله يجعلونه منّةً على الإسلام وعلى الأمّة الإسلامية وعلى القيادة الصالحة، بأنّنا نحن فعلنا كذا، وفعلنا كذا، فلولا فِعلنا هذا لما وصلتم إلى نتيجة. ثمّ إنّهم يطالبون بِعوَض وكأنّما الأمر غنيمة. طبعًا؛ هذا التصرف مذموم من الناحية الأخلاقية، ولكن إذا أدّى بهم الأمر إلى ترك طاعة القيادة الشرعية، فهذا يسبّب بطلان عملهم، وإلّا فلا.
وقيل: <لَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ> النهي عن ترك العمل المتقرّب به إلى الله، وقد أشرنا إليه سابقًا؛ مثل ترك الصلاة من دون مبرر، وإبطال الصلاة أو إبطال الصوم أو إبطال الحج أو إبطال أيّ فعل عباديّ إن ابتدأ به الإنسان، فهو غير جائز وحرام بنفسه حرمة تكليفية حتى لو يستأنف العبادة من جديد، اللهمّ إلّا إذا كان لعذر؛ فمثلًا يوجد حريق ولا يستطيع أن يطفئ الحريق إلّا بإبطال الصلاة، فيجب عليه أن يُبطل الصلاة، أو يتوقف إنقاذ نفس مؤمنة على إبطال الصلاة، فيجب إبطال الصلاة، هذه استثناءات وحسب، وتوجد في هذا المقام بحوث فقهية كثيرة لا نريد أن نخوض فيها. وهذا الكلام أيضًا وإن كان صحيحًا في نفسه إلا أنّ الآية الشريفة محل البحث لا تدل على ذلك، فالآية الشريفة لها سياق، وسياقها يدلّ على ترك الأوامر الولائية لرسول الله (ص) وللقيادة الشرعية <أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ ولا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ>[5]. القول المختار
يتبع
تعليق