إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الخصائص الحسينية

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الخصائص الحسينية

    بسم االله الرحمن الرحيم الحمد الله وسلام على عباده الذين اصطفى، ولا سيما محمد المصطفى، وأهل بيته أعلام الهدى، صلواته عليهم ما دامت السموات العلى،،،، أما بعد انه لما اشتعل الرأس شيبا وامتلأت العيبة عيبا *المراد: موضع سره وثقته - ورأيت أني ذرفت على الستين ولم اظفر بعد على ثمرة ولا حاصل لأيامي الماضية، ولا طائر للعمل، وعلمت أن الباقي يمضي على نحو الماضي، خاطبت النفس الجانية اللاهية، وشركاءها في هذه الداهية: يا ويحك مضى ربيع الشباب، فلا تعطف عليه خريف الشيب، وفاتك الهرف * أي: المناء ُضع الحفنة والزيادة - في المزرعة، فلا يفتك الافل * أي: الزوال والغياب ،- وقد أسرفت في اتلاف اكرار من البذر، فلا ت الباقية من البذر، وقد ضيعت في المتجر النقود من رأس المال، فلا تضيع قليل المتاع الكاسد البائر. ثم ناديتها يا مسافرا بلا زاد، يا راحلا ولا جواد، يا زارعا اشرف على الحصاد، يا طائرا بالموت يصاد، يا تاجرا لبهرج * ِ أي: الرديء من الشيء - بلا جياد، يا ظالم النفس والعباد، هل سمعت قول االله تعالى (إن ربك لبالمرصاد)! ثم ايقظتها التنبه التنبه فقد شارفت العقبة الكؤؤد والرجل حافية ومالك مركب! ثم خوفتها الحذر الحذر، فقد دنوت إلى المنازل المهولة، ودونها حتوف (والكف صفر والطريق مخوف) ثم أزعجتها بقول العجل العجل، الوحا الوحا* أي: السرعة - فإلى أي زمان تتعامى: ان قدامك يوما لو به هددت شمس الضحى عادت ظلاما ِ وانف فانتبه من رقدة اللهو وقم عن عين تماديك المناما ثم صحت عليها بقول إمام المتقين عليه أفضل صلوات المصلين: " أيها اليفن الكبير، قد لهزه القتير، كيف أنت إذا التحمت أطواق النار بعظام الأعناق، ونشبت الجوامع حتى أكلت لحوم السواعد ". ثم نعيتها إلى نفسها ونعيت عليها، ثم نحت عليها بكل لسان - تارة على أيام الشباب وأخرى على أيام المشيب، ثم استرحمتها لنفسها وقلت: أما ترحم من نفسك ما ترحم من غيرك؟ ثم استغثت بها لإغاثة نفسها فقلت لها: الغوث الغوث لنفسك تجهزي للرحيل، فاستدركي واختلسي الفرصة، واغتنمي المهلة قبل قدوم الغائب المنتظر، وقبل أخذة القهار المقتدر. ٕمام، ووعظتها بكل الألسنة حتى بلسان الأطفال والحيوانات، بل ولسان حال جميع ثم خاطبتها بكل كتاب، وبلسان كل نبي وا المخلوقات. وبعد ذلك كله حصل لي تنبه يسير، وتذكر قليل، مع عزم فاتر، فتواردت علي حالات خوف وترقب من اليأس، يتبعها رجاء، يورث السكون والاطمئنان بهذا التفصيل: الحالة الأولى: في الإيمان: لقد نظرت إلى الإيمان الذي هو مدار قبول الأعمال ومناط حصول النجاة من الأهوال فلم أجد في نفسي علامة من علائمه، ولا أثرا من آثار التمام منه، ولا من الناقص لا أدنى درجاته الذي هو أن تسوءه سيئته ولا أعلى درجاته الذي هو أن يكون بالنسبة إلى ذكر االله تعالى كمن هو في النزع، ولم أجد في شيء من أقسامه المقسمة على القلب والأعضاء! حتى أني خفت عدم وجود الذرة المنجية من الخلود في النار بعد طول العذاب فيها، وبعد ذلك نظرت إلى الأخلاق الحميدة فرأيت أضدادها، ثم نظرت إلى الأعمال الحسنة والطاعات والقربات فوجدت لصحتها وقبولها شرائط، لم أجد التوفيق لها ولو مرة واحدة، فعند ذلك تحقق الخوف وأوشك أن يغلب القنوط ثم عرضت:
    الحالة الثانية: في الوسائل إلى االله تعالى:

  • #2
    : الحالة الثانية: في الوسائل إلى االله تعالى: وهي أني أمعنت النظر في الوسائل إلى االله فرأيت أني من امة محمدا المصطفى (ص)، واني من شيعة عليا (ع) واني من الموالين لأهل البيت (ع) وهم السبيل الأعظم والصراط الاقوم والكهف الحصين والعروة الوثقى والفلك التي من ركبها نجى وسعد، فحصل لي الرجاء ثم تحققت: الحالة الثالثة: الدخول في امة محمد المصطفى صلى االله عليه وآله وسلم: وهي أني رأيت الدخول في امة المصطفى (ص) يحتاج إلى ائتمام واقتداء، وان صدق شيعة علي (ع) يحتاج إلى متابعة له ٍ في صفة أو عمل، فبأي شيء تابعته وشايعته، وصدق إن الشخص موال ومحب لأهل البيت (ع) يحتاج إلى تحقق أحدى علائم المحبة والولاية ولا أجد واحدة منها فتحقق الاضطراب وغلب الخوف، ثم طرأت: الحالة الرابعة: في الوسائل المتعلقة بالأئمة عليهم السلام: ّها فائدة وأعظمها مثوبة وأعمها نفعا وارفعها درجة وهي أني أمعنت النظر في الوسائل المتعلقة بالأئمة (ع) فرأيت اجل وأسهلها حصولا وأكثرها طرقا وأيسرها شروطا وأخفها مؤونة وأعمها معونة ما يتعلق بسيد شباب أهل الجنة، ووالد الأئمة السيد المظلوم أبي عبداالله الحسين (ع)، فرأيت له خصوصية في التوسل إلى االله قد تفرد بها، وامتاز في ذلك حتى عمن هو أفضل منه. فان للتفاوت في الفضيلة مقاما ولوحدتهم مقاما، نورهم وطينتهم مقام، والخصوصيات مقام آخر، فرأيت في الحسين (ع) خصوصية في الوسيلة إلى االله اتصف بسببها بأنه بالخصوص - باب من أبواب الجنة وسفينة للنجاة ومصباح للهدى. فالنبي ص) والأئمة (ع) كلهم أبواب الجنان، لكن باب الحسين أوسع، وكلهم سفن النجاة ولكن سفينة الحسين مجراها في اللجج الغامرة أسرع، ومرساها على السواحل المنجية أيسر، وكلهم مصابيح الهدى، لكن الاستضاءة بنور الحسين أكثر وأوسع، وكلهم كهوف حصينة، لكن منهاج كهف الحسين اسمح وأسهل، فعند ذلك خاطبت النفس وشركاءها فقلت: هلموا إلى هذه الأبواب الحسينية، فـ(ادخلوها بسلام آمنين) والى مرساة هذه السفينة الحسينية فـ(اركبوا فيها بسم االله مجراها ومرساها. إن ربي لغفور رحيم) ولتكتحل أعينكم بنور الحسين (ع) الناظر إليكم، ثم ازدادوا شوقا وصمموا العزم على ذلك، لأني استشعرت من نفسي علائم الإيمان التي يئست منها سابقا، وعثرت بهذه الخصائص على الأعمال الصالحة. أما الأول؛ فمن وجوه: الأول: انه (ع) قال: " أنا قتيل العبرة ما ذكرت عند مؤمن إلا بكى واغتم لمصابي " فوجدت ذلك في نفسي عند ذكر اسمه، فاستدللت به على وجود شيء من الإيمان لو ذرة على الأقل تنجي من الخلود في النار، وقد اتصف جميع الأنبياء بالبكاء والاغتمام عند ذكره (ع). الثاني: أني وجدت انه إذا دخل شهر المحرم عرضت لي الكربة والحزن والتأثر، فاستدللت بذلك على اثر من ولاية الأئمة (ع) فإنهم قالوا: " شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بنور ولايتنا يصيبهم ما أصابنا "،، وقد دلت الأخبار على ظهور ُرى ضاحكا في أيامه أبدا، وكان الإمام الرضا الكآبة والحزن على أئمتنا مع دخول شهر المحرم. فكان الإمام الصادق (ع) لا ي (ع) كئيبا حزينا كاسف اللون في العشر الأوائل يعقد مجلسا للعزاء، ونساؤه من وراء الستر، فإذا دخل عليه احد: أمره (ع) ٕ لا ذكر بنفسه من مصائب الحسين (ع) كما في بالإنشاد في الإمام الحسين (ع) إن كان منشدا، كما في قضية دعبل الخزاعي. وا رواية الريان ابن شبيب حين دخل عليه أول يوم من المحرم! فقال: " يا بن شبيب إن كنت باكيا لشيء فابك الحسين (ع) فانه ذبح كما يذبح الكبش، وقتل معه ثمانية عشرة رجلا من أهل بيته "، وهكذا كان دأب سائر الأئمة المعصومين ورسول االله تعالى (ص) سيدهم وأولهم وأكثرهم من عقد تلك المجالس.. فبعروض الانكسار للقلب عند هلال المحرم يستدل على ثبوت العلاقة بهم (ع)، وبتفاوت التأثر تتفاوت درجات الإيمان، وعدم عروض ذلك أو عروض خلافه - كجعل هذه الأيام أعيادا دليل على سلب الإيمان، والعياذ باالله تعالى. الثالث: نزول الهم والغم الشديد عند دخول كربلاء، وقد كان هذا من صفات أبيه (ع) وأخته حين دخول ارض كربلاء، مع انكسار القلب عند النظر إلى قبره وقبر ولده عند رجليه كما في الرواية. الرابع: جريان الدمع عند شم تربته، كما هي صفته وصفة جده (ص) المصطفى ونحو ذلك مما يتعلق به، وسيجيء بيان بعضها إن شاء االله.وأما الثاني: فاني رأيت أن أكثر أعمالي يصح سلب اساميها عنها، لعدم الشروط والإقبال، فلا ادري أصلاتي وصومي صلاة وصوم أم ٕ بكائي اسم البكاء والإبكاء على صاحب لا؟! وهكذا هو حال سائر اعمالي، ولكن لاحظت انه لا يصح أن يسلب عن بكائي وا الدمعة الساكبة، ولا اقل من التباكي، وقد ورد أن " من بكى أو ابكي أو تباكى وجبت له الجنة " ثم أني لما رأيت علامات الإيمان ووثق رجائي واطمأنت نفسي عرضت: الحالة الخامسة:
    الحلقة الثانية
    في علامة احد أجزاء الإيمان:

    تعليق


    • #3
      الحلقة الثانية
      الحالة الخامسة: في علامة احد أجزاء الإيمان: وذلك أني تأملت الأمر فقلت لنفسي: إن هذه علامة لوجود جزء من الإيمان، فلعله لا ينجيك من الخلود في النار بعد الدخول فيها! وبعد مقامات عذاب يوم الحشر، وبعد تحمل عذاب يوم البرزخ الطويل، وأنت تعلم ضعفك عن قليل من بلاء الدنيا وعقوباتها وما يجري فيها من المكاره على أهلها بل وضعفك عن تحمل النعم إذا دامت عليك بالملال منها، والبطر عليها! ثم إن الجزء الضعيف من الإيمان لعله يذهب وينطفئ بأدنى صدمة فيزيغ القلب، فما اطمئنانك به؟ فاضطربت ثم عرضت لي: الحالة السادسة: ما يبعث على تكميل الإيمان: وذلك أني وجدت في وسائله (ع) ما يبعث على تكميل الإيمان وتقويته واستقراره مثل: (إن من زاره كان كمن زار االله تعالى في عرشه) فان زيارة االله تعالى كناية عن نهاية القرب إليه تبارك وتعالى، وهذا لا يكون للايمان المستودع، والقلب الذي يعلم االله منه الزيغ بعد الهداية. َ للزائر عند إرادة الانصراف وقوله: " إن ربك يقرؤك السلام، ويقول لك: استأنف فقد غفر لك ما مضى َك ومثل مجيء المل "،، فإذا كان الشخص ممن يسلم االله عليه فلا يمكن أن لا يسلمه، فاطمأننت بذلك ثم عرضت لي: الحالة السابعة: في الأعمال الحسنة: وهي أني رأيت إن هذه الوسائل، أعمال حسنة، ولكن لعل في أعمالي السيئة ما يحبطها فاضطربت لذلك فعرضت لي:الحالة الثامنة: في الأعمال الصالحة: وهي إن ما قد يعرضه الحبط هي أعمال الشخص، وأما الوسائل الحسينية فهي أعمال صالحة تكتب للمكلفين، وليست من أعمالهم حتى يتطرق إليها الحبط إذ قد ورد انه يكتب لزائره حجة من حجج النبي (ص) والحج الذي يحجه النبي (ص) ليس ٕذا كان من أعماله (ص) فلا يتطرق إليه احتمال الاحباط أصلا،، ومن عجائب تلك من أعمال الشخص نفسه حتى يحبط وا الروايات ما رواه الصادق (ع) قال: كان الحسين (ع) ذات يوم في حجر النبي (ص) يلاعبه ويضاحكه، فقالت عائشة: ما اشد إعجابك بهذا الصبي؟ فقال لها (ص): وكيف لا أحبه ولا أعجب به وهو ثمرة فؤداي وقرة عيني، أما إن أمتي ستقتله، فمن زاره بعد وفاته كتب االله تعالى له حجة من حججي، قالت: يا رسول االله حجة من حججك؟ قال نعم وحجتين من حججي، قالت حجتين من حججك؟ قال نعم وأربعة ...... قال الصادق (ع): فلم تزل تزاده ويزيد ويضعف حتى بلغ تسعين حجة من حجج رسول االله (ص) بأعمارها. الحالة التاسعة: ملاحظة حقوق الناس: وهي أني خفت أن يذهب بالعمل حقوق الناس فانه قد ورد: انه يحشر من له أعمال تضيء في يوم القيامة فيأخذها أهل المظالم وتحمل عليه ذنوب فيؤمر به إلى النار. ثم طرأت:الحالة الحادية عشرة: تطرق الخوف: ٕذا ردت رد وذلك لأني رأيت في الروايات الكثيرة، إن شرط قبول الأعمال قبول الصلاة، فقلت: لعل صلاتي غير مقبولة وا ّ االله ّ الأمر، وكاد أن يغلب علي القنوط لورود هذا الاحتمال، فمن ما سواها فكيف تقبل هذه الأعمال الحسينية؟ وحينئذ أشكل علي تعالى علي برجاء انتهى إليه الأمر، وبه رفع هذا الاحتمال. الحالة الثانية عشرة: حالة تأكد الرجاء: إذ قد تتابعت فيها وجوه اطمئنان القلب، وترادفت وجوه الأمن، وسكون القلب متابعة تترى، وذلك بملاحظة خواص عجيبة لهذه الوسائل الحسينية. منها: إن الشرط لقبول الصلاة التي هي شرط قبول الأعمال: الإقبال وينوب مناب الإقبال: النوافل الرواتب، فهي تؤثر في قبول الصلاة الواجبة، فإذا كانت مؤثرة في قبول الفرائض، فهذه الوسائل التي وردت في فضلها أضعاف الرواتب، تؤثر في القبول بطريق أولى. ومنها: إن القبول والحبط إنما يقعان في الأعمال والعبادات التي تقع من الشخص باختيار منه وتكلف، وفي الوسائل الحسينية تترتب الآثار وان لم يصدر العمل باختيار وقصد، مثلا: الرقة على مصائبه والبكاء عليه قد يقعان بملاحظة انه إمام مفترض الطاعة وهذان من الأعمال الصالحة، وقد تحصل الرقة والبكاء عليه من دون ملاحظة ذلك، فإذا سمعت ما جرى عليه، ولم تعرف عنه شيئا سوى انه من عباد االله أو انه من المسلمين أو انه مظلوم غريب، لغلبت عليك الرقة والبكاء على الأقل من ناحية ما أصاب الأطفال الصغار من الموت عطشا أو القتل بالسيف على صدره أو بالسهم على يديه أو من داسته الخيول وكذا هو حالك فيما لو سمعت بنزول هذا المصاب على مخالف للإسلام فإن غاية ما يستحقه إنما هي ضربة أو جرح أو قتلة، وأما الرض بعد القتل والضرب على الرأس المبارك، وصلبه في عدة أماكن، والنبش للقبر بعد مائتي سنة ...... إلخ فهو أمر مستنكر يوجب حصول الرقة وجري الدمع بلا اختيار، ومن أي شخص كان. هذا وقد روي أن يونس (ع) حينما كان في بطن الحوت سأل قارون وهو يعذب في بطن الأرض عن موسى وهارون وكلثم وآل عمران (ع) فلما اخبره بموتهم قال:الحالة الحادية عشرة: تطرق الخوف: ٕذا ردت رد وذلك لأني رأيت في الروايات الكثيرة، إن شرط قبول الأعمال قبول الصلاة، فقلت: لعل صلاتي غير مقبولة وا ّ االله ّ الأمر، وكاد أن يغلب علي القنوط لورود هذا الاحتمال، فمن ما سواها فكيف تقبل هذه الأعمال الحسينية؟ وحينئذ أشكل علي تعالى علي برجاء انتهى إليه الأمر، وبه رفع هذا الاحتمال. الحالة الثانية عشرة: حالة تأكد الرجاء: إذ قد تتابعت فيها وجوه اطمئنان القلب، وترادفت وجوه الأمن، وسكون القلب متابعة تترى، وذلك بملاحظة خواص عجيبة لهذه الوسائل الحسينية. منها: إن الشرط لقبول الصلاة التي هي شرط قبول الأعمال: الإقبال وينوب مناب الإقبال: النوافل الرواتب، فهي تؤثر في قبول الصلاة الواجبة، فإذا كانت مؤثرة في قبول الفرائض، فهذه الوسائل التي وردت في فضلها أضعاف الرواتب، تؤثر في القبول بطريق أولى. ومنها: إن القبول والحبط إنما يقعان في الأعمال والعبادات التي تقع من الشخص باختيار منه وتكلف، وفي الوسائل الحسينية تترتب الآثار وان لم يصدر العمل باختيار وقصد، مثلا: الرقة على مصائبه والبكاء عليه قد يقعان بملاحظة انه إمام مفترض الطاعة وهذان من الأعمال الصالحة، وقد تحصل الرقة والبكاء عليه من دون ملاحظة ذلك، فإذا سمعت ما جرى عليه، ولم تعرف عنه شيئا سوى انه من عباد االله أو انه من المسلمين أو انه مظلوم غريب، لغلبت عليك الرقة والبكاء على الأقل من ناحية ما أصاب الأطفال الصغار من الموت عطشا أو القتل بالسيف على صدره أو بالسهم على يديه أو من داسته الخيول وكذا هو حالك فيما لو سمعت بنزول هذا المصاب على مخالف للإسلام فإن غاية ما يستحقه إنما هي ضربة أو جرح أو قتلة، وأما الرض بعد القتل والضرب على الرأس المبارك، وصلبه في عدة أماكن، والنبش للقبر بعد مائتي سنة ...... إلخ فهو أمر مستنكر يوجب حصول الرقة وجري الدمع بلا اختيار، ومن أي شخص كان. هذا وقد روي أن يونس (ع) حينما كان في بطن الحوت سأل قارون وهو يعذب في بطن الأرض عن موسى وهارون وكلثم وآل عمران (ع) فلما اخبره بموتهم قال:وقد ورد في فضل زيارته: (انه قد ينال الشخص بها الأكل مع النبي المصطفى (ص) في الجنة على مائدته)، وأنا لست أهلا لذلك فأكتفي بأن أتخلص من أكل شجرة الزقوم. فهذه المؤثرات القوية العظيمة لا يمكن من جهة الموانع أن لا يبقى من آثارها هذه الجزئية. ومنها: إن الوسائل الكثيرة بالنسبة إليه كما سنذكرها يمكن أن تجتمع كلها في آن واحد، حتى ما مضى وقته ولم يأت وقته، وما يمكن الإتيان وما لا يمكن. وجميع المراتب منه - فيمكن للشخص في آن واحد تحصيل جميعا الوسائل من أدناها الذي هو التباكي عليه، وأعلاها الذي هو الشهادة بين يديه - وبحصولها يحصل على جميع العبادات في آن واحد. وذلك انه لو انعقد مجلس مثلا لذكر مصائب الحسين (ع) وتذكر ما صنع به، وحصل فيه ابكاء، وبكاء وتباك وحزن وهم ورقة وتوجه القلب إليه ُ ّلما ومصليا عليه مع إشعار القلب بجلالته، والمعرفة بحقه، وتصوير حالاته والاستعبار والجزع عليه وتمنى نصرته مس والشهادة بين يديه، فقد فاز بثواب كل الوسائل إليه، وعبد االله بجميع العبادات حتى الشهادة بين يديه، وسنذكر ما يدل على ذلك من الأخبار، ومع ذلك كله وعلاوة عليه يتصف ذلك المجلس بجميع صفات المشاهد الشريفة على ما يستفاد من الأخبار فيتصف بأربع عشرة صفة: الأول: انه مصلى الله تعالى يعني، محل صلواته على أهله الثاني: انه مشهد للملائكة المقربين الثالث: انه محل نيل الدعاء من النبي(ص) والوصي والزهراء والمجتبى (ع) الرابع: انه منظر الحسين المظلوم(ع) الخامس: انه محل خطابه لأهل المجلس ومكالمته معهم وقد ورد في فضل زيارته: (انه قد ينال الشخص بها الأكل مع النبي المصطفى (ص) في الجنة على مائدته)، وأنا لست أهلا لذلك فأكتفي بأن أتخلص من أكل شجرة الزقوم. فهذه المؤثرات القوية العظيمة لا يمكن من جهة الموانع أن لا يبقى من آثارها هذه الجزئية. ومنها: إن الوسائل الكثيرة بالنسبة إليه كما سنذكرها يمكن أن تجتمع كلها في آن واحد، حتى ما مضى وقته ولم يأت وقته، وما يمكن الإتيان وما لا يمكن. وجميع المراتب منه - فيمكن للشخص في آن واحد تحصيل جميعا الوسائل من أدناها الذي هو التباكي عليه، وأعلاها الذي هو الشهادة بين يديه - وبحصولها يحصل على جميع العبادات في آن واحد. وذلك انه لو انعقد مجلس مثلا لذكر مصائب الحسين (ع) وتذكر ما صنع به، وحصل فيه ابكاء، وبكاء وتباك وحزن وهم ورقة وتوجه القلب إليه ُ ّلما ومصليا عليه مع إشعار القلب بجلالته، والمعرفة بحقه، وتصوير حالاته والاستعبار والجزع عليه وتمنى نصرته مس والشهادة بين يديه، فقد فاز بثواب كل الوسائل إليه، وعبد االله بجميع العبادات حتى الشهادة بين يديه، وسنذكر ما يدل على ذلك من الأخبار، ومع ذلك كله وعلاوة عليه يتصف ذلك المجلس بجميع صفات المشاهد الشريفة على ما يستفاد من الأخبار فيتصف بأربع عشرة صفة: الأول: انه مصلى الله تعالى يعني، محل صلواته على أهله الثاني: انه مشهد للملائكة المقربين الثالث: انه محل نيل الدعاء من النبي(ص) والوصي والزهراء والمجتبى (ع) الرابع: انه منظر الحسين المظلوم(ع) الخامس: انه محل خطابه لأهل المجلس ومكالمته معهموبعد تيقن ذلك ختمت المكالمة مع النفس، وتحقق الرجاء والواثق الخالص بالوسائل الحسينية، فتوجهت إلى صاحبها وعقدت معه عقد الوسائل بتأليف كتاب جامع لخصائصه التي امتاز بها من جميع المخلوقات حتى الأنبياء والأئمة سلام االله تعالى عليهم، وسميته بخصائص الحسين (ع) ومزايا المظلوم (ع) أرجو بفضل ربي عز وجل أن يجعله لي في ظلمات القبر ً ونورا،ً ومن مخاوف الفزع الأكبر أمنا ً وسرورا ،ً وعند إيتاء الكتب - كتاب الحسنات يخرجه لي ألقاه منشورا ً ، وفي ضياءا ً ومدى الاعصار ذكراً موفورا ،ً بحول منه وقوة (وما توفيقي إلا باالله عليه توكلت واليه أنيب) مخازي ذلك اليوم كرامة وحبورا وفيه مقدمة ومقاصد.
      يتبع

      العنوان الأول

      تعليق


      • #4
        العنوان الأول
        في مجال وجوده من بدء خلق نوره (ع) إلى بعد يوم الجزاء وفيه مقاصد







        المقصد الأول
        ما يخصه في ابتداء خلق نوره




        إعلم إنه قد اختلف الحكماء من اليونانيين وغيرهم من العلماء في أول ما صادر عن الأول وفي تعيين أول المخلوقات، واختلف المتكلمون والمليّون أيضا في ذلك، واختلفت الأخبار في ذلك أيضا فذهب أكثر الحكماء إلى إن أول المخلوقات العقل الأول، ثم العقل الأول خلق خلق العقل الثاني، والفلك الأول، وهكذا إلى إن انتهى إلى العقل العاشر فهو خلق الفلك التاسع، وهول العناصر، وتقريره إن العقل الأول المخلوق لله له ثلاث جهات: وجود من المبدأ الأول، ووجوب بالنظر إلى المبدأ الأول، وإمكان من حيث ذاته.

        فكان بذلك الوجود سببا لعقل آخر وبذلك الوجوب سببا لنفس فلك، وبذلك الإمكان سببا لجسم فلك، وعلى هذا النهج يصدر من العقل الثاني إلى العقل العاشر.

        وذهب ثاليس الملطي إلى إن أول المخلوقات الماء، وذهب بليناس الحكيم إلى إن الله لما أراد إن يخلق الخلق تكلم بكلمة فكانت تلك الكلمة علة الخلق، وحدث بعد هذه الكلمة العقل، فدل بالفعل على الحركة، ودلت الحركة على الحرارة، والذي دلت عليه الروايات الصحيحة الكثيرة، إن أول مخلوق هو نور محمد المصطفى (ص)، ودل على ذلك العقل السليم، فان العلة في الاشرفية وكثرة الاعتناء والاحبية إلى الله توجب التقدم في الخلقة، وفي بعض الروايات نوره ونورهم.

        وإذا قد تحقق إن الحق هو إن أول المخلوقات هو نور النبي (ص) أو نوره وأنوارهم، فعلى كلا التقديرين (نقول) إن أول المخلوقات هو نور الحسين (ع) لان النبي (ص) قال: (حسين مني وأنا من حسين) وفي رواية أخرى (أنا من حسين وحسين مني) فهو أول مخلوق وأول ما صدر عن الأول.

        فكل مخلوق تابع له فلا غرور أن يبكيه كل مخلوق، فإذا قلنا بكاه كل مخلوق فلا تتوهم إنه مبالغة، أو استعارة تمثيلية أو خيال أو بكاء بلسان حال، أو فرض أو تقدير، لا بل ذلك حقيقة في الباكين من جميع الموجودات، من نبي أو ملك أو فلك أو انس أو جن أو شيطان أو شمس أو جنة أو قمر.

        لا أقول في هذا العالم فقط بل شموس جميع العوالم وأقمارها وسمأواتها وأراضيها وسكإنها، ففي الرواية: خلق الله ألف ألف عالم وألف ألف ادم وانتم آخر العوالم والآدميين.

        وهكذا بكاء كل شيء بكاء حقيقي وان كان في كل بحسبه، وليس مرادي من بكاء كل شيء بكاؤه بعد قتله فقط، فان بيان ذلك له أبواب على حدة تذكر بعد باب شهادته، بل المراد بكاء كل شيء عليه قبل قتله، كما في زيارة شعبان، مروية عن القائم صلوات الله تعإلى عليه، (بكته السماء ومن فيها والأرض ومن عليها ولما يطأ لابتيها) * أي: مثنى لابة وهي الأرض ذات الحجارة السوداء وليس المراد من بكاء كل شيء عليه قبل قتله حصول ذلك، في الجملة، بل أقول: إنه حيث خلق أول ما خلق مظهرا للخشوع والخضوع، فكل خضوع وانكسار في العالم فله وبه والذي هو في باطنه وحقيقته لله تعإلى وحده الحي القيوم، و كما قال الحكماء المحققين:

        كل انكسار وخضوع به وكل صوت فهو نوح الهواء

        وليس مرادي من بكاء كل شيء على قتله إن ما قتل به خارج عن ذلك، لإنه المبكي عليه.

        بل أقول كما قال ذلك الحكيم في قصيدته:


        السيف يفري نحره باكيا والرمح ينعى قائما وينثني
        فالنبل يـصـيبه ويبكي والرمح شائل للرأس يبكي
        وليس مرادي من بكاء كل شيء على قتله - إن قتلته خارجون عن ذلك - بل هم بوجودهم العام وماهيتهم يصيبهم الانكسار ويبكون عليه بحقائقهم وفطرتهم، ولكن بمقتضى صفات أفعالهم الاختيارية التي بها خلدوا في النار، لا يبكون إلا إذا غفلوا، فيبكون البكاء الظاهري الاختياري كمعرفة الله تعإلى بالنسبة إلى الذين (جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً) فكما إن الزنادقة والدهرية إذا غفلوا عن مقتضى عنادهم وجحودهم نطقوا بالتوحيد، فكذلك أعداؤه وقاتلوه إذا غفلوا يبكون عليه سلام الله عليه، بل إذا لم يغفلوا ولاحظوا عدأوته وأرادوا قتله وسلب عياله غلبهم البكاء بلا اختيار، كما ظهر ذلك من حالة ابن سعد حين أمر بقتله، وحالة السالب لقرطي فاطمة بنت الحسين (ع)، وحالة يزيد لعنه الله لما أراد الاسارى فرّق لهم، وقال: قبّح الله ابن مرجانة.






        المقصد الثاني
        خصائص نوره بعد خلقه إلى حين ولادته




        إعلم إن الله جل جلاله لم يزل متفردا، ولم يكن مخلوق ولا زمان ولا مكان، فلما ابتدأ بخلق أفضل المخلوقات واشتق من نوره نور عليا وفاطمة والحسن والحسين (ع)، جعل لهم محالا متعددة وعوالم مختلفة، كما يظهر من مجموع الروايات المعتبرة.

        فمنها: قبل خلق الخلق

        ومنها: قبل خلق آدم (ع)

        ومنها: بعده(ع)

        أنوارا تارة، وأشباح نور تارة، وظلالا تارة وأنوارا في الجنة تارة، وعمود نور اُقذف في ظهر ادم (ع) تارة، وفي أصابع يده أخرى وفي جبينه أخرى، وفي جبين كل من الأجداد من ادم (ع) إلى والد النبي (ص) عبد الله بن عبد المطلب، وفي جبين كل جدة عند الحمل ممن هو في ترائبها من حواء إلى أم النبي (ص) آمنة بنت وهب (ع). ثم لنورهم محالا متعددة قدّام العرش، وفوق العرش وتحت العرش وحول العرش، وفي كل حجاب من الحجب الاثنى عشر، وفي البحار وفي السرادقات، ولبقائهم في كل محل مدة مخصوصة.

        فمدة وجودهم قبل خلق العرش أربعمائة وعشرون ألف سنة، وزمان كونهم حول العرش خمسة عشر ألف سنة قبل ادم (ع)، وزمان كونهم تحت العرش إثنا عشر ألف سنة قبل ادم (ع)، وليس المقام مقام هذه التفاصيل فإنه يحتاج إلى كتاب مستقل. إنما المقصود بيان خصائص الحسين (ع) في نوره، وامتياز نوره من الأنوار في جميع هذه العوالم والحالات في الظلال والأشباح والذرات، وحين تجسمه بالشجرة في الجنة، والقرط في أذن الزهراء عليها السلام وهي في الجنة في إحدى هذه العوالم.

        فنقول: إن هذه الأنوار في هذه العوالم مصدرها نور النبي (ص) وامتيازه كون نوره من نوره، فإنه من حسين وحسين منه (ص)، وحين افتراقهما كان لنور الحسين (ع) خصوصية في إن رؤيته كانت موجبة للحزن، كما اتفق لآدم (ع)، حين ظهرت الأنوار في أصابعه وكان نور الحسين (ع) في الإبهام، وقد بقي هذا التأثير إلى الآن، فان من غلب عليه الضحك، إذا نظر إلى إبهامه غلبه الحزن.

        واتفق لإبراهيم (ع) أيضا حين رأى الأشباح فكان شبحه في تلك العوالم، كما إن التنطق باسمه وسماعه كان مورثا للحزن، بل سوى ذلك فيما انتسب إلى نوره، كما في حديث المسامير الخمسة، التي أتى بها جبرائيل (ع) ليسّمر بها جوانب السفينة، كل مسمار باسم واحد من الأنوار الخمسة (ع) فلما اخذ المسمار المنتسب إلى نور الإمام الحسين (ع) أشرق وأحس منه رطوبة بلون الدم، فسأل عن ذلك! فاُجيب بإنه مسمار الحسين (ع)، وسبب ظهور الدم منه شهادته بالكيفية الخاصة.

        ومن الخصوصيات لنوره (ع): إن النور الذي كان يظهر على جبين الأمهات عند الحمل بأحد الأجداد للنبي (ص) وعلى جبين آمنة عند الحمل بالنبي (ص)، فإنما ذلك لعدم كون أنفسهن من هذه الأنوار فإذا حملته ظهر أثره في الجبهة، وأما إذا كانت الأم بذاتها من الأنوار، فلا وجه لظهور النور، ولا يظهر على الوجه بالخصوص نور زائد على ذلك، فلم يظهر على جبهة الزهراء (ع) حين حملها بالحسين (ع) نور زائد على نور وجهها المبارك، ولكن خصوصية الحسين (ع) إنها لما حملت بالحسين (ع) قال لها النبي (ص) " أني أرى في مقدم وجهك ضوء ونورا وستلدين حجة لهذا الخلق "، وقالت عليها السلام: " إني لما حملت به كنت لا أحتاج في الليلة الظلماء إلى مصباح " فخصوصية نور الحسين (ع) إنه يظهر على النور أيضا، ومن خصوصياته أيضا، إنه يغلب النور أيضا، ولذا قال من رآه صريعا وهو في الشمس نصف النهار حين قتله: والله لقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله.

        ومن خصوصياته أيضا: إنه لا يحجبه حاجب، كما قال ذلك القائل: أني ما رأيت قتيلا مضمخا بدمه * أي التلطخ بالطيب وغيره والإكثار منه، أني ما رأيت مضمخا بالدم والتراب أنور وجها منه " فلم يحجب التراب والدم الذي علا على وجهه نوره الذي علا كل نور.



        يتبع


        المقصد الثالث
        في خصوصيته بعد ولادته

        تعليق


        • #5
          المقصد الثالث
          في خصوصيته بعد ولادته




          وأول محل حل فيه بعد الولادة، يدا النبي المصطفى (ص). فإنه كان واقفا بباب الحجرة ينتظر ولادته المباركة، فلما سقط ساجدا لله تبارك وتعإلى نادى النبي (ص) يا أسماء هلمي إليّ ابني، فقالت: إننا لم ننظفه بعد، فقال: أنت تنظفيه؟ إن الله قد نظفه وطهره، فأتته به إليه في خرقة من صوف، فأخذه بيده ونظر إليه وبكى، وقال: عزيز عليّ يا أبا عبد الله، ثم بعد ذلك كانت محاله كتف جبرائيل (ع)، وعلى عاتقه تارة آخري، وكتف النبي (ص) تارة، وظهره تارة، وصدره أخرى، وعلى يده رافعا ليقبل فاه تارة، ورافعا له يريه الناس أخرى، وعلى هره وهو ساجد تارة، وعلى يدي عليا وهو يمسكه والرسول يقبل جميع أعضائه تارة، وكان آخر محل له صدر الرسول (ص) حين احتضاره، ويقول (ص): مالي وليزيد، لا بارك الله في يزيد....، اللهم صلي على محمد حبيبك وآله المعصومين.






          المقصد الرابع
          خصوصية محله عند شهادته




          وخصوصية محله بعدها قبل أن يدفن، له في ذلك خصائص، بالنسبة إلى كل نبي وإمام قتيل فان كل قتيل منهم قد قتل أو سم وهو في بيته، أو في البلد، أو في المحراب، أو في الطشت، ولم يتفق لأحد منهم القتل على التراب وما جرى في تفاصيل مقتله من مصائب ما أعظمها وأجلها. فله خصائص في محل جسده، وهو إنه لما قتل رفع بجسده إلى السماء الخامسة، ثم اُرجع إلى ارض كربلاء، وبقي على الأرض طريحا ثلاثة أيام برمضاء كربلاء.

          وله خصائص في محل رأسه: وهي إن له محالا كثيرة، من كونه في الأيدي وعلى الرماح منصوبا، وعلى الشجر معلقا، وعلى باب دار زيد، وعلى باب دمشق مصلوبا، وفي الطبق عند ابن زياد، وفي الطشت عند يزيد موضوعا، ومن دورإنه في البلاد الكثيرة من كربلاء إلى الشام، وقيل من الشام إلى مصر، وقيل من مصر إلى المدينة، ومن الشام إلى كربلاء، أو من الشام إلى السماء.






          المقصد الخامس
          خصوصية محله في برزخه




          في الحديث: " إنه في يمين العرش ينظر إلى مصرعه ومن حل فيه، وينظر إلى معسكره وينظر إلى زواره وهو أعرف بهم وبأسمائهم وأسماء أبائهم وبدرجاتهم ومنزلتهم عند الله تعإلى من أحدكم، وإنه ليرى من يبكيه فيستغفر له، ويسأل أباءه أن يستغفروا له، ويقول: أيها الباكي لو تعلم ما أعد الله لك لكان فرحك أكثر من جزعك ".






          المقصد السادس
          خصوصية محله في المحشر




          في الروايات: أن له مجلسا تحت ظل العرش خاصا به له خصوصية، هي إن أهل مجلسه من الباكين عليه والزائرين له مستانسين بحديثه، وهم آمنون، وعند جلوسهم عنده، يرسل إليهم أزواجهم من الجنة: إنا قد اشتقنا لكم، فيأبون الذهاب إلى الجنة، ويختارون حديث الحسين عليه السلام.

          ثم إنه (ع) له موقف في المحشر خاص به يوجب اضطراب كل أهل المحشر، وتشهق فاطمة الزهراء (ع) إذا نظرت إلى موقفه ذلك، وهو حين يحشر قائما ليس عليه رأس، وأوداجه تشخب دما وله تفصيل يذكر في محله.






          المقصد السابع
          خصوصية محله في الجنة بعد يوم الجزاء




          اعلم أن لكل إمام محلا خاصا في الجنة، وله (ع) مع ذلك درجات مخصوصة، قد أخبره (ص) بها، بقوله (وإن لك في الجنان لدرجات لا تنالها إلا بالشهادة)، ومع ذلك فهو زينة لكل مواضع الجنة، فكإنه في كلها وكلها له.

          انتهى العنوان الأول

          يتبع
          العنوان الثاني
          في صفاته وأخلاقه وعباداته العامة المطلقة​



          تعليق


          • #6



            العنوان الثاني
            في صفاته وأخلاقه وعباداته العامة المطلقة




            وليس المراد بيان صفات الإمامة فإنها مما لا تصل العقول إلى كنهها، ولا يحيط ببيانها الأرقام ولا الأقلام، ويلزم على كل مكلف معرفتها إجمالا للمعرفة بحق الأئمة (ع)، ولا بيان محض صفاته الممتاز فيها أيضا

            إنما المقصود بيان خصوصية في صفات خاصة وعبادات خاصة وهي على قسمين:

            الأول: صفات مطلقة، وعبادات مطلقة له على مدة الحياة.

            الثاني: خصوصية لتلك الصفات، وخصوصية للعبادة في يوم الطف فكل من هذين عنوان مستقل، وهذا العنوان لبيان خصائصه الدائمة، وخصوصيات له في صفات خاصة ثابتة له مدة عمره.

            فنقول:

            منها: إباء الضيم: فله نحو خاص به، قال (ع) لما أرادوا منه النزول على حكم يزيد، وابن زياد: " لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا اقر إقرار العبيد. " بل يقال: انه سن اباء الضيم وأن أباة الضيم يتأسون به.

            ومنها: الشجاعة: ولها كيفية خاصة به، ولذا قيل: الشجاعة الحسينية، فقد ظهرت منه في يوم الطف في حالته، شجاعة ما ظهرت من احد أبدا، ولم يتفق مثلها حتى لوالده الكرار (ع) ولا لغيره من المعروفين بهذه الصفة.

            ومنها: العبادة: فله منها خصوصية هي أنه اشتغل بها في بطن أمه، فكانت تسمع منه الذكر والتسبيح إلى إن رُفع رأسه على الرمح، وسُمع منه الذكر وقراءة القران، وهذه الخصوصية زائدة على ما قاله السجاد (ع) حين قيل ما اقلّ ولد أبيك؟ قال: العجب كيف وُلدت له، كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة.

            ومنها: مراعاة الحقوق: فقد علّم عبدالرحمن السلمي ولد الحسين عليه السلام سورة الحمد، فلما قراءها على أبيه أعطاه ألف دينار وألف حلة وحشا فاه درا وقال: أين يقع هذا من حقه.

            ومنها: العطاء للسائلين: فله (ع) خصوصية وهي الحياء عند العطاء، فالناس تعرض لهم حالة رد السائل وهو (ع) له حالات عجيبة تعرض له عندما يريد أن يعطيه سؤله، وتراه يرق على السائل بسبب الذل العارض له، حين إعطائه له لا لفقره واحتياجه وصعوبة ذلك، بل لأجل السائل وحيائه منه.

            فمن ذلك قضية الأعرابي الذي سأله فدخل البيت وشد له أربعة آلاف درهم في ردائه فأخرجها له من شق الباب حياء من حين أراد إن يعطيه ثم انشد عليه السلام قائلا:

            خـذهـا فاني إلـيـك معتذر واعلم باني عليك ذو شفقة
            لو كان في سيرنا الغذاة عصا أمست سحابا عليك مندفقة
            لـكـن ريب الزمان ذو غيّر والـكـف مني قليلة النفقة
            ومن هذه الخصوصية: أنه أعطى لسائل أتى إليه ألفا فأخذها ينقدها فقال الخازن: بعتنا شيئا؟ قال: ماء وجهي فقال الحسين عليه السلام صدق، أعطه ألفا وألفا وألفا، الأول لسؤالك، والألف الثاني لماء وجهك، والألف الثالث، لأنك أتيتنا وأعطاه رجل رقعة فقال له: حاجتك مقضيه قبل قراءتها. فقيل له: هلا رأيت ما فيها! قال عليه السلام: " يسألني الله تعالى عن وقوفه بين يدي حتى أقراها " وهذه الصفة الخاصة قد بلغت فيه بحيث انه يستحي من ذل الجاهل حين يريد أن يعلمه، لا محض ذل السائل حين يريد أن يعطيه.

            كما ورد في الرواية: انه رأى رجلا لا يحسن الوضوء، فأراد أن يعلمه فاستحى من ذله حين يتعلم، فقال لأخيه، نحن نتوضأ قدامه ثم نسأله أي الوضوءين أحسن؟ ففعلا ذلك، فقال الإعرابي: كلاكما تحسنان الوضوء، وأنا الجاهل الذي لا أعرف.

            ومنها: رقة خاصة له على أهل الهموم والغموم: حتى انه دخل على أسامة بن زيد وهو محتضر ليعوده، فتأوه أمامه، فقال: واغماه، فقال (ع) ما غمك يا أخي؟ فقال: ديّن علي ستون ألفا، فقال (ع): علي قضاؤها، قال: أحب أن لا أموت مديونا، فأمر عليه السلام بإحضار المال ودفعه إلى غرمائه قبل خروج روحه.

            ومنها: الصدقات: فقد تحققت منه خصوصية فيها، ما سمعتها من غيره، وذلك إنهم رأوا في ظهره يوم الطف ثفنات، فسئل السجاد (ع) عنها، فقال (ع) " إن ذلك مما كان ينقله في الليل على ظهره للأرامل والأيتام المساكين، قال الراثي:

            وان ظهرا غدا للبر ينقله سرا إلى أهله ليلا لمكسور
            ومنها: شدة عزم وحزم خاص في التخليص من عذاب الله: ولذا اختار اشد التكاليف ليفوز بدرجة خاصة تؤثر شفاعته في المستوجبين للعقاب، وليس مقصودي بيان ذلك خاصة، إنما غرضي كيفية اهتمامه بذلك حتى في حفظ أعدائه عن ذلك بالسعي في رفع العذاب عنهم، حتى أنه لما أتى إليه من أتى لقطع الرأس تبسم (ع) في وجهه ثم وعظه، وإذا رأى أنه لا يفيد فيهم التخليص الكلي كان يسعى لهم في التخفيف، كما في قضية هرثمة بن أبي مسلم لما لم تنجع فيه الموعظة، قال: فامض حيث لا ترى لنا مقتلا، ولا تسمع لنا صوتا، وكذلك للجعفي، كما سيجيء.

            ومنها: شدة خوفه من ربه تبارك وتعالى: ولقد كان بحيث إذا توضأ، تغير لونه وارتعدت مفاصله، فقيل له في ذلك، فقال (ع): حق لمؤمن يقف بين يدي المالك القهار أن يصفر لونه وترتعد مفاصله، وقد تعجب الناس الذين شاهدوا حالته من شدة خوفه حتى أنهم قالوا: ما أعظم خوفك من ربك، فقال (ع): " لا يأمن يوم القيامة إلا من خاف الله في الدنيا "

            أقول: فانظر إلى سيد الشهداء يريد الوضوء لعبادة الله كيف ترتعد فرائصه ويصفر لونه، ونحن نشتغل بالكبائر الموبقة، ولا يحصل لنا اضطراب بوجه من الوجوه، فكيف ندّعي إن لنا في الحسين (ع) أسوة، وهو يرتعد عند أفضل العبادادت، ونحن لا تأخذنا أدنى واهمة عند اشد المعاصي، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

            ومن صفاته الخاصة: مدحه بالنسبة إلى المادحين، فنقول، قد مدحه الله تعالى في كتابه العزيز بمدائح: منها - انه النفس المطمئنة، فكما هو متعارف عند الروايات انها نزلت في امامنا الحسين عليه السلام وانه من أبرز مصاديقها كما انها سورة امامنا الحسين عليه السلام (يا أيتها النفس المطمئنة).

            ومنها: انه كفل من رحمته (اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته).

            ومنها: انه من أعلى أفراد الوالد الذي قضى ربك بالإحسان إليه (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا)، فهل أحسنت إلى هذا الوالد يوما؟..

            ومنها: انه قتل مظلوما غريبا) ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا).

            ومنها: انه ذبح عظيم) وفديناه بذبح عظيم) ومنها: (كهيعص).

            وقد سماه بأسماء:

            الأول: الفجر، (والفجر)

            الثاني: الزيتون، (والتين والزيتون)

            الثالث: المرجان، (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان)

            وقد كتُب مدحه عن يمين العرش: " إن الحسين مصباح الهدى وسفينـة النجـاة ".. وقد مدحه في الأحاديث القدسية بمدائح:

            منها:

            ما في حديث وضع اليدين قال تعالى: " بورك من مولود عليه صلواتي ورحمتي وبركاتي " وقد وصفه بأنه: " نور أوليائي وحجتي على خلقي والذخيرة للعصاة ".. كما سيجيء تفصيله في عنوان الألطاف الخاصة.

            وقد مدحه رسول الله المصطفى (ص) بمدائح عجيبة:

            منها:

            انه صلوات الله تعالى عليه وآله قال له يوما: مرحبا بك يا زين السموات والأرض، وقال أبي بن كعيب: وهل غيرك زين السموات والارض؟

            قال (ص): يا اُبي والذي بعثني بالحق نبيا إن الحسين بن علي (ع) في السموات أعظم مما في الأرض، وقد كتب الله في يمين العرش:" إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة " ثم اخذ بيده وقال: أيها الناس هذا الحسين بن علي فاعرفوه وفضّلوه كما فضّله الله تعالى "،، إلى غير ذلك من الأحاديث والروايات الكثيرة المستفيضة.

            وقد مدحه جميع الأنبياء والملائكة، وعباد الله الصالحين، لكن خصوصيته في الممدوحية انه ممدوح الأولياء، والأعداء. فقد اختص بمدح أعدائه له، فقد مدحه معاوية في وصيته ليزيد، ومدحه بن سعد في بعض أبياته، ومدحه قتلته حين وقفوا لمبارزته وأشهدهم، ومدحه شمر قاتله حين قال له: كفء كريم ليس القتل بيده عارا، ومدحه سنان حين اشتغل بقتله فقال:

            أقتلك اليوم ونفسي تعلم علما يقينا ليس فيه مكتم
            ولا مجال لا ولا تكتم إن أباك خير من تكلم
            ومدحه رافع رأسه حين جاء به إلى ابن زياد

            فقال:

            املأ ركابي فضة أو ذهبا إني قتلت السيد المحجبا
            قتلت خير الناس أما وأبا وخيرهم إذ ينسبون نسبا
            وقد مدحه يزيد في مجلسه حين دخلت عليه هند زوجته في مجلس عام حاسرة، فغطاها فقال لعنه الله تعالى: اذهبي وابكي واعولي على الحسين صريخة قريش، فقد عجل عليه ابن زياد، * المصدر: مقتل الخوارزمي 2:74

            فإذا كان قول عدوه الفاسق الفاجر يزيد: اعولي عليه فما بالكم ساكتون عن البكاء، أما تنادون بالعويل على سيد شباب الجنان!

            خاتمة * هذه نبذة من أوصافه ومدائحه، وقد حاولت أمرا صعبا وأنى لي بمعرفة من قال (ص) في حقه بعد جميع ما تبين:

            " اعرفوه وفضلوه كما فضله الله تعالى "

            فلنقتصر على ذكر صفة خاصة من خصائصه، وهي من فروع جميع الأضداد في صفاته، وتلك الصفة الخاصة انه (ع): موجب للحزن والسرور، وانه سبب الأسف وسبب الفرح، بيان ذلك: انه حيث كان سبب الحزن لكل مؤمن بالله تعالى، ومن أول خلقه إلى يوم البعث لأسباب كثيرة قد اشرنا إلى بعضها، وسنذكرها بل وقد صار سببا للحزن لأهل تلك النشأة التي هي ليست بدار حزن، فجعله الله تعالى سبب الفرح والسرور لكل مؤمن جبرا له وفطرة، وذلك بأن الله تعالى خلق الجنة والحور من نوره حين الاشتقاق من الأنوار كما في رواية عن انس بن مالك عن النبي المصطفى (ص) قال: " إن الله تعالى خلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق ادم حين لا سماء مبنية ولا ارض مدحية ولا ظلمة ولا نور ولا شمس ولا قمر ولا جنة ولا نار."

            فقال العباس: كيف كان بدءُ خلقكم؟ فقال (ص): يا عم لما أراد الله تعالى أن يخلقنا تكلم بكلمة، خلق منها نورا، ثم تكلم بكلمة أخرى خلق منها روحا، ثم مزج النور بالروح فخلقني، وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين، فكنا نسبحه حين لا تسبيح ونتقدسه حين لا تقديس "، فلما أراد الله تعالى أن ينشيء خلقه فتق نوري فخلق من العرش، فالعرش من نوري، ونوري من الله، ونوري أفضل من العرش، ثم فتق نور أخي، فخلق منه الملائكة فالملائكة من نور علي، وعلي أفضل من الملائكة، ثم فتق نور ابنتي الزهراء، فخلق منه السموات والأرض، فالسموات والأرض من نور ابنتي فاطمة، ونور ابنتي فاطمة من نور الله تعالى، وابنتي فاطمة أفضل من السموات والأرض، ثم فتق نور ولدي الحسن، فخلق الشمس والقمر من نور ولدي الحسن، ونور الحسن من نور الله تعالى، والحسن أفضل من الشمس والقمر، ففتق نور ولدي الحسين، فخلق منه الجنة والحور العين، فالجنة والحور العين من نور ولدي الحسين، ونور ولدي الحسين من نور الله تعالى، وولدي الحسين أفضل من الجنة والحور العين. "

            والحسين عبرة كل مؤمـن، وفرحة كل مؤمـن، ومن العجائب: في هذه الخصوصية انه سبب الفرح به وهو الجنة والحور العين - قد صار سببا لعروض الحزن لها - فهو سبب الحزن حين تسبب السرور، فان الجنة قد بكت عليه لما وقع طريحا، والحور العين قد لطمت عليه في اعلي عليين. وأعجب من ذلك: انه حيث صار سببا لحزن الجنة، صار سببا لفرجها أيضا، فإنها قد طلبت من ربها إن يزينها فزّين الله تعالى أركانها بالحسن والحسين عليهما السلام، فماست كما تميس العروس فرحا، والحمد لله رب العالمين

            انتهى العنوان الثاني

            العنوان الثالث
            في خصائص صفاته واخلاقه وعباداته يوم عاشوراء​







            تعليق


            • #7

              العنوان الثالث
              في خصائص صفاته واخلاقه وعباداته يوم عاشوراء




              لهذه الخصائص خصوصية ظهرت في صفاته وعباداته يوم عاشوراء بالخصوص، وهي منشأ جميع الخصائص، ألا وهي امتثاله لخطاب خاص به من الله تعالى قد امتثل بعبادة خاصة به في يوم واحد، وتحققت بالنسبة اليه ألطاف خاصة في مقابل اجزاء تلك العبادة او لنقل العبودية للرب.

              وهي عبادة ما تحققت من احد قبله، ولا تحصل لاحد بعده، وهي عبادة جامعة لما يتصور من العبادات البدنية الواجبة والمندوبة، ظواهرها وبواطنها، روحها وصورتها، واتى بأكمل افراد كل واحد منها.

              فعَبَد الله تعالى بجميع مفردات تلك الكلمة وتراكيبها، وبهيئة اجتماعها في ظرف يوم واحد، واظهر مع ذلك فيه جميع مكارم الاخلاق والصفات الحسنة، متلائمها ومتضادها، بأكمل افرادها، واضاف الى ذلك تحمل اعظم الشدائد والابتلاء الحاصل لكل مبتلى، والصبر عليها بأكمل انواعه، بل الشكر عليها بأكمل وجوهه، وحازت هذه العبادات من كل مزية وخصوصية موجبة للفضيلة ازكاها واسناها، وزادت على ذلك كل خصوصية للعبادة في الشدة التي هي من خصوصيات بعض الانبياء (ع (والذين باهى الله تعالى بهم ملائكته.

              لذلك حصلت له من جميع ذلك خصوصية عبادة لم يكن له شريك فيها، وبسببها اختص بنداء خاص بقوله عز وجل: " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية"، واختص برضاه عن ربه تعالى ورضاه عنه "راضية مرضية "، واختص بعبودية خاصة وجنة خاصة منسوبة الى الله تعالى (فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) فلنشرع في تفصيل هذه العبادة بعون الله تعالى.

              فنقول: اعلم ان الله جل جلاله كلّف عباده بحسب مراتبهم، ودرجاتهم، ومصالحهم، فجعل لكل نبي شرعة ومنهاجا له، ولأمته، ولكل منهم خصائص بالنسبة الى اوصيائهم، كما جعل الله تعالى الملة الحنيفية السمحة السهلة لنبينا محمدا المصطفى صلوات الله عليه وآله، ولكن جعل له خصائص كثيرة تبلغ احدى وعشرين او ازّيد، وجعل لاوصيائه (ع) بالنسبة الى ما يتعلق بامامته ودعوته الى الدين احكاما خاصة مثبتة، (في صحف مكرمة. مرفوعة مطهرة. بايدي سفرة. كرام بررة) فجعل لكل واحد في ذلك تكليفا خاصا بيّنه لهم في صحيفة مختومة باثنتي عشرة خاتما من ذهب لم تمسه النار جاء بالصحف جبرئيل (ع) الى النبي (ص) قبل وفاته.

              وقال: يا محمـد! هذه وصيتك الى النخبة من اهل بيتك، قال (ص): ومن النخبة؟ قال (ع): علي بن ابي طالب ووُلده، فدفعها النبي (ص) الى سيد الوصيين عليا (ع) وامره ان يفك خاتما منها، ويعمل بما فيه، ثم دفعها الى ابنه الحسن (ع) ففك خاتما فعمل بما فيه، ثم دفعها الى اخيه الحسين (ع) ففك خاتما، فوجد فيه: ان اخرج بقوم للشهادة، لا شهادة لهم الا معك، واشرِ نفسك لله تعالى. اي بمعنى: بع نفسك لله، ثم دفعها الى علي بن الحسين صلوات الله عليهما ففك خاتما فوجد فيه: اطرق واصمت والزم منزلك واعبد ربك حتى يأتيك اليقين.

              ولما كان من التكليف المختص بالحسين (ع) " بع نفسك" والمراد به في خصوص يوم القتال، فلا بد ان يجمع في ذلك اليوم بين كل عبادة بدنية وقلبية وفعلية وتركية، واجبة، ومستحبة بانواعها واقسامها واصنافها، واشخاصها، المشتركة بين وبين غيره، والمختصة به (ع)، فاستحق المعاملة الكلية مع الله تعالى، وان يعطيه كل ما يمكن ان يعطيه المخلوق، وقد فعل ذلك.

              وحصلت له بإزاء ذلك الطاف خاصة جليلة، وخفية، وتفصيل هذه المعاملة، وبيان هذه العبادة، إنما يتحقق بأن نعنون للعبادات والأخلاق على نحو ما في كتب الفقه، ثم نذكر كيفية تاديته لها، ثم بعض خصوصيات جمعها وتركيبها.






              كتاب العبادات البدنية الواجبة




              وفيه أبواب:



              الأول: باب الطهارة الظاهرية العامة:

              فقد اغتسل ليلة شهادته بماء اتى به ولده علي مع علمه بانهم يضطرون اليه، وهذا من خصائصه فاختص بالجمع بين اقسام الطهارات، ثم تطّهر بطهور خاص: هو دم قلبه فتوضأ منه بغسل الوجه، ثم اغتسل غسل ترتيب بدمائه، فغسل بها رأسه ثم بدنه ثم ثم غسل بها غسل ارتماس تارة اخرى.

              واما الباطنية الخاصة: فقد توضأ في يوم العاشر بوضوء خاص، فملأ كفه من بعض دمائه وغسل بها وجهه وخضبه، ثم تيمم صعيدا طيبا مباركا فمسح به وجهه واضعا عليه جبهته حينما تهيأ لتسليم ما باعه لله تعالى.



              الثاني باب الصلاة:

              في الزيارة الجامعة ورد: واقمتم الصلاة، وفي زيارة الحسين (ع) بالخصوص: واقمت الصلاة، فله اقامة الصلاة المختصة به، فقد صلى في ذلك اليوم بأربعة أقسام من الصلوات.

              القسم الاول: الوداع لصلاة الليل، وهي التي لها استمهل القوم ليلة عاشوراء.

              القسم الثاني: صلاة الظهر في ذلك اليوم على طريقة صلاة الخوف، بنحو خاص به غير صلاة عسفان وذات الرقاع وبطن النخل * عسفان اي: موضع بين مكة والمدينة، وذات الرقاع: مخازن بنجد كانت تمسك الماء لبني كلاب، وبطن النخل: قرية قريبة من المدينة على طريق البصرة.

              القسم الثالث: روح الصلاة من اسرار افعالها واقوالها وكيفيتها على ما هو مذكور في كتاب الصلاة.

              القسم الرابع: صلى صلاة خاصة به بتكبير خاص وقراءة خاصة وقيام خاص وركوع خاص وسجود وتشهد وتسليم، احرم لها حين نزل من الفرس وقام حين وقف راجل، وركع حين كان ينوء اي: ينهض ويقوم، ويكبو اي: يسقط، وقنت بقوله:

              اللهم متعال المكان، عظيم الجبروت، شديد المحال، غنيا عن الخلائـق، عريض الكبرياء، قادرا على ما تشاء، قريب الرحمة، صادق الوعد، سابغ النعمة، حسن البلاء، قريبا اذا دعيت، بمحيطا بما خلقت، قابل التوبة لمن تاب اليك، قادرا على ما اردت، ومدركا ما طلبت، شكورا اذا شكرت، وذكورا اذا ذكرت، ادعوك محتاجا وارغب اليك فقيرا، وافزع اليك خائفا، وابكي اليك مكروبا، واستعين بك ضعيفا واتوكل عليك كافيا، احكم بيننا وبين قومنا فانهم غرّونا، وخدعونا وخذلونا وغدروا بنا، وقتلونا ونحن عترة نبيك، وولد حبيبك (ص) الذي اصطفيته بالرسالة، وائتمنته على وحيك، فاجعل لنا من امرنا فرجا ومخرجا، برحمتك يا ارحم الراحمين "



              ثالثا: باب الصوم:

              قد وقع التكليف به مختلفا، وهو اثنا عشر قسما ذكرتها في فصل مستقل، واعلاها صوم الحسين (ع)، فقد اتى بصوم امسك فيه عن الطعام وشرب الماء.

              واضاف اليهما الامساك عن جميع علائق القلوب والابدان، ولذا جعل الله تعالى لصومه افطارا خاصا اهداه اليه على يد نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وهو منتظر لوقت الافطار، كما اخبره به ولده علي الاكبر عليه السلام، وقال: هذا جدي بيده كأس مذحورة لك.



              رابعا: باب الجنائز:

              يجب تجهيز الاموات وتغسيلهم وتكفينهم وتحنيطهم الوصلاة عليهم، الا الشهيد في المعركة، فيجب الصلاة عليه ودفنه بثيابه، ويستحب التشييع لجنائزهم وحملها، والتربيع في حملها، وغير ذلك، الا الحسين (ع) لم يتمكن من الواجبات، ولعله اتى بأقل الواجب من الصلاة حسب الامكان، واما الدفن فروي انه (ع) حفر لرضيعه بسيفه فدفنه، لنكات:

              الاول: التمكن منه وحده

              الثاني: ان لا يقطع رأسه

              الثالث: ان لا يبقى مطروحا ثلاثة

              الرابع: ان لا يرض بحوافر الخيول

              الخامس: عدم القدرة على النظر اليه

              ولا ننسى انه روي ان اكثر من رضيع للحسين قتل يوم الطف، نعم قد فعل ما تمكن منه، من حمل الاجساد وجمعها ووضع بعضها على بعض، فاذا وجد من يحمل الجنازة معه فعل، ومع عدم الوجدان كان (ع) يحمل بنفسه ويشيع ويربع.



              خامسا: باب الزكاة والصدقات:

              فقد ادى زكاة البدن، وزكاة المال، لا العشر وربع العشر، بل جميعه حتى الثوب العتيق الذي لا قيمة له، ودفع ليلة عاشوراء اثوابا قيمتها الف دينار لفك الرقاب،وهو كما ورد في اللهوف لابن طاووس 41.



              سادسا: باب الحج:

              قد امتاز حجه من عباداته بخصوصيات، سنذكرها في عنوان ما يتعلق منه ببيت الله ان شاء الله تعالى.



              سابعا: باب الجهاد:

              في زيارة الجامعة، وجاهدتم في الله حق جهاده، وفي زيارة الحسين (ع) بالخصوص: اشهد انك قد جاهدت في الله حق جهاده، نعم له خصوصية (ع) في الجهاد فاُمر بجهاد خاص في احكامه لم يؤمر به احد قبله.

              وذلك من وجوه:

              الاول: ان من شرائط الجهاد في اول الاول ان يكون الواحد بعشرة لا اكثر، فيلزم ثبات كل واحد في مقابل عشرة من الكفار، ثم خفف الله تعالى عنهم، وعلم ان فيهم ضعفا فجعل شرط الوجوب ان يكون الواحد باثنين، فلم يوجب الجهاد اذا كان عدد العدو عشرة اضعاف المجاهدين، ولكن قد كتب عليه القتال وحده في مقابل ثلاثين ألفا او اكثر.

              الثاني: انه لا جهاد على الصبيان ولا على الهرم، وهو الشيخ الكبير، وقد شرع الجهاد في واقعته على البيان مثل القاسم (ع) وابن العجوز سلام الله عليهما، بل على مثل عبدالله بن الحسن (ع) وعلى الشيخ الكبير كحبيب بن مظاهر سلام الله عليه.

              الثالث: ان لا يظن الهلاك، ولكنه (ع) قد علم بأنه يقتل، فقال لاصحابه: اشهد انكم تقتلون جميعا ولا ينجو احد منكم الا ولدي علي.

              ثم ان اعداءه خالفوا في سلوكهم معه حتى الاحكام التي جعلها الله تعالى للقتال مع الكفار وهي كثيرة. منها: عدم القتال في الشهر الحرام، ولكنهم قاتلوه فيه. ومنها: ان لا يقتل صبي ولا امراة من الكفار، ولكنهم قتلوا منه صبيانا بل رضعا، فرضيعا حين اراد تقبيله ورضيعا حين اراد منهم ان يسقوه. ومنها: ان لا يحرق زرعهم، وقد احرقوا بعض خيامه اثناء حياته، وأرادوا حرقها مع من فيها فخاب كيدهم ولكنهم احرقوا بعضها الاخر بعد قتله. ومنها ان لا يهجموا دفعة اذ الشرط الوحدة في المبارزة، ولو مع الكفار. ومنها: ان لا يبدؤا في الهجوم قبل الظهر بل العصر حتى لا تطول المقاتلة، ويحول الليل بينهم لئلا يستأصلوا. ومنها: ان لا ينقل رأس من المعركة كما جاء في كتاب المبسوط للشيخ السيوطي 2:33، وقيل انه يكره نقل رؤوس الكفار الا مع نكاية بهم، فأصل قطع راس الكافر جائز ونقله في ارض المعركة جائز، ولكن لا يجوز ان ينقل من الميدان ومحل الحرب الى مكان اخر. ومنها: ان لا يسلب كبير الكفار إلا اذا قتل.

              حتى ان عليا (ع) لما قتل عمرا وهو الكفر كله، لم يسلب منه حتى درعه الذي لم يكن له نظير في ذلك الزمان على ما قيل ولم يكن من لباسه وقد سئل (ع) عن ذلك فقال: انه كبير قوم ولا احب هتك حرمته.

              وذلك حينما قال المصطفى (ص) فيه: برز الايمان كله الى الشرك كله، وبذلك فرحت اخته لما رأت اخاها غير مسلوب، وعلمت ان قاتله علي عليه السلام، فكان فرحها لشيئين:

              احدهما: ان قاتله كفء كريم، وشخص جليل لذا قالت:

              لو ان قاتل عمر غير قاتله لكنت ابكي عليه أخر الابد
              ثانيهما: انه (ع) قد احترمه بعدم سلب درعه، لذا قالت: " لا رقأت دمعتي ان اهرقتها "، تعني ان سروري باحترام قاتلك لك قد انساني مصيبة فتلك فلا ابكيك، بل يقال انها هلهلت فرحا، وقالت: يا اخي عشت طويلا جليلا مكرما، وقتلت بيد جليل محترما، ثم انشدت:
              لكن قاتله من لا يعاب به وكان يدعى قديما بيضة البلد
              فما ادري لو كان قاتل اخيها ابن راعية معزى، ابقع ابرص من ارذل الناس، فما كانت تصنع؟!

              ومنها: ان لا يمّثل بقتيل من الكفار حتى ان امير المؤمنين (ع) نهى عن المثلة بأشقى الاشقياء من الاولين والاخرين، وهو ابن ملجم، فقال عليه السلام:

              اذا متُ فلا تمثلوا به بعدي. وهذا الحكم ثابت عند الكفار، وعبدة الاصنام ايضا في الجاهلية. حتى بالنسبة الى المسلمين الذين قـُتلوا فإن ابا سفيان لما وقف يوم اُحد على الشهداء، بعد فرار المسلمين في الاطراف، ورأى جسد الحمزة، جاء اليه ووضع الرمح على فمه وضعاً وشمت بقتله.

              وقال: ذق يا شاق يا عاق.

              لكن لما رأى المثلة في اصابعه، وبطنه واخراج كبده، صاح بأعلى صوته: يا اتباع محمد ان قتلانا في قتلاكم مثلة، والله ما امرت بهذا ولا رضيت به.

              ولكن قد امر بأعظم المثلة دعيُ ابي سفيان، فكتب الى بن سعد: " اذا قتلت حسينا (اركب) الخيل ظهره وصدره.!

              ولست ارى ان هذا يضر بعد الموت شيئا، لكن على قول قد قلته: لو قتلته لفعلت هذا به. " ومنها: الا يُمر بنساء الكفار اذا اسرن على رجالهن القتلى، ولذا عاتب المصطفى (ص) بلالا حين مر بصفية، اسيرة على قتلى اليهود، حتى ارتجف وارتعدت فرائصه، ولكن عظمة المصيبة بالنسبة الى سبايا آل محمد (ص) ليست في مجرد المرور بهن على قتلاهن مضرجين بالدماء، بل في اصطحابهن لقتلاهن اياما كثيرة، تزيز على الشهر، وكون رؤوس القتلى بمنظرهن. ومنها: ان النساء من الكفار اذا اُسرن واسترققن وكنّ من بنات السلاطين فلا يعرضن للبيع في الاسواق، ولا يوقفن في المجالس، ولا تكشف وجوههن كسائر نساء الكفار، ولكن روي عن الباقر (ع): انه جيء بسبايانا الى الشام مكشفات الوجوه.

              فقال اهل الشام ما رأينا سبايا احسن وجوها من هذه السبايا ومع ذلك فقول الشامي ليزيد: هب لي هذه الجارية، يقرع الكبد اكثر من العرض للبيع ثامنا: باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر: له (ع) من ذلك قسم لم يكلف به غيره حتى انه تبسم في وجه قاتله ووعظه لما اراد قتله، ووعظ رأسه الشريف الراهب ودعاه الى الحق فأسلم على يديه.


              كتاب العبادات المستحبة






              اولا: باب سقي الماء:




              تعليق


              • #8
                كتاب العبادات المستحبة






                اولا: باب سقي الماء:

                والظاهر انه مستحب حتى للكفار في حال العطش، والبهائم وواجب في بعض الاوقات، واجره اول اجر يُعطى يوم القيامة كما ورد في كتاب من لا يحضره الفقيه 36:2 وقد تحققت منه (ع) انواع السقي كلها حتى السقي للمخالفين له والسقي لدوابهم بنفسه النفيسة، وسقي ذي الجناح فقال: اشرب وانا اشرب وحصلت منه انواع الاستسقاء كلها حتى بحفر البئر بيده الشريفة، وبالسؤال منهم بلسانه وبرسوله مقللا لكميته حتى بلغ السؤال لقطرة ايضا.



                ثانيا: باب الاطعام:

                " في يوم ذي مسغبة، يتيما ذا مقربة، او مسكينا ذا متربة "، وكفى في فضله ان الخلاص من العقبة قد حمل عليه في الاية الشريفة، والحسين (ع) لم يتمكن من هذه العبادة بالخصوص مع ان يوم عاشوراء علاوة انه كان يوما ذا عطش فقد كان يوما ذا مسغبة ايضا.

                ان الطعام كان مفقودا عندهم في ذلك اليوم، ولذا قال السجاد عليه السلام: قتل ابن رسول الله جائعا، قتل ابن رسول الله عطشان "، لكن من جهة شدة العطش لم يتحقق ذكر الاستطعام، لانه مذلة عظيمة لا تتحملها النفوس الأبية، بل وتستنكف الإطعام وان حصل بدون استطعام في هذه الحالة.

                ولذا لما اطعم اهل الكوفة الاطفال التمر والجوز صاحت بهم ام كلثوم (ع) " يا اهل الكوفة ان الصدقة علينا حرام، واخذت هي وزينب ما في افواه الاطفال، ورمته اليهم. فإن الطعام في هذه الحالة صدقة فيها اهانة وذلة، فيحرم عليهم وان لم يكن زكاة.



                ثالثا: باب ملاطفة الاباء اولادهم:

                فانه مستحب، ولتفريح البنات خصوصية في الفضيلة، وقد تحقق ذلك منه بأحسن وجوهه، وذلك بتسلية ابنته الصغيرة سكينة (ع)، بتقبيل وجهها ومسح رأسها وتسليتها فما ازدادت الا غصة وحزنا.



                رابعا: باب رد العادية واغاثة الملهوف:

                له من هذين المستحبين ما لم يتحقق لغيره منذ صارا من المستحبات، فقد رد العادية احسن رد لما صرخت النساء حين الاحاطة بهن فقال لهم:

                اقصدوني بنفسي واتركوا حرمي

                وقد اغاث اثنين وسبعين لهيفا من اصحابه (ع) حين كانوا ينادونه اذا صرعوا ليحضر عندهم، فأغاثهم كلهم، وأغاث سبعة وعشرون لهيفا من اهل بيته (ع)، نعم عزّ عليه ويعز ذلك علينا ان بعض اغاثاته صارت سببا لشدة المصيبة على من اغاثه، كما اتفق في اغاثته لابن اخيه على ما سيجيء ان شاء الله، ولذا قال (ع) " (عزّ والله على عمك ان يجيبك فلا ينفعك....".



                خامسا: باب ادخال السرور على المؤمن، وزيارته:

                وهما من افضل الاعمال، كما في الروايات، وقد سعى (ع) في ادخال السرور على المؤمنين والمؤمنات في ذلك اليوم تسليـات وملاطفات وامر بالصبر ووعظ، لكن حيث ان الميدان ارض كرب وبلاء بذاته وان يوم عاشوراء يوم اسف وحزن بذاته، لم يمكن ان يحصل سرور في قلوبهم، واما الزيارة فقد حصلت منه بعناوين مختلفة.



                سادسا: باب عيادة المريض:

                التي ورد فيها: ان عيادة المؤمن بمنزلة عيادة الله جل جلاله، وقد ظهر منه (ع) عيادة للمرضى والمجروحين حين دعوه اليهم ليعودهم فلم يكتف بمحض المجيء والجلوس عندهم، بل كان يخص بعضهم بملاطفات خاصة، وخصوصا الغرباء منهم، كالعبد الاسود، والغلام التركي الذي جاء اليه ووجده قتيلا ولكنه (ع) اراد عيادة واحد منهم فلم يتحقق ذلك وهو ابنه، فانه لادبه لم يدعه، لكنه لما سمع سلامه جاء اليه عالما بانه لا يدركه حيا، فصاح: يا بني قتلوك. نعم تحققت منه عيادة لولده السجاد (ع) وسؤال عن حاله حين اراد المبارزة، لكنها كانت اخر عيادة لموت العائد الصحيح قبل المريض المعاد، وتفصيلها في عنوان الشهادة.



                سابعا: باب تلاوة الذكر والدعاء:

                اما التلاوة فقد كان يتلو كتاب الله تعالى آناء الليل، واطراف النهار.

                ومع ذلك فقد استمهل الاعداء ليلة عاشوراء لأمور فاتح احدها التلاوة: فقد اهتدى بسماع تلاوته ومناجاته ثلاثون رجلا في تلك الليلة، وعبروا اليه من عسكر ابن سعد، واستشهدوا بين يديه، وتلا القران الكريم في يوم عاشوراء في مقامات خاصة: احداها حين وقف لولده قبالة القوم، وقد دامت تلاوته الى حين رفع رأسه على الرمح، فسمعت منه سورة الكهف.

                واما الذكر: فإن جميع حالاته وافعاله واقواله وحركاته وسكناته من عصر تاسوعاء الى عصر عاشوراء كانت ذكرا لله تعالى، وتذكراً للميثاق، وتعاهداً له، حتى أدى أمانته، ولم ينشغل بشيء من اللوازم البشرية والجسدية حتى أكل الطعام، هذا مع انه كان رطب اللسان دائما بالذكر حتى حين يبس لسانه، وأما الدعاء: فقد اشتغل به من اول الليل، وهو احد الامور التي استمهل الاعداء لاجلها ليلة عاشوراء، فاشتغل به في تلك الليلة الى الصباح.

                ودعا اول الصبح بقوله: " اللهم انت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وانت لي في كل امر نزل بي ثقة وعدة، كم من هم يضعف فيه الفؤاد، وتقل فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، انزلته بك وشكوته اليك، رغبة مني اليك عمن سوال، ففرجته " ثم كان اخر دعاء دعا به وهو طريح:" اللهم متعالي المكان عظيم الجبروت - والذي مرّ ذكره آنفا.








                كتاب العبادات القلبية والصفات الحميدة

                تعليق


                • #9
                  كتاب العبادات القلبية والصفات الحميدة




                  اعلم انه (ع) قد ابرز الاعلى من جميع مكارم الاخلاق في ذلك اليوم، ولنذكر اولا الاخلاق والصفات، فقد ورد في الرواية: ان الله تعالى قد خص بها رسله وهي اثنتى عشرة صفة كما في بعض الروايات:

                  منها: اليقين: وقد حصل له اعلاه فان حقيقة اليقين، ان تصرف النفس عن الدنيا، وتتجافى عنها، وقد حصل له يوم خرج من المدينة، ولما نزل كربلاء كتب الى اخيه وسائر بني هاشم من الحسين بن علي: الى اخيه محمد بن علي ومن قبله من بني هاشم: اما بعد: " فكأن الدنيا لم تكن، والاخرة لم تزل " فانه جعل الدنيا كأن لم تكن، وهذا عبارة عن تجافي القلب عنها بالكلية.

                  ومنها: الرضا: وقد كان عليه الشلام في اعلى درجات الرضا، فلما اراد الخروج من مكة: " كأني باوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن مني اكراشا جوفا، واجربة سبغا، لا محيص عن يوم خط بالقلم، رضا الله رضانا اهل البيت (صلوات الله تعالى عليكم) نصبر على بلائه ويوفينا اجور الصابرين " فانه رضي باعظم مصائبه وهو تقطع الاوصال اما بالجراح او بالرض...... الخ

                  ومنها: السخاء: وقد سخى (ع) لا بجميع ماله فحسب بل وبما يتعلق به.

                  ومنها: الشجاعة: وقد ورث عن النبي (ص) شجاعته كما في الرواية، فظهرت منه (ع) في ذلك اليوم شجاعة يضرب بها المثل، لا اقول انه (ع) اشجع منه ابيه وجده المصطفى صلوات الله تعالى عليهم، بل اقول انه لم يتفق لابيه ولا لجده المصطفى ولا لغيره من الشجعان المشهورين مثل ذلك، أي: لم يُقدر للنبي المصطفى ولا لاخيه وابن عمه المرتضى علي صلوات الله تعالى عليهما لم يُقدّر ان يكون لهما يوم كيوم الامام الحسين عليه السلام.

                  وكما قال عبدالله بن عمار: ما رأيت مكثورا اي: الذي كثرت عليه البلايا وعظمت، ما رأيت مكثورا قط قتل ولده واهل بيته واصحابه أربط جأشا منه، ولقد كان يحمل عليهم، وقد تكملوا نيفا وثلاثين ألفا فينهزمون بين يديه كانهم الجراد المنتشر، فأصل الحملة على ثلاثين ألفا، ناشيء عن قوة قلب ودال على كمال الشجاعة.

                  ومنها: الوقار والطمانينة: وقد ظهر منه فرد كامل توحد فيه، فانه كان كلما اشتد عليه الامر يوم عاشوراء يكثر وقاره، ويزيد اطمئنانه ويشرق لونه.

                  ومنها: رقة القلب: فكان يرق قلبه على كل من كان معه، لشدة ابتلائهم، ويسعى في رفع المصاعب عنهم، ولشدة رقة قلبه وروحه الطاهرة، عظمت مصائبه، فمن رقة قلبه: انه بمجرد رؤية ابن اخيه مريدا للمبارزة وهو يتيم حائر عطشان مكروب بكى حتى غشي عليه، فكيف تكون حاله اذا رأى حاله مرضضا قد وطاته الخيول بسنابكها حتى مات من ذلك.

                  ومنها: الحلم: ويكفي فيه انه مع جميع هذه الحالات تحمّل الضرب والجراحات، وما دعى عليهم الا اذا جرح باللسان، جرحا لم يتحمله، حتى ان بعض من ضربه بالسيف، وسبه كـ " مالك بن بسر " لم يدعُ عليه حين ضربه بل دعى عليه حين سبّه، وهذا لا ينافي الحلم، فإن تحمُـل الاستخفاف اذلال للنفس لا حلم ولذا قال (ع) " الموت خير من ركوب العار ".

                  ومنها: حسن الخلق: وقد ظهر منه (ع) مع ما كان عليه مدة عمره في يوم عاشوراء وليلتها، كيفيات عجيبة تظهر بملاحظة سلوكه مع كل واحد من الاصحاب والاهل والعيال والخدم والعبيد بحيث يعلم تفرده من لاحظ جزئيات حالاته في ذلك الوقت الموجب لتشتت الفكر.

                  ومنها: المروءة: وقد ظهر منه (ع) من هذه الصفة معهم من سقي الماء، وعدم الرضا بنصرة الجن، ما يقضي منه العجب، واعجب من ذلك، انه اراد احد اصحابه ان يرمي شمرا بسهم قبل التحام القتال حين جاء يكلمهم فقال (ع) " لا ترمه فإني لا أبدأ بالقتال.

                  ومنها: الغيرة: بالنسبة الى النفس، وبالنسبةالى الاهل، والعيال، اما بالنسبة الى النفس فاقواله في ذلك، شعره ونثره ونظمه حين حملاته معروفة، وافعاله الدالة على ذلك كثيرة.

                  لكن قد اقرح القلب واحد منها وهو: انه (ع) لما ضعف عن الركوب لضربة صالح بن وهب نزل او سقط عن فرسه على خذه الايمن، وقد قيل بطعنه على خاصرته طعنة منكرة، فلم تدعه الغيرة على العيال وتجنب الشماتة، ان يبقى ساقطا، لذا قام صلوات الله عليه، وبعد ذلك اصابته صدمات اضعفته عن الوقوف، فجلس صلوات الله تعالى عليه وتحاماه الناس حين جلوسه وعليه جبة خز، ثم اصابته صدمات اضعفته عن الجلوس، فجعل يقوم مرة ويسقط اخرى، كل ذلك لئلا يروه مطروحا فيشمتوا به.

                  واما بالنسبة الى العيال فقد بذل جهده في ذلك من حفر الخندق واضرام النار فيه وقوله:

                  (اقصدوني بنفسي واتركوا حرمي). حتى وصل الامر الى انه صبّ الماء الذي في كفه، وقد ادناه الى فمه وهو مقطع الكبد والفؤاد من الظمأ والاعياء، لما سمع قول القائل: انه قد هتكت خيمة حرمك.

                  ومنها: القناعة: فقد قنع (ع) من الدنيا لاتمام الحجة عليهم، بأن يذهب الى ثغر من الثغور، ثم ازدادت قناعته فقنع من جميع الدنيا واموالها بثوب عتيق مخرّق لا يُرغب فيه ولا قيمة له ابدا.

                  ومنها: الصبر: وهو مناط امام الائمة (ع)، وسبب جزائهم لقوله تعالى: " وجعلنا منهم أئمة يهدون بامرنا لما صبروا "، " وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا "

                  وقد روي في مهيج الاحزان بسند معتبر عن الصادق (ع) ما مضونه " انه مما اوحى الله تعالى الى نبيه (ص) ليلة المعراج، ان الله تعالى يختبرك بثلاث لينظر كيف صبرك فقال (ص): اُسلم امرك ولا قوة لي على الصبر الا بك، فأوحى انه لا بد ان تؤثر فقراء امتك على نفسك، فقال (ص): اُسلم ذلك واصبر، ولا بد ان تتحمل الاذى والتكذيب لما يصيب اهل بيتك، فاما اخوك فيغصب حقه ويظلم ويقهر، واما ابنتك فتظلم وتحرم ويؤخذ حقها غصبا الذي تجعله لها وتضرب وهي حامل ويدخل عليها وعلى حريمها ومنزلها بغير اذن، واما ولداك فيقتل احدهما غدرا ويسلب ويطعن، والاخر تدعوه اُمتك ثم يقتلوه صبرا، ويقتلون ولده ومن معه من اهل بيته، ثم يسبون حرمه. فقال (ص): انا لله وانا اليه راجعون اُسلم امري الى الله تعالى واسأله الصبر.

                  اقول: ولقد صبر صلوات الله عليه وآله في جميع ذلك عن كل شيء الا عن الحسين.

                  فلم يصبر عن البكاء عليه، فإن البكاء لا ينافي الصبر، بل هو لازم الشفقة، ورقة القلب، ولم يسمع انه ذكر يوما مصيبة نفسه، او احد اهل بيته وبكى، لكنه كان كلما ذكر الحسين (ع) او رآه، غلبه البكاء، وكان يقول لعلي (ع) امسكه، فيمسكه فيقبّل نحره فيقول (ع) له: لمَ تبكي؟ فيقول) ص) " اقبّل موضع السيوف منك وابكي.

                  وكان اذا رآه فرحا يبكي، واذا رآه حزينا يبكي، وكذلك عليا وفاطمة والحسن عليهم السلام، كانوا يبكون عليه لاجل ذلك، وقد اوصى (ع) اهل بيته بالصبر حين الوداع ووعظهم، ونهاهن عن خمش الوجوه اي خدشها ولطمها وضربها، وشق الجيوب والدعاء بالويل، ولكن قال (ع) لا امنعكم من البكاء نعم قد منع ابنته عن البكاء حال حياته لئلا يحرق قلبه، وقال:


                  لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة مادام مني الروح في جثماني
                  فاذا قـلـت فانت اولى بالذي تاتـيـنـه يا خـيرة النسوان
                  نعم انه منعهن من الجزع عليه في حينها كي لا يشمت بهم الاعداء ولكن بعدها ورد ان زينب سلام الله عليها قد ضربت بوجهها المحمل فسال الدم المبارك منها جزعا على الحسين صلوات الله عليه.

                  نعم ان الجزع حرام ولكن على مصاب اهل البيت وعلى الحسين فليس بحرام، مادام لا يتلف النفس او به ايذاء شديد، ثم اي ايذاء ياتي من اللطم او الجزع عليهم بل هو الشفاء بعينه كما شوهد على مر العصور، واما صبره عليه السلام، فقد ورد، انه عجِبت من صبره ملائكة السموات، فتدبر في احواله وتصورها حين كان ملقى على الثرى في الرمضاء جريحا بسهام لا تعد ولا تحصى، مفطور الهامة، مكسور الجبهة، مرضوض الصدر بسنابك الخيول، مثقوب الفؤاد بذي ثلاث شعب، فسهم في نحره وسهم في حنكه وسهم في حلقه واللسان مجروح من اللوك، والكبد محترق، والشفاه يابسة من الظمأ، والقلب الطاهر محروق من ملاحظة الشهداء في اطرافه، ومكسور من ملاحظة العيال والنساء في الطرف الاخر، والكف مقطوعة من ضربة زرعة بن شريك، والرمح في الخاصرة، وهو مخضب اللحية والرأس، يسمع صوت الاستغاثات من عياله، والشماتات، بل الشتم والاستخفاف من اعدائه ويرى بعينه اذا فتحها القتلى الموضوع بعضهم على بعض، ومع ذلك كله لم يتأوه في ذلك الوقت، ولم تقطر من عينه قطرة دمع، وانما قال سلام الله عليه " صبرا على قضائك يا رب لا معبود سواك، يا غياث المستغيثين ….. الخ " وفي الزيارة: " ولقد عجبت من صبرك ملائكة السموات ".

                  وروي عن امامنا المظلوم السجاد عليه السلام انه قال: كلما كان يشتد الامر كان يشرق لونه، وتطمئن جوارحه، فقال بعضهم: انظروا كيف لا يبالي بالموت، نعم قد بكى في كربلاء في مواضع ستة، ستأتي قريبا.

                  والوجه في بكائه احد امور:

                  الاول: ان اصل البكاء على مصائب اهل البيت من الطاعات.

                  والثاني: ان بكائه (ع) على ما كان يراه من اضمحلال الدين وخموده.

                  والثالث: وهو الاقوى ان الطبائع البشرية موجودة فيهم فيعرضهم الجوع والعطش عند اسبابه، وتحترق قلوبهم لما يرد عليهم كما قال النبي (ص) عند موت ولده: " يحترق القلب وتدمع العين ولا نقول ما يغضب الرب " فكذلك كان هو عليه السلام فليت شعري أفكان يمكنه حبس الدموع وهو فريد وحيد بعد كثرة الاصحاب والاخوان والاولاد ومضطهد مصاب، وقد ضاقت عليه الارض برحبها، ومحصور بين اهل الدنيا وعبيدها في خيام هو وعياله في الرمضاء وعناء السفر، عطاشى جميعهم وليس فيهم الا اطفال ونساء وعليل يغمى عليه بين الفينة والاخرى مظلوم امام معصوم، ورأى اهله صرعى وعياله بهذه الحالة من المصائب، وقد صرعهم العطش بين ميت ومحتضر.

                  ويريد ان يتركهم ويرحل عنهم، ويقول لهم: تهيأوا للاسر، ويامرهم بالصبر، ويجدّ في اسكاتهم عن البكاء والصراخ في حين الواقعة لئلا يشمت بهم الاعداء.

                  والمواضع الستة التي بكى بها الامام الحسين الشهيد عليه السلام:

                  الاول: حين اراد ان يخرج فجاءت ابنته الصغيرة صائحة حاسرة مع شدة حبه لها وتعلقت بثوبه قائلة: مهلا مهلا توقف حتى اتزود من النظر اليك، فهذا وداع لا تلاق بعده، آه يا حسين ثم قبلت يديه ورجليه، فجلس واجلسها في حجره، وبكى بكاءً شديدا ومسح دموعه بكُمّه وجعل يقول (ع):


                  سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي منك البكاء اذا الحمام دهاني
                  فهل يتصور قلب لا يغلب عليه في مثل هذه الحالة، فهذا احد مواضع بكائه

                  الثاني: حين وقف على جسد اخيه العباس (ع) فرآه صريعا مع قربة مخرقة، وكل من يديه المباركتين مطروحة في طرف، فحينئذ بكى بكاء شديدا، وقال عليه السلام: الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي.

                  الثالث: لما أراد القاسم (ع) ان يبرز الى الحرب اعتنقه، وبكى حتى غشي عليه سلام الله عليه.

                  الرابع: لما وقف على جسده ورآه رضيضا بحوافر الخيل.

                  الخامس: حين برز ولـده علياً الاكبر (ع)، ارخى عينيه، واخذ شيبته بيده، ورفع رأسه المبارك ودعى ربه تعالى.

                  السادس: حين كان يسلّي اخته زينب الكبرى (ع) عن البكاء والجزع غلب عليه البكاء وقطرت من عينه قطرات ثم حبس نفسه عن البكاء فاذا تأملت هذه الحالات وجدت انه يستحيل لصاحب القلب السليم الرؤوف الرحيم ان لا يبكي عندها، ووجدت ان من الخصوصيات الصادرة منه في هذه الحال حكمة خاصة، فحالته عند وداع ابنته الصغيرة.

                  وحالة الاخ المواسي التي قطعت يداه لقربة ماء، تقتضي البكاء حتى يغشى عليه، وهكذا باقي الكيفيات الخاصة.

                  طبعا هنا ما احصره المؤلف من بكاء الامام في ستة مواضع ليس بالضرورة انها هي تلك فقط المواضع الستة بل قد يعني بها ابرز مواطن بكائه، والا فان البلاء والمصاب الذي ألمّ بالامام في كربلاء كان شديدا على قلب امامنا بل على جميع اهل بيته ومن معه بل على اولياء الله تعالى من الاولين والاخرين حيث دون تلك المواضع الستة التي ذكرها المؤلف، هناك مصاب الرضيع القتيل على صدر ابيه الحسين (ع) ومصاب الرضيع الاخر.

                  ومصاب اصحابه اللذين لم يُعلم على مر التاريخ اصحابا كاصحابه يستانسون بالموت استيناس الطفل لثدي امه، وايضا مصاب الطفلة المظلومة حميدة حين مسح على رأسها، وايضا مصاب بناته وحال نسائه وما هنّ مستقبلات له من السبي والضرب على متونهن والاذلال بحيث سيروهن بخيالة قليلة و هزال، وحرق الخيام، وحاله مع اهل بيته واطفال حين توديعهم.

                  وايضا مصاب ابنه العليل المهموم لأبيه (ع)، وايضا مصاب الامة والتي منها اعدائه الذين فاق عددهم على الثلاثون ألفا والسبعون ألفا بل لم يُعلم عددهم لكثرته في كتب الحديث، مصابه بهم كيف عميت بصائر كل تلك الجموع من البشر وما هو إلا رحمة منه على أمة جده صلى الله عليه وآله وسلم، وما هو إلا لطيب نفسه وطهارته وانه من اهل بيت طهّروا تطهيرا.

                  خاتمة: اعلم ان العنوان السابق خصائص صفاته في طول حياته، وهذا العنوان خصائص صفاته يوم عاشوراء، وهذه الخاتمة لخصائص خصائص من صفاته البارزة يوم عاشوراء وحاصلها صفتان عجيبتان:

                  الصفة الاولى: انه جُمعت في صفاته الاضداد، ولهذا عزّت له الانداد، ولنعد الصفات بذكر كل صفة خاصة وضدها مجتمعتين.

                  فنقول:

                  كان (ع) اذا زاد اضطراب اطمأن قلبه، وهدأت جوارحه، فهو المضطرب الوقور وكان (ع) قد بكى في مواضع كثيرة قد ذكرناها، ولكن ازداد بذلك صبره الذي عجبت منه الملائكة فهو الباكي الصبور وقد كان (ع) مكثورا احاط به الاعداء من جميع الجهات ولكن لم يضعف قلبه من ذلك فهو رابط الجاش مكثور وقد كان (ع) موتورا قُتل اصحابه واهله وولده واخوانه وهو ومع ذلك ثائر بدمه فكأنه اخذ الثأر من قتلته فهو الثائر الموتور وقد كان فردا وحيدا بلا انصار

                  لكن:


                  كأنه وهو فرد في جلالته في عسكر حين تلقاه وفي حشم
                  وانه لما كان يشد عليهم، ينكشفون انكشاف المعزى اذا شد عليها الذئب، فهو الفريد ذو العسكر والوحيد ذو الحشم وقد كان (ع) محتضرا غريبا، وحوله اهله وعياله، فهو الغريب عند الاهل، وقد كان (ع) يستغيث لاتمام الحجة عليهم ويغيث كل من ناداه بـ" أدركني يا أبا عبدالله، فهو المغيـث المستغيث وكان (ع) قد فدته نفوس الشهداء ولا زالت تفديه قتلا بين يديه والاحياء جميعا الى يوم الجزاء، مع انه قد فدى نفسه الشريفة لم ولهدايتهم ونجاتهم، ولذا انشد بعض الحكماء عن لسان حاله عند مخاطبته لاصحابه:

                  فديتموني انما انا جئتكم افديكم من لظى، فهو الفادي المفدى

                  وكان (ع) حين وقوعه صريعا مطروحا يسعى تخليص اهله، ومن يجيء اليه فهو المطروح الساعي وكان (ع) قد بلغت شدة عطشه الى اللوك للسانه، يعي كثرة ادارة لسانه في فمه، حتى تجرح لسانه من شدة عطشه واعيائه ويبس لسانه، وكان يسعى في سقي العطاشى حتى انه اراد سقي ذي الجناح قبل ان يشرب، وما نراه شرب سلام الله تعالى عليه، حيث سمع بهتك الخيام فألقى بالماء، فهو العطشان الساقي وكان (ع) عاريا بالعراء، لكن:


                  تحمي اشعته العيون فكلما حاولن نهجا خلنه مسدودا
                  فهو (ع) العاري المستور بنور الشمس، ونور ذاتي يخرج من بدنه المبارك يشهده العدو والقريب وكان (ع) مضمخا بالدماء والتراب، ولكن لم ير الناظر اليه قتيلا مضمخا بدمه انور منه (ع)، حتى قال عدوه لقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله فهو المضمخ بالتراب ذو النور الازهر وكان (ع) لم يبق له مأوى ولا مأمن، وقد وصف به نفسه ايضا، وكان يأوي اليه كل خائف كما آوى اليه عبدالله بن الحسن عليه السلام وغيره من اهل بيته، فهو المأوى بلا مأوى وهو الملجأ بلا ملجأ وكان (ع) مسليا عن البكاء، وهو سبب البكاء، كما في رواية الغفاريين عبد الله وعبدالرحمن حين استأذنا، وبرزا اذ كانا يبكيان فقال ما يبكيكما؟ وانا ارجو ان تكونا بعد ساعة قريري العين؟ فقالا: ما على انفسنا نبكي، ولكن نبكي عليك يا سيدنا نراك قد احيط بك ولا نقدر ان نمنع عنك.

                  وكان (ع) مسكتا عن البكاء وهو يبكي وذلك حين اخذت زينب الكبرى بالبكاء، لما سمعت ما سمعت ليلة عاشوراء من نعي الامام عليه السلام لنفسه، فجاءت صارخة حاسرة وقالت: يا اخي هذا كلام من ايقن بالقتل، قال: نعم يا اختاه، لا يذهب حلمك، واصبري، ثم غلب عليه البكاء.

                  العجيبة الثانية: من خصائص خصائصه جمعه بين التكليفين المتنافيين ظاهرا.

                  تعليق


                  • #10

                    العنوان الرابع
                    في خصائصه من حيث الالطاف الالهية به
                    والاحترامات الربانية له




                    وهي على اقسام:






                    القسم الاول
                    خصوصيته عليه السلام في التعبير عن اللطف الالهي بالنسبة اليه
                    من وجوه:




                    الاول: خصوصيات ما في الروايات المعتبرة المروية في كامل الزيارة عن ابي عبدالله عليها لسلام قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في منزل فاطمةالزهراء عليها السلام والحسين عليه السلام في حجره اذ بكى وخرّ ساجدا ثم قال (ص) " يا فاطمة ان العلي الاعلى تراءى لي في بيتك هذا، ساعتي هذه، في احسن صورة واهيء هيأة، وقال لي: يا محمد اتحب الحسين؟ قلت: نعم قرة عيني، وريحانتي وثمرة فؤادي، وجلدة ما بين عيني، فقال لي: يا محمد ووضع يده على رأس الحسين (ع) بورك من مولود عليه بركاتي وصلواتي، ولعنتي وسخطي وعذابي وخزيي ونكالي على من قتله وناصبه وناوءه ونازعه ".

                    أما انه سيد الشهداء من الاولين والاخرين في الدنيا والاخرة وسيد شباب اهل الجنة من الخلق اجمعين، وابوه افضل منه، فأقرأه مني السلام، وبشّره بأنه راية الهدى، ومنار اوليائي، وحفيظي وشهيدي على خلقي وخازن علمي وحجتي على اهل السموات واهل الارضين والثقلين والجن والانس.

                    والمراد من الترائي: غاية الظهور العلمي، وبحسن الصورة: ظهور صفات الكمال. ووضع اليد: كناية عن افاضة الرحمة الخاصة على الامام الحسين صلوات الله تعالى عليه.

                    ففي هذه الرواية ست عشرة خصوصية للحسين (ع) معبرة عن اللطف الالهي، واخصها وافخرها قوله: وضع الله تعالى يده على رأس الحسين (ع) فانه كناية عن نهاية اللطف بالنسبة اليه بحيث لا يتصور فوقه لطف.

                    وقد عبّر الله تعالى عن نهاية افاضة اللطف الكامل على النبي (ص) بأنه وضع الله تعالى يده على ظهره ليلة المعراج، فوضع اليد تعبير عن غاية الافاضة.

                    لكن في التفرقة بين كونه على الرأس او على الظهر حكمة خاصة، لا ترتبط بالافضلية، وفي الحقيقة الوضع على ظهر النبي (ص) هو الوضع على رأس الحسين (ع).

                    الثاني والثالث: ان الله تعالى قد تولى قبض روحه عند موته وصلى عليه فهذه التعبيرات كلها، كنايات عن الالطاف لا يُتصور ازيد منها، وحاصل معناها انه قد اعطى الله تعالى الحسين من الالطاف كل ما يمكن ان يُعطى.

                    ونحن بتوسلنـا به (ع) نرجو ان يكون من الطاف الله تعالى عليه صلاح امورنا في الدنيا والاخرة






                    القسم الثانـي




                    وهو اعطاؤه ما يناسب صفاته ولا اقول شبه او مثل صفاته، بل اوقول اعطاه انموذجا من صفاته، وخصّها به

                    وهي من وجوه:

                    الاول: ان من صفات الله تعالى (وإن من شيء إلا يسبح بحمده) ولها خمسة معان، وقد اعطى الحسين (ع) ما يناسب ذلك، فإن من شيء إلا وقد بكى لمصيبته، ولكن لا نفقه بكاءهم، كل شيء بحسب حاله، ولا ينحصر في تقاطر الدمع من العين.

                    فبكاء السماء: تقاطر الدم، وبكاء الارض: ان كل حجر يرفع يُرى تحته دما، وبكاء السمك: خروجه من الماء، وبكاء الهواء: اظلامه، وبكاء الشمس: كسوفها، وبكاء القمر: خسوفه، كما ورد كل ذلك في الروايات.

                    الثاني: ان الاقرار بوجود الصانع الحكيم فطري) فطرة الله التي فطر الناس عليها) فأهل كل دين حتى عبدة الاصنام يقرّون به والملاحدة والزنادقة عند انكارهم باللسان يثبتونه

                    وفي الحسين (ع) بالنسبة الى احتراق القلب على مصيبته كذلك حتى من لم يعرفه يبكي عليه ويقيم عزاءه كبعض الهنود المخالفين للاسلام، بل من عاداه حين اظهار عداوته كان يبكي عليه فكان ابن سعد يبكي عليه حين امر بقتله وكلّمته زينب سلام الله تعالى عليها.

                    والسالب لفاطمة عليها السلام كان يبكي، ويزيد قد رقّ لهم حين اُدخلت السبايا والرؤوس الى مجلسه كما عن فاطمة بنت الحسين عليهما السلام، وسائر قتلته كانوا يبكون في بعض الحالات ويزيد كان يبكي في بعض الليالي.

                    نعم لم اعثر على رقة وبكاء على حالة من الحالات بالنسبة الى اللعين ابن زياد، لكن عثرت على تغير حالة له في وقت واحد.

                    وذلك حين امر بقتل السجاد صلوات الله تعالى عليه، فاعتنقته عمته زينب عليها السلام وقالت: ان قتلته فاقتلني معه، فنظر الى ذلك وقال: عجبا للرحم، والله اني لأظنها ودت اني قتلتها معه، دعوه فاني اراه لما به.

                    الثالث: ان صفات الله تعالى لا يجري افعل التفضيل فيها حقيقة، وان جرى ظاهرا كما يشهد به جميع فقرات دعاء البهاء تقول: (اللهم اني اسألك من بهائك بابهاه، وكل بهائك بهي) وكذلك الاسماء فيقال الاسم الاعظم وفي الحقيقة ان كل اسمائه اعاظم على نهج سواء.

                    وفي الحسين (ع) ايضا، ما يناسب ذلك، فقد يقال نريد ان نذكر اعظم مصائبه، وكل مصائبه عظيمة، فإذا تأملت اصغر مصائبه، وجدته اكبرها، واذا نظرت الى اسهل مصائبه وجدته اصعبها.

                    الرابع: انه تعالى جعل وسائل القرب اليه، والرضا عن العباد والغفران لهم كثيرة، وجعل لهم طرقا في كل فعل وصفة ونية، وجعل في ايصاله الفسض الى العباد عموما، وله تسبيبات لا يُدرك ضبطها.

                    وقد اعطى الحسين (ع) ما يناسب ذلك، فجعل له تسبيبات كثيرة، وعمم فيها وجعل لها اعواضا كعباداته، حيث لم يحرم منها احدا، وحعل لكل عمل عوضا، وبدلا حتى انه جعل لنية العمل في بعض الاوقات ثواب العمل.

                    وكذلك الحال بالنسبة الى الحسين (ع) فجعل لزيارت فضلا، وجعل بدلها التجهيز اليها، وجعل بدلها الزيارة من بُعد، وكذلك لما جعل لبكائه فضلا وافرأً اراد ان لا يحرم احد من هذا الخير فجعل مصائبه مختلفة وما يُبكى عليه انواعا واقساما باختلاف القلوب واختلاف اسباب رقتها.

                    فان كل قلب لا يرق على كل مصيبة، فقلب لا يرق على الغريب، ولكن يرق على العطشان الغريب، وقلب لا يرق على الجرح، ولكن يرق على جرح الجرح، وقلب لا يرق على جرح الجرح، ولكن يرق على الرض بعد جرح الجرح، وهذا لا ينتهي الكلام فيه، فلاحظ كل مصيبة، ولاحظ اعلاها ثم لاحظ اشد انواع ذلك الاعلى، ثم اشد ذلك الاشد، تجده مجتمعا في الامام المظلـوم، وجعل اسباب الحصول كثيرة، ولها فصل مستقل والله تعالى المستعان.

                    الخامس: ان صفاته لا شريك له فيها، فكل ما ينسب اليه، ويتعلق به من جميع ما يلاحظ خاصة به، فهو ممتاز فيها لا شريك له في خصوصياتها.

                    السادس: من الصفات المنسوبة اليه ان محبته لا تشبه محبة المحبين.

                    وكذلك محبة الحسين (ع) حتى انها لا تشبه محبة من هو مساوٍ معه، او افضل منه، فهي كما قال النبي (ص) " محبته مكنونة في بواطـن المؤمنين.

                    وقد سئل النبي (ص) عن هذا، ايضا، حين ظهرت منه (ص) كيفية خاصة في الملاطفة مع الحسين (ع) على ما روى المقداد رضى الله تعالى عليه.

                    حيث قال: خرج رسول الله (ص) يوما في طلب الحسن والحسين (ع) فوجدهما نائمين في حديقة على الارض، فبدأ برأس الحسين يعطفه، وجعل يرخي لسانه في فمه مرارا حتى ايقظه، فقال المقداد: كأن الحسين اكبر؟ فأجابه (ص) بما ذكر.

                    فقد ظهرت خصوصية للحسين (ع)، وانكتامها في باطنه زيادة على اخيه، مع انه في الشرف والمرتبة افضل او مساو له، لانه بدأ برأسه فرفعه، وايقظه بارخاء لسانه في فمه مرارا.

                    وهذا هو حال انكتام محبته في قلوب المؤمنين الخالصين في الايمان، ففي قلوبهم علامات، وخصوصيات، وان كان اللازم ان تكون محبة جده وابيه اكثر منه، لانهما افضل منه.

                    لكن لمحبته خصوصيات لا دخل لها بالكثرة.

                    من تلك الخصوصيات: ان افئدتهم تهوي الى زيارته وترق وتحن اليها اذا سمعوا بها، او بزواره حين الذهاب، اوالقدوم، ازيد مما تهوي الى الحج وغيره من الزيارات.

                    ومنها: ان من توجه الى زيارة الائمة انما يسميه فقط، اي ان الزائر الايراني مثلا الذي يروم زيارة العتبات المقدسة في العراق اذا سئل عن مقصده يجيب باني اروم زيارة الامام الحسين عليه السلام مع انه قاصد لزيارة باقي الائمة عليهم السلام ايضا.

                    ومنها: ان لإسمه الشريف تاثيرا في قلوبهم كما ناداه ابوه: يا عبرة كل مؤمن، وكما قال هو (ع) " انا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن الا بكى.

                    ومنها: ان دخول شهره يعني المحرم يملأ القلوب هماً وكمدا وحزنا عميقا في النفوس.

                    ومنها ان الرقة عليه لا يمل منها بكثرة التكرار على التكرار، فاذا سمعوا عزائه كل يوم ألف وألف مرة فبمجرد سماعهم انه قتل عطشان مقروحا وقد حُزّ رأسه، او واقفا على الارض مستغيثا، او سمعوا حكاية استغاثته، ارتفعت اصواتهم.






                    القسم الثـالث
                    من الالطاف الخاصة به ما اعطاه تبارك وتعالى من كلامه المجيد وتكليماته




                    اما كلامه المجيد وهوالقران فلما اعطاه منه عنوان مستقل نذكره ان شاء الله تعالى.

                    واما تكليمه تعالى فقد ذكر مصيبته في تكليم ادم (ع) ومن بعده وفي تكليم الكليم (ع) مكررا، وغيره من الانبياء (ع)، الى الخاتم كما ذكرنا تفصيله في عنوان مجالس الرثاء.

                    وسنذكره بعد ذلك ان شاء الله تعالى

                    واما التكليم الخاص معه فهو كثير، منه ما قبل شهادته على ما رواه انس بن مالك حيث انه ساير الحسين (ع) فأتى قبر خديجة الكبرى عليها السلام فبكى ثم قال (ع) اذهب عني، قال انس: فاستخفيت عنه، فلما طال وقوفه في الصلاة سمعته يقول:


                    يا رب يا رب انت مولاه فارحم عبيدا اليك ملجاه
                    يا ذا المعال عليك معتمدي طوبى لمن كنت انت مولاه
                    طوبى لمن كان نادما ارقا يشكو الى ذي الجلالة بلواه
                    وما به علة ولا سقم اكثر من حبه لمولاه
                    اذا اشتكى بثه وغصته اجابه الله ثم لبّاه
                    اذا ابتلى بالظلام مبتهلا اكرمه الله ثم ادناه
                    فنودي عليه السلام:
                    لبيك عبدي وانت في كنفي، وكل ما قلت قد علمناه
                    صوتك تشتاقه ملائكتي فحسبك الصوت قد سمعناه
                    دُعاك عندي يجول في حجب فحسبك الستر قد سفرناه
                    اي: إنا كشفنا الستر عنك

                    لو هبّت الريح من جوانبه خرّ صريعا لما تغشاه
                    سلني بلا رغبة ولا رهب ولا تخف انني انا الله
                    ملاحظة: قوله: لو هبت الريح من جوانبه، الضمير اما راجع الى الدعاء فيكون كناية عن انه يجول في مقام لو كان مكانه رجل لغشي عليه مما يغشاه من انوار الجلال، ويحتمل ارجاعه اليه (ع) على سبيل الالتفات لبيان غاية خضوعه وولهه في العبادة بحيث لو تحركت الريح لاسقطته.

                    ومنها نداءات خاصة له يوم شهادته، اشرفها نداؤه بقوله: " يا أيتها النفس المطمئنة "






                    القسم الرابـع
                    فيما اعطاه تبارك وتعالى من افضل مخلوقاته محمدا المصطفى صلى الله عليه واله وسلم

                    تعليق

                    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                    حفظ-تلقائي
                    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                    x
                    يعمل...
                    X