إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ


    قوله تعالى: <يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ۳۳ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۳۴ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ۳۵ إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ>[1].

    في بحثنا في هذه الآيات الشريفة وصل بنا المقام إلى قوله تعالى: <وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ>، وكنا قد تحدّثنا عن موارد بطلان العمل وأنّ عدم الطاعة والانصياع والاستماع والاتباع للأوامر الولائية لرسول الله (ص) وللقيادة الشرعية، سبب لبطلان العمل، وذكرنا الروايات في ذلك. الأقوال الأخرى في بطلان العمل


    نريد أن نتحدّث هنا عن بطلان العمل بدون الولاية، فهناك أقوال أخرى حول <وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ>، وهي بنظرنا ليست صحيحة، فمن جملة هذه الأقوال أنّ المقصود: لا تبطلوا أعمالكم بالكبائر، والقول الآخر: لا تبطلوا أعمالكم بالمن بالإسلام.

    أمّا القول الأول ، فهو مذهب المعتزلة، فإنّهم يقولون: إنّ الإنسان إذا ارتكب كبيرة تبطل أعماله كلّها، وهذا ليس صحيحًا؛ فنحن عندنا <إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ>[2]، وليس عندنا قاعدة تقول: إنّ السيئات يذهبن الحسنات. نعم؛ لدينا بحث يتعلّق بحبط الأعمال، فبعض الأمراض القلبيّة تُسبّب حبط الأعمال كما هو واضح. ومن جملة تلك الأمراض القلبية، الحسد، والعُجب، والبخل، وأمثال هذه الأمراض. لكن هذا ليس معناه أنّ من يرتكب كبيرة تبطل أعماله، فكلام المعتزلة هذا غير صحيح؛ خصوصًا أنّ الكبائر تزول بالتوبة وبالشفاعة «ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي»[3]. هذا ما يتعلّق بالنقطة الأولى.

    وأمّا القول الثاني، وهو (لا تبطلوا أعمالكم بالمن بالإسلام)، فيشير إلى قوله تعالى: <يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ>[4]. ويناقش بأنّ المنُّ بالإسلام بنفسه لا دليل فيه على بطلان العمل، إلّا اللهمّ أن يؤدّي هذا المنّ بالإسلام إلى ترك طاعة الرسول (ص)، فإذا أدّى إلى ترك طاعة القيادة، فهو يُسبّب إبطال العمل، فالبعض يقومون بإنجازات للإسلام وللأمة الإسلامية وينصرون القيادة الصالحة، ولكن بدلًا من أن يكون هذا عمل منهم في سبيل الله وقربةً إلى الله يجعلونه منّةً على الإسلام وعلى الأمّة الإسلامية وعلى القيادة الصالحة، بأنّنا نحن فعلنا كذا، وفعلنا كذا، فلولا فِعلنا هذا لما وصلتم إلى نتيجة. ثمّ إنّهم يطالبون بِعوَض وكأنّما الأمر غنيمة. طبعًا؛ هذا التصرف مذموم من الناحية الأخلاقية، ولكن إذا أدّى بهم الأمر إلى ترك طاعة القيادة الشرعية، فهذا يسبّب بطلان عملهم، وإلّا فلا.

    وقيل: <لَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ> النهي عن ترك العمل المتقرّب به إلى الله، وقد أشرنا إليه سابقًا؛ مثل ترك الصلاة من دون مبرر، وإبطال الصلاة أو إبطال الصوم أو إبطال الحج أو إبطال أيّ فعل عباديّ إن ابتدأ به الإنسان، فهو غير جائز وحرام بنفسه حرمة تكليفية حتى لو يستأنف العبادة من جديد، اللهمّ إلّا إذا كان لعذر؛ فمثلًا يوجد حريق ولا يستطيع أن يطفئ الحريق إلّا بإبطال الصلاة، فيجب عليه أن يُبطل الصلاة، أو يتوقف إنقاذ نفس مؤمنة على إبطال الصلاة، فيجب إبطال الصلاة، هذه استثناءات وحسب، وتوجد في هذا المقام بحوث فقهية كثيرة لا نريد أن نخوض فيها. وهذا الكلام أيضًا وإن كان صحيحًا في نفسه إلا أنّ الآية الشريفة محل البحث لا تدل على ذلك، فالآية الشريفة لها سياق، وسياقها يدلّ على ترك الأوامر الولائية لرسول الله (ص) وللقيادة الشرعية <أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ ولا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ>[5]. القول المختار


    ​يتبع

  • #2
    القول المختار


    فالقول الصحيح هو الذي اخترناه من خلال سياق الآية، وهو ترك الطاعة للأوامر الولائية للقيادة الشرعية المتجسّدة بقيادة رسول الله (ص) والأئمة الأطهار (عليهم السلام)، أو من يمثّلهم؛ مثل حكم الحاكم، فحكم الحاكم لا يجوز نقضه حتى لمجتهدٍ آخر، هذه فتوى المرحوم المرجع المحقّق الراحل السيّد الخوئي؟رضو؟، كما في منهاج الصالحين، وعليه فتوى باقي المراجع أيضًا، وفتوى الإمام وفتوى القائد المعظم وفتوى المراجع جميعًا، ومن بين المراجع المعاصرين المرجع الأعلى في النجف الأشرف السيد السيستاني حفظه الله وغيره. وهذا المطلب بديهي، فالأحكام الولائية لا يجوز نقضها؛ لأنّ الرواية تقول: «الراد عليهم كالراد علينا، والراد علينا كالراد على الله، وهو على حدّ الشرك بالله»، فهذا امتداد لعدم الطاعة لرسول الله (ص) وعدم الطاعة للأئمة الأطهار (عليهم السلام).

    يقول الله تعالى في تتمة الآية: <إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ>[6]. المراد من <ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ> زعماء جبهة الباطل والشرك المتمثّلة بمشركي قريش، كأبي سفيان وحزبه. الله تبارك وتعالى يقول عن هؤلاء: إنّهم إذا ماتوا على الكفر وعلى مجابهة الإسلام، كما تحدّثت عنهم الآيات الشريفة <يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ>[7]، <يَنْهَوْنَ> بمعنى ينهون الآخرين عن أن يتقرّبوا للإسلام، <وَيَنْأَون>؛ يعني يبعّدونهم عن الإسلام، فهم يبتعدون ويبعّدون الآخرين، هذا هو معنى الصّد عن سبيل الله تعالى، فعمل هؤلاء لا يحبط في الدنيا فقط، بل أضلّ أعمالهم، وقد قلنا: الحبط أخصّ من إضلال العمل.

    وإذا ماتوا على كفرهم، لن يغفر الله لهم؛ أي أنّ الكفر والصّد عن سبيل الله وعداوتهم للرسول (ص) لا تنفعهم في الدنيا ولا بعد الموت في الآخرة؛ لأنّ أعمالهم تحبط، ولن يغفر الله لهم كما هو واضح. تفسير قوله تعالى: <فَلا تَهِنُوا …>


    وصلنا إلى الآية الشريفة: <فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ>[8]، تفريعًا على ما مرّ في هذه السورة المباركة من خذلان الله تعالى للمشركين، فالله تبارك وتعالى يبطل أعمالهم ويمنون بضياع أعمالهم وعثرتهم وهلاكهم، تقول الآية الشريفة: <فَتَعْسًا لَّهُمْ>[9]، تعسًا: يعني يعثرون ويهلكون ويخرّون على وجوههم، وهو الوعيد لهم بهلاكهم كالأقوام السابقين <دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْوَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا>[10]، إنّ الله يدمّرهم. وتفريعًا على وعد الله <يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُركُم وَيُثَبِّت أَقدامَكُم>[11]. وتفريعًا على أمر المؤمنين بالقتال بأنّه يجب مجابهة هؤلاء وقتالهم. وتفريعًا على قوله تعالى: <بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ>[12]؛ يعني أنّ الله يرعى المؤمنين بولايته الخاصّة ويثيبهم الجنّة <إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ>[13]. وتفريعًا على مواصفات المنافقين، وتفريعًا على سُنّة الله في البلاء <وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَالْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ>[14]. تفريعًا على هذه الأمور كلّها، يصدر الله تبارك وتعالى لنا مجموعة تكاليف لجبهة الإيمان وجبهة الحقّ، من هذه التكاليف: <فَلا تَهِنوا>، النّهي عن الفتور والخواء والتخلخل وسيطرة اليأس والقنوط والكآبة داخل جبهة الإيمان، فهذا حرام تكليفًا، ويجب الابتعاد عنه، فلاحظوا في أثناء غزوة أحد بعدما تركوا الجبهة لجمع الغنائم، وفرّت مجموعة من المقاتلين من الجبهة، واستُشهد من استشهد وجُرِح من جُرِح، وكان أمير المؤمنين (ع) يدافع عن رسول الله (ص) والسّيدة الزهراء (عليها السلام) تضمّده، والشيطان قد صاحَ: إنّ النبيّ قُتل، فانتشرت الإشاعة بأنّ النبيّ قُتل، ونزلت الآية الشريفة <وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ>[15]، في هذه الأجواء، الأجواء التي تسيطر فيها حالة الضعف والفتور والكآبة والحزن والانكسار على جبهة الحقّ، يصدر الله تبارك وتعالى أمرًا لنبيّ الإسلام محمّد المصطفى (ص) أن اجمع هذه القوى المتبقّية من المجروحين ومن الباقين من الجنود الأحياء، واذهبوا إلى حمراء الأسد واستعدّوا للقتال مرّةً أخرى، ونزلت الآية الشريفة: <وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ>[16]؛ يعني لا يجوز لكم الفتور والتوقّف والضعف والحزن والكآبة وأنتم الأعلون؛ أي الغالبون، بشرط الإيمان والاعتماد على الله تبارك وتعالى. وهكذا كان الأمر، فعندما ذهبوا إلى حمراء الأسد، رأى جيش أبي سفيان وجماعته من خلال المتغلغلين استعدادًا جديدًا، فانهزموا إلى مكة وظنّوا أنّه قد جاءت قوّة جديدة من المدينة إلى المسلمين، وهذه الآية تتحدّث عن الأمر نفسه، فتقول: طالما أنّ الله معكم ينصركم ويخذل الكفّار ، كما مرّ علينا في هذه السورة، وأنتم على استعداد لانتصار نهائي وتريدون أن تنتصروا وقدّمتم ضحايا، وشهداء، فالله سبحانه يقول: إنّه لن يُضيع أعمال الشهداء <سَيَهْدِيهِمْوَيُصْلِحُ بالَهُمْ>، وقدّمتم وتقدّمتم في جبهة الحقّ ومواجهة الباطل، إذًا؛ لماذا يصيبكم فتور وضعف وتراجع إلى الوراء؟! لا يجوز لكم <فَلا تَهِنُواوَتَدْعُواإِلَى السِّلْمِ>[17]، فمن هذا المنطلق، لا يجوز أن تدعوا إلى السلم، فالدعوة إلى السِّلم هنا بعد حالة الاسترخاء والراحة المؤدّية إلى الضعف، هي سقوط في ميدان المنافقين، فهنا تحذير من مكائد المنافقين؛ حيث يحاول المنافق دائمًا إيجاد الفتور والانتكاسة في جبهة الحقّ، كأن يقول للمؤمنين: لابدَّ أن تستريحوا من القتال مدة من الزمن، وأمثال ذلك حتى يحصل الفتور. المراد بالدعوة إلى السِّلم في الآية


    إنّ هذه الآية الشريفة تقول: <فَلا تَهِنوا وَتَدعوا إِلَى السِّلمِ>[18]، والمراد بالسِّلم هنا ليس الصلح المشرّف؛ بل المراد منه الاستسلام، فتقول: أنتم على وشك الانتصار النهائي فلا تستسلموا. والاستسلام يختلف عن التهدئة، فالهُدنة لمصلحة الإسلام والمسلمين، وهي من خيارات ولي الأمر والقائد الشرعيّ، لكنّ الهُدنة ليست بمعنى الاستسلام؛ فالاستسلام الناشئ من الفتور والكآبة والضعف حرام، خصوصًا أنّكم قاب قوسين أو أدنى من الانتصار النهائي، فلماذا يصيبكم الفتور والضّعف؟ <فَلا تَهِنُواوَتَدْعُوا إِلَى السِّلْمِ>؛ يعني أنّ الفتور يسبّب الدعوة إلى السِّلم بمعنى الاستسلام.

    <وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ>[19]؛ أي أنتم الغالبون وأنتم المنتصرون، كقوله تعالى لموسى: <إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى>[20]؛ يعني أنّك أنت الغالب، أو قوله تعالى: <وَاللَّهُ مَعَكُم>؛ أي جعلكم غالبين.

    ​يتبع

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X