حقوق الوالدين
كيف يستطيع هذا القلم أن يصور جلالة الأبوين، وفضلهما على الأولاد، فهما سبب وجودهم، وعماد حياتهم، وقوام فضلهم، ونجاحهم في الحياة. وقد جهد الوالدان ما استطاعا في رعاية أبنائهما مادياً ومعنوياً، وتحملا في سبيلهم أشد المتاعب والمشاق. فاضطلعت الأم بأعباء الحمل، وعناء الوضع، ومشقة الارضاع، وجهد التربية والمداراة.
واضطلع الأب بأعباء الجهاد، والسعي في توفير وسائل العيش لأبنائه، وتثقيفهم وتأديبهم، وإعدادهم للحياة السعيدة الهانئة. تحمل الأبوان تلك الجهود الضخمة، فرحين مغتبطين، لا يريدان من أولادهما ثناءاً ولا أجراً.
وناهيك في رأفة الوالدين وحنانهما الجم، أنهما يؤثران تفوق أولادهم عليهم في مجالات الفضل والكمال، ليكونوا مثاراً للاعجاب ومدعاة للفخر والاعتزاز، خلافاً لما طبع عليه الانسان من حب الظهور والتفوق على غيره.
من أجل ذلك كان فضل الوالدين على الولد عظيماً وحقهما جسيماً، سما على كل فضل وحق بعد فضل اللّه عز وجل وحقه.
برّ الوالدين: وهذا ما يحتم على الأبناء النبلاء أن يقدروا فضل آبائهم وعظيم إحسانهم، فيجازونهم بما يستحقونه من حسن الوفاء، وجميل التوقير والاجلال، ولطف البر والاحسان، وسمو الرعاية والتكريم، أدبياً ومادياً.
أنظر كيف يعظم القرآن الكريم شأن الأبوين، ويحض على إجلالها ومصاحبتهما بالبر والمعروف، حيث قال: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾(لقمان:14-15).
وقال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * َاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾(الاسراء:23-24).
فقد أعربت هاتان الآيتان عن فضل الوالدين ومقامهما الرفيع، وضرورة مكافأتهما بالشكر الجزيل، والبر والاحسان اللائقين بهما، فأمرت الآية الأولى بشكرهما بعد شكر اللّه تعالى، وقرنت الثانية الاحسان اليهما بعبادته عز وجل، وهذا غاية التعزيز والتكريم.
وعلى هدي القرآن وضوئه تواترت أحاديث أهل البيت عليهم السلام: قال الباقر عليه السلام: "ثلاث لم يجعل اللّه تعالى فيهن رخصة: أداء الامانة الى البر والفاجر، والوفاء بالعهد للبر والفاجر، وبرّ الوالدين بريّن كانا أو فاجرين"1.
وقال الصادق عليه السلام: "ان رجلاً أتى النبي صلى اللّه عليه وآله، فقال: يا رسول اللّه أوصني. فقال: لا تشرك باللّه شيئاً، وان حرقت بالنار وعذبت إلا وقلبك مطمئن بالايمان. ووالديك، فأطعهما وبرّهما حيين كانا أو ميتين، وان أمراك ان تخرج من أهلك ومالك فافعل، فان ذلك من الايمان"2.
وعن أبي الحسن عليه السلام قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: "كن باراً، واقتصر على الجنة، وان كنت عاقاً فاقتصر على النار"3. وعنه عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: "نظر الولد الى والديه حباً لهما عبادة"4.
وقال الصادق عليه السلام: "من أحب أن يخفف اللّه عز وجل عنه سكرات الموت، فليكن لقرابته وصولاً، وبوالديه باراً. فاذا كان كذلك هوّن اللّه عليه سكرات الموت، ولم يصبه في حياته فقر أبداً"5.
وعن أبي عبد اللّه عليه السلام: "ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أتته أخت له من الرضاعة، فلما نظر اليها سرّ بها وبسط ملحفته لها، فأجلسها عليها، ثم أقبل يحدثها ويضحك في وجهها. ثم قامت فذهبت، وجاء أخوها فلم يصنع به ما صنع بها. فقيل له: يا رسول اللّه صنعت بأخته ما لم تصنع به، وهو رجل! فقال: لأنها كانت أبرّ بوالديها منه"6.
وفي الوقت الذي أوصت الشريعة الاسلامية بر الوالدين والاحسان اليهما، فقد آثرت الأم بالقسط الأوفر من الرعاية والبر، نظراً لما انفردت به من جهود جبّارة واتعاب مضنية في سبيل ابنائها، كالحمل والرضاع، ونحوهما من وظائف الامومة وواجباتها المرهقة.
فعن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: جاء رجل الى النبي صلى اللّه عليه وآله فقال: يا رسول اللّه، من أبرّ؟ قال: امك. قال: ثم من؟ قال: امك. قال ثم من؟ قال: امك. قال: ثم من؟ قال: أباك7.
وعن ابراهيم بن مهزم قال: خرجت من عند أبي عبد اللّه عليه السلام ليلة ممسياً، فأتيت منزلي في المدينة، وكانت أمي معي. فوقع بيني وبينها كلام، فأغلظت لها. فلما كان من الغد، صليت الغداة، وأتيت أبا عبد اللّه عليه السلام، فلما دخلت عليه، قال لي مبتدئاً: يا أبا مهزم، مالك ولخالدة؟ أغلظت في كلامها البارحة، أما علمت أن بطنها منزل قد سكنته،
وأنّ حجرها مهد قد غمزته، وثديها وعاء قد شربته؟ قال قلت: بلى. قال: فلا تغلظ لها8.
واستمع الى الامام السجاد عليه السلام، وهو يوصي بالأم، معدداً جهودها وفضلها على الأبناء، بأسلوب عاطفي أخّاذ، فيقول عليه السلام: "وأما حق أمك: أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحداً، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحداً، ووقتك بجميع جوارحها، ولم تبال ان تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك، وتعري وتكسوك، وتضحى وتظلك، وتهجر النوم لأجلك، ووقتك الحرّ والبرد لتكون لها، فإنك لا تطيق شكرها الا بعون اللّه وتوفيقه"9.
وبرّ الوالدين، وان كان له طيبته ووقعه الجميل في نفس الوالدين، بيد انه يزداد طيبة ووقعاً حسناً عند عجزهما وشدة احتياجهما الى الرعاية والبر، كحالات المرض والشيخوخة، والى هذا أشار القرآن الكريم "إمّا يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما، فلا تقل لهما اُفٍّ ولا تنهرهما، وقل لهما قولاً كريما. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيراً".
وقد ورد أن رجلاً جاء الى النبي صلى اللّه عليه وآله، فقال: يا رسول اللّه، ان أبويّ بلغا من الكبر أني ألي منهما ما ولياني في الصغر، فهل قضيتهما حقهما؟ قال: لا، فانهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبّان بقاءك، وأنت تفعل ذلك وتريد موتهما10. وعن ابراهيم بن شعيب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إن أبي قد كبر جداً وضعف، فنحن نحمله اذا اراد الحاجة. فقال: "ان استطعت ان تلي ذلك منه فافعل، ولقّمه بيدك، فانه جنّة لك غداً"11.
وليس البر مقصوراً على حياة الوالدين فحسب، بل هو ضروري في حياتهما وبعد وفاتهما، لانقطاعهما عن الدنيا وشدة احتياجهما الى البر والاحسان. فعن الصادق عليه السلام قال: "ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته وهي تجري بعد موته، وسنة هدى سنّها فهي يعمل بها بعد موته، أو ولد صالح يدعو له"12.
من أجل ذلك فقد حرضت وصايا أهل البيت عليهم السلام على برّ الوالدين بعد وفاتهما، وأكدت عليه وذلك بقضاء ديونهما المالية أو العبادية، وإسداء الخيرات والمبرات اليهما، والاستغفار لهما، والترحم عليهما. واعتبرت إهمال ذلك ضرباً من العقوق.
قال الباقر عليه السلام: "إن العبد ليكون باراً بوالديه في حياتهما، ثم يموتان فلا يقضي عنهما دينهما ولا يستغفر لهما، فيكتبه اللّه عاقاً. وانه ليكون عاقاً لهما في حياتهما غير بار بهما، فاذا ماتا قضى دينهما واستغفر لهما، فيكتبه اللّه تعالى باراً"13. وعن الصادق عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: "سيد الأبرار يوم القيامة، رجل برّ والديه بعد موتهما"14.
عقوق الوالدين
كيف يستطيع هذا القلم أن يصور جلالة الأبوين، وفضلهما على الأولاد، فهما سبب وجودهم، وعماد حياتهم، وقوام فضلهم، ونجاحهم في الحياة. وقد جهد الوالدان ما استطاعا في رعاية أبنائهما مادياً ومعنوياً، وتحملا في سبيلهم أشد المتاعب والمشاق. فاضطلعت الأم بأعباء الحمل، وعناء الوضع، ومشقة الارضاع، وجهد التربية والمداراة.
واضطلع الأب بأعباء الجهاد، والسعي في توفير وسائل العيش لأبنائه، وتثقيفهم وتأديبهم، وإعدادهم للحياة السعيدة الهانئة. تحمل الأبوان تلك الجهود الضخمة، فرحين مغتبطين، لا يريدان من أولادهما ثناءاً ولا أجراً.
وناهيك في رأفة الوالدين وحنانهما الجم، أنهما يؤثران تفوق أولادهم عليهم في مجالات الفضل والكمال، ليكونوا مثاراً للاعجاب ومدعاة للفخر والاعتزاز، خلافاً لما طبع عليه الانسان من حب الظهور والتفوق على غيره.
من أجل ذلك كان فضل الوالدين على الولد عظيماً وحقهما جسيماً، سما على كل فضل وحق بعد فضل اللّه عز وجل وحقه.
برّ الوالدين: وهذا ما يحتم على الأبناء النبلاء أن يقدروا فضل آبائهم وعظيم إحسانهم، فيجازونهم بما يستحقونه من حسن الوفاء، وجميل التوقير والاجلال، ولطف البر والاحسان، وسمو الرعاية والتكريم، أدبياً ومادياً.
أنظر كيف يعظم القرآن الكريم شأن الأبوين، ويحض على إجلالها ومصاحبتهما بالبر والمعروف، حيث قال: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾(لقمان:14-15).
وقال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * َاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾(الاسراء:23-24).
فقد أعربت هاتان الآيتان عن فضل الوالدين ومقامهما الرفيع، وضرورة مكافأتهما بالشكر الجزيل، والبر والاحسان اللائقين بهما، فأمرت الآية الأولى بشكرهما بعد شكر اللّه تعالى، وقرنت الثانية الاحسان اليهما بعبادته عز وجل، وهذا غاية التعزيز والتكريم.
وعلى هدي القرآن وضوئه تواترت أحاديث أهل البيت عليهم السلام: قال الباقر عليه السلام: "ثلاث لم يجعل اللّه تعالى فيهن رخصة: أداء الامانة الى البر والفاجر، والوفاء بالعهد للبر والفاجر، وبرّ الوالدين بريّن كانا أو فاجرين"1.
وقال الصادق عليه السلام: "ان رجلاً أتى النبي صلى اللّه عليه وآله، فقال: يا رسول اللّه أوصني. فقال: لا تشرك باللّه شيئاً، وان حرقت بالنار وعذبت إلا وقلبك مطمئن بالايمان. ووالديك، فأطعهما وبرّهما حيين كانا أو ميتين، وان أمراك ان تخرج من أهلك ومالك فافعل، فان ذلك من الايمان"2.
وعن أبي الحسن عليه السلام قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: "كن باراً، واقتصر على الجنة، وان كنت عاقاً فاقتصر على النار"3. وعنه عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: "نظر الولد الى والديه حباً لهما عبادة"4.
وقال الصادق عليه السلام: "من أحب أن يخفف اللّه عز وجل عنه سكرات الموت، فليكن لقرابته وصولاً، وبوالديه باراً. فاذا كان كذلك هوّن اللّه عليه سكرات الموت، ولم يصبه في حياته فقر أبداً"5.
وعن أبي عبد اللّه عليه السلام: "ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أتته أخت له من الرضاعة، فلما نظر اليها سرّ بها وبسط ملحفته لها، فأجلسها عليها، ثم أقبل يحدثها ويضحك في وجهها. ثم قامت فذهبت، وجاء أخوها فلم يصنع به ما صنع بها. فقيل له: يا رسول اللّه صنعت بأخته ما لم تصنع به، وهو رجل! فقال: لأنها كانت أبرّ بوالديها منه"6.
وفي الوقت الذي أوصت الشريعة الاسلامية بر الوالدين والاحسان اليهما، فقد آثرت الأم بالقسط الأوفر من الرعاية والبر، نظراً لما انفردت به من جهود جبّارة واتعاب مضنية في سبيل ابنائها، كالحمل والرضاع، ونحوهما من وظائف الامومة وواجباتها المرهقة.
فعن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: جاء رجل الى النبي صلى اللّه عليه وآله فقال: يا رسول اللّه، من أبرّ؟ قال: امك. قال: ثم من؟ قال: امك. قال ثم من؟ قال: امك. قال: ثم من؟ قال: أباك7.
وعن ابراهيم بن مهزم قال: خرجت من عند أبي عبد اللّه عليه السلام ليلة ممسياً، فأتيت منزلي في المدينة، وكانت أمي معي. فوقع بيني وبينها كلام، فأغلظت لها. فلما كان من الغد، صليت الغداة، وأتيت أبا عبد اللّه عليه السلام، فلما دخلت عليه، قال لي مبتدئاً: يا أبا مهزم، مالك ولخالدة؟ أغلظت في كلامها البارحة، أما علمت أن بطنها منزل قد سكنته،
وأنّ حجرها مهد قد غمزته، وثديها وعاء قد شربته؟ قال قلت: بلى. قال: فلا تغلظ لها8.
واستمع الى الامام السجاد عليه السلام، وهو يوصي بالأم، معدداً جهودها وفضلها على الأبناء، بأسلوب عاطفي أخّاذ، فيقول عليه السلام: "وأما حق أمك: أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحداً، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحداً، ووقتك بجميع جوارحها، ولم تبال ان تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك، وتعري وتكسوك، وتضحى وتظلك، وتهجر النوم لأجلك، ووقتك الحرّ والبرد لتكون لها، فإنك لا تطيق شكرها الا بعون اللّه وتوفيقه"9.
وبرّ الوالدين، وان كان له طيبته ووقعه الجميل في نفس الوالدين، بيد انه يزداد طيبة ووقعاً حسناً عند عجزهما وشدة احتياجهما الى الرعاية والبر، كحالات المرض والشيخوخة، والى هذا أشار القرآن الكريم "إمّا يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما، فلا تقل لهما اُفٍّ ولا تنهرهما، وقل لهما قولاً كريما. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيراً".
وقد ورد أن رجلاً جاء الى النبي صلى اللّه عليه وآله، فقال: يا رسول اللّه، ان أبويّ بلغا من الكبر أني ألي منهما ما ولياني في الصغر، فهل قضيتهما حقهما؟ قال: لا، فانهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبّان بقاءك، وأنت تفعل ذلك وتريد موتهما10. وعن ابراهيم بن شعيب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إن أبي قد كبر جداً وضعف، فنحن نحمله اذا اراد الحاجة. فقال: "ان استطعت ان تلي ذلك منه فافعل، ولقّمه بيدك، فانه جنّة لك غداً"11.
وليس البر مقصوراً على حياة الوالدين فحسب، بل هو ضروري في حياتهما وبعد وفاتهما، لانقطاعهما عن الدنيا وشدة احتياجهما الى البر والاحسان. فعن الصادق عليه السلام قال: "ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته وهي تجري بعد موته، وسنة هدى سنّها فهي يعمل بها بعد موته، أو ولد صالح يدعو له"12.
من أجل ذلك فقد حرضت وصايا أهل البيت عليهم السلام على برّ الوالدين بعد وفاتهما، وأكدت عليه وذلك بقضاء ديونهما المالية أو العبادية، وإسداء الخيرات والمبرات اليهما، والاستغفار لهما، والترحم عليهما. واعتبرت إهمال ذلك ضرباً من العقوق.
قال الباقر عليه السلام: "إن العبد ليكون باراً بوالديه في حياتهما، ثم يموتان فلا يقضي عنهما دينهما ولا يستغفر لهما، فيكتبه اللّه عاقاً. وانه ليكون عاقاً لهما في حياتهما غير بار بهما، فاذا ماتا قضى دينهما واستغفر لهما، فيكتبه اللّه تعالى باراً"13. وعن الصادق عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: "سيد الأبرار يوم القيامة، رجل برّ والديه بعد موتهما"14.
عقوق الوالدين

تعليق