بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
التّقرّب إلى الله بالعقل
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {والسابقون السابقون* أولئك المقرّبون} [الواقعة:10-11].
إنّ أقصى ما يمكن أن يطمح إليه الإنسان المؤمن في هذه الدنيا، هو أن يكون القريب من الله، لا قرب المكان، لأنّ الله لا يحويه مكان ولا زمان، ولكن قرب العمل والعبودية والمحبة له سبحانه وتعالى.
وقد وردت الأحاديث عن رسول الله(ص) وعن الأئمة من أهل البيت(ع) عمّا يقرّب الإنسان إلى ربه، ففي وصية النبي(ص) لعليّ(ع) قال له: "يا عليّ، إذا تقرّب العباد إلى خالقهم بالبر، فتقرّب إليه بالعقل تسبقهم"، فكأن الرسول(ص) يريد أن يقول له: إن الناس يتقرّبون إلى الله بأعمال الخير فيما يحتاجه الناس في كل أمورهم، ولكن الأساس الذي يتقرب به العبد إلى الله هو العقل، لأن العقل هو الذي يعرف به الله، فالله يُدرك بالعقل لا بالحسّ، والعقل هو الذي يثقّف الإنسان ويمنحه القدرة على تمييز الحق من الباطل، والخير من الشر، والعدل من الظلم، وهو الذي يوجّه الإنسان إلى طاعة الله التي تنجيه من عذاب يوم القيامة، ويبعده عن معصية الله التي تقوده إلى غضبه وسخطه، وقد تُدخله نار جهنم.
ففي هذا الحديث، يؤكد النبي(ص) أن على الناس أن يتقرّبوا إلى الله بأن يستخدموا عقولهم في إدراك الحقيقة، وأن يحركوها في معرفة الصلاح والفساد، لأنّ العقل يوجههم إلى كل خير، ويبعدهم عن كل ما هو شر.
مفردات التقرّب إلى الله
وفي الحديث عن الإمام عليّ(ع): "أقرب الناس من الله سبحانه أحسنهم إيماناً". فالإمام(ع) يقول للناس كافة: إذا أردتم أن تكونوا الأقرب من الله، فإن عليكم أن تقوّوا إيمانكم به وتنمّوه، لأن الإنسان كلما عرف الله أكثر في مواقع عظمته ونعمته، ارتفع بإيمانه من خلال ما يملكه من المعرفة ومن وضوح الحقيقة الإلهية عنده، وأنّ الله تعالى هو الذي لا إله إلا هو لا شريك له ولا عديل، ولا خُلف لقوله ولا تبديل.
وفي حديثٍ آخر عن الإمام عليّ(ع): "أقرب الناس إلى الله تعالى، أقولهم للحق وإن كان عليه ـ إن كنت تريد أن تكون الأقرب إلى ساحة رضى الله وقدسه، فقل الحق وإن كان على نفسك ـ وأعملهم بالحق وإن كان فيه كرهه"، فالناس الذين يعملون بالحق فيما كلّفهم الله به، حتى لو كان هذا الحق غير منسجم مع مزاجهم، هم الأقرب إلى الله.
وعن الإمام الصادق(ع)، يقول فيما أوحى الله إلى داود: "يا داود، كما أن أقرب الناس من الله المتواضعون كذلك أبعد الناس من الله المتكبّرون"، كأن الله يريد أن يقول لنبيّه داود(ع): إذا أردت أن تكون الأقرب إلى الله، فتواضع للناس في كل علاقتك بهم، وفي كل أمورك التي تتحرك فيها معهم في أوضاعك العامة والخاصة، أما إذا كنت متكبّراً كتكبّر إبليس، فإنك سوف تُبعَد عن ساحات رضى الله كما أبعد إبليس عن الجنة وعن كل مواقع رضاه.
وعن الإمام الصادق(ع)، فيما ناجى الله تبارك وتعالى به موسى(ع): "يا موسى، ما تقرّب إليّ المتقرّبون بمثل الورع عن محارمي ـ إن أقرب ما يتقرّب به الناس إلى الله، أن يتركوا ما حرّمه عليهم ـ فإني أمنحهم جنان عدني لا أُشرك معهم أحداً"، فالذين يتركون ما حرّم الله عليهم، يمنحهم سبحانه جنّته لتكون لهم، {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} [المطففين:26].
وجاء في وصية لقمان لابنه، وقد كان يوصيه بما يقرّبه من الله ويرفع من شأنه عند الناس، قال: "يا بني، أُحثّك على ست خصال ليس منها خصلة إلا وتقرّبك إلى رضوان الله عزّ وجلّ وتباعدك عن سخطه؛ الأولى: أن تعبد الله لا تشرك به شيئاً ـ لأن الشرك ظلمٌ عظيم، لا ظلم الغلبة، لأن الله لا يُغلب، ولكن ظلم الحق، لأن من حق الله على عباده أن يوحّدوه ولا يشركوا به شيئاً ـ والثانية: الرضا بقدر الله فيما أحببت أو كرهت ـ فإذا قدّر الله تعالى لك شيئاً، فعليك أن ترضى بقدر الله وقضائه، سواء أحببته أو كرهته ـوالثالثة: أن تحبّ في الله وتبغض في الله ـ لا أن تحب الناس لهوى في نفسك، بل تحبهم لأنهم يؤمنون بالله ويطيعونه ويسيرون في خط الاستقامة، وعندما تبغض، لا تبغضهم من خلال القضايا المادية، بل لأنهم يبتعدون عن مواقع رضا الله ـ والرابعة: أن تحب للناس ما تحبّ لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك ـ أن تنظر إلى الناس في كل أمورهم كما تحب أن ينظروا إليك من التعامل بالخير والإنصاف ـ والخامسة: تكظم الغيظ وتحسن إلى من أساء إليك ـ أن تكظم غيظك عندما يسيء الآخرون إليك ـ والسادسة: ترك الهوى ومخالفة الردى"، مخالفة ما يرديك ويسقطك.
وعن الإمام الكاظم(ع) قال: "مكتوب في الإنجيل: طوبى للمصلحين بين الناس، أولئك هم المقرّبون يوم القيامة".
لذلك، لا بد للإنسان من أن يعمل لما يقرّبه من الله تعالى ليحصل على رضاه، ولا شيء إلا رضاه، ليدخله جنّته ويحصل على رضوانه.
تعليق